Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أثرت الملكة إليزابيث في مجرى العلاقات الأميركية البريطانية؟

تجاوزت بذكاء عديداً من مواقف الرؤساء المربكة

الملكة إليزابيث الثانية، إلى اليسار، تلوح من شرفة البيت الأبيض في واشنطن وهي تقف مع الرئيس الأميركي جيرالد فورد والسيدة الأولى بيتي فورد في 1976 (أ ب)

من هاري ترومان إلى جو بايدن شاهدت الملكة إليزابيث الثانية 14 رئيساً أميركياً وهم يأتون إلى البيت الأبيض ويغادرونه على مدى 70 عاماً، لكن على الرغم من ندرة انخراطها في الأمور السياسية فإنها ساعدت في الحفاظ على العلاقات بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة وترسيخ دعائمها بشكل جيد، ودعت في كثير من الأحيان الرؤساء الأميركيين إلى قصر باكنغهام مع بعض زياراتها إلى البيت الأبيض، مما جعلها تترك بصمة واضحة عكستها كلمات تأبين الرئيس الحالي بايدن والرؤساء الخمسة الأحياء، جيمي كارتر وبيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما ودونالد ترمب.

مصدر الألم والسعادة

يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية كانت بالنسبة إلى الملكة إليزابيث سبباً للسعادة والألم في آن واحد، فبقدر ما كانت سيدة أميركية مطلقة هي واليس سيمبسون سبباً في تحريك الأحداث التي وضعتها على العرش في ريعان شبابها، بعد أن تنازل عمها (الملك إدوارد) عن الحكم ليتزوج سيمبسون، بقدر ما كانت ممثلة أميركية أخرى هي ميغان ميركل سبباً في التمزق المؤلم بين حفيدها الأمير هاري وبقية أفراد الأسرة بعد زواجه منها، ومهاجمة المؤسسة الملكية واتهامها بالعنصرية ونقص المساءلة.

كما كانت أميركا أيضاً أرضاً خصبة كشفت عن الخزي الذي لحق بنجلها الثاني الأمير أندرو الذي اتهم بممارسة الجنس مع فتيات دون السن القانونية وعلاقته الوثيقة مع الأميركي جيفري إبستين المحكوم عليه بالاعتداء الجنسي على الأطفال، مما اضطرها إلى الرد بحزم على الفضيحة عبر تجريد ابنها من جميع ألقابه الملكية والعسكرية وخفضته إلى مواطن عادي.

ومع ذلك أدركت الملكة إليزابيث منذ البداية وقبل 70 عاماً القوة التي تتمتع بها الولايات المتحدة دولياً، ولهذا حاولت عبر دورها الرمزي ومكانتها الأدبية والتاريخية أن تعزز الرابطة الوثيقة بين الولايات المتحدة وبريطانيا في وقت كانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس آخذة في الأفول، بينما تربعت الولايات المتحدة على عرش القوة العالمي يليها الاتحاد السوفياتي.

تأثير إيجابي

وإذا كانت فترة حكم إليزابيث الأولى هي فترة من التوسع الاستعماري البريطاني والغزو والسيطرة، فقد تميز عصر إليزابيث الثانية بنهاية الاستعمار وفقدان الإمبراطورية، ومع ذلك حافظت الملكة إليزابيث على جزء من هيبة بريطانيا حول العالم، سواء أكان ذلك من خلال الإبقاء على وجود الكومنولث الحالي، أو من خلال دعم العلاقة الخاصة التي ربطت بريطانيا بالقوة العظمى الأولى في العالم وهي الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من عدم انخراطها بشكل مباشر في السياسة فإن الملكة كان لها تأثير إيجابي للغاية في العلاقات الدولية، وبخاصة مع الولايات المتحدة حيث أقامت علاقة جيدة مع سلسلة من الرؤساء الأميركيين، ولهذا كان من الطبيعي أن تحظى الملكة إليزابيث الثانية باحترام وتقدير بالغين في الولايات المتحدة، بدءاً من الرئيس هاري ترومان وانتهاء بالرئيس الحالي بايدن، باستثناء الرئيس ليندون جونسون الذي كان الرئيس الوحيد الذي لم يلتق الملكة بشكل رسمي لأسباب ما زالت غير معروفة على الرغم من تبادل رسائل التهنئة الدبلوماسية بينهما خلال فترة حكمه.

سيدة دولة

وعكست كلمات تأبين الملكة مدى الاحترام العميق الذي يكنه القادة الأميركيون لها سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين، فقد وصفها الرئيس بايدن بأنها سيدة دولة لا مثيل لها، عمقت بشكل دائم التحالف بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وساعدت في جعل هذه العلاقة خاصة ومميزة، كما أنها شاركت الأميركيين الاحتفال بالذكرى المئوية الثانية للاستقلال، ووقفت متضامنة مع الشعب الأميركي خلال اللحظات الصعبة التي مرت بها الولايات المتحدة عقب تفجيرات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001.

واعتبر الرئيس السابق جيمي كارتر في بيان أن إحساس الملكة بالعزة والكرامة والواجب كان مصدر إلهام، في حين وصف الرئيس بيل كلينتون وزوجته هيلاري فترة حكمها بأنها رائعة حيث قادت بريطانيا خلال تحولات كبيرة برعاية حقيقية من أجل رفاهية الشعب، وأنها كانت مصدر استقرار وقوة في ضوء الشمس أو في وسط العاصفة.

أما الرئيس جورج دبليو بوش فقد أوضح في بيان مشترك مع زوجته لورا أنهما اعتبرا الملكة امرأة تتمتع بسحر وذكاء، وأنها قادت إنجلترا باقتدار خلال اللحظات المظلمة بثقتها في شعبها ورؤيتها لغد أكثر إشراقاً، في حين قال الرئيس السابق باراك أوباما إنه وزوجته ميشيل كانا محظوظين للتعرف إلى الملكة، وأنها أذهلتهما بدفئها عندما رحبت بهما على المسرح العالمي بأذرع مفتوحة وكرم غير عادي، بينما قال الرئيس دونالد ترمب إنه والسيدة الأولى السابقة ميلانيا يعتزان دائماً بملكة عظيمة وجميلة لا يضاهيها أحد.

دبلوماسية مبكرة

غير أن ما يجعل للملكة إليزابيث مكانة عميقة الجذور في الولايات المتحدة هو أن عهدها امتد على مدى 14 رئاسة أميركية، أي ما يقرب من 30 في المئة من التاريخ الأميركي، ولكونها التقت في أول لقاء لها مع رئيس للولايات المتحدة مع هاري ترومان الذي رحب بها مع زوجها الأمير فيليب في واشنطن حينما كانت لا تزال أميرة عام 1951، خلال عيد الهالوين، وهو اللقاء الذي بدأت فيه مد الجسور الدبلوماسية بذكاء ومهارة مع الأميركيين، حين صرحت آنذاك بأن الرجال الأحرار في كل مكان يتطلعون إلى الولايات المتحدة بعاطفة وأمل، ولهذا اعتبر ترومان أنها استحوذت على قلوب الجمهور الأميركي.

لكن زيارتها الأولى لواشنطن كملكة كانت في عام 1957، بناءً على دعوة من الرئيس دوايت أيزنهاور الذي حصل على ميدالية من والد إليزابيث الملك جورج السادس، خلال عمله قائداً لقوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، ومنذ ذلك الحين تبادل أيزنهاور معها رسائل عديدة على مدى سنوات وطورا صداقة قوية، لدرجة أن الملكة أرسلت له وصفتها الخاصة بإعداد الكعك والفطائر الإنجليزية، كما استضافت أيزنهاور بعد ذلك في قلعة بالمورال باسكتلندا.

احتواء المواقف المحرجة

غير أن لقاءات الملكة إليزابيث الرؤساء الأميركيين تخللتها أيضاً مواقف غريبة ومحرجة، لكنها لم تسبب مع ذلك أي توتر أو ضرر لعلاقة راسخة بين حليفين استراتيجيين، ففي يونيو (حزيران) عام 1961 استضافت الملكة جون كينيدي وزوجته جاكلين لتناول العشاء في قصر باكنغهام خلال رحلة الزوجين إلى لندن، لكن بداية الزيارة شهدت منعطفاً مزعجاً إذ ذكرت شبكة "أن بي سي" الأميركية أن الملكة كانت مستاءة من طلب السيدة الأميركية الأولى حضور أخت الملكة وزوجها، اللذين انفصلا مرتين، كما اشتكت جاكلين كينيدي لاحقاً من غياب اثنين من أفراد العائلة المالكة كانت تأمل في الالتقاء بهما، وهما الأميرتان مارغريت ومارينا. ومع ذلك أرسل الرئيس للملكة خطاباً لمناسبة عيد ميلادها بعد عودتهما إلى الولايات المتحدة يخبرها فيها بامتنانه وزوجته على الضيافة الودية التي قدمتها الملكة.

وعندما التقى الرئيس ريتشارد نيكسون الملكة في لندن عام 1969، ثم استضاف نجلها الأمير تشارلز في البيت الأبيض العام التالي، ظن تشارلز أنه كان يحاول تزويجه ابنته تريشيا نيكسون بحسب ما قال لشبكة "سي أن أن" في وقت لاحق، أما الرئيس جيرالد فورد وزوجته بيتي فقد استضافا الملكة على مأدبة عشاء رسمية في البيت الأبيض في يوليو (تموز) 1976، على شرف الذكرى المئوية الثانية لاستقلال الولايات المتحدة، لكن فورد تصرف بشكل جعله يتصدر عناوين الأخبار المؤسفة عندما طلب من الملكة أن تراقصه على أنغام أغنية "السيدة مشردة"، ومع ذلك كتبت بيتي فورد في مذكراتها بعد ذلك أنه كان من السهل التعامل مع الملكة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي عام 1977 استضافت الملكة الرئيس جيمي كارتر وزوجته روزالين على العشاء في قصر باكنغهام، عندما كان الرئيس يحضر قمة "الناتو" في لندن، لكن الصحافة البريطانية ذكرت أن كارتر قبل الملكة الأم على شفتيها، وهو ما أزعجها بشدة لأنه كان الرجل الوحيد، منذ وفاة زوجها الذي اتسم بوقاحة ليقبلها على شفتيها بحسب ما صرحت، لكن صحيفة "واشنطن بوست" ذكرت أن كارتر أكد أنه قبلها على خدها وأن الصحافة البريطانية شوهت الحدث بشدة.

خرق البروتوكول

وشهدت أيضاً لقاءات الملكة مع الرؤساء الأميركيين خرقاً للبروتوكول الملكي، فعندما التقى باراك أوباما وزوجته ميشيل الملكة لأول مرة خلال زيارة عام 2009 اتهمت السيدة الأولى بخرق البروتوكول لأنها وضعت يدها على ظهر الملكة أثناء سيرهما، وهو ما وصفته ميشيل أوباما في كتابها أنها اكتشفت لاحقاً أنها ترتكب خطأً ملحمياً، لكنها قالت أيضاً إن الملكة بدت على ما يرام، لأنها وضعت يدها برفق على جزء صغير من ظهرها.

وفي عام 2018 دعت الملكة الرئيس دونالد ترمب وزوجته ميلانيا لتناول الشاي في قلعة وندسور، لكن الرئيس خالف البروتوكول عبر السير لفترة وجيزة أمام الملكة أثناء استعراض حرس الشرف الخاص بها.

صداقات أقوى

وعلى الرغم من هذه الهفوات البروتوكولية غير المقصودة ظلت الملكة إليزابيث قادرة على بناء صداقات قوية مع غالبية الرؤساء الأميركيين، فقد قابلت الرئيس رونالد ريغان وزوجته نانسي مرات عدة، وكانا يشتركان معاً في حب ركوب الخيل واستمرت صداقتهما جيدة حتى خروجه من البيت الأبيض، ومنحته وسام الفروسية الفخرية، الذي يعد أعلى وسام للأجانب عام 1989 للمساعدة التي قدمتها الولايات المتحدة لبريطانيا في حرب "فوكلاند" ضد الأرجنتين.

واستمرت صداقة الملكة قوية مع نائبه جورج بوش (الأب) الذي أصبح رئيساً للبلاد بعد ريغان، وزارت الملكة البيت الأبيض عام 1991 ليصحبها بوش إلى أول مباراة بيسبول تشاهدها الملكة في مدينة بالتيمور، وبعد 16 عاماً التقت مع نجله جورج دبليو بوش (الابن) عام 2007 في البيت الأبيض، وهي الزيارة التي اعتبرت فيها الشراكة مع الولايات المتحدة يحسب لها دائماً أنها من أجل الدفاع عن الحرية ونشر الرخاء، وحينما التقى الرئيس أوباما الملكة إليزابيث بعد ذلك، أهداها جهاز (آي بود) حديثاً محملاً بالصور ومقاطع الفيديو لرحلتها عام 2007 إلى الولايات المتحدة.

أول خطاب أمام الكونغرس

لكن الملكة إليزابيث كانت حريصة أيضاً على كسب قلوب وعقول السياسيين والشعب الأميركي ككل، ففي 16 مايو (أيار) عام 1991 كانت أول شخصية ملكية بريطانية تدلي بخطاب أمام الكونغرس الأميركي، ورحب بها ما يقرب من 800 شخص بينهم أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب في جلسة مشتركة للكونغرس، لكن على الرغم من الاستقبال الحار والحفاوة البالغة بحضور الملكة في "الكابيتول هيل" فإن هذا الحضور لم يكن خالياً من الجدل، واحتج معارضو الاحتلال البريطاني في إيرلندا الشمالية خارج مبنى "الكابيتول".

ومع ذلك حرصت الملكة عام 2007 على زيارة ولاية فيرجينيا بعد أسبوعين من حادثة إطلاق النار في جامعة فيرجينيا للتكنولوجيا التي راح ضحيتها نحو 20 طالباً، وتعاطفت مع أهالي الضحايا في لحظة محنة شديدة في المجتمع الأميركي، ولهذا أبدى أعضاء الكونغرس حزنهم الشديد على وفاتها. واعتبر السيناتور الديمقراطي بن كاردان أنها امرأة رائعة ظلت وفية للنظام الملكي طوال فترة ولايتها، وكانت قوة استقرار داخل الولايات المتحدة، بما لها من تأثير كبير في الاستقرار السياسي، وأبدى السيناتور جوش هولي تقديره الدور الكبير الذي لعبته في حياتها.

وبصرف النظر عن التقدير الذي حظيت به الملكة إليزابيث في الولايات المتحدة فقد اعترف القادة السياسيون والمعلقون في جميع أنحاء العالم بأن الملكة تعاملت مع دورها الدستوري الصعب والدقيق في كثير من الأحيان برشاقة ومهارة سياسية هائلة.

المزيد من تقارير