Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القمم الثنائية بأوساكا... ترمب يتراجع عن خطواته التصعيدية في قمة العشرين

هدنة تجارية بين الصين وأميركا... ومفاوضات تجارية مع الهند... وأوروبا حائرة... وشينزو آبي الرابح الأكبر  

"كل القادة جاءوا إلي وقالوا عظيم جدا ما حدث في الولايات المتحدة، ويهنئونني ويهنئون الشعب الأميركي"، هكذا لخص الرئيس الأميركي دونالد ترمب مشاركته في قمة العشرين في أوساكا باليابان.

وكان ترمب نجم قمة أوساكا التي تضم قادة الدول العشرين الذين يتحكمون في أغلب اقتصاد العالم. حتى أن حضوره طغى على رئيس وزراء اليابان شنزو آبي، مستضيف القمة، وكان مختلفا تماما عن حضوره في القمتين السابقتين في بيونس أيرس وهامبورغ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

زعامة ترمب والإثارة الإعلامية

وبعد أكثر من عامين في الحكم بالبيت الأبيض، بدا ترمب زعيما أكثر منه مادة للتندر الإعلامي والتعليقات على تصرفاته وتغريداته على تويتر. وإذا كان منصبه، كرئيس للقوة العظمى الأولى وصاحبة أكبر اقتصاد في العالم، يجعل منه تقليديا زعيم قمة العشرين، فإن مشاركته في هذه القمة كانت صقلا لتلك الزعامة على حساب تصرفاته التي يبرزها منتقدوه في أميركا والعالم.

مع ذلك، لم تخل القمة من بعض المواد المتعلقة به والمثيرة إعلاميا كرده على سؤال قبل لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فحين سئل قبل القمة "ما إذا كان سيطلب من الروس ألا يتدخلوا في الانتخابات الأميركية، أجاب: طبعا. وأشار بإصبعه نحو نظيره الروسي فلاديمير بوتين المبتسم من الموقف قائلا: لا تتدخل!".

كذلك صورته مع آبي ورئيس وزراء الهند نارندرا مودي وقبضات أيديهما الثلاثة تلتقي (على طريقة تحية التعاضد الأميركية) كانت من أهم ملامح اليوم الأول لقمة العشرين.

 

 

ترمب يعدل مسار خطواته العدائية

انتهت القمة الثنائية الأهم في أوساكا، والتي طغت حتى على قمة العشرين ككل، بين ترمب ونظيره الصيني شي جين بينغ باتفاق على استئناف المفاوضات التجارية بين واشنطن وبكين، التي انهارت منتصف مايو (أيار) الماضي.

وكما كان متوقعا، اتفق الجانبان على "هدنة"، وليس تفاصيل اتفاق شامل التي تركت للمفاوضين. وحسب الإعلام الصيني فقد تعهد ترمب لشي "بعدم فرض أي رسوم إضافية على الصادرات الصينية لأميركا خلال فترة المفاوضات".

وهو ما أكده ترمب، في مؤتمره الصحافي المطول بعد اللقاء، وما فسر على أنه تأجيل لفرض رسوم تصل إلى 25% على ما قسمته 300 مليار دولار من الصادرات الصينية للولايات المتحدة. لكن ترمب أكد أيضا أن الرسوم الحالية ستظل كما هي (رسوم أميركية على ما قيمته 250 مليار دولار من صادرات الصين لأميركا).

وكان ترمب قال قبل القمة الصينية الأميركية إن موضوع الحظر الأميركي على شركة هواوي الصينية العملاقة للشبكات والهواتف النقالة سيناقش في الاجتماع. وفي مؤتمره الصحافي أعلن ترمب أنه سيسمح للشركات الأميركية ببيع منتجاتها لهواوي، ما يعني بالفعل تخفيفا من حدة العقوبات المفروضة على الشركة خاصة فيما يتعلق بشبكة الجيل الخامس 5G.

لكن الأكيد أن الطرفين، مع إدراكهما لتأثير الحرب التجارية بينهما على الاقتصاد العالمي، قدما تنازلات متقابلة. ويعد هذا نهجا تصالحيا لم تتسم به سياسات الرئيس ترمب من قبل ويعزز توجهه نحو التصرف بشكل "رئاسي" أكثر.

يذكر أن عدم التوصل لاتفاق الشهر الماضي كان بسبب إصرار أميركا على بعض البنود التي تعتبرها الصين تمس سيادتها وحقها في التصرف كدولة في شؤونها الداخلية دون إملاءات. والمرجح أن الطرفين اتفقا على حل وسط تتم مناقشته في المفاوضات بين فريقي البلدين لإعداد الاتفاق التجاري النهائي.

بدائل الصين

إلا أن ذلك لن يوقف سعي الصين، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لمحاولة تقليل اعتماد اقتصادها على الصادرات للولايات المتحدة. وتتعاون حثيثا مع روسيا في هذا الصدد بخطوات تسارعت بعد بدء الحرب التجارية بين واشنطن وبكين وتشديد واشنطن العقوبات على موسكو.

كما طرحت الصين مقترحات لمناطق تجارية حرة في آسيا والمحيط الهادي، إلا أن الدول الرئيسية في المنطقة تتخوف من "إغراق" المنتجات الصينية لأسواقها على حساب صناعاتها المحلية. وكانت قمة العشرين فرصة، من خلال اللقاءات الثنائية لتستكمل القيادة الصينية هذا التوجه مع الدول الآسيوية المشاركة.

لن يحول ذلك دون استمرار اعتماد الصين على السوق الأميركية، وإن كان يمثل ورقة تفاوضية والتحسب لنتائج الاتفاق التجاري المحتمل مع الولايات المتحدة. لذلك تعتبر القيادة الصينية مشروع "الحزام والطريق" أولويتها الاستراتيجية لتعزيز علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع دول آسيا وأوروبا الشرق الأوسط وأفريقيا وحتى أميركا اللاتينية.

ومع تصاعد التوقعات بنهاية ذروة العولمة، التي كانت الصين من أكبر المستفيدين منها، تستهدف الصين علاقات ثنائية وإقليمية تمكنها من الحفاظ على نمو دورها في العالم مع تراجع موجة العولمة.

الهند على خطى التصالح

هذا النهج من جانب الرئيس الأميركي ظهر أيضا في الموقف من الهند، المرشحة لأن تكون طرفا مثل الصين في صراع تجاري مع أميركا. فقبل القمة، انتقد ترمب قرار الحكومة الهندية فرض رسوم على واردات أميركية، ردا على رسوم أميركية، وطالب بإلغائها.

لكن بعد لقاء ترمب ومودي في أوساكا أعلن بدء مفاوضات تجارية بين البلدين. وبينما كان الزعيمان يلتقيان كان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في دلهي يبحث مع نظيره الموضوع نفسه. وشمل النقاش بين ترمب ومودي قضايا عدة مثل التعاون العسكري وأزمة إيران وشبكة الجيل الخامس للهواتف المحمولة وغيرها.

وكان مودي النجم الثاني بعد ترمب في قمة العشرين بأوساكا. إذ تعد هذه أول قمة عالمية بهذا الحجم يحضرها بعد إعادة انتخابه رئيسا لحكومة الهند، وبالتالي كان المستقبل الرئيسي للتهاني باستمرار وجوده مع قادة دول العالم الرئيسية لعدة سنوات أخرى.

وتعد الهند محط اهتمام من جانب الصين وروسيا، في سعيهما لتعزيز تعاون آسيوي، ترى موسكو وبكين أنه يمكن أن يقلل من تأثير سياسات ترمب الاقتصادية على منطقتهم والعالم ككل.

أوروبا الحائرة

كانت مجموعة الدول الأوروبية ضمن قمة مجموعة العشرين الطرف الأقل حظا، رغم اللقاءات الثنائية بين المستشارة الألمانية أنغيلا مركل والرئيس الأميركي دونالد ترمب، وبين رئيسة الوزراء البريطانية المستقيلة تيريزا ماي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ومع أن أوروبا معنية بالحرب التجارية بين أميركا وشركائها، إلا أنها بانتظار ما ستسفر عنه المفاوضات بين الصين والولايات المتحدة. فالاقتصاد الأوروبي هو الأقل نموا بين اقتصادات دول مجموعة العشرين، وبالتالي الأكثر عرضة للتأثر السلبي في حال تحولت مشكلة التجارة إلى أزمة عالمية جدية.

وبما أن ميركل على وشك ترك الحكم، وكذلك ماي الشهر المقبل، فإنهما يسعيان فقط للحفاظ على الوضع الراهن، ويصعب على أي طرف أن يتفق مع أي منهن على أي شيء للأمد الطويل.

وربما كانت خيبة أمل أوروبا أنها جاءت للقمة بمحاولة يائسة لإنقاذ الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى، الذي انسحبت منه أميركا وفرضت عقوبات على إيران حتى تتفاوض على اتفاق جديد. ومع أن اليابان والصين والهند وروسيا قد لا تتفق تماما مع الموقف الأميركي من إيران إلا أنها أيضا لا ترى جدوى من موقف أوروبا الذي يريد العودة للاتفاق السابق.

كوريا وإيران

من الملامح المهمة لقمة العشرين غياب القمة التقليدية ما بين اليابان وكوريا الجنوبية. ويبدو أن هيمنة واشنطن على ملف أزمة كوريا الشمالية لم يترك هناك الكثير ليبحثه الطرفان المعنيان بها، وهما طوكيو وسول.

ورغم العلاقات القوية بين سول وواشنطن، وأهمية التنسيق بينهما في أزمة كوريا الشمالية إلا أن الرئيس ترمب يفضل اليابان ورئيس وزرائها شينزو آبي أكثر. ويبدو موقف اليابان أكثر تطابقا مع واشنطن في موضوع كوريا الشمالية.

وربما جاء إعلان ترمب عن رغبته في لقاء الزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ أون في المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين بتنسيق مع اليابان، رغم أنه إن حدث سيكون على حدود كوريا الجنوبية التي سيوجد فيها ترمب.

ولم تغب الأزمة في شبه الجزيرة الكورية والأزمة مع إيران عن قمة العشرين، ليس بالضرورة في اجتماعاتها كقمة ولكن في اللقاءات الثنائية خاصة بين ترمب ونظرائه. ولا شك أن قمة (ترمب – بوتين) ناقشت الأزمتين وسبل الحل أيضا، وما يمكن أن تسهم به روسيا.

المناخ

القضية الأخرى التي تهيمن على قمة العشرين، بعد المخاوف من الحرب التجارية واحتمالات الركود الاقتصادي العالمي، هي قضية تغير المناخ. وجاء اليوم الأول لقمة العشرين بينما الحرائق تندلع في إسبانيا بسبب موجة الحر التي ضربت أوروبا، ووصلت درجة الحرارة في فرنسا إلى 45 درجة مئوية.

وبالطبع تجد الأوروبيين الأكثر اهتماما بمواجهة التغير المناخي، على عكس الولايات المتحدة التي انسحبت من اتفاق باريس لعام 2016 بشأن المناخ. وفيما تسعى دول أوروبا، ومعها الصين والهند، للتوصل إلى نتائج ملزمة في القمة، يرغب ترمب في أن يتضمن البيان الختامي إشارات غير ملزمة.

ويعول الرئيس الأميركي على دعم الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو، الذي يشاطره موقفه من قضية التغير المناخي، كي يتمكن من "تمييع" قرار القمة بشأن المناخ في مناقشات اليوم السبت.

ذكاء المستضيف

أكثر من تعامل بفهم مع الطبيعة الشخصية للرئيس الأميركي هو رئيس الوزراء الياباني. وعلى الرغم من أن لقاءهما ناقش قضايا عدة حسب البيانات الرسمية فإن أهم ما فيه هو الخريطة والرسم البياني في صفحة واحدة الذي أعطاه آبي لترمب.

وجاءت الصفحة بالألوان الأبيض والأحمر والأزرق، وتتضمن الاستثمارات اليابانية في الولايات المتحدة. وركز آبي على أن اليابان بدأت ثلاثة استثمارات في أميركا الشهر الأخير، ووفرت عشرات الوظائف. والحقيقة أنها استثمارات صغيرة جدا (بمليون دولار وثلاثة ملايين دولار و100 مليون دولار، وفر الأكبر أكثر من 30 وظيفة).

لكن، ليس هناك ما يُفرح ترمب أكثر من أن يقال له إنك تستثمر في بلده وتوفر وظائف للأميركيين. وهذا ما فعله رئيس الوزراء الياباني، الذي يتفق مع الرئيس الأميركي في طريقة التصرف مع كوريا الشمالية.

وحقق آبي أمرين، أولا باعتباره رئيس حكومة البلد المستضيف لقمة العشرين، فقد كسب ود رئيس أكبر دولة وأقوى اقتصاد في العالم دون إخلال بالتزاماته ببقية الوفود المشاركة في القمة في اليوم الأول. والثاني أنه سهّل على نفسه مفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن اتفاق تجارة، يريد منه آبي أن يعزز مكانته الداخلية بما سيتم التوصل إليه.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد