Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المستشفيات الحكومية في العالم العربي "طريحة الفراش"

يشهد هذا القطاع هجرة الأطباء والكفاءات وانتشار الفساد وانعدام التطور وتلكؤ الحكومات عن ممارسة دورها

شهد القطاع الاستشفائي تراجعاً ملحوظاً في الخدمات الطبية في معظم الدول العربية (أ ف ب)

تعيش المستشفيات الحكومية في العالم العربي واقعاً صعباً نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تلقي بظلالها على العالم أجمع، من افتقار اليد العاملة وشح الأدوية والمحروقات وغيرها، يليها فيروس كورونا الذي تمدد بشكل سريع ومقلق، ما أرهق الأطقم الطبية والتمريضية وفرق الإسعاف، إلى جانب ترهل النظام الصحي في غالبية الدول العربية والعجز الذي يعانيه.

فكيف هو واقع هذا القطاع وإلى ماذا يفتقد؟ وما تداعيات انهياره على المدى البعيد؟ وكيف يمكن إنقاذ القطاع الاستشفائي؟

الأردن: المستشفيات الحكومية تواجه تراجعاً

حتى وقت غير بعيد، كان الأردن يضاهي الدول العربية الأخرى بالمستوى الرفيع الذي وصل إليه القطاع الطبي، لكن هذه الصورة الإيجابية آخذة بالتراجع بفعل عوامل عدة بما فيها فشل الإدارات وهجرة الأطباء والكفاءات وتلكؤ الدولة في ممارسة دورها، فضلاً عن ارتفاع الكثافة السكانية بفعل موجات اللجوء المتتالية.

اليوم بلغة الأرقام يُحرم ثلث المواطنين الأردنيين من الخدمات الصحية ما يعني أن نحو ثلاثة ملايين مواطن يبقون بلا علاج أو دواء، وسط مخاوف من خصخصة التأمين الصحي واستثناء الفقراء من تقديم الرعاية الصحية مستقبلاً واقتصارها على المقتدرين مالياً.

 

أما رحلة الذهاب إلى أي مستشفى حكومي فتحولت إلى معاناة وانتظار قد يطول لأشهر للحصول على علاج، فيما أصبحت عبارة "لا يوجد سرير"، الصفة الملازمة لمعظم أقسام الطوارئ في المستشفيات الحكومية البالغ عددها 33 مستشفى.

خصخصة القطاع

يجسد مستشفى البشير في عمان (أقدم مستشفى حكومي في الأردن) حالة التردي التي وصل إليها القطاع الطبي العام في الأردن، حيث التراجع في الخدمات وفشل الإدارة والإهمال والاكتظاظ والأخطاء الطبية تتوالى.

أما واقع المستشفيات الحكومية الأخرى فليس أفضل حالاً، خصوصاً تلك التي تخدم المحافظات الأخرى والمدن الصغيرة.

ويرى الداعون لخصخصة التأمين الصحي أن القطاع الطبي سيصبح أكثر تنظيماً مع رغبة الحكومة الأردنية بالوصول إلى تأمين صحي شامل للمواطنين كافة بحلول عام 2030.

وتتحدث الحكومة عن تكلفة إنفاق مرتفعة خصوصاً على أمراض السرطان والفشل الكلوي وأمراض الدم المزمنة، وتفيد إحصاءات رسمية بأن الأردن ينفق 8.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الصحة، في حين تؤكد وزارة الصحة أن حجم الإنفاق يبلغ نحو أربعة مليارات دولار سنوياً لتوفير الخدمات الصحية.

في المقابل، يحذر مراقبون من أن خصخصة مستشفيات القطاع العام قد تؤدي إلى هجرة الكفاءات الطبية وإضعاف القطاع العام، واستفادة أصحاب رأس المال الخاص وتراجع الدور الحكومي في هذا القطاع الحيوي.

ويرى مراقبون أن الخسارة الأكبر التي ستنتج عن خصخصة القطاع الصحي سيتحملها المواطن الفقير الذي يحصل حالياً على العلاج في المستشفيات الحكومية بأسعار رمزية، ليصبح العلاج للمقتدر فحسب.

تأمين صحي شامل

وتحاول الحكومة التوسع في قاعدة المشمولين بالتأمين الصحي على الرغم مما فيه من سلبيات. ووفقاً لمدير إدارة التأمين الصحي المدني الدكتور نائل العدوان، فإن عدد المؤمنين صحياً تحت مظلة التأمين المدني بلغ ثلاثة ملايين و490 ألفاً، منهم الأطفال دون ست سنوات وعددهم 650 ألفاً.

وعلى الرغم من مكامن الضعف في التأمين الصحي الحكومي يقول العدوان إن ثمة تعديلات إيجابية كاستمرار انتفاع الأبناء الذكور الذين أتموا 18 سنة من عمرهم.

وتبلغ نسبة الأردنيين المشمولين بالتأمين الصحي حالياً 68 في المئة، منهم 42 في المئة بالتأمين المدني و26 في المئة تأمينات صحية أخرى.

ووفقاً للعدوان، فإن تكلفة شمول جميع الأردنيين بالتأمين الصحي قد تصل إلى مليار دولار سنوياً وهي تكلفة مرتفعة جداً.

ويوضح استطلاع للرأي أجراه "مركز الدراسات الاستراتيجية" في الجامعة الأردنية بشأن جودة الخدمات الصحية في المملكة، أن ثلث مواطني الأردن يشكون من سوء مستوى الخدمات المقدمة في المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية.

كما أن 18 في المئة ممن يملكون تأميناً صحياً حكومياً يعانون من عدم توفر الأدوية بشكل دائم، على الرغم من أن المواطن يدفع نحو 180 ضريبة لخزينة الدولة.

الاختلافات بين القطاعين الخاص والحكومي

ومع تراجع القطاع، تؤكد جمعية المستشفيات الخاصة في البلاد أن الأردن من أكثر دول العالم جذباً للاستثمارات الطبية والمنتجعات الاستشفائية ويوفر مزايا عدة منها السياحة العلاجية والمنتجعات الصحية والبحوث الطبية الحيوية والصناعة الدوائية المتطورة.

وتتحدث الجمعية عن وفرة الكوادر الطبية والتمريضية المؤهلة في الأردن كأحد أهم مقومات تطور السياحة العلاجية في البلاد، حيث تخطى عدد الأطباء في المملكة 35 ألف طبيب أردني، حصل كثير منهم على شهادات دولية إضافة إلى كوادر تمريضية مؤهلة ومدربة.

ويقول مراقبون أن الضغط الذي يتعرض له القطاع الصحي الحكومي هو أحد أسباب تراجع أدائه على الرغم من كون الأردن من أكثر الدول اهتماماً بالصحة في ما يتعلق بنسبة الإنفاق على الرعاية الصحية من الناتج المحلي الإجمالي.

ويذكّر هؤلاء بإنجازات أردنية طبية كانت المملكة فيها سباقة على المستوى الإقليمي، كإجراء أول عملية قلب مفتوح عام 1970، وأول عملية زراعة كلى عام 1972، وأول عملية زراعة قلب عام 1985.

لكن هذه الإيجابيات لا تنطبق على القطاع الحكومي، فوفقاً لتقرير حالة البلاد فإن تعددية مكونات النظام الصحي وضعف التنسيق في ما بينها وعدم وضوح أدوار كل منها، أدت إلى فوضى داخل القطاع الصحي العام وغياب التكامل في تقديم الخدمات.

وهذا التراجع في الأداء يرصده متخصصون منذ نحو 20 عاماً، لكنه تجلى بوضوح خلال أزمة فيروس كورونا وما نتج عنها من أخطاء لاحقاً، ككارثة مستشفى السلط التي راح ضحيتها عشرات الوفيات بسبب انقطاع الأوكسجين.

ويشير بعضهم كذلك إلى سوء توزيع الكوادر الصحية، فعلى الرغم من أن القطاع الخاص يضم 36 في المئة فقط من الأسرة، إلا أنه يشغل ما يقارب 70 في المئة من مجموع الأطباء و53 في المئة من الممرضين.

السعودية: "الصحة" مقبرة الوزراء وجحيم المرضى 

وفي السعودية، تعاقب على وزارة الصحة 21 وزيراً بعد يأس متواصل من إعادة هيكلتها، على إثر سلسلة من الأحداث كشفت عن حجم الترهل الذي يخيم على عدد من إداراتها، من تأخر المواعيد وندرة الأسرة، وبعض الأخطاء الطبية التي تظهر في الساحة كل فترة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، حتى سميت الوزارة بـ"مقبرة الوزراء".

وجاءت تسميتها بـ"المقبرة" بعد تولي حقيبتها أسماء بارزة وعقول مبهرة من الوزراء نجحوا في وزارات أخرى، لكن "الصحة" قبرت تاريخهم وعنونت فشلهم في حل عدد من القضايا، ومنها ندرة الأسرة في المستشفيات الحكومية وطول مواعيد الانتظار والعجز في الأدوية، وأخيراً الفشل في خصخصتها وتأمين المواطنين صحياً.

 

نحو الخطر الوشيك

وعلى الرغم من محاولة الدولة إنجاح القطاع عبر تخصيص 33 في المئة من موازنتها للصحة، فإن آخر إحصاء سجل 354755 بلاغاً على رقم اتصالات الوزارة، كما ذكر تقرير "المركز السعودي لاعتماد المنشآت الصحية" (SBAHI) أن 44 في المئة من مستشفيات "الصحة" في دائرة الخطر الوشيك، و34 في المئة في المنطقة الصفراء (متوسطة الخطورة)، و18 في المئة فقط في المنطقة الخضراء، إذ شمل التقييم 227 من المستشفيات السعودية.

قال الكاتب محمد الحساني "لا أعلم من أطلق على وزارة الصحة السعودية هذه الصفة الفادحة (محرقة الوزراء)، لكنني سمعت من ينسب التسمية إلى الوزير الضخم غازي القصيبي، على أن واقع الوزارة يؤكد أن فيها ما يجعل أي وزير في مرمى النقد الموجع، مهما بلغت نجاحاته وإنجازاته في مجال عمله السابق، وآخرهم الوزير المميز توفيق الربيعة الذي نجح في وزارة التجارة واستطاع خلال فترة زمنية وجيزة إيجاد حل لقضية المساهمات العقارية المتعثرة التي استمر تعثر بعضها وتجميد أموال المساهمين فيها عقود عدة لم يفلح أي وزير قبله في حلها، فجاء الوزير توفيق الربيعة بالحل الأنجع، لكن يبدو أنه عندما اختير لوزارة الصحة وجد الخرق متسعاً على الراتق".

وأضاف الحساني "تقلد وزارة الصحة على مدى عقود أكبر عدد من الوزراء قياساً بمن تقلدوا وزارات خدمية مماثلة في الفترة نفسها، لكن كل وزير يجد نفسه محاطاً بمشكلات وتعقيدات ومطالبات وقضايا تجعله منخرطاً فيها حتى أذنيه، فلا يتبقى أمامه وقت للإبداع والتخطيط المستقبلي السليم، حتى إذا ما أعفي وجيء بوزير جديد وجد نفسه وسط الرمال المتحركة نفسها يخوض عبابها ويناضل من أجل فعل شيء ملموس فلا يجد صدى لجهوده فيفتح له باب الخروج وهكذا دواليك".

وأشار الكاتب السعودي إلى أنه "بما أن هذه الوزارة تقلد أمرها عدد من الكفاءات الوطنية البارزة الذين بذل كل واحد منهم جهده لتحسين أوضاعها ولم ترق خدماتها إلى المستوى المأمول حتى أصبحت محرقة لمن يتولاها، فلا بد من التفكير في عوامل وأسباب أخرى تقف وراء عدم قدرة الوزارة ووزرائها على تحقيق المرجو منهم".

وتساءل الحساني عن هذه العوامل والأسباب، وهل يمكن طرحها في نقاش جدي شفاف وبيان ما إذا كانت متصلة بالأنظمة التي قامت وتقوم عليها وزارة الصحة، أم بما تحت يديها من إمكانات محدودة، أم بمستوى الإدارة في فروعها، أم بنوعية الأطباء والأجهزة، أم بكل ذلك وبغيره من الأسباب والعوامل التي تقف وراء عدم تحقيق أي من الوزراء لما هو مأمول من تطور ونجاح؟

وعود لا تتحقق

عضو "الشورى" سامي زيدان تساءل "هل يعقل انتظار المواطن شهوراً في طوابير الطوارئ للحصول على المواعيد؟"، ويضيف "التأمين الصحي في هذا الوقت مطلب لكل مواطن، وكثيراً ما ترددت النداءات والمطالبات بتحقيق هذا المطلب الذي لا يزال يراوح مكانه بين وعود تتردد كل عام بأنه سيعتمد قريباً، لكن الأعوام تمضي ولا يزال قرار التأمين الصحي مجرد وعود لا تتحقق، لتظل شريحة كبيرة من المواطنين تعاني من الطوابير الطويلة في قوائم الانتظار للعلاج الذي قد لا يأتي إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن يكون المرض قد استشرى في الجسد وأصبح من المتعذر علاجه، بينما يتمتع غير المواطنين من العاملين في القطاع العام والخاص بالتأمين الصحي الذي لا يزال المواطن حتى الآن محروماً منه".

ويقول الأستاذ الجامعي سالم باعجاجة إن "الصحة هي الأساس في حياة المجتمعات، والحفاظ عليها يمكن الفرد من العمل والإنتاج والبناء لمجتمعه ووطنه"، مشيراً إلى أن التأمين الصحي لجميع المواطنين أصبح اليوم ضرورة ملحة ومهمة في ظل العجز عن توفير الخدمة الصحية للمواطن بالشكل الذي يتفق مع ما تنفقه الدولة من أموال طائلة على المرافق الصحية الحكومية، وما تخصصه من موازنات كبيرة للقطاع، لكن قدرة هذه المستشفيات أقل من عدد المراجعين الذين ربما يقضي الشخص شهوراً حتى يأتي موعده للعلاج في قائمة الانتظار الطويلة على أبواب المستشفيات الحكومية.

تونس: هجرة الأطباء والعجز المالي يهددان القطاع الصحي 

أما تونس فظلت حتى تسعينيات القرن الماضي تفاخر بالمنظومة الصحية التي استثمرت فيها الموارد البشرية، والتجهيزات الطبية، إلا أن أمد هذا الوضع لم يعمر خلال العشريتين الأخيرتين، إذ اكتشف التونسيون أن القطاع الصحي تراجع وتردت الخدمات الصحية إلى درجة باتت تهدد بانهيار المنظومة الصحية في البلاد، وهو ما كشفته جائحة كورونا عندما عجزت المستشفيات عن استيعاب الكم الهائل من المصابين بالفيروس، علاوةً على تسجيل نقص حاد في مادة الأوكسيجين.

فما هو واقع المستشفيات العمومية في تونس؟ وما أسباب تراجع الخدمات الصحية؟ وكيف يمكن النهوض بهذا القطاع؟

 

يجمع أغلب التونسيين على أن القطاع الصحي في تونس يواجه تحديات صعبة تتلخص في تراجع استثمار الدولة ودعمها لهذا القطاع، وهجرة آلاف الكوادر الطبية إلى الخارج بنية تحسين أوضاعهم المادية والمهنية، وغياب حوكمة التصرف في قطاع الأدوية وعدم توفر ما يكفي من أطباء الاختصاص في مختلف المناطق.

ودفع هذا الوضع إلى الإقبال أكثر فأكثر على القطاع الخاص بسبب توفر التجهيزات والأطباء وتقديم الخدمة في آجال معقولة.

نقص التجهيزات وغياب الأدوية

وعبرت المواطنة التونسية مبروكة النعيمي (72 سنة) التي تتلقى العلاج في العاصمة عن تذمرها من طول فترة الانتظار التي تجاوزت السنة، من أجل إجراء عملية جراحية في عينيها، وهي تتكبد مشقة المسافة بين العاصمة ومسقط رأسها التي تزيد عن 200 كيلومتر، و في حين استحسنت النعيمي تعامل الإطار الطبي معها قائلةً "نحبهم ويحبوني"، إلا أنها أبدت امتعاضها من تصرفات بعض الممرضات اللواتي يسئن إلى المرضى من دون سبب.

من جهته، يعالَج أحمد بن الطيب (42 سنة) في مستشفى الحروق البليغة في "بن عروس" جراء حادث مرور، ويقول "إن مشكلة المستشفيات العمومية هي نقص التجهيزات الطبية، علاوةً على عدم توفر الأدوية"، مضيفاً أنه "اشترى مسمارين طبيين قبل إجراء العملية من حسابه الخاص"، لافتاً إلى أن "الصندوق الوطني للتأمين على المرض لم يوافق على التكفل بهذه التجهيزات الطبية".

وعبرت وفاء بن احمد (35 سنة) الموظفة في قسم الأشعة بمستشفى الرابطة في العاصمة، عن أملها في الهجرة رغبةً في "إيجاد فضاء مهني ملائم" وآفاق أرحب لمزيد من تطوير قدراتها، مشيرة إلى أن "العمل اليومي في المستشفى العمومي قاتل وروتيني ويجلب مختلف الأمراض".

ودعت وفاء الدولة إلى "مزيد الاهتمام بهذا القطاع الذي يعاني من فترة ما قبل (كوفيد) إلى اليوم ويتعرض لكل أنواع الضغوط من قبل المواطن الباحث عن خدمة صحية جيدة في محيط عمل لا تتوفر فيه أبسط الأدوات اليومية كالميدعة الطبية والكمامة وسوائل التعقيم".

عدد المستشفيات

وفي ظل شبه إجماع من قبل المواطنين والكوادر الطبية على سوء واقع القطاع الطبي في تونس، صرح مدير عام الهياكل الصحية نوفل السمراني أن "المنظومة الصحية في تونس متماسكة وقادرة على تقديم الخدمات الطبية، ونعمل على مزيد تقريبها من المواطن"، مشيراً إلى "نجاحات طبية حققها القطاع الصحي خلال الفترة الأخيرة على غرار عمليات زرع الأعضاء". وأضاف أن "تونس تضم اليوم 23 مستشفى جامعياً بخاصة في المناطق الساحلية قرب كليات الطب، وتعمل وزارة الصحة على تحويل عدد من المستشفيات الجهوية إلى مستشفيات جامعية من أجل تقريب الخدمة الطبية من المواطن".

وبالنسبة إلى المستشفيات الجهوية "يوجد في كل ولاية (محافظة) مستشفى جهوي، أو أكثر ويبلغ عدد المستشفيات الجهوية 35 مستشفى جهوياً، إضافة إلى 110 مستشفيات محلياً، علاوةً على أكثر من ألفين ومائتي مركز للصحة الأساسية في المناطق الداخلية تضم ممرضين وأطباء".

هجرة الأطباء تدمر القطاع الصحي
واعتبر مدير عام الهياكل الصحية أن "ظاهرة هجرة الأطباء باتت تؤرق القطاع الصحي في تونس، لأن آلاف الأطباء المتخصصين في التخدير والإنعاش وأمراض القلب وغيرها غادروا إلى أوروبا والولايات المتحدة، وهو ما خلف نقصاً في أطباء الاختصاص في عدد من الجهات". وشدد السمراني على "ضرورة حوكمة القطاع الصحي وإعادة النظر في آليات توزيع الأدوية التي تواجه تحديات خطيرة على غرار السرقة والتهريب" داعياً إلى "التسريع في وضع منظومة لرقمنة الأدوية وترشيد التصرف فيها".

ويضيف نوفل السمراني أن "الصيدلية المركزية تواجه صعوبات مالية كبيرة شأنها في ذلك شأن الصندوق الوطني للتأمين على المرض" داعياً إلى "ابتكار مصادر جديدة لتمويل المؤسستين من أجل الاستمرار في تقديم الخدمات الصحية للمواطنين".

عجز مالي للصيدلية المركزية

من جهة أخرى، أكد أمين مال المجلس الوطني لهيئة الصيادلة وليد بوبكر، أن مستحقات المختبرات الأجنبية لصنع الأدوية من الصيدلية المركزية التونسية تجاوزت 700 مليون دينار تونسي (233 مليون دولار)، بينما تبلغ ديون الصيدلية المركزية لدى المستشفيات العمومية 110 ملايين دينار (36 مليون دولار).
ودعا البوبكري الدولة إلى "توفير السيولة المالية للصيدلية المركزية حتى تواصل توفير الدواء للتونسيين، علاوةً على إيجاد حلول عاجلة لعجز الصناديق الاجتماعية"، مضيفاً أن "وزارة الصحة تعمل وفق ما يتم توفيره من اعتمادات مالية".

وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الصحة تشغل أكثر من 83 ألف شخص بين كوادر طبية وشبه طبية وإداريين، وتنفق الوزارة أكثر من 80 في المئة من الميزانية على الأجور، مما أخر بشكل لافت الاستثمار في هذا القطاع الحيوي.

وأكد الأمين العام للتنسيقية التونسية لإطارات وأعوان الصحة في تونس شكري مبروكي، أن "القطاع الصحي يعاني صعوبات كبرى، وتتحكم فيه مجموعات نافذة" مشيراً إلى أن "الهجرة ستبتلع آلافاً آخرين من الإطارات الطبية وشبه الطبية في المستقبل طالما لم تفكر الدولة بشكل جدي في إنقاذ القطاع".

الجزائر: المستشفيات في "الإنعاش"

أعلنت وزارة الصحة الجزائرية ضعف مؤسسات استشفائية حكومية على جميع المستويات، الأمر الذي يكشف عن واقع معقد تعانيه المستشفيات، ويستدعي التحرك من أجل إنقاذ صحة الجزائريين.

وقال وزير الصحة الجزائري عبد الرحمن بن بوزيد، خلال جلسة علنية بالبرلمان خصصت لطرح أسئلة شفهية، إن أزمة تسيير المؤسسات الاستشفائية تشهدها جميع المحافظات، وعليه تقرر وضع تدابير أخرى لتفاديها.

 

أشار بوزيد إلى إيجاد حل نهائي لمشكلة تعطل الأجهزة الطبية عن طريق تنصيب لجنة متعددة القطاعات، تضم ممثلين عن قطاعات الصحة والتجارة والصناعة والمالية، بغية تنظيم عملية اقتناء التجهيزات الطبية وتوحيد عقود تصليحها، وكذا إعداد النص التنظيمي المتعلق بإنشاء مؤسسة وطنية تتكفل بكل الجوانب.

وخلال زيارته لمستشفى "مصطفى باشا" في العاصمة، وهو أكبر مؤسسة استشفائية في البلاد، اعتبره الوزير غير صالح للعمل بحكم إنشائه عام 1854، مؤكداً وجوب هدمه وإعادة بنائه مجدداً ليكون بشكل عمودي، ومن ثم إنهاء معاناة المرضى والعاملين في التنقل من قسم إلى آخر. وقال إن مصالحه الوزارية تسعى إلى تحسين ظروف العمل وتحسين الخدمات، مشيراً إلى أن "راحة المريض ووجوده في ظروف أفضل هي أولوية الوزارة". وأضاف "أؤكد لمواطنينا أننا نتعامل مباشرة مع مدراء الصحة أسبوعياً، ونتابع كل التطورات بخصوص التأهيل والترميم في المستشفيات، وهذه السنة ستكون سنة إنجازات".

تقرير برلماني

وأنجز نواب البرلمان في وقت سابق تقريراً حول الأوضاع في عدد من المؤسسات الاستشفائية، وكشفوا عن وضع صادم تعيشه المؤسسات الصحية بين اهتراء البنية التحتية وتكدس مرضى داخل سيارة إسعاف واحدة، ومعدات طبية معطلة بسبب غياب الصيانة والإهمال، إضافة إلى اكتظاظ في أقسام الاستعجالات في مقابل نقص حاد للأطر الطبية، وغياب شروط الوقاية الصحية والنظافة بسبب إلقاء النفايات والمستلزمات الجراحية بشكل عشوائي.

وقال البرلماني سكلولي وليد أحد الذين أنجزوا التقرير، إنه وزملاءه يعملون على إزالة كل العراقيل، سواء كانت إدارية أم هيكلية أم لوجيستيكية، لتقديم خدمة صحية تليق بكرامة المواطن، و"إن كنا نعتقد أن الحل الجذري هو التخلص من هذه المنظومة الصحية المهترئة".

تصحيح الاختلالات

من جهته، قال رئيس لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتكوين المهني في البرلمان الجزائري علي محمد ربيج لـ"اندبندنت عربية"، إن المطلوب من وزارة الصحة تسريع الإصلاحات وتصحيح كثير من الاختلالات على مستوى المؤسسات الاستشفائية بخاصة أقسام الاستعجالات والطوارئ. وأبرز أن كل تأخر يزيد الوضع تأزماً، مضيفاً أنه "يثمن أية مبادرة برلمانية يقودها النواب عبر مختلف مناطق البلاد، لمراقبة مدى تقدم نسبة أشغال المشاريع أو في إطار زيارات فجائية، لا سيما في قطاع الصحة الحساس الذي يتطلب تضافر جهود الجميع".

وسبق أن هدد وزير الصحة بن بوزيد بمعاقبة مديري المستشفيات التي ترفض استقبال المرضى بحجة عدم وجود أسرة كافية، وأشار إلى أنه يتوجب في حال تسجيل حالات استثنائية إجراء اتصالات لضمان سرير للمريض في مستشفى آخر مع التكفل بنقله في سيارة إسعاف.

82 مليار دولار

في السياق، كشف تقرير للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان عن أن قرابة نصف مليون مواطن يعالجون في الخارج، وأن عدد طالبي الخدمات الاستشفائية والصحية من الجزائريين في تونس بلغ نحو 100 ألف.

وليس المرضى وحدهم من يتنقلون إلى الخارج من أجل التداوي، بل عرفت الإطارات الطبية من أطباء ومهنيين وممرضين هجرة لافتة بسبب التهميش وضعف الأجور، إضافة إلى انعدام فرص تطوير المسار المهني وكذا تدهور القطاع.

وتنتقد أطراف عدة استمرار معاناة الجزائريين مع ضعف الخدمات الصحية، فعلى الرغم من إنفاق نحو 82 مليار دولار طيلة 16 عاماً ضمن مشروع الإصلاح الاستشفائي غير أن واقع الصحة لا يزال يراوح مكانه.

مصر: "أمراض عضال" أصابت المستشفيات الحكومية 

في منتصف مايو (أيار) الماضي، دخل "خيرالله جمعة" الموظف الأربعيني، مستشفى "معهد ناصر" الحكومي بالقاهرة لعلاجه من غيبوبة مرض السكري، لكنه بعد 24 ساعة فقط أُصيب بحروق بالغة نتيجة "ماس" كهربائي في وحدة الرعاية المركزة، ما أدى إلى وفاته لاحقاً. خيرالله ليس الوحيد الذي تعرض للإهمال في المستشفيات الحكومية المصرية، حيث صدر تقرير عن وحدة البحوث والدراسات في مؤسسة "ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان"، في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، تحت عنوان "الإهمال الطبي... عرض مستمر"، رصد 34 واقعة إهمال طبي في 15 محافظة خلال الفترة بين يناير (كانون الثاني) وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 2021، نتج عنها 16 حالة وفاة و5 حالات عاهة دائمة و13 حالة مضاعفات متنوعة، ووقعت نحو نصف حالات الإهمال تلك في مستشفيات تابعة للدولة.

 

الحديث عن أوضاع المستشفيات الحكومية في مصر ليس جديداً، فعلى مدى عقود امتلأت وسائل الإعلام بتقارير عن تردي أوضاعها، وتجارب للمرضى يشكون من نقص الرعاية أو احتياجهم إلى "واسطة" أحياناً للحصول على سرير في أقسام العناية المركزة، في ظل نقص أبسط الإمكانات الطبية حتى أنه كثيراً ما يُطلب من أُسر المرضى شراء القطن الطبي على نفقتهم.

تقلص أعداد المستشفيات

ويبلغ عدد المستشفيات الحكومية في مصر، 691 مستشفى بحسب تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادر عام 2018، تضم نحو 957000 ألف سرير. وعلى الرغم من أن عدد المستشفيات الحكومية كان أكثر من 1100 قبل عام 2010، إلا أن قرارات إدارية وتشريعية صدرت في أواخر عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك حولت العديد من المستشفيات الواقعة في الأقاليم إلى مجرد أقسام تابعة لمستشفيات أخرى مركزية، ما أدى إلى الاستغناء عن آلاف الأسرة كان المرضى بأشد الحاجة إليها.
وتشير دراسة أصدرها مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية في عام 2018، إلى أنه بين عامي 2006 و2016 انخفض عدد المستشفيات الحكومية بنسبة 51.8 في المئة، بالإضافة إلى تردي الخدمة الطبية المقدَمة في الأقاليم خاصة في محافظات الصعيد، وأكدت الدراسة وجود مؤشرات على عدم فاعلية الرقابة الحكومية على المستشفيات وإهدار المال العام، والحاجة إلى مزيد من الاستثمارات الحكومية.
وإلى جانب فقر المنشآت، يهدد المنظومة الصحية الحكومية عزوف الكثير من الأطباء عن العمل في مستشفيات الدولة، في ظل حالات استقالات واسعة، وذلك لأسباب عدة أبرزها تردي أوضاع العمل بالمستشفيات وضعف الرواتب، وعدم توافر وسائل أمان وحماية للأطباء سواء من انتقال العدوى لهم من المرضى، أو من اعتداءات الأهالي المستمرة، حيث رصدت نقابة الأطباء 23 حالة اعتداء على الأطباء من جانب المرضى ومرافقيهم خلال شهر واحد من عام 2019.

نقص الأطباء

وكانت نقابة أطباء مصر أصدرت في وقت سابق، تقريراً ضم أرقاماً "مفزعة" على حد وصفها بشأن استقالات الأطباء من القطاع الطبي الحكومي، حيث استقال 11 ألفاً و536 طبيباً خلال الفترة من مطلع 2019 حتى 20 مارس (آذار) 2022، وتزامن ذلك مع طفرة في أعداد الأطباء الذين غادروا البلاد للعمل في الخارج، سواء لزيادة الطلب على الأطباء خلال جائحة كورونا، أو هرباً من الأجور المتدنية وظروف العمل السيئة في مصر. ووفق تقرير حديث لنقابة الأطباء، بلغت نسبة الأطباء إلى المواطنين، 9.2 طبيب لكل 10 آلاف مواطن، وهو ما يبتعد كثيراً عن المعدل العالمي المقدر بـ23 طبيباً لكل 10 آلاف مواطن، على الرغم من إلزام القانون بتكليف الأطباء فور التخرج في مستشفيات حكومية، لكن الاستقالات والإجازات الطويلة جعلت 62 في المئة من عدد الأطباء المصريين خارج قوة العمل، ومعظمهم يعمل خارج مصر خاصة في دول الخليج.
وتقول الحكومة المصرية إنها تبذل جهوداً لتحسين أوضاع الأطباء، حيث أقر مجلس النواب العام الماضي زيادة بدل المهن الطبية بنسبة 75 في المئة، تطبيقاً لتوجيه رئاسي في خضم جائحة كورونا، ليصل قيمته إلى 1225 جنيه (64 دولار أميركي). وفي فبراير (شباط) الماضي، أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أنه لولا ضعف الموارد المالية للدولة لاستطاع زيادة أعداد المستشفيات وتحسين رواتب الأطباء.

الإنفاق على الصحة

ويلزم الدستور المصري الذي أُقر في عام 2014، الحكومة بألا يقل الإنفاق على الصحة عن 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الدساتير المصرية.
وتنص المادة 18 من الدستور المصري على أنه "لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3 في المئة من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجاً حتى تتفق مع المعدلات العالمية"، لكن دراسات عدة تؤكد أن الإنفاق على الصحة في موازنات الأعوام السابقة لم يصل إلى النسبة التي حددها الدستور، حيث أشارت دراسة صادرة عن مركز حلول للسياسات البديلة التابع للجامعة الأميركية بالقاهرة إلى أن 1.6 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي تم صرفها في قطاع الصحة، لكن مسؤولي الحكومة دائماً ما يؤكدون على التزامهم بالنسبة الدستورية من خلال المخصصات لبنود أخرى مرتبطة بالقطاع الصحي، بخلاف ما يتم توجيهه إلى موازنة وزارة الصحة. وبحسب الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2022-2023، وصلت قيمة مخصصات الإنفاق على قطاع الصحة إلى 128.1 مليار جنيه مقابل 108.8 مليار جنيه لعام 2021-2022 بزيادة نحو 19.3 مليار جنيه.
ووفق بيانات منظمة الصحة العالمية عن عام 2018، تصل نسبة الإنفاق الحكومي في قطاع الصحة إلى 29 في المئة، بينما تبلغ المعدلات العالمية نحو 41 في المئة.
أما موازنة المواطن، فبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن متوسط إنفاق الأسرة على الصحة وصل عام 2019 إلى 6408 جنيهات (335 دولار تقريباً)، ينفق 70 في المئة منها على العيادات والمستشفيات الخاصة. وذكر مساعد وزير الصحة أحمد السبكي خلال مؤتمر في يونيو (حزيران) الماضي أن معدلات الإنفاق الشخصي من جيب المواطن على الصحة انخفضت من 62،3 في المئة لتصل إلى 59 في المئة.

جهود للتحسين

وتسعى الدولة المصرية لتطوير النظام الصحي الحكومي من خلال برنامج التأمين الصحي الشامل، الذي من المخطط أن يتم تطبيقه في جميع أنحاء الجمهورية في عام 2032، عبر 6 مراحل بدأت في عام 2018 من محافظة بورسعيد. وتهدف المنظومة إلى العمل على تقليل الإنفاق الشخصي من المواطنين على الخدمات الصحية والحد من الفقر بسبب المرض، وفق تصريحات لوزير المالية المصري محمد معيط.
كما ساهمت حزمة المبادرات الرئاسية في مجال الصحة التي أطلقها الرئيس السيسي في عام 2018 تحت شعار "100 مليون صحة" في تحسين الرعاية الصحية. ووفقاً لبيانات رسمية من وزارة الصحة المصرية، فقد نجحت المبادرة في القضاء على "فيروس سي" خلال 7 أشهر، إلى جانب فحص 75 مليون مواطن ضمن المبادرة وتقديم العلاج للمرضى مجاناً، كما تم فحص أكثر من 10 ملايين و500 ألف سيدة بمبادرة "دعم صحة المرأة"، وفحص أكثر من 290 ألف سيدة ضمن مبادرة العناية بصحة الأم والجنين، إلى جانب إجراء 592 ألف عملية جراحية ضمن مبادرة رئيس الجمهورية لإنهاء قوائم الانتظار، وفحص أكثر من 5 ملايين طالب ضمن مبادرة الأنيميا والسمنة والتقزم.

المغرب: المستشفيات العمومية تعاني كثيرا

مكث عبدالواحد، شاب في عقده الثالث، ما يزيد على شهر على فراش مستشفى "مولاي عبدالله" بمدينة سلا المجاورة للعاصمة المغربية الرباط ينتظر إجراء عملية جراحية على ساقه المكسورة بسبب تأخر "غير مفهوم" في توفير الدعائم الحديدية لتثبيت عظام الساق.

يقول الشاب، إنه "فضل اللجوء إلى مستشفى عمومي بدلاً من نظيره الخاص، لأن وضعه الاجتماعي والمالي ضعيف، ولا يستطيع تدبر تكاليف الأخير"، مضيفاً، "المستشفيات العمومية تعاني مشكلات كثيرة لكن الفقراء لا يجدون بداً من قبول خدماتها على الرغم من ذلك".

وفي المغرب يكاد يتشكل إجماع بين المواطنين والمهنيين وحتى من الجهات الحكومية المعنية على الوضع المزري لعديد من المستشفيات العمومية بالمغرب، سواء على مستوى المعدات والتجهيزات، أو على الموارد البشرية، فضلاً عن آفة هجرة الأطباء إلى الخارج.

 

مواعيد بعيدة

عبدالواحد ليس وحده من يشتكي تأخر التدخلات الطبية والعلاجية في المشافي العمومية بالمغرب، فكثيرون بمجرد ما ينطقون اسم مستشفى عمومي يشيرون إلى مشكلات تدبيرية داخلية، من قبيل سوء الاستقبال أو التأخر في منح المواعيد الطبية.

تحكي في هذا السياق فايزة، في عقدها الرابع، كيف أنها لجأت في أبريل (نيسان) الماضي إلى مستشفى عمومي شهير بالرباط، من أجل متابعة علاج الغدة الدرقية، ليتم منحها موعداً لذلك في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

وأبدت السيدة استغرابها من هذا الموعد المتأخر الذي حلت عليه لمتابعة علاج غدتها الدرقية، مضيفة أنه "خلال 8 أشهر بين موعد ذهابها وموعد المستشفى قد تحدث العديد من الأشياء، وقد يتطور المرض ليصبح سرطاناً".

تضيف، "أن الأمر لا يتوقف فقط على تأخر منح المواعيد الطبية في المستشفيات العمومية، بل يتعلق أيضاً بسوء استقبال المرضى، فكثيراً ما يتعرض المريض أو أسرته لنوع من الصد والإهمال لدى طلبه موعداً أو استقبالاً أو معلومات ما".

تحسين المواعيد والاستقبال

في المقابل، يعقب مصدر مسؤول بمستشفى ابن سينا بالرباط، بأن "مسألة تأخر المواعيد الطبية مردها أساساً إلى الكم الهائل للحالات المرضية مقارنة مع عدد الأطباء، وأن هناك توجهاً قائماً لتنظيم هذا الجانب من خلال إحداث منصة رقمية لنيل المواعيد". وفي شأن شكاوى كثيرين من سوء استقبال المرضى أو عائلاتهم. يقول إنها "تظل حالات فردية لا يمكن تعميمها على المستشفيات الحكومية".

المعدات وهجرة الطبيب

وتشكو المستشفيات العمومية أيضاً مشكلة استعمال المعدات والأجهزة الطبية، الذي كشف عنه وزير الصحة المغربي خالد آيت الطالب، أخيراً بقوله أمام نواب البرلمان، إن "20 في المئة فقط من المعدات الطبية المتوفرة في المستشفيات العمومية يتم استعمالها".

ودعا الوزير المغربي إلى إعادة النظر بالاستثمار في تجهيز المؤسسات الاستشفائية بالمعدات"، وإلى "عدم اقتناء الأجهزة غير القابلة للإصلاح، والاكتفاء بشراء المتطورة المواكبة للتطور التكنولوجي التي يسهل إصلاحها".

ومن المشكلات البارزة الأخرى التي تفاقم معاناة المرضى بالمغرب ظاهرة هجرة الأطباء إلى الخارج، خصوصاً إلى أوروبا وأميركا، والتي تؤدي إلى شغور أو قلة عدد من التخصصات الطبية، الشيء الذي ينعكس سلباً على صحة المرضى الذين يترددون على هذه المستشفيات.

وفي هذا الصدد يقول طبيب مغربي، طلب عدم ذكر اسمه، في تصريح خاص، إنه "قرر الهجرة إلى كندا للاشتغال هناك، لأنه لم يجد التقدير المعنوي والمادي".

يضيف، "التقدير المادي يتمثل في الراتب الذي لا يرقى إلى الوضع الاجتماعي والاعتباري للطبيب العام، كما في عدم كفاية الأجهزة والموارد البشرية التي تعين الطبيب، بينما التقدير المعنوي يتجسد في تحميل الطبيب دائماً مسؤولية الوضع المتردي للمنظومة الصحية".

وذكر تقرير رسمي، أن عدد الأطباء المغاربة الممارسين خارج البلاد يتراوح بين 10 آلاف و14 ألف طبيب، ما يعني أن طبيباً واحداً من كل ثلاثة أطباء يمارس المهنة خارج المغرب.

مستشفيات عليلة

ويجمل رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة علي لطفي، مشكلات المستشفيات العمومية بالمغرب، في عدة عوامل مالية وبشرية وضعف الحوكمة، مبرزاً أنه "رغم المجهودات المبذولة من طرف الدولة المغربية في بناء وتشييد وتجهيز المستشفيات العمومية، لكنها تظل غير كافية".

وأوضح، أن "عدد المستشفيات العمومية بالمغرب محدود مقارنة مع حاجات ومتطلبات 36 مليون نسمة، حيث لا يتجاوز عدد المستشفيات 155 مستشفى عمومياً، منها 10 فقط للأمراض النفسية والعقلية، و5 مراكز استشفائية جامعية".

وتابع، "ما زالت عدة مناطق ومدن تفتقد مستشفيات متعددة التخصصات"، متابعاً أن "الوضع الحالي للمستشفيات العمومية غير صحي حيث تستقبل 95 من الفقراء وذوي الدخل المحدود".

ووفق لطفي، "التحدي الأكبر أمام القطاع الصحي العمومي يكمن في إصلاح وتأهيل المستشفيات العمومية لتنافس مثيلاتها في القطاع الخاص على مستوى الجودة وسرعة ودقة التدخل العلاجي وجودة الخدمات الصحية المقدمة، وأيضاً الحفاظ على مواردها البشرية في ظل هجرة عدد كبير من الأطباء والممرضين والممرضات".

وأضاف، أن "أغلب المستشفيات العمومية يمر بأزمة خانقة، وهو ما دفع الملك محمد السادس إلى توجيه الحكومة للقيام بإصلاح شامل للمنظومة الصحية، من خلال (مشروع القانون الإطار) الذي يتضمن تأهيل المستشفيات والبنيات التحتية الصحية، وتقريب الخدمات الصحية من المواطنين، وإعادة الاعتبار للعنصر البشري، وتحسين أوضاعهم المادية والمهنية".

ليبيا: القطاع الصحي مصاب بفيروس الفساد

في ليبيا عانت القطاعات الخدمية تراجعاً ملحوظاً خلال السنوات الماضية بسبب الصراعات السياسية والعسكرية التي شهدتها البلاد، وكان أكثرها تأثراً قطاعا الصحة والكهرباء.

القطاع الصحي الليبي عانى منذ سنوات عديداً من الإشكالات، أهمها ضعف الموارد البشرية المحلية من أطباء وممرضين ومساعدين، ونقص شديد في المعدات والأدوية، وضعف البنية التحتية للمؤسسات الصحية العمومية التي تفتقر إلى الصيانة والمعدات الضرورية والأدوية.

وزاد تردي الأوضاع الأمنية من أزمة الصحة في ليبيا، إذ أدى إلى هروب الطواقم الصحية الأجنبية وعودتها إلى بلدانها وهجرة الأطباء الليبيين الأكفاء إلى الدول المجاورة، بحثاً عن ظروف أفضل للعمل.

 

معاناة قطاع حساس

على الرغم من أن الخدمات الطبية في ليبيا تعتبر مجانية، فإن رداءة الرعاية الصحية بمؤسسات الدولة تدفع كثيراً من المواطنين إلى التوجه للمستشفيات الخاصة أو السفر إلى الخارج بحثاً عن خدمة أفضل.

يتكون قطاع الصحة الليبي الحكومي من مجموعة من المكونات والمؤسسات التي تتبع الوزارة، وهي مجلس التخصصات الطبية وجهاز الإمداد الطبي، وجهاز خدمات الإسعاف والمركز الوطني لمكافحة الأمراض ومركز المعلومات والتوثيق الصحي ومركز تنمية القوى العاملة الطبية والمجلس الوطني لتحديد المسؤولية الطبية ومركز طرابلس الطبي ومركز بنغازي الطبي ومركز سبها الطبي وإدارة الخدمات الصحية بالمناطق والمستشفيات والمراكز الطبية والتخصصية المعتمدة.

الطبيب الليبي وليد ناجي قال إن "أبرز ما يعانيه القطاع هو التكدس الوظيفي بما يترتب على ذلك من نفقات مرتبات العاملين في جميع الإدارات بالوزارة والجهات التابعة لها، والسبب في ذلك يعود إلى زيادة حالات التعيين خلال الأعوام السابقة، كما ورد في تقارير ديوان المحاسبة التي ذكرت مراراً أنه لم يتم التقيد بالقانون رقم 12 لسنة 2010 بشأن علاقات العمل".

وأضاف أن تم "تجاوز التعيينات في قطاع الصحة أكثر من 107 في المئة، وبلغ عدد الموظفين بديوان الوزارة 409 موظفين من إجمالي موظفي القطاع بالكامل البالغ 197 ألف موظف من دون أن يكون هناك تغيير في حجم العمل".

وأشار إلى "مليوني مواطن ليبي يحتاجون إلى خدمات صحية أساسية مثل أدوية الأنسولين واللقاحات وغسيل الكلي، يقابل هذا إغلاق قرابة ثلث مستشفيات البلاد، لأنها في وضع لا يؤهلها لتقديم خدماتها على أكمل وجه بسبب مغادرة الأطقم الطبية الأجنبية التي تمثل 70 في المئة من العناصر الطبية والتمريض، وتراجع المخصصات المالية بسبب تراجع الإيرادات العامة".

من جانبه، يرى المدير السابق للمركز الوطني لمكافحة الأمراض بدر الدين النجار أن "المنظومة الصحية في ليبيا تشهد انتكاسة كبيرة وتردياً غير مسبوق للخدمات الصحية الأساسية التي يتطلع إليها المواطن الذي تعتبر حقاً من حقوقه الإنسانية".

واعتبر النجار أن "هذا الانهيار في المنظومة الصحية نتيجة حتمية لسنوات طويلة من سوء الإدارة وضعفها، بسبب الانقسام السياسي والمحاصصة الجهوية في تولي المناصب بغض النظر عن الاختصاص والكفاءة وتردي الأوضاع الأمنية وعدم الاستقرار".

فيروس الفساد

ويعتقد النجار أن الفساد المالي لعب دوراً كبيراً في تردي الخدمات الطبية بدرجة مخيفة، "تفشي الفساد المالي والإداري أسهم بشكل كبير في ضياع الموازنات والموارد المالية التي تم تخصيصها للنهوض بقطاع الصحة، ناهيك عن عدم وجود حتى بوادر نظام المعلومات الصحية الذي أعاق بدوره تطور وتنظيم القطاع".

وأشار إلى أن "ضعف وتخلف التشريعات واللوائح الموجودة حالياً بما فيها اللوائح المالية والفنية والتدريب، تسبب بحدوث ربكة غير مسبوقة في تدبير الموارد البشرية واستيفاء استحقاقاتها المالية والإدارية بصورة مجزية وعادلة".

ونوه بأن "الفوضى العارمة السائدة في تعارض المصالح والاختصاصات وإهمال الأولويات، ووجود قطاع خاص متغول يعمل من دون إشراف ولا متابعة من القطاع العام ولا شروط مراقبة جودة، كل ذلك للأسف أوصل النظام الصحي إلى هذه الحالة من الضعف والانهيار، وكل الحكومات المتعاقبة لم تغير من الوقع شيئاً ولم يكن قطاع الصحة ضمن أولوياتها".

أسباب تغول الفساد

رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك أرجع الأسباب التي أدت إلى تغول فساد القطاع الصحي في ليبيا إلى عوامل عدة، وقال إن "من أسباب الفساد المنتشر في قطاع الصحة كغيره من القطاعات هو ضعف الإدارة وكبر حجم المخصصات"، لافتاً إلى أن "النظام الإداري في الوزارة ضعيف وهش وهو عامل رئيس في انتشار الفساد بها".

وأضاف "هناك إرباك وعدم وجود رؤية أو خطة، والنفعيون يتكالبون على الوزارة باعتبارها ذات موازنة كبيرة، والتوجه إلى هذه الوزارة أصبح هدفه واضحاً فليس الهدف هو تحسين الخدمة، ونعلم أن عديداً من رجال الأعمال أصبحت تجارتهم في القطاع الصحي لأنها تجني لهم أرباحاً أكبر".

وأشار شكشك إلى حساسية هذا القطاع، وضرورة التحرك لمعالجة الأخطاء التي أدت إلى تردي جودة الخدمات التي يقدمها للمرضى في البلاد، قائلاً "هذا القطاع يجب أن يكون على رأس الأولويات قبل أي شيء آخر، ومسؤوليتنا كدولة وحكومة تتطلب التدخل لتجاوز كل العراقيل والمشكلات التي يعتبر حلها شرطاً أساسياً لتحسن الوضع الصحي في البلاد".

السودان: تراجع مستمر في خدمات المستشفيات العمومية 

وأيضاً القطاع الصحي في السودان ظل يعاني تدهوراً كبيراً خصوصاً في فترة نظام الرئيس السابق عمر البشير، حينها عانت مستشفيات القطاع الحكومي من سوء كبير في الخدمات، فكانت دائماً غير مجهزة مع انعدام وحدات خاصة بالعناية المركزة، وكانت الأسر تدفع ملايين الجنيهات في المستشفيات الخاصة لدخول وحدات العناية المركزة.

 

وعلى الرغم من الآمال الكبيرة التي وضعها السودانيون في الحكومة الانتقالية لتحسين بيئة المستشفيات الحكومية إلا أن الوضع زاد سوءاً، لاسيما بعد ارتفاع الدولار بصورة جنونية ليعادل الدولار الواحد 600 جنيه سوداني، ما أدى إلى مضاعفة فاتورة الفحوص حتى في المستشفيات الحكومية إذ لا يغطي التأمين كل أنواع الفحوص.

في فبراير (شباط) الماضي، حذر أطباء سودانيون من خطر زيادة أسعار الفحوص الروتينية والجراحات والولادة الطبيعية والقيصرية وغيرها من الخدمات العلاجية، وطالبت نقابة الأطباء في بيان لها بضرورة إلغاء هذه الزيادات فوراً، خصوصاً أن الزيادة جاءت في ظل عدم حصول أغلب المواطنين على التأمين الصحي الذي هو الآخر لا يحظى بدعم الدولة.

وفي هذا الصدد قال الطبيب في أحد المستشفيات الحكومية محمد صلاح إن "سوء الأوضاع في المستشفيات الخاصة لا يمكن لأحد تخيله، إذ هناك عجز كبير في توفير الأدوية المهمة خصوصاً المنقذة لحياة المرضى داخل غرف الطوارئ، فنحن كأطباء نقوم بتوفيرها للمرضى من جيوبنا، وهذا الأمر مرهق لأننا لا نستطيع أن نقدم المساعدة المالية دائماً".

وعن الأسباب التي أوصلت المستشفيات إلى هذا السوء أضاف صلاح أن "الأسباب كثيرة وكبيرة وكارثية، أبرزها الإهمال في قطاع الصحة الذي ظل طوال السنوات السابقة يعاني فشلاً كبيراً وسوءاً في الخدمات ووفيات متكررة بسبب الأخطاء الطبية التي يتم تحميل مسؤوليتها للطبيب، في حين أن أبرز أسبابها عدم توفر المعدات الكافية في المستشفيات الحكومية".

إضرابات متكررة

واجه أطباء السودان سوء أوضاع القطاع الصحي بشتى الطرق، وكان أبرزها دخولهم في إضرابات متكررة الهدف منها لفت نظر الحكومة إلى أهمية القطاع والعمل على تحسين المستشفيات، والارتقاء بوضع الأطباء الذي لم يكن في أحسن حالاته طوال الوقت، ناهيك عن العمل في ظروف متدنية، فقد كان حرمانهم من حقوقهم المالية لأشهر عدة أمراً يتكرر لسنوات طويلة.

مدير إدارة طوارئ المستشفيات في وزارة الصحة السودانية حسام الدين الحسين قال إن "الاضراب في مستشفيات السودان دائماً يشمل أطباء الامتياز، ويكون الاحتجاج بسبب عدم حصولهم على استحقاقاتهم المالية لأشهر عدة".

ويضيف أن "احتجاج الاختصاصيين يأتي بسبب سوء بيئة العمل، ويكون الإضراب بمثابة لفت نظر لوضع المستشفيات المتردي مع مطالبات بتحسين أوضاعهم المالية وتدريبهم".

أزمة كورونا

وأدت كورونا إلى تفاقم سوء الوضع الصحي خلال السنتين الماضيتين في السودان، وتسببت في الكشف عن سوء القطاع الصحي وهشاشته، ناهيك عن عدم توفر جميع أنواع الأدوية وقد أصبحت المسكنات من السلع النادرة.

طبيب الطوارئ مجتبى الهادي قال إن "أزمة كورونا زادت من سوء البنية التحتية في مستشفيات السودان، وخرجت عشرات المستشفيات من الخدمة التي لم تكن من الأساس تعمل بشكل جيد قبل كورونا. وبخروجها عن الخدمة أصبح القطاع الصحي يعاني سوءاً كبيراً لاسيما أن المستشفيات قليلة مقارنة بأعداد المحتاجين إلى الخدمة، فضلاً عن عدم توفر مستشفيات مجهزة في ولايات السودان، ما يجعل الضغط هائلاً على الخرطوم حيث يتردد آلاف المرضى أسبوعياً لتلقي العلاج في العاصمة".

هجرة الكوادر

سوء أوضاع الأطباء في السودان وتردي واقع المستشفيات التي يعملون بها دفع آلاف الأطباء السودانيين إلى الهجرة خارجاً سواء من أجل العمل أو لإكمال دراستهم، الأمر الذي أثر سلباً في المستشفيات التي كانت من الأساس تعاني قلة الكوادر بسبب الإضرابات وغيرها من المشكلات السياسية، وذلك بعد تعرضهم للاستهداف خلال انتفاضة ديسمبر (كانون الأول)، ما جعلهم يواجهون الأنظمة غير المرغوب فيها بالهجرة والإضراب عن العمل وغيرها من الأساليب التي تزيد من تراجع حال القطاع.

مدير مستشفى في الخرطوم تحفظ عن إعطاء اسمه، أوضح أنه "يتم تحميل إدارة المستشفيات سوء الأوضاع، لكن الأسباب تراكمية ولم تظهر بين ليلة وضحاها، إنما هي حصيلة سنوات من الاستهتار، نحن مجرد إداريين نقوم بعملنا على أكمل وجه".

وعن كيفية تحسين بيئة العمل وتطويرها يقول الإدراي إن "التدهور الذي يعانيه القطاع يحتاج إلى سنوات طويلة حتى يتحسن ولموازنة ضخمة جداً وجهود جبارة من السلطات المعنية، وإلا سيظل القطاع الصحي حكومياً وخاصاً يعاني تدهوراً كبيراً يدفع آلاف السودانيين لطلب العلاج في الخارج".

لبنان: الأزمة المالية وجائحة كورونا أرهقتا القطاع الاستشفائي

كذلك يعاني القطاع الاستشفائي في لبنان صعوبات كبيرة، خصوصاً المستشفيات الحكومية التي حملت وحدها أعباء جائحة كورونا وأتى الانهيار المالي ليزيد من مشكلات هذا القطاع، بعدما دفع انهيار قيمة العملة الوطنية عدداً من الأطباء والجهاز التمريضي إلى الهجرة بحثاً عن فرص في الخارج تنقذهم من الوضع المأساوي الذي وصل إليه بلدهم.

 

وفي السياق، أشار رئيس اللجنة الوطنية التقنية لإدارة لقاح كورونا النائب عبدالرحمن البزري إلى أن "هناك 30 مستشفى حكومياً تمثل أقل من 20 في المئة من عدد المستشفيات أوضاعها صعبة باستثناء بيروت الحكومي الذي تمكن من جلب المساعدات، لا سيما خلال أزمة كورونا. أما المستشفيات الأخرى، فاستفادت بسبب دعم التجهيزات والعناية الفائقة"، ولفت إلى أن "المشكلة اليوم أن الدولة ومؤسساتها منهارة، فإذا أراد المريض أن يدخل على سعر الوزارة لا توجد موازنة مرصودة لذلك وما تدفعه الوزارة لا يشكل أي نسبة جدية من قيمة الفاتورة الاستشفائية اليوم. أما بالنسبة إلى مستوردي الأدوية والمعدات الطبية، فليس هناك أي تمويل لهم بالعملة الصعبة كي يستطيعوا أن يستوردوها. بالتالي، بات الوضع حرجاً جداً وهناك خطورة في استمرارهم فحتى رواتب العاملين ليس من السهل تأمينها، على الرغم من عدم تعديلها أو زيادتها بعد وعدم ملاحظة النقل، فهذه الأمور ليست أولوية اليوم".

وأكد البزري "أهمية أن يكون هناك تمويل خاص للمؤسسات الحكومية لأنها ستهتم بشريحة كبيرة من الناس في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية الحادة وارتفاع نسبة الفقر"، محذراً من أنه "في حال فقدنا القطاع الاستشفائي، ستزداد معاناة الناس، بالتالي يجب الإسراع بتشكيل وحدة منظمة تهتم بشكل خاص بجلب التمويل للاهتمام بموضوع المستشفيات الحكومية قبل فقدانها".

من جهته، أشار وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض في حديث إلى "اندبندنت عربية" إلى أن "المستشفيات الحكومية في وقت كورونا قامت بدور جبار والسبب أن مستشفيات القطاع الخاص قررت ألا تشارك في موضوع الجائحة، حينها كان مستشفى بيروت الحكومي بالطليعة في موضوع العلاج خلال الأشهر الثلاثة الأولى، حتى عاد القطاع الخاص للمشاركة وقد سمح ذلك خلال تلك الفترة بأن تستخدم المساعدات لدعم القطاع العام ومنها المستشفيات الحكومية من خلال تكبير الأقسام، تحديداً أجنحة العناية الفائقة والعناية المخصصة بكورونا. من جهة ثانية، عززت الأزمة الاقتصادية دور هذه المستشفيات العامة، خصوصاً أن عدداً كبيراً من الناس توجهوا إليها".

التحديات

أما بالنسبة إلى التحديات التي تعانيها المستشفيات بشكل عام سواء العامة أو الخاصة، بحسب الأبيض، فـ"هي هجرة الطاقم الطبي والتمريضي والنقص في الكوادر البشرية وشح المحروقات وهذه الأمور أساسية لأن المستشفيات لا تتوقف عن العمل 24/24 ساعة. أما المشكلات التي تواجه المستشفيات الحكومية تحديداً، فهي التي ترتبط بشكل وثيق بمشكلات القطاع العام، كمشكلة رواتب العاملين، لا سيما أن القطاع الحكومي محكوم بسلسلة الرتب والرواتب التابعة للدولة التي لا تزال متأخرة وهذا يشكل عبئاً كافياً في موضوع الحفاظ على هؤلاء العاملين".

دور الوزارة

وعن دور وزارة الصحة، يقول الأبيض "عملنا على تأمين المساعدات الخارجية، أما النوع الثاني من المساعدات، فجاءت على شكل مشاريع مع منظمات أممية كبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الـUNDP  وغيرها لدعم الطاقة المتجددة ووضع لوائح للطاقة الشمسية لأكثر من 18 مستشفى حكومياً. أما بالنسبة إلى بعض المستشفيات الحكومية الأخرى، فأسهمت دول خارجية بإعادة بناء الجزء الذي تهدم بعد انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس (آب) 2020. كما أن هناك مشروعاً لدعم مستشفى طرابلس الحكومي، إضافة إلى قروض لدعم المستشفيات الحكومية وتجهيزها بمعدات، خصوصاً معدات الأشعة. بالتالي، نحاول قدر الإمكان أن نؤمن الدعم لتلك المستشفيات وهذا التحدي الأكبر في ظل الأعباء المتتالية على البلد وحاجتنا للمستلزمات الطبية والأدوية المستوردة في معظمها".

أما عن الحلول، فيوضح الأبيض "نعمل على رفع التعرفة من قبل الجهات الضامنة بالتزامن مع انهيار العملة أمام الدولار"، معتبراً أنه "في حال لم تتم زيادة التعرفة لن تستطيع المستشفيات الصمود" ولفت إلى أنه "في وزارة الصحة لدينا مشاريع عدة منها قرض البنك الدولي، كما نعمل على تخصيص تمويل عادل لموازنة الصحة لعام 2022 لتكون قادرة على دعم المستشفيات وأيضاً زيادة التعرفة ستة أضعاف للتمكن من الصمود".

العراق: القطاع الطبي يشهد انتكاسة

الأوضاع الصحية في العراق شهدت بين عامي 1945و1965 تحولاً مهماً في الواقع الاستشفائي بفعل عوامل عدة، مثل التحسن المالي للدولة بعد توقيعها اتفاق مناصفة الأرباح عام 1952 مع شركات النفط العالمية، وتأسيس مجلس الإعمار في 1950، والذي أخذ على عاتقه الإشراف على استثمار الموارد المالية المتأتية من النفط في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

 

وكان من مظاهر هذا التطور ازدياد أعداد المؤسسات الصحية العلاجية مثل المستشفيات والمستوصفات والمعاهد الصحية المتخصصة كماً ونوعاً، وامتد التطور ليشمل الملاكات الطبية في مختلف المستويات والمستلزمات الأخرى المرتبطة بالأوضاع الصحية، فكان العراق من الدول المشهود لها بجودة الخدمات الطبية، وكانت العلاجات مجانية، ولم يوفد للعلاج في الخارج إلا من تعسر تشخصيه أو من لا يتوافر له العلاج.

لكن الانعطاف في مستوى الخدمات الطبية التي يحصل عليها المواطن بدأ يلحظ تدهوراً منذ منصف الثمانينيات وقت كانت الحرب العراقية – الإيرانية في أوجها، وحينها بدأت الآلات والأدوات الطبية تتناقص وبدأت مظاهر الغلاء وقلة الخدمات تظهر على السطح.

وخلال التسعينيات بدأت وتيرة التراجع تتسارع مع الحصار الاقتصادي المفروض على العراق والحروب المتتالية، وكلها عوامل أدت إلى انتكاس أداء النظام الصحي وبنيته التحتية مع تراجع خطر في الأمن الصحي.

التراجع الأوسع

وبعد العام 2003 لم تمنح الحكومات المتعاقبة وزارة الصحة ومؤسساتها أولوية، ولم تلب تخصيصات الموازنة حاجات السكان وتطلعاتهم، ولذلك استمر القطاع الصحي في معاناته من نقص أعداد العاملين من الأطباء والممرضين مما أسهم في استمرار هجرة العقول، فمن مجموع 52 ألف طبيب مسجل في نقابة الأطباء هاجر 20 ألفاً.

ويبلغ عدد المستشفيات الحكومية في العراق 281 مستشفى، ويشكل هذا العدد نسبة 0.7 لكل 100 ألف مواطن، أما المراكز الصحية فيبلغ عددها 2765 مركزاً صحياً، منها 1336 مركزاً رئيساً و1429 مركزاً فرعياً، تتوزع على جميع مناطق العراق الحضرية والريفية.

وتحتاج المؤسسات الصحية في العراق من مستشفيات ومراكز صحية إلى زيادة عددها بما يتناسب وزيادة السكان الملحوظة خلال السنوات الأخيرة، وعليه فإن نسبة التمويل الصحي لا تزال منخفضة مقارنة بموازنات الدول العربية، إذ بلغ التخصيص المالي المقدم في موازنة 2019 لقطاع الصحة 6 تريليونات دينار فقط، وهي نسبة لا تتجاوز 4.5 في المئة من الموازنة العامة، ومتدنية مقارنة بموازنات الدول الأخرى.

كما أن الإنفاق الصحي يذهب إلى الرواتب والأجور من دون أن يتم تخصيص جزء منه للتحسينات التي تشمل الخدمات الصحية ومشاريع التوسعة والإعمار للمستشفيات والمستوصفات كماً ونوعاً.

الطبيب العراقي في المجابهة

ويوضح الاختصاصي في جراحة الأنف والأذن والحنجرة وسام عكاب أنه على الرغم من النقص الواضح والجلي الحاصل في المستشفيات الحكومية، إلا أنها لا تزال تقدم خدمات طبية كبيرة لعدد كبير من الفقراء وذوي الدخل المحدود، ممن يراجعون أقسامها من عيادات استشارية وطوارئ، ولا تزال الفحوص المخبرية والتصوير بالأشعة فوق الصوتية وغيرها من الخدمات الطبية تقدم بشكل شبه مجاني.

ويرى عكاب أن كثيراً من هذه الخدمات محدودة، وربما لا ترتقي إلى مستوى حاجات المرضى من حيث النوعية أو الكمية أو كليهما.

كما يرى أن الطبيب العراقي يتحمل كثيراً من العبء بسبب محدودية الخدمات الطبية، لأنه سيكون في المواجهة مع المريض "فيقع عليه عبء توزيع الخدمات المتوافرة بحسب العدد والأولية وشدة حاجة المريض إلى هذه الخدمة أو تلك".

ويكمل عكاب قائلاً إنه "في حال عدم توافر الخدمات الطبية فعلى الطبيب أن يخلق الأعذار ويوضح للمريض وذويه اسباب ذلك، وبعدها إرشادهم إلى مكان توافرها سواء كان في مستشفيات حكومية أخرى أو في القطاع الخاص".

غياب الأدوية الأساس

"يومياً أضطر إلى كتابة قائمة من الأدوية للمرضى لغرض شرائها من خارج المستشفى، وكذلك إجراء التحاليل في مكان آخر لعدم توافرها كلها في المستشفى"، هذا ما يذكره أحد الأطباء الذي يوضح أن الخدمات التي تقدمها المستشفيات الحكومية من أدوية وغيرها غير كافية مقارنة بالموازنة التي تصرف عليها.

واشتد نقص الأدوية عام 2014 ووصل إلى ذروته عام 2018، ويبين الوضع الدوائي في العراق أن ما نسبته 12 في المئة فقط من الأدوية الأساس توافرت بصورة كاملة في المستشفيات الحكومية، مما يعني أن المرضى الراقدين في المستشفى اضطروا إلى شراء الأدوية التي وصفت لهم من القطاع الخاص وبكلف باهظة، كما أن المبالغ المخصصة للأدوية والمستلزمات الطبية في موازنة 2019 لم تكف حتى لتغطية ما يحتاجه البلد من أدوية أساس، خصوصاً أن جزءاً من المبالغ يستخدم للإيفاء بديون سابقة للشركة العامة لتسويق الأدوية والمستلزمات الطبيبة التي تتجاوز النصف ترليون دينار.

ويرى الاختصاصي حيدر علي حنتوش أن الخدمات الطبية غير كافية، فهناك نقص شديد في الأدوية والمستلزمات الطبية مما يجعل الطبيب يواجه تحدياً كبيراً، فالمواطن يحّل الطبيب مسؤولية لا شأن له بها من نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، فيتعرض الطبيب للعنف الجسدي واللفظي والاعتداءات، وبعضهم يعتبر أن الطبيب يتحجج بالنقص الحاصل في المستلزمات الطبية لكي يضطر المريض إلى اللجوء للقطاع الخاص.

مستشفيات الأقضية هي الأسوأ في الخدمات

ويوضح الاختصاصي وسام عكاب أن بعض الخدمات الطبية تكاد تكون معدومة في بعض مستشفيات الأقضية والأطراف، وفي هذه الحال يكون الطبيب في وضع حرج جداً، "فحتى لو كان الطبيب على دراية وخبرة في مجاله واختصاصه، لكنه يعمل في مستشفى يفتقر إلى أبسط التجهيزات والمعدات لإنقاذ حياة المريض، لذا يضطر ويجازف بإرساله بسيارة إسعاف إن توافرت إلى المستشفيات التي يمكنها إنقاذه.

ويكمل، "طالب كثير من الأطباء بتوفير بعض الخدمات الطبية الضرورية اللازمة من أجهزة وعلاجات، إلا أن الاستجابات غالباً ما تكون خجولة، ولا ترتقي إلى مستوى النقص الحاصل".

أقل الرواتب

وبسبب سوء توزيع الملاكات الطبية، يضطر الطبيب العراقي إلى العمل في أكثر من مهمة لكي يقوم بسد النقص الحاصل في الكادر التمريضي والإداري، ويقول أحد الأطباء ممن يعمل في القطاع الحكومي إنه "في المستشفى الحكومي الذي أعمل فيه يلقى على عاتقي صرف التذاكر في الطوارئ وكتابة الوصفة العلاجية وأنا أصرفها من الصيدلية وأعطيه المريض، فعملي هو محاولة سد النقص الحاصل في الكادر الطبي مع أنني أتقاضى أقل من راتب الشرطي المكلف بحراسة المستشفى".

الحل في الاستثمار

ولا يتوقع الاختصاصي حيدر علي حنتوش أن تكون الخدمات المقدمة في المستشفيات الحكومية في ظل هذا الوضع أفضل حالاً مما هي عليه الآن، ويرى أن الحل للنهوض بواقع المستشفيات الحكومية وإمدادها بالمستلزمات والأدوية بشكل دائم هو خصخصة القطاع الصحي مع توفير ضمان صحي للفئات الهشة في المجتمع.

المزيد من تحقيقات ومطولات