Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تعذيب سوري حتى الموت يفتح ملف انتهاكات الأمن في لبنان

السلطات تحقق في الجريمة وتوقف ضابطا وثلاثة آخرين ومصادر: غياب تطبيق القانون بحق المتورطين وراء تكرار التجاوزات

مخاوف حقوقية من تحول التعذيب إلى عمل ممنهج لدى الأجهزة الأمنية   (رويترز)

لم يكن الشاب السوري بشار عبدالسعود يتخيل أن الفصل الأخير من حياته سيكتب في أحد مراكز جهاز أمن الدولة في جنوب لبنان إذ كان يظن كما كثير من السوريين أن وضع حقوق الإنسان في الدولة الجارة أحسن مما هو عليه في دولته الأم، لكنه عرف الحقيقة قبل أن تصعد روحه إلى بارئها بفعل التعذيب.

الكدمات والندوب التي تفنن المحققون في حفرها على الشاب السوري أثبتت أن التعذيب ما زال أداة حاضرة في لبنان من أجل انتزاع الاعترافات خلال التحقيقات الأولية في الجرائم، تحديداً تلك التي تتم أمام الأجهزة الأمنية بعيداً من الرقابة القضائية في كثير من الأحيان.

تلك الجريمة شكلت وصمة عار على جبين العدالة في لبنان، بخاصة أنه من البلاد التي أسهمت في وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما صادق على العهود الدولية الخاصة وانضم إلى "الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة".

توثيق الجريمة

كشف الطبيب الشرعي في محافظة النبطية غ. صالح على جثة الشاب السوري بشار وتضمن التقرير وصفاً دقيقاً للإصابات في عموم الجسد وبأدوات عنيفة مختلفة، وبحسب التقرير فإن الكشف وقع في حضور عناصر جهاز أمن الدولة والأدلة الجنائية نحو الساعة 4:15 مساء الأربعاء 31 أغسطس (آب) 2022 وأثبت الطبيب وجود "زرقة واحمرار وتورم شديد في الرأس وحيدان الأذن اليسرى والعنق وجرح نازف في الشفة السفلى من الجهة اليمنى وبقايا دم في فتحتي الأنف وعلامات تكدم في الجبين وعلامات حروق في أنحاء من الجسد وعلامات كثيرة تدل على استعمال سوط أو سلك كهربائي في الأطراف العليا والظهر والصدر".

يضيف التقرير الذي حصلت "اندبندنت عربية" على نسخة منه أن "بالبطن والأطراف السفلى من جميع نواحيها حتى القدمين علامات تكدم وتورم في الخصيتين"، كما أفاد التقرير الأولي باستخراج عينات من البول والدم وتسليمها إلى الأدلة الجنائية مع استكمال الحالة ودراستها بما فيها نتيجة الصورة الطبقية المحورية لكامل الجسد.

الجريمة تخالف قواعد أمن الدولة

عند زيارة الموقع الإلكتروني لجهاز أمن الدولة، فإن أول ما يسترعي الانتباه مدونة قواعد السلوك التي أنجزت بالتعاون مع مركز "ريستارت" لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب ونقتبس من المقدمة "تلتزم المديرية العامة لأمن الدولة ممارسة صلاحياتها ومهماتها على نحو أخلاقي وقانوني في جميع الظروف والأوقات ومن دون أي استثناء"، كما أن المدونة وضعت "احترام حقوق الإنسان" في رأس قيم المؤسسة بعد "الولاء للوطن والشعب"، كذلك تضمنت فصلاً خاصاً يحمل عنوان "الحظر المطلق للتعذيب" فجاء فيه "عدم ارتكاب أي عمل من أعمال التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو التحريض عليه أو التغاضي عنه، كما لا يجوز التذرع بأوامر عليا أو ظروف استثنائية أو أية حالة أخرى لتبرير التعذيب".

أما بالنسبة إلى الفصل المخصص لحماية الأشخاص المحرومين من حريتهم، فجاء فيه "عدم التعرض للشخص الخاضع للتحقيق بالضرب أو التعذيب أو الإهانة وعدم اللجوء خلال التحقيقات في جميع مراحلها إلى استخدام الطرق القسرية أو التلاعب أو الإكراه أو التعذيب لانتزاع الاعترافات بل الاعتماد على تقنيات علمية ناهيك عن توفير الحماية للأشخاص الذين تقدموا بادعاءات متعلقة بالتعذيب من الأعمال الانتقامية"، إضافة إلى تأكيد عدم التمييز في معاملة جميع الأشخاص.

من جهته، تحرك مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي وأمر بفتح تحقيق بالحادثة وأصدر قراراً بتوقيف ضابط وثلاثة عناصر من جهاز أمن الدولة، فيما لم تنف مصادر جهاز أمن الدولة حادثة الوفاة، إلا أنها وضعتها في إطار التحقيق مع خلية إرهابية، كما أن "التحقيقات مستمرة لكشف ملابسات الحادثة، إذ تبين حتى الساعة أن الموقوف الذي توفي والموقوفين الآخرين ينتمون إلى تنظيم داعش الإرهابي وستعمد المديرية بعد أخذ إشارة القضاء إلى نشر اعترافاتهم الموثقة التي تتناول تفاصيل أمنية دقيقة حول انتمائهم إلى التنظيم المذكور"، متعهدة باتخاذ العقوبات بحق المذنبين عند انتهاء التحقيق.

ما نقل على لسان مصادر المديرية فتح الباب أمام تساؤلات مشروعة من الناحية الحقوقية، إذ علق الصحافي رضوان مرتضى على ذلك قائلاً إن "بيان أمن الدولة لم ينف وفاة الموقوف جراء تعرضه للتعذيب الوحشي، بل برر وأخذ دور المحكمة معتبراً أن الموقوف اعترف بأنه داعشي ليخفف من وطأة الجريمة مع أن التحقيق بدأ عن ترويج 50 دولاراً مزورة"، وتابع "من ناحية أخرى فإن البيان تحدث عن اعترافات بانضمام إلى تنظيم إرهابي ومن وجهة نظر قانونية فإن من شأن التعذيب المثبت بالمعاينة وتقرير الطبيب الشرعي أن يشكلا عاملاً مشككاً في صدق الاعترافات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستهجن المحامي محمد صبلوح رئيس مركز السجين في نقابة المحامين بطرابلس استخدام التعذيب في التحقيقات، قائلاً إن "ما جرى يشكل مخالفة صريحة لنص المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية لأنه لا يوجد موقوف يقبل أن يتعرض للتعذيب ولا يطالب بتعيين محام له" ومنوهاً بأنه "أوقف بسبب 50 دولاراً مزورة وفجأة تظهر رواية أمن الدولة أنه ينتمي إلى شبكة تابعة لداعش"، ويلفت "مهما كانت الجريمة المشتبه فيها، فلا يحق لأي جهاز أمني ممارسة التعذيب بحق السجين أو الموقوف"، مستنكراً أن تكون "ثقافة الأجهزة الأمنية غير مقتنعة بتطبيق القانون".

يعرب صبلوح عن أسفه لما ظهر على جسد بشار لأن "ما اقترف بحقه لا يمكن لبشر ارتكابه"، معتبراً أن "سبب هذا المشهد هو عدم محاسبة ضابط آخر في الجهاز ذاته عندما ارتكب جريمة التعذيب بحق المخرج زياد عيتاني الذي تقدم بدعوى مباشرة ضده ولم تحسم، بل إن الضابط المتهم تمت ترقيته على الرغم من اتهامه بجريمة تعذيب".

يستغرب المحامي صبلوح ارتكاب الجريمة من جانب أربعة أفراد وليس عنصراً واحداً متسائلاً "هل انعدمت الإنسانية لدى البعض إلى درجة رؤية جريمة ترتكب ولا يتم التبليغ عنها صراحة؟" ومنبهاً إلى أن النيابة العامة التمييزية لم تؤد واجباتها لناحية تطبيق القانون رقم 65 لعام 2017 الذي يكافح جريمة التعذيب.

كما يعود صبلوح بالذاكرة إلى الوراء "إبان فضيحة تعذيب نحو 200 سجين في سجن رومية، عندما انبرى المسؤولون لنفي ذلك على الرغم من الفيديوهات والصور التي وثقت ما حصل وفي حينها أوقف ثلاثة عناصر سرعان ما أطلق سراحهم بعد 10 أيام فقط" ويتخوف من تكرار المحاكمات الصورية مطالباً النيابة العامة التمييزية بالتحرك السريع وعدم ترك التحقيق في حيازة النيابة العامة العسكرية" ومستهجناً تحول التعذيب في لبنان إلى عمل ممنهج ومغطى من جميع الأجهزة، لذلك "ربما نكون أمام توجه إلى العدالة الدولية لوقف جريمة التعذيب بسبب فقدان الأمل بالإصلاح في لبنان".

تصريح حكومي وحيد

لم يصدر عن الحكومة اللبنانية أي موقف رسمي من وفاة الشاب السوري بشار تحت التعذيب في أحد مراكز التوقيف الخاضعة للإدارة الأمنية، وحده وزير البيئة ناصر ياسين دان الجريمة إذ وصف ما حصل مع الموقوف السوري أثناء التوقيف وأدى إلى وفاته "جريمة يرفضها العقل وتنافي حقوق الإنسان"، مؤكداً أن "المطلوب من النيابة العامة إجراء تحقيق جدي من قبل القضاء العدلي وليس العسكري واحترام أصول الاستقصاء والتحقيق في جرائم التعذيب" ومطالباً بإقرار مراسيم الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان الوصية على الوقاية من التعذيب ومعاقبة مرتكبيه.

مرجع قضائي لبناني يعرب عن أسفه حيال "سياسة الإفلات من العقاب بصورة ممنهجة ومقصودة" ويجزم عبر "اندبندنت عربية" أن "جريمة التعذيب تستمر بسبب غياب الرادع أو الرقابة على تطبيق القانون" ويعتقد أن القانون 65 لعام 2017 الذي يكافح جريمة التعذيب في لبنان "ما زال حبراً على ورق"، مؤكداً أن "التحقيق في جريمة التعذيب من صلاحية القضاء العدلي وليس العسكري وتكليف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية في التحقيق أمر مستغرب".

وعن سبب استمرار التحقيق القائم على التعذيب، يعتبر أن "عدم تدريب القضاة على القوانين الجديدة وكذلك عدم تثقيف القوى الأمنية التي تتولى مهمات الضبطية العدلية على تطبيق القانون يسببان كوراث في التحقيقات" ويضيف "عندما يثبت وجود تعذيب في التحقيق، تحديداً عند فروع الاستخبارات، نراسل قيادتهم فلا تأتينا الأجوبة ولا تحدد أسماء الضالعين بذلك، كما أن معاينة أجساد الموقوفين من قبل الطبيب الشرعي عند الادعاء بوجود تعذيب يتأخر في بعض الأحيان وتتم المماطلة به لحين غياب العلامات إلى جانب أن كثيراً من القضاة لا يؤدون واجباتهم بالزيارات التفقدية الشهرية إلى مراكز التوقيف".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي