Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إذا لم تحسم الانتخابات التركية في الجولة الأولى فقد تخسر المعارضة (2)

تركيا لم تشهد حتى الآن جولة ثانية من الانتخابات فلا توجد معطيات حول الكيفية التي سيكون عليها سلوك الناخبين في مثل هذه الحال

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يصافح حليفه زعيم حزب الحركة القومية التركية دولت بهتشلي خلال يوم القوات المسلحة التركية (أ ف ب)

أود أن أبداً بتوضيح بعض الالتباس في ما يتعلق بالتحالفات في تركيا، إذ يبلغ العدد الإجمالي للأحزاب فيها 101 حزب، والأحزاب التي تأهلت للانتخابات في الوقت الحالي هي 24 حزباً، وحالياً هناك ثلاثة تحالفات وأحزاب لم تنخرط بعد في أي منها.

التحالف الأول هو "تحالف الجمهور" الحاكم الذي يضم حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية وحزب الوحدة الكبرى وحزب القضية الحرة وحزب اليسار الديمقراطي وحزب الوطن، والثاني هو "تحالف الأمة" الذي يمثل المعارضة الرئيسة ويضم حزب الشعب الجمهوري وحزب الخير وحزب السعادة وحزب الدواء وحزب المستقبل والحزب الديمقراطي، والثالث هو "تحالف العمل والحرية" الذي يمثل مزيجاً من الأحزاب الكردية واليسارية الصغيرة مثل حزب الشعوب الديمقراطي وحزب الحركة العمالية وحزب العمل واتحاد الجمعيات الاشتراكية وحزب العمال التركي وحزب الحرية الاجتماعية، أما الأحزاب الخارجة عن التحالف وتحظى بحضور لدى الرأي العام التركي فهي حزب النصر وحزب الرفاه مجدداً وحزب البلاد وحزب التغيير التركي وحزب تركيا المستقلة وحزب الملة وحزب الوطن الأم.

وفي هذه الأيام التي تدخل فيها تركيا أجواء الانتخابات ستكون الأحزاب الـ 25 التي ذكرتها أعلاه والخطوات التي ستتخذها قضية الرأي العام التركي، أما لماذا يمكن أن يفوز رجب طيب أردوغان إذا انتقلت الانتخابات الرئاسية إلى الجولة الثانية فلذلك أسباب أولها أن التحالف الثالث المتشكل على جبهة المعارضة وكذلك الجماهير التي يمكن أن تصوت للأحزاب غير المنضمة للتحالف المعارض هي بشكل عام جماهير مناهضة لأردوغان، وهذا سيوجه ضربة إلى مرشح تحالف الأمة (الطاولة السداسية) الذي يشكل المعارضة الرئيسة، لأن أحزاب هذه التحالفات الصغيرة حتى لو حصلت على نسبة واحد أو اثنين في المئة من الأصوات فإنها ستلحق أضراراً كبيرة بمرشح تحالف الأمة المعارض، وإذا نجح أردوغان في الوصول إلى الجولة الثانية فسيكون قد اجتاز الجولة الأولى بفضل هذه الأطراف.

وثانيها أنه إذا وصل أردوغان إلى الجولة الثانية فسيتأهب باستعدادات دعائية جادة وسيستثمر جميع المقدسات الدينية والقيم الوطنية إلى أقصى حد، ولسوء الحظ تستجيب البنية الاجتماعية التركية والشخصية التركية لمثل هذه الدعاية المتلاعبة، كما شاهدنا أمثلة عدة على ذلك خلال الانتخابات السابقة، وقد يكون من المفيد أن نجري مقارنة لتركيا مع عدد من البلدان التي تجري فيها الانتخابات الرئاسية في جولتين، ففي فرنسا احتفظ إيمانويل ماكرون الذي حصل على 58 في المئة من الأصوات بالسلطة خلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي أجريت قبل نحو خمسة أشهر، وذلك بالتغلب على مارين لوبن التي ظلت عند 41 في المئة، علماً بأنه في الجولة الأولى من الانتخابات التي أجريت في الـ 10 من أبريل (نيسان) فاز ماكرون بنسبة 28 في المئة، ولوبان بـ 23 في المئة، وميلانشون بـ 22 في المئة، بالتالي لم يتمكن الاشتراكي ميلانشون من التأهل إلى الدور الثاني الذي عقد في الـ 24 من أبريل بسبب فارق واحد في المئة من الأصوات.

ويلاحظ أنه خلال الانتخابات التي تجرى في جولتين يمكن أن تكتسب هذه النسب الصغيرة أهمية كبيرة، وليس ذلك فحسب، بل ينبغي اعتبار أن معدل المشاركة في الانتخابات عامل حاسم أيضاً، ففي الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2022 كانت نسبة المشاركة 72 في المئة، بينما في الجولة الثانية شارك في التصويت 66 في المئة فقط من الناخبين، ويشار إلى أن هذا الوضع هو المتوقع في تركيا أيضاً.

معدلات المشاركة

بشكل عام يلاحظ أن معدل التصويت في الانتخابات ذات الجولتين في العالم يتغير خلال الجولة الثانية، وعندما ننظر إلى معدلات المشاركة الانتخابية في الدول التي أجرت جولتين من الانتخابات منذ عام 2000 نرى اتجاهات واضحة، ففي كل من هذه الدول وعلى الرغم من وجود اختلافات بحسب فترات الانتخابات، أجريت أربعة أو خمسة انتخابات خلال هذه الفترة، وانتهت جميعها في روسيا والبرتغال والأرجنتين خلال الجولة الأولى من دون جولة ثانية، وكذا جميع الانتخابات التي أجريت في النمسا وإيران باستثناء واحدة، حسمت خلال الجولة الأولى أيضاً.

ومن الممكن ملاحظة اتجاهات معينة عبر الانتخابات التي تنتقل إلى الجولة الثانية، ففي البرازيل التي ذهبت جميع الانتخابات فيها إلى الجولة الثانية انخفضت نسبة المشاركة، وحدث الأمر نفسه في كل من فرنسا وبلغاريا في جميع الانتخابات باستثناء واحدة، كما أنه في الانتخابات الوحيدة في إيران التي وصلت إلى الجولة الثانية، انخفضت نسبة المشاركة، والبلد الوحيد الذي لم يتبع الاتجاه العام المذكور أعلاه هو بولندا، حيث حسم أحد الانتخابات الأربعة التي أجريت منذ عام 2000 خلال الجولة الأولى، ولم يتغير معدل الإقبال في اثنين منها، وزاد الإقبال خلال الجولة الثانية في واحد من الانتخابات، وبالطبع لا يمكن التنبؤ بالانتخابات التركية من خلال النظر إلى الانتخابات التي أجريت في دول مختلفة خلال تواريخ مختلفة، ومع ذلك فعند تقييم الدراسات من المفيد النظر في الاتجاهات التي لوحظت في التطبيقات على أساس الاختيار من جولتين، وأول ما يلفت الانتباه في الأمثلة المقدمة هو أن نحو نصف الانتخابات المذكورة حسمت قبل الوصول إلى الجولة الثانية، وتضم هذه المجموعة أيضاً انتخابات 2014 و2018 التي أجريت سابقاً في تركيا على مرحلتين، ولا نعرف ما إذا كانت الانتخابات المقبلة ستصل إلى الجولة الثانية، لكن لا ينبغي إهمال هذا الاتجاه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومما يلفت الانتباه أيضاً، وإن لم يكن دقيقاً جداً، هو أن هناك اتجاهاً هبوطياً في معدل المشاركة خلال الجولة الثانية، وهذا الوضع مهم بشكل خاص في تركيا، فخلال الجولة الأولى من الانتخابات التي تجرى في جولتين يصوت الناس عموماً لمرشحهم المفضل، وعندما يتبقى اثنان فقط من المرشحين للجولة الثانية يضطر الناخبون إلى التصويت لأحد المرشحين المتاحين حتى لو لم يعجبهم ذلك، وفي هذه المرحلة لا توجد مشكلة بالنسبة إلى أولئك الذين صوتوا بالفعل لأحد هذين المرشحين خلال الجولة الأولى، لكن الناخبين الذين فشل مرشحهم خلال الجولة الأولى في التقدم إلى الجولة الثانية يواجهون عملية صعبة في اتخاذ القرار، وبعض هؤلاء الناخبين يصوتون لأحد المرشحين اللذين يرونه مناسباً، بينما يتخلى بعضهم الآخر عن التصويت إما بسبب رد الفعل على فشل مرشحهم أو بسبب عدم ارتياحهم إلى أي من المرشحين الحاليين لذلك، والواقع أن هذه الحال تؤدي إلى انخفاض نسبة المشاركة في معظم انتخابات الجولة الثانية.

من الخاسر؟

السؤال الحاسم هنا هو أي المرشحين الباقيين سيخسر هذه الأصوات الباقية أكثر؟

يمكن إعطاء إجابات مختلفة عن هذا السؤال من خلال النظر في المناقشات السياسية الحالية والظروف الاقتصادية، ومع ذلك يمكننا أن نتوقع، بغض النظر عن هذه المعطيات، أن المرشح الذي يبدو ناخبوه أكثر تجانساً سيخسر أقل من المرشح الذي يتنوع ناخبوه على نطاق واسع جداً، ولن يشعر هؤلاء الناخبون بأنهم مضطرون إلى التصويت لمرشح مختلف تماماً عن اختيارهم الأصلي، وفي هذا الإطار يرى أن جميع الأحزاب التي تشكل الكتلة الحاكمة في تركيا والتي تضم حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية وحزب الوحدة الكبرى وحزب القضية الحرة وحزب اليسار الديمقراطي وحزب الوطن، هي أحزاب قومية ومحافظة، وبعبارة ملطفة أحزاب تدعو إلى أن تكون سلطة الدولة حاسمة في جميع مجالات الحياة، ولذلك فإن احتمال خسارتها في الجولة الثانية منخفض، بينما في الجانب الآخر فإن أحزاب المعارضة منوعة لدرجة أنها تغطي جميع وجهات النظر تقريباً في المجتمع، فهناك ستة أحزاب يقودها حزب الشعب الجمهوري ومجموعة أخرى يتزعمها حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي)، وهناك عدد من الأحزاب الصغيرة غير المنخرطة في هذه المجموعات، وليس من المستبعد أن يكون فيها قسم لا يحبذ التصويت لمرشح يمثل المعارضة ولا يذهب إلى صناديق الاقتراع خلال الجولة الثانية.

وتنبغي الإشارة إلى أن تركيا هي واحدة من الدول التي لديها أعلى نسبة إقبال على التصويت في العالم، وعادة ما يكون معدل التصويت نحو 85 في المئة، في حين أنه يكون نحو 60 في المئة في الولايات المتحدة و60 إلى 80 في المئة في أوروبا وآسيا، لكن الفارق هو أن تركيا لم تشهد حتى الآن جولة ثانية من الانتخابات، فلا توجد معطيات حول الكيفية التي سيكون عليها سلوك الناخبين في مثل هذه الانتخابات، ومن غير المعروف ما إذا كان الناخبون سيذهبون إلى صناديق الاقتراع بعزم خلال الجولة الثانية، ويصوتون لمن لم يصوتوا له في الجولة الأولى، فلربما تنخفض معدلات التصويت في تركيا كما رأينا في بقية العالم.

في الآونة الأخيرة تتداول الكلمات التي تقول إن المعارضة يمكن أن تذهب إلى الجولة الأولى مع عدد من المرشحين نظراً إلى أن الأصوات ستتوحد خلال الجولة الثانية، وعلى أية حال يبدو أن المفاوضات تحتدم، وكأن المعارضة متأكدة من الفوز بالانتخابات، ومن الطبيعي أن يكون لكل طرف حساباته الخاصة، لكن لا ينبغي أن ننسى أن المطالب المتطرفة يمكن أن تؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها، طبقاً لمقولة "الحريص خائب خاسر"، وإذا لم تكن المعارضة على دراية بهذا الوضع فقد يفوز أردوغان خلال الانتخابات حتى من الجولة الأولى.

المزيد من تحلیل