Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تراس ستعتمد خطة حزب العمال لمواجهة غلاء المعيشة بكلفة 116 مليار دولار

خفض الضرائب في بريطانيا سيرفع التضخم وأسعار الفائدة وعجز الميزانية ولا يضمن زيادة النمو بالضرورة

حلول إقتصادية صعبة تنتظر رئيس الوزراء البريطانية الجديدة في ظل الأوضاع المتدهورة ( رويترز)

استقبلت الأسواق فوز ليز تراس بزعامة حزب المحافظين ورئاسة الوزراء خلفاً لسلفها المستقيل بوريس جونسون بعمليات بيع هائلة للعملة البريطانية (الجنيه الاسترليني) تركته في أضعف حالاته منذ 37 عاماً وكذلك لسندات الخزانة البريطانية. وهوى سعر صرف الجنيه الاسترليني في بداية تعاملات الأسبوع إلى 1.14 دولار أميركي للجنيه، بينما ارتفع العائد على سندات الدين السيادي البريطاني متوسطة الأجل لمدة عشر سنوات إلى نحو ثلاثة في المئة للمرة الأولى في 14 عاماً.

يتم تكليف ليز تراس بتشكيل حكومة الملكة اليوم في قلعة بالمورال باسكتلندا، وهي المرة الأولى التي تتم فيها تلك المراسم في قصر باكنغهام بلندن المقر الرسمي للملكية البريطانية، في ظل ظروف اقتصادية متدهورة وتحديات هائلة تواجه البلاد. فالتضخم عند أعلى مستوياته منذ نحو 40 عاماً عند ما يزيد على 13 في المئة، ومرشح للارتفاع أكثر.

أما عجز الميزانية فمرتفع أكثر من بقية الوضع في الدول المماثلة، وهناك أيضاً كلفة التبعات المتراكمة على بريطانيا من فترة أزمة وباء كورونا وتزيد على 41 مليار دولار (36 مليار جنيه استرليني)، هذا إضافة إلى سوق عمل تعاني النقص الشديد نتيجة سياسات الحمائية من العمالة الأوروبية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، على الرغم من انخفاض معدلات البطالة عما كانت عليه في وقت أزمة وباء كورونا. كل ذلك في الوقت الذي تباطأ فيه الاقتصاد إلى حد الانكماش (النمو السلبي) أو عدم النمو.

فواتير الطاقة

لكن التحدي الأكبر الذي يواجه حكومة ليز تراس منذ ساعاتها الأولى في 10 داونينغ ستريت هو ارتفاع كلفة المعيشة على البريطانيين بشكل أسوأ بكثير مما في دول مماثلة، بخاصة الدول الأوروبية المجاورة. وفي القلب من ارتفاع كلفة المعيشة الزيادات المتكررة في فواتير استهلاك الطاقة للمنازل التي تضاعفت نحو خمس مرات منذ مطلع العام الماضي (أي منذ ما قبل الحرب في أوكرانيا والعقوبات على روسيا بنحو عام).

وبعد أن رفعت هيئة تنظيم سوق الطاقة في بريطانيا "أوفجيم" كلفة فاتورة الاستهلاك المنزلي الشهر الماضي ليصل متوسط الفاتورة إلى أكثر من أربعة آلاف و105 دولارات (أكثر من ثلاثة آلاف و500 جنيه استرليني) بدءاً من أول الشهر المقبل أصبح نحو ثمانية ملايين أسرة في بريطانيا غير قادرة على تحمل دفع الفواتير. وتلك المرة الرابعة في خلال عام التي ترفع فيها "أوفجيم" سقف سعر الطاقة للمنازل، وينتظر أن ترفعها أكثر لتصل إلى أكثر من سبعة آلاف دولار (نحو ستة آلاف جنيه استرليني) بداية العام المقبل.

طوال فترة الحملة الانتخابية من قبل أعضاء حزب المحافظين على مدى ستة أسابيع مضت، كانت ليز تراس ترفض فكرة دعم الأسر البريطانية لمواجهة ارتفاع كلفة فواتير الطاقة، على عكسها منافسها الذي خسر انتخابات الحزب وزير الخزانة السابق ريشي سوناك، لكن تصريحات كوازي كوارتنغ، المرشح الأقوى لتولي وزارة الخزانة في حكومة تراس، لصحيفة "الفايننشيال تايمز" أظهرت تراجع تراس عن موقفها واستعدادها لاتخاذ إجراءات لتقليل العبء عن الناس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يثبت ذلك التوقعات بأن ليز تراس لن تكون سوى نسخة أقل جودة من بوريس جونسون، بل كذلك أنها تزايد عليه أيضاً في ذلك. فالمقترح المنتظر أن تعلنه حكومة ليز تراس خلال أيام سيتضمن الخطة التي أعلنها حزب العمال المعارض لمواجهة أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة.

إذ ستعلن ليز تراس عن تجميد سقف سعر الطاقة للمنازل -وهو المكون الأساسي في الخطة التي أعلنها حزب العمال- حتى بداية العام المقبل في الأقل وربما حتى موعد الانتخابات العامة المقبلة بداية عام 2024. وستتحمل الميزانية العامة كلفة الفارق بين سعر الطاقة بالجملة والسعر بالتجزئة للمستهلكين، لكن من غير المرجح أن تتضمن خطة تراس فرض ضريبة على أرباح شركات الطاقة كما في خطة حزب العمال.

الضرائب والعجز

في حال أعلنت حكومة ليز تراس تجميد سقف سعر الطاقة حتى بداية العام المقبل سيتحمل دافعو الضرائب في بريطانيا نحو 47 مليار دولار (40 مليار جنيه استرليني)، أما إذا أعلنت تجميد سقف كلفة الفواتير حتى موعد الانتخابات عام 2024 فإن الكلفة على دافعي الضرائب ستصل إلى 116 مليار دولار (100 مليار جنيه استرليني).

بالطبع سيضاف كل ذلك إلى عجز الميزانية المرتفع بالأساس، مع ملاحظة ارتفاع كلفة خدمة الدين العام للحكومة مع ارتفاع معدلات التضخم وزيادة نسبة الفائدة. لذا، من المنتظر أن يكون من أول قرارات حكومة ليز تراس إلغاء قيود الانضباط المالي التي تلزم الحكومة بسقف محدد للاقتراض، وبذلك تتمكن الحكومة من الاقتراض كما تشاء من دون الحاجة إلى الرجوع إلى البرلمان للموافقة.

وحسب تصريحات المقربين من تراس خلال حملتها الانتخابية في اختيار الحزب لزعيمه، فإن فريق تراس ليس معنياً بمسألة ارتفاع العجز، بل ولا حتى بارتفاع معدلات التضخم التي قد تصل إلى ما بين 18 و20 في المئة العام المقبل. ومع ارتفاع معدلات التضخم سيضطر بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) إلى رفع أسعار الفائدة أكثر لوقف الارتفاع الصاروخي لمعدل التضخم. وسبق ونشرت وسائل الإعلام البريطانية تصريحات لمستشاري تراس الاقتصاديين بأنه لا مشكلة في ارتفاع نسبة الفائدة إلى ما فوق سبعة في المئة.

لن يقتصر ارتفاع عجز الميزانية على تمويل تجميد سقف فواتير الطاقة، بل إن تراس لن تتراجع عما أعلنته سابقاً من خفض الضرائب، بخاصة على الشرائح الأعلى دخلاً. فذلك بند مهم لإرضاء قطاع من حزب المحافظين الذين كانوا يرون بوريس جونسون ليس "محافظاً" بالقدر الكافي بسبب مسألة الضرائب والإنفاق الحكومي.

ويتوقع أن تعلن حكومة تراس إلغاء الزيادة في مخصصات التأمينات الاجتماعية، وهي الضريبة التي تخصم من العاملين وأصحاب الأعمال، لتمويل معاشات التقاعد الحكومية وخدمات الرعاية وغيرها، كما سترفع الحد الأدنى للشريحة العليا في ضريبة الدخل من 58 ألف دولار (50 ألف جنيه استرليني) إلى 93 ألف دولار (80 جنيهاً استرلينياً)، ذلك إضافة إلى احتمال خفض ضريبة القيمة المضافة بنسبة خمسة في المئة في الأقل.

 تخفيضات ضريبية

تلك التخفيضات الضريبية ستكلف الخزانة العامة ما بين 35 مليار دولار (30 مليار جنيه استرليني) و70 مليار دولار (60 مليار جنيه استرليني)، هذا إضافة إلى ضعف ذلك نتيجة تجميد سقف سعر الطاقة للمنازل.

بالطبع سيورث كل هذا العجز الهائل للحكومات التالية بعد مطلع 2024. وفي المحصلة النهائية سيتحمله دافع الضرائب البريطاني، بخاصة من الشرائح ذات الدخول المتوسطة والدنيا. ولا يبدو أن هناك أي معارضة داخل حزب المحافظين الحاكم لذلك بغرض تمكين ليز تراس من مواجهة هذه التحديات الآنية وكسب رضا الناخبين كي لا يخسر الحزب الانتخابات المقبلة.

والمبرر الذي تكرره ليز تراس في تصريحاتها منذ الشهر الماضي، ويردده المقربون منها في تصريحات لوسائل الإعلام هو أن خفض الضرائب وتشجيع الشركات وعدم التضييق على أرباحها هو السبيل لتشجيع النمو في الاقتصاد.

إلا أن هناك اقتصاديين آخرين يرون أن خفض الضرائب لا يؤدي بالضرورة إلى زيادة النمو في الاقتصاد، ويستشهدون بحالات قريبة جداً، حين لم يؤد خفض ضريبة القيمة المضافة إلى الزيادة المأمولة في إنفاق المستهلكين بالتالي عدم نمو الناتج المحلي الإجمالي بالنسب المتوقعة.