Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فقدان الثقة يعطل التوصل إلى سلام حقيقي في إثيوبيا

أديس أبابا تجمد خيارات السلام وسط استمرار المعارك مع جبهة تحرير تيغراي

أعلنت الحكومة الإثيوبية اتساع دائرة المعارك المستمرة مع مقاتلي تيغراي على جبهات ومناطق حدودية غرب البلاد قرب الحدود السودانية (أ ف ب)

بقدر الدعاية التي صاحبت مشروع السلام في إثيوبيا خلال الأشهر الماضية، يفقد حالياً جانبا الصراع، الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، الثقة بينهما للتوصل إلى سلام حقيقي، بخاصة بعد سيطرة الجبهة على مدن إضافية في إقليمي أمهرا وعفر، فإلى أين تقود التطورات الأخيرة مشروع السلام الإثيوبي؟ وإلى أي مدى تحقق الدعوات الدولية لوقف إطلاق نار حقناً حقيقياً للدماء؟
ضمن ملاحقتها للتطورات المتسارعة وتوسع رقعة القتال بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، والوضع الذي يهدد بأخذ طابع حرب إقليمية، أعلنت الولايات المتحدة السبت، الثالث من سبتمبر (أيلول) الحالي، أنها سترسل مبعوثها إلى إثيوبيا لحمل طرفي النزاع على وقف القتال الذي تجدد نهاية الشهر الماضي، وفي وقت دعت فيه دول أعضاء في مجلس الأمن إلى اجتماع لبحث الأوضاع في إثيوبيا، لا تزال الاتهامات متبادلة بين طرفي القتال حول الجهة المنتهكة للسلام.

اتهامات متبادلة

وكان بيان للحكومة الإثيوبية اتهم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بشن هجوم على الجيش الإثيوبي في الجبهة الشرقية، وحمّلت أديس أبابا "الجبهة" مسؤولية التصعيد العسكري.
وفي تطور متسارع، أعلنت الحكومة الإثيوبية اتساع دائرة المعارك المستمرة مع مقاتلي تيغراي على جبهات ومناطق حدودية غرب البلاد قرب الحدود السودانية، وذكر بيان لمكتب الاتصال الحكومي الأربعاء الماضي "أن جبهة تحرير تيغراي وسعت نطاق حربها إلى مناطق أخرى، وشنت هجمات جديدة على مناطق والقايت الحدودية مع السودان"، وأشار البيان إلى أن "استمرار العدائيات التي تمارسها الجبهة تجبر الحكومة الإثيوبية على وقف خيارات السلام التي عرضتها من أجل وقف الصراع".
من جهتها اتهمت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، الجمعة الـ 26 من أغسطس (آب) الماضي، الحكومة بشن غارة جوية على مدينة مقلي عاصمة إقليم تيغراي شمال البلاد مما أدى إلى مقتل مدنيين وفتح هجوم واسع على أربعة محاور، وقال المتحدث باسم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي جيتاتشو رداً على اتهامات الحكومة إن "القوات الحكومية فتحت هجوماً واسع النطاق على الجبهة من أربعة محاور لإقليم تيغراي، بينها جبهات مع إريتريا"، في خطوة قال إنها "تهدف إلى اندلاع حرب إقليمية في المنطقة".

كما شهد الأسبوع الماضي استعار الحرب بين الطرفين في المثلث الحدودي بين أقاليم تيغراي وأمهرا وعفر.
من جهة أخرى، أوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير أن "المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي مايك هامر سيتوجه الأسبوع القادم إلى إثيوبيا لأجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار ودعم عملية السلام شمال البلاد".
ودانت كارين جان بيير تجدد تدخل إريتريا في النزاع، إلى جانب إدانتها الهجوم المتواصل لجبهة تحرير شعب تيغراي والضربات الجوية للحكومة الإثيوبية، وحضت الطرفين على وقف القتال واستئناف العمليات الإنسانية.
وكانت الحكومة الإثيوبية ذكرت في بيان سابق إنها أعلنت وقف إطلاق النار من جانب واحد مباشرة بعد انسحاب قوات الجبهة من بعض المناطق في إقليمي أمهرا وعفر، وعملت على دعم جهود تنسيق واستمرار وصول المساعدات الإنسانية وتسهيل نقلها بشكل أفضل إلى الإقليم".

وأكد البيان أن الحكومة "لا تزال تدعو إلى حل سلمي على الرغم من عدم وجود أدنى تلميح إلى الاهتمام بالسلام من جانب عناصر الجبهة الشعبية".
وفي ظل تسارع إيقاع المعارك ناشد بيان صادر عن إقليمي أمهرا وعفر الأسبوع الماضي المجتمع الدولي "إدانة الاعمال التي ترتكبها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ضد المدنيين" في الإقليمين، وورد في البيان "أن الجبهة الشعبية ارتكبت اعتداءات عرقية ومذابح بحق أبناء أمهرا ونهب وتخريب ممتلكات المواطنين".
وفي المقابل أفاد بيان نشرته الجبهة (السبت 27 أغسطس الماضي) بأنها في ردها على هجمات حكومية استطاعت السيطرة على بعض المناطق في قوقودو وفوكيسا، وكانت الحكومة الإثيوبية اعترفت لاحقاً باستيلاء الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على بعض المناطق.
وأعلن مكتب خدمة الاتصالات الحكومي الإثيوبي في بيان أن عناصر "جبهة تحرير تيغراي" هاجمت مدينة قوبو شمال البلاد من اتجاهات عدة "باستخدام استراتيجية الموجة البشرية المعتادة، لخلق وضع يهدد سلامة المواطنين بنقل المعركة إلى وسط المدينة".

وأضاف البيان أنه "من أجل تجنب سقوط خسائر في تبادل إطلاق النار قررت قوات الدفاع الوطنية الانسحاب من مدينة قوبو واتخاذ مواقع دفاعية في ضواحيها"، وأكد البيان أنه "إذا لم تتراجع الجبهة الشعبية لتحرير تغراي عن هجومها فإن قوات الدفاع الوطنية ستكون مضطرة إلى تنفيذ واجبها القانوني والأخلاقي والتاريخي للحفاظ على سيادة وأمن البلاد"، واتهمت الحكومة الجبهة بإغلاق جميع ‏خيارات السلام التي مدت إليها.
وكانت جهات خارجية دولية وإقليمية نددت بالتطورات المتصاعدة مناشدة جانبي الصراع الركون إلى السلام والحوار، ودعت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى وقف القتال وإيجاد حل سلمي للصراع المتواصل منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2021.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نكسة السلام

ووصف مراقبون التطورات الأخيرة بـ "النكسة الحقيقية لمشروع السلام" الذي تبناه الجانبان خلال الأشهر الماضية، وكانت الحكومة الإثيوبية بادرت إلى إعلان هدنة عسكرية مفتوحة كتمهيد لإجراء مفاوضات في شأن السلام، كما شرعت في تسهيل ايصال المساعدات الإنسانية إلى مناطق الشمال في إقليم تيغراي إضافة إلى جهود أخرى.
واصطدم السلام الذي دعت إليه جهات دولية بعقبات عدة في بداية مساره جراء عدم الثقة المتبادلة، وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في يونيو (حزيران) الماضي أمام البرلمان تشكيل لجنة برئاسة نائب رئيس الوزراء دمقي مكونن للتفاوض مع قوات إقليم تيغراي، مشدداً على أن "المفاوضات تحتاج إلى كثير من العمل"، لكنه هاجم في الوقت نفسه جبهة تحرير تيغراي قائلاً إنها "عدو لإثيوبيا".
وتشير الدلائل إلى تعثر مفاوضات السلام منذ تمهيداتها الأولى نتيجة الشروط المتبادلة ممثلة في دعوة الحكومة المجتمع الدولي إلى الضغط على جبهة تيغراي للخروج من مناطق ظلت تحتلها في إقليم أمهرا، بينما يقول رئيس إقليم تيغراي ورئيس الجبهة ديبريتسيون جبريمايكل إن "أي نقاش لن يبدأ قبل استعادة الخدمات الأساس من كهرباء واتصالات وبنوك ووقود حرم منها الإقليم منذ أكثر من سنة".

وقال مستشار رئيس الوزراء الإثيوبي للأمن القومي رضوان حسين إن "الحكومة مستعدة للنقاش مع متمردي جبهة تحرير تيغراي في أي وقت وفي أي مكان"، لكنه أضاف أن "المحادثات يجب أن تبدأ من دون شروط مسبقة".
وكانت الولايات المتحدة أرسلت مبعوثها إلى القرن الأفريقي في الـ 29 من يوليو (تموز) الماضي حيث التقى مسؤولين في أديس أبابا، وزار مدينة مقلي عاصمة إقليم تيغراي.

من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تغريدة على "تويتر" إن "واشنطن تدين هجمات جبهة تحرير تيغراي خارج الإقليم، والغارات التي تشنها الحكومة الإثيوبية وعودة إريتريا إلى الصراع في إثيوبيا"، داعياً الطرفين إلى وقف فوري للعمليات العسكرية والانخراط في محادثات السلام.

فرض الأمر الواقع

وفي ظل التطورات الأخيرة التي تنذر بأخطار جمة يفسر المراقبون الأعمال العسكرية الحالية كنوع من الضغط وفرض الأمر الواقع على رؤية السلام التي ينشدها كلا الطرفين، فبينما تعمل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي من أجل رفع القيود كافة عن الإقليم وتمكين رؤيتها للسلام، تعمد الحكومة إلى لفت انتباه المجتمع الدولي إلى ما تصفه بانتهاكات الجبهة ضد المدنيين في المناطق التي خضعت لسيطرتها في أمهرا وعفر، مناشدة المجتمع الدولي ممارسة الضغط عليها للالتزام بخيار السلام من دون شروط مسبقة.
وأوضح بيان الحكومة الإقليمية لأمهرا أن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ألحقت خسائر تقدر بـ 288 مليار بر (52.50 بر تساوي دولاراً أميركياً واحداً) جراء الأضرار بالمنشآت والبنى التحتية للإقليم خلال غزوها الأخير، واتهمتها بفتح حرب جديدة على أبناء الإقليم.
وتشير الاتهامات المتبادلة إلى تعمد كل طرف تحميل الآخر مسؤولية تطور القتال الأخير بعدما أخذ أبعاداً خطرة، وتخشى جهات دولية وإقليمية أن تتسبب تطورات الوضع وتحضيرات كل طرف في إفلات الوضع من السيطرة وتحوله إلى حرب إقليمية تجر أطرافاً أخرى.
ويقول المؤرخ الإثيوبي آدم كامل إن "تطورات المعارك الأخيرة لا تصب في مصلحة أي من الطرفين، بل تتسبب في ازدياد الكراهية وخلق عداوات لا يمكن علاجها مستقبلاً، بخاصة ضد قومية تيغراي التي ترتكب أخطاء كبيرة ضد قوميات أخرى".

وأضاف أن "على الحكومة والجبهة تقديم المصالح القومية في ظروف تحتاج فيها إثيوبيا إلى السلام من أجل تحقيق أهدافها في التنمية والاستقرار"، وزاد كامل أن "على الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي استيعاب الظرف الدولي الحالي، فإن انخراطها في قتال جديد ليس من مصلحتها بسبب انشغال العالم بالحرب الروسية - الأوكرانية، كما أن على الحكومة متابعة الجهود التي بذلتها من أجل السلام، لا سيما بعد نجاحاتها في الهدنة السابقة التي أشاد بها العالم"، مشيراً إلى "أن عدم التفات الحكومة إلى استفزازات الجبهة يقرب إلى السلام ويزيد من نصيبها في التأييد الذي تحظى به".
ويعتبر آدم أن "الجهود الدولية التي تقودها الولايات المتحدة لوقف القتال لا تقدم حلاً إذا لم تجد تجاوباً حقيقياً من الطرفين، بخاصة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي".

المزيد من متابعات