Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تؤدي حمى الانتخابات في أفريقيا إلى تشنج العملية الديمقراطية؟

الحرص على خوضها ينبع من أنها تحرك حالات السكون للخروج من الرضوخ للنظم الاستبدادية

ناخبون داخل أكشاك الاقتراع خلال الانتخابات العامة في إحدى الضواحي الفقيرة للعاصمة الكينية نيروبي (رويترز)

 

تظل الجهود المتزايدة التي تبذلها بعض دول القارة الأفريقية لتصحيح المسار الديمقراطي وإعادة بناء مؤسسات الدولة واستئناف الحكم الدستوري محاطة بالسؤال الجدلي: هل الانتخابات في أفريقيا وسيلة أم غاية في حد ذاتها؟ خصوصاً وسط استمرار العنف المصاحب لها وتبادل الاتهامات بين الفائزين والخاسرين وقصر الفترة الديمقراطية نفسها وعدم صمودها أمام أزمات القارة المتجذرة، وإذا كانت ثمة فوائد جوهرية أو رمزية حصل عليها عدد من الدول الأفريقية مثل ليبيا والصومال ومالي وغينيا وكينيا وأنغولا وتشاد بانتهاء بعضها من خوض انتخاباتها، أو عزم أخرى على ذلك، ومنها ما تنتظر قبل أن يرخي هذا العام 2022 سدوله، فإن الفائدة في نظر كثيرين هي الخروج من وصمة العار الديكتاتوري والتشبث بالسلطة، وعليه يمكن أن تحسب في نظر الغرب أنها أدت دورها حتى لو كان تمريناً ديمقراطياً، ومن دون اللياقة الكافية، مع اعتبار أنه لا يمكن تقييم العملية الانتخابية في أي دولة بمعزل عما يدور في محيطها الداخلي ما يجمع الدول الأفريقية ككل.

وبحساب السنين، فقد قضت القارة السمراء عقوداً طويلة من الأزمات السياسية والنظم الديكتاتورية، وبضع سنين أخرى تحاول التشبه بالنظم الديمقراطية، ولكن من دون أن تصل إلى الوصفة الكاملة وبلوغ الفلاح الديمقراطي، فما كان من ذلك القليل هو محاولات شبه ديمقراطية، لم تصمد أمام الديكتاتورية المتجذرة في الممارسة السياسية في القارة، فكانت النتيجة انتخابات يصحبها عنف وصراعات أو انقلابات جديدة، ونتائجها تصحبها اتهامات بالتزوير، وإن اكتملت تنتج ديمقراطيات هشة غير مستقرة، وهذا دليل آخر على أن الانتخابات نفسها لا تعدو إلا أن تكون وسيلة أخرى للاستيلاء على الحكم، وليست ممارسة حرة وشفافة، وهذا يحيلنا إلى أن الممارسة الديمقراطية تحتاج إلى زمن حتى تستطيع تحقيق تطلعات الشعوب الأفريقية، وتتمكن من إزالة الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني.

معايير خاصة

وجاءت انتخابات هذا العام 2022 مختلفة في عدد من فصولها الأساسية عن الانتخابات التي شهدتها أفريقيا في السنوات الأخيرة، فمن ناحية زمانية، تقام بعد انحسار تفشي فيروس كورونا وتداعياته، وقد كان مقرراً أن تقام انتخابات بعض الدول خلال تلك الفترة، وخلق تأخيرها لذلك السبب واتخاذه من قبل بعض الحكام فرصة لإطالة أمد وجودهم في السلطة، فضلاً عن امتداد آثار تفشي الفيروس العالمية الاقتصادية والسياسية إلى القارة على الرغم من أنها تصنف من المناطق الأقل إصابة، وقبل أن تنجلي تلك الأزمة انعكست أيضاً آثار الحرب الروسية - الأوكرانية عليها، فارتبط توقف إمدادات القمح بمشكلات القارة الاقتصادية، مما أدى إلى ازدياد ضجر شعوبها وخروجهم إلى الشارع في احتجاجات قابلتها السلطات بالعنف المعهود، ولم ينتج تنافس القوى العظمى في سماء القارة، عن أي دعم اقتصادي أو سياسي تقدمه إلى دولها، إذ اتخذ التنافس سمتاً أمنياً من واقع حاجة هذه القوى إلى حماية مصالحها التي يهددها نشاط الجماعات الإرهابية، فلم تحرص على إظهار تفضيلاتها السياسية بالنسبة إلى القادة الذين يختارهم الشعب أو ينبذونه، ولم تمارس سياسة العصا والجزرة، بل ظلت تراقب الحراك القائم بفضل التفاعلات الداخلية.

ومن دون الرقابة الدولية لانتخابات معقدة، قامت بمعايير ذات خصائص محلية، تأخر عدد من العمليات الانتخابية، وتعطلت أخرى بسبب الخلافات، وما قامت منها تكابد الآن من أجل اكتساب سلطة شرعية يدعمها الدستور، مما يجعل عملية إدارة الانتخابات التي تمثل أساس بناء بيئة الحكم الديمقراطي أكثر أهمية من النتيجة نفسها، معبرة عن نقطة تحول جذرية في مسارات الحكم الطويلة.

جدل التشريعات

وهناك شعور لدى منظمات المجتمع المدني في أفريقيا بالقلق من محاولات السلطات تعديل أو تعطيل التشريعات الدستورية لخدمتها في الانتخابات، وتشذ كينيا عن هذه القاعدة بعد قرار الرئيس أوهورو كينياتا عدم الترشح لولاية رئاسية ثالثة، كما أن القضاء في كينيا أكثر استقلالية من الدول الأفريقية الأخرى، وهذا ما يجعل ترقب الشعب الكيني الحكم القضائي في نتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة مطمئناً عقب طعن زعيم المعارضة رايلا أودينغا في النتيجة، واتهام منافسه الفائز ويليام روتو باختراق نظام الانتخابات وتزييفها، يذكر أن القضاء الكيني قد رفض من قبل نتائج الانتخابات في عام 2017 بسبب مخالفات في فرز الأصوات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما في أنغولا حيث لا توجد انتخابات رئاسية، إذ ينص الدستور على أن يتم تعيين رئيس قائمة الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية، كرئيس للدولة، فإن تنصيب الرئيس المنتهية ولايته جواو لورينسو زعيم "الحركة الشعبية لتحرير أنغولا"، الحزب الوحيد القوي الذي يقود البلاد منذ استقلالها عن البرتغال عام 1975، ولاية ثانية بعد فوز حزبه في ختام تنافس انتخابي محتدم أواخر الشهر الماضي أغسطس (آب)، أشعل احتجاجات المعارضة واتهم أدالبرتو كوستا جونيور، رئيس حزب الاتحاد الوطني لاستقلال أنغولا التام "أونيتا"، لورينسو باستغلال التشريعات الدستورية، وفي أفريقيا الوسطى، أثار إصدار الرئيس فوستان آرشانج تواديرا أمراً بإعادة كتابة الدستور في أغسطس جماعات المعارضة التي دعت إلى قيام تظاهرات ضد الأمر حتى لا يتمكن من ولاية رئاسية ثالثة.

سمات مشتركة

وفي ضوء جهود دول القارة حديثة العهد بالسعي نحو التحول الديمقراطي، ليس التحول وحده هو السمة المشتركة بينها وإنما نجد أن الحكم الديمقراطي الناشئ فيها يواجه عديداً من الصعوبات في ظل الضغوط المحيطة بها مثل التضخم والجفاف وسوء الأوضاع المعيشية، ومن السمات الخاصة بانتخابات هذا العام هو أن الدعاية الانتخابية سيطرت عليها خطابات إثنية من الأطراف المتنافسة ببث وعود بالتنمية، وتقوية سلطة الدولة وإزالة التهميش عن مناطقها المعنية، وعلى الرغم من فقدان الشعوب الأفريقية الثقة في العمليات الانتخابية، فإن الحرص على خوضها ينبع من أنها تحرك حالات السكون للخروج من الرضوخ للنظم الاستبدادية، ومهما تكن نتيجتها فهي مرحلة مهمة تعبر عن تقبل السلطة الحاكمة الانتخابات سواء جاء ذلك برضا مشوب بالحذر، أو ضغوط داخلية وخارجية، وبالنسبة إلى الحكومات فهي تعطي سلطة للفائزين من المنتخبين الجدد، أو تجديد ولايات وترسيخ سلطات حكام سابقين، كما أنها تحول الخاسرين إلى معارضين أشداء يمكنهم الطعن في النتيجة وتدعيم مواقفهم السياسية والاستعداد لفترات انتخابية مستقبلية، وعلى مستوى الدول التي تخوض هذه التجارب، يمكنها الاستفادة بتكييف ممارساتها وبناء مؤسساتها الديمقراطية.

وتتجاوز الصومال الخطاب الإثني إلى شكل أكثر تعقيداً، فإن كانت تستند في التنافس الانتخابي إلى دعم العشائر والمحاصصات القبلية في المناصب السيادية، وظلت تطبق هذا النظام حتى انتخاباتها الأخيرة في مايو (أيار) الماضي بشكل معلن، فإن دولاً أفريقية أخرى تعتمد هذا العرف السياسي بشكل غير معلن لخلق توازنات سياسية واجتماعية، ولكنها غالباً ما تزيد من تعقيد العملية الانتخابية وخلق خصومات بدلاً من الترضيات.

هيمنة المعارضة

الطابع العام الموازي في الانتخابات الأفريقية الأخيرة هو هيمنة المعارضة وتزايد شعبيتها، وذلك لعوامل عدة أولاً، فشل الدعوات لمكافحة الفقر والفساد وربما فقدان الأمل في "التغيير"، فعلى الرغم من غنى القارة بالموارد مثل النفط والألماس والموارد المعدنية والثروات الحيوانية والزراعية، فإن غالبية دولها تقبع في فقر مدقع، وظهور المعارضة بشكل مواز للسلطة يعني التقدم خطوات في طريق التخلص من الخوف من بطشها، وسير الطرفين في طريقين متوازيين، ولا تعني الشعبية الكبيرة بالضرورة الفوز المؤكد، لأن هناك كثيراً من المحركات التي تعوق ذلك، وثانياً، بسبب التجارب الديمقراطية القصيرة، فإن التظاهرات والاحتجاجات في القارة شعبية أو فئوية اكتست أهمية ملحوظة وأصبح أمام بعض الدول الأفريقية التي سلكت هذا الطريق فرصة فعلية لتصبح دولاً ديمقراطية، ولكن يبدو اقترابها حذراً مما يفقد قادتها الرغبة في خوضها وإظهارها كمغامرة غير محمودة العواقب، وثالثاً، ارتبطت الاحتجاجات في بعض دول القارة بتجديد الحكام لفتراتهم الرئاسية، وتكلفت شعوب هذه البلدان مواجهات عنيفة مع السلطة، وأزهقت أرواح في سبيل منع القادة من التجديد، وأصبح الشكل الموازي للاعتراض هو مزيد من الدماء.

شروط ملزمة

وتخوض الدول الأفريقية انتخاباتها بعد عقود من مناهضة الديمقراطية، وفي ظل غياب كثير من شروط انعقادها الملزمة، وأهمها الدستور، إذ يطغى ضعف دستور بعض البلدان أو صياغته بحسب أهواء الحكام أو تعطيله، فضلاً عن الشروط الأخرى، فإن الاستجابة لمجرد إقامة انتخابات من دون الاستعداد اللازم تحمل في طياتها مخاطرة كبيرة بأن تأتي بمرشح "منقذ" فقط من الوضع القائم، ولكن تكون قدرته على العمل ضعيفة، أو أن أزمات البلاد أكبر من قدراته، أو أن تفرز نتيجة الانتخابات صراعات أو تحول الرئيس المنتخب إلى ديكتاتور في ثوب ديمقراطي.

ما يصاحب الانتخابات الأفريقية من تغيير في الوسائل والإجراءات لا يقتصر على الحكومة فقط، وإنما لدى الأحزاب والجماعات السياسية أيضاً وسائل تأثير تستعملها للضغط عليها، مثل تهديدها بتصعيد الاحتجاجات إن لم تقبل بإعادة ترسيم دوائر انتخابية معينة تمثل مراكز ثقل لها، ومن الوسائل أيضاً الاتفاق بعيداً من أعين الرأي العام على تقاسم السلطة بتقديم بعض التنازلات، مما يفرغ العملية الانتخابية من محتواها، وهذا ما يلفت إلى أنها قد تكون عملية شكلية فقط بينما تتوقع الشعوب تحقيقها الاستقرار، وما يضعف هذا التوقع هو عدم وجود قواعد محددة للانتخابات، وعلى الرغم من تساوي هذه الدول في اعتقادها في العملية الانتخابية ومع أزماتها الرئيسة المتشابهة، فإن هناك ظروفاً خاصة تتعلق بوضع كل بلد وتعاطيه مع أزماته.

المزيد من تحلیل