لفت الحراك الذي قام به السفير الأميركي الجديد في الخرطوم جون غودفري، الذي باشر مهامه الأربعاء 31 أغسطس (آب) بعد قطيعة دبلوماسية اقتربت من ربع قرن بين واشنطن والخرطوم، جدلاً بين السودانيين، ولا سيما أنه كثّف نشاطه بلقاء أسر الشهداء ولجان المقاومة والقوى المعارضة لحكومة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
فكيف ينظر المراقبون لجهود واشنطن تجاه الوضع الراهن في السودان عقب مباشرة سفيرها في الخرطوم مهامه؟ وما توقعاتهم لنتائج حراك السفير الأميركي وسط المجتمع السوداني بكل فئاته مدنية كانت أم عسكرية؟
مشهد معقد
وفي هذا السياق، قال الكاتب السوداني رئيس تحرير صحيفة "إيلاف" السودانية خالد التجاني النور "معلوم أن أميركا دولة كبيرة وتعمل على رعاية مصالحها المعروفة والمحددة بصورة واضحة بخاصة في جوانبها الأمنية، فضلاً عن الجانب العام المتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، وما يجري في السودان مشهد معقد بالنسبة لواشنطن ما جعلها تنتهج خطاباً مزدوجاً يقوم على مسار التوازن القائم على المحافظة على مصالحها، وفي الوقت نفسه إظهار دعمها القضايا المدنية، فواشنطن تريد أن تبعد روسيا والصين عن المنطقة بألا تترك لهما فراغاً ونفوذاً، وهو ما أكده الرئيس جون بايدن في القمة الإقليمية التي عقدت منتصف يوليو (تموز) في جدة"، وأضاف النور "تحركات السفير غودفري وسط القوى المناهضة لحكم العسكر تحمل رسائل للشارع السوداني والقوى السياسية فحواها أن تعامل واشنطن مع حكومة البرهان العسكرية مسألة أمر واقع، لكنها لا تفرط في دعم عملية التحول المدني الديمقراطي في السودان حتى لا تتهم بأنها مع الانقلاب، على الرغم من أن الإدارة الأميركية لم تتخذ أي خطوة أو إجراء تشكل ضغطاً على العسكريين تجاه ما قاموا به من انقلاب".
وبيّن أن خلفية السفير الأميركي الجديد في الخرطوم، كونه متخصصاً في مجال مكافحة الإرهاب وعمله السابق كسفير في سوريا وليبيا، دلالة واضحة على خشية أميركا من عودة الجماعات المتطرفة للسودان مرة أخرى، فضلاً عن أنها تريد أن تواصل تعاونها مع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في البلاد والذي حققت فيه نجاحاً كبيراً خلال فترة النظام السابق، وتابع رئيس تحرير صحيفة "إيلاف"، "الأميركيون يتحدثون عن تأييدهم تشكيل حكومة مدنية في السودان من دون ذكر قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، ففي الغالب يتجهون للحصول على تنازلات من الأطراف كافة للوصول إلى منطقة وسط، وهذا يخضع إلى عملية التفاوض التي تجرى لاحقاً".
طرفان للأزمة
من جهته، قال السفير السابق في وزارة الخارجية السودانية الصادق المقلي "في اعتقادي أن الادارة الأميركية لديها قناعة تامة بأن هناك طرفين للأزمة السودانية لا ثالث لهما هما المكون العسكري والقوى السياسية المدنية الثورية المناهضة لانقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول)، لذلك جاء حرص سفيرها الجديد في الخرطوم بعد تسليم أوراق اعتماده لدى رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان على لقاء رجال المقاومة الذين يقودون الحراك الثوري في الشارع، وقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) الشريك السابق في الحكم، فواشنطن دولة مؤسسات لديها بوصلة تلتزم بها في علاقاتها مع السودان تتمثل في قانون التحول الديمقراطي والمساءلة والشفافية لعام 2020 الصادر عن الكونغرس الأميركي"، مضيفاً "تواصل الحراك الثوري في الشارع منذ وقوع انقلاب البرهان جعل واشنطن تصل لحقيقة أنه من المستحيل حكم السودان بواسطة عسكريين، وأن الحكم المدني هو صمام أمان استقرار البلاد، بالتالي فهي تدعم هذا التوجه ليس حباً في الديمقراطية، لكن من أجل رعاية مصالحها واستغلال الموارد التي يزخر بها السودان في مجالات الزراعة والتعدين وغيرها عن طريق الاستثمار والشراكة بين الجانبين. وغالباً ما يتم التوصل قريباً إلى تسوية سياسية حتى لا يحدث انهيار اقتصادي في ظل ما يهدد البلاد من مجاعة محتملة في بعض مناطقه".
سلسلة لقاءات
وما إن سلم السفير الأميركي الجديد أوراق اعتماده لرئيس مجلس السيادة السوداني حتى بدأ سلسلة لقاءات مختلفة مع القوى الثورية السودانية استهلها بلقاء ممثلي أسر الشهداء ولجان المقاومة، وأيضاً مع وفد من لجنة الاتصال السياسي والعلاقات الخارجية في قوى الحرية والتغيير. وقال غودفري على إثر لقائه أمهات أربعة من ضحايا الثورة السودانية "تشرفت بلقاء أمهات شهداء فقدوا حياتهم بشكل مأساوي أثناء تظاهرهم دعماً للحرية والديمقراطية في السودان، لقد تأثرت برسالتهم التي كان مفادها بأن أرواح أحبائهم لا يمكن أن تضيع سدى، وأن البلاد يجب أن تستأنف التحول الديمقراطي تحت قيادة مدنية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما التقى سفير واشنطن ممثلين للجان المقاومة في العاصمة الخرطوم، وفي هذا السياق، قالت السفارة الأميركية في الخرطوم على صفحتها على "فيسبوك" إن "المنظمين الشجعان لحركة لجان المقاومة الشعبية تحدثوا خلال لقائهم السفير عن التحديات التي يواجهونها والتزامهم باستعادة الطريق إلى الديمقراطية". وأكدت سفارة واشنطن أن بلادها ستواصل دعم لجان المقاومة لإصرارها على حكومة جديدة بقيادة مدنية وسعيها لتحقيق الحرية والسلام والعدالة.
إنهاء الانقلاب
كذلك التقى السفير الأميركي في السودان وفداً من تحالف قوى الحرية والتغيير، وبحسب بيان نشره التحالف عبر صفحته على" فيسبوك"، فإن غودفري أكد دعم بلاده التحول المدني الديمقراطي في البلاد. وأشار في بيان إلى أن التحالف أبلغ سفير واشنطن بأن جوهر الأزمة التي يعيشها السودان تتمثل في انقلاب 25 أكتوبر، وأنه لا مخرج إلا بإنهائه، موضحاً أن الخروج من الأزمة الحالية مرهون بالتحول الديمقراطي وتأسيس سلطة مدنية كاملة. وتابع أن قوى الحرية والتغيير أكدت للسفير الأميركي أن "التحول الديمقراطي هو الضمان الأوحد لاستقرار البلاد، ما سينعكس إيجاباً على محيطه الإقليمي والدولي".
دفع التحول الديمقراطي
وكان غودفري استهل حديثه في كلمة ألقاها في فيديو باللغة العربية عقب تقديمه أوراق اعتماده سفيراً للولايات المتحدة في الخرطوم بتقديم التعازي لأسر ضحايا الفيضانات التي ضربت السودان وخلفت العديد من الوفيات، إضافة إلى الأضرار المادية، مشيراً إلى إنه يتطلع لتعزيز علاقة واشنطن مع الشعب السوداني ودعم رغبته في دفع عملية التحول الديمقراطي تحت قيادة مدنية. وتابع "كان هناك سفير أميركي في الخرطوم قبل 25 عاماً، وتم توقيع اتفاقية لتبادل السفراء عام 2019، عندما عززت الولايات المتحدة علاقاتها مع الحكومة الانتقالية السابقة، في ظل حرصها على العلاقات بين الشعبين". وعبر عن سعادته بالعمل في السودان والتعرف إلى شعبه وتعزيز العلاقات الثنائية والروابط معه، منوهاً إلى أن فهم الشعوب هي مهمة كل الدبلوماسيين في البلاد التي يعملون بها. وأكد أنه سيكون سفيراً لكل السودانيين، وسيقوم بزيارة كل أنحاء البلد لفهم الثقافة السودانية ورؤية الضيافة التي يشتهر بها السودانيون. وتابع "كسفير، سأعمل على دعم رغبة الشعب في تعزيز تقدم الانتقال الديمقراطي تحت رعاية حكومة مدنية وتحقيق أحلامهم للحرية والسلام والعدالة". وأشار إلى أن بلاده تشجع جميع الأطياف في السودان على المشاركة في حوار شامل لتأسيس حكومة مدنية جديدة تتمتع بالصدقية واستعادة الانتقال الديمقراطي، معتبراً أن هذه الخطوة تسهل استئناف الشراكات الأجنبية مع السودان وتعزز العلاقات بين الحكومتين في واشنطن والخرطوم.
انقطاع وعودة العلاقات
ومنذ 25 أكتوبر 2021، يشهد السودان احتجاجات شعبية تطالب بعودة الحكم المدني وترفض إجراءات استثنائية فرضها رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش عبد الفتاح البرهان. وفي 1996 أغلقت واشنطن سفارتها لدى السودان بعد أن أدرجته في قائمة الدول الراعية للإرهاب، لاستضافته زعيم تنظيم "القاعدة" آنذاك أسامة بن لادن. وأعادت واشنطن فتح سفارتها في الخرطوم عام 2002، لكنها اكتفت بإرسال قائمين بالأعمال وظلّ التمثيل الدبلوماسي دون مستوى السفير. وفي مايو 2020 عيّنت الخرطوم أول سفير لها في واشنطن بعد شغور المنصب أكثر من 20 عاماً، في خطوة لتطبيع العلاقات بين البلدين.