Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القطاع الزراعي في تونس تحت رحمة المناخ

البلاد تستورد 95 في المئة من البذور و70 في المئة من الحبوب ومهددة بأمنها الغذائي

تحذيرات  من تداعيات تفكك سلسلة الإنتاج الفلاحي في تونس نظراً إلى ارتباط الزراعات الكبرى بالأمن القومي الغذائي (موقع البنك الوطني للجينات)

يواجه قطاع الزراعة في تونس تحديات صعبة، نظراً إلى التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة وشح المياه في وقت تستورد فيه البلاد نحو 70 في المئة من حاجاتها سنوياً من الحبوب، أي ما يزيد على 30 مليون قنطار، بينما لا تنتج إلا نحو 10 ملايين قنطار فقط.

لتقليص حجم توريد الحبوب، دعا المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى مزيد من التعويل على البذور التونسية الأصلية للحفاظ على الأمن الغذائي.

صيحة فزع

أطلق الفلاح التونسي صيحة فزع إزاء تفشي البذور المستوردة، مقابل اضمحلال البذور التونسية الأصلية التي تتلاءم مع مناخ البلاد ونوعية التربة، علاوة على حفاظها على المنظومة البيئية، لعدم حاجتها إلى الأدوية والعقاقير، وهي في المحصلة جزء من سلسلة الأمن الغذائي.

وأكد عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير حسين، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "مفهوم الأمن الغذائي يخضع لاعتبارات عدة تتعلق أساساً بالتحديات المفروضة على الفلاحة التونسية، على غرار التغيرات المناخية، والقطع مع التبعية للشركات الأجنبية في كل ما يتعلق بالبذور والمشاتل".

وحذر حسين من "تداعيات تفكك سلسلة الإنتاج الفلاحي في تونس، نظراً إلى ارتباط الزراعات الكبرى بالأمن القومي الغذائي، في ظل التغيرات الجيوسياسية في العالم، وتنامي الحاجة إلى الحبوب من مختلف دول العالم"، داعياً إلى "وضع سياسات عمومية فلاحية تعتمد الإكثار من البذور المحلية التي تتلاءم مع المناخ والتربة وتحافظ على التوازنات البيئية".

وأضاف أن "المنظومة الحالية للإنتاج الفلاحي في تونس لا تخضع لسياسات واضحة للدولة، بعد أن تخلت عن دورها القطاعي لصالح اقتصاد السوق، تتحكم من خلاله عديد من الشركات في منظومات الإنتاج".

ارتهان للخارج

شدد عضو منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على أن "منظومة الإنتاج التونسية على مستوى البذور الفلاحية مرتبطة بنسبة 95 في المئة ببذور موردة من الخارج عن طريق شركات خاصة، في حين أن البذور التونسية لا توفر إلا 5 في المئة من الإنتاج، وهو ما يجعل منظومة الإنتاج في قطاع الزراعات الكبرى تخضع كلياً لتبعية الشركات العالمية".

وخلص إلى أن كل هذه العوامل تجعل "الأمن الغذائي التونسي مهدداً بشكل جدي، ويظهر ذلك في الميزان الغذائي التونسي الذي فقد توازنه، وبات يسجل عجزاً هيكلياً متواصلاً في المواد الغذائية الأساسية".

جهات نافذة

ومن جهته، أكد رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة بمنوبة فخر الدين ترجمان أن "قطاع البذور تتحكم فيه شركات كبرى، بعد أن تخلت الدولة على هذا القطاع لفائدة التوريد، الذي ضرب الشركات الوطنية للبذور والمشاتل في مقتل، وخلف عديداً من الأمراض الفطرية والأعشاب الطفيلية التي أضرت بالمنتج الوطني"، متهماً "جهات نافذة بالوقوف وراء هذه الشركات الخاصة التي تحوم حولها الشبهات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ودعا ترجمان الدولة إلى بعث مخزون استراتيجي من البذور المحلية، ومساعدة الشركات الوطنية للبذور واعتبار ذلك جزءاً من الأمن القومي للبلاد".

ودعت الشركة التعاونية المركزية للبذور والمشاتل الممتازة، في بيان، الأربعاء الـ31 من أغسطس (آب) الماضي، الدولة "لإنقاذ الشركة والمحافظة على البذور الأصلية لضمان الأمن الغذائي".

وأكدت الشركة أن "مخازن ولاية باجة تحتوي في الوقت الحالي على قرابة 32 ألف قنطار من البذور، ما يمثل 30 في المئة من حاجات البلاد من البذور للموسم المقبل".

استرجاع 7 آلاف نوع من البذور

في المقابل، أكد المدير العام للصحة النباتية ومراقبة المدخلات الفلاحية بوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، محمد الحبيب بن جامع، أن "تونس لا تستورد بذور الحبوب، ولديها اكتفاء ذاتي في هذا القطاع، وقد اعتمدت استراتيجية تهدف إلى الاكتفاء الذاتي منذ ستينيات القرن الماضي".

وأشار ابن جامع إلى "وجود بعض الصعوبات في قطاع البذور، وأن المعهد الوطني للبحوث الزراعية يقوم بدوره في تطوير بذور الحبوب من خلال ملاءمتها للتغيرات المناخية ونوعية التربة".

وشدد المدير العام للصحة النباتية على أن "البذور التونسية الأصلية القديمة ليست لها المردودية العالية، حيث إن الهكتار الواحد من الحبوب كان ينتج ما يعادل 4.5 قنطار، واليوم بات ينتج في حدود 18 قنطاراً بفضل التحويرات التي أدخلت على تلك البذور التونسية الأصلية".

وبخصوص وضعية الشركة التعاونية المركزية للبذور والمشاتل، أكد ابن جامع أن "وضعيتها تعود إلى سوء تصرف ومشكلات داخلية، وهي شركة رائدة عمرها أكثر من 40 سنة، وكانت تتصرف في حدود 40 في المئة من بذور الحبوب بتونس".

وبالنسبة إلى بقية البذور والمشاتل، أكد أن "الدولة لم تضع مشروعاً كبيراً في هذا القطاع، ويتم الاعتماد على التوريد في الوقت الراهن، الذي يخضع للمراقبة والمصادقة من قبل الجهات المعنية والتثبت من مصدرها".

وخلص إلى أن "مؤسسات البحث والكفاءات التونسية متوفرة، وما على الدولة إلا أن تضع سياسات واضحة في مجال البذور والمشاتل من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي مثلما هو الشأن بالنسبة إلى بذور الحبوب".

من جهة أخرى، نجح البنك الوطني للجينات (مؤسسة عمومية) في استعادة أكثر من سبعة آلاف نوع من البذور والمشاتل التونسية من دول عدة، بينما لا يزال أكثر من ثلاثة آلاف و500 صنف لدى جهات مختلفة"، بحسب بلاغ صادر عن البنك.

كما تمكن البنك أخيراً من استرجاع 49 عينة من بذور الحمص ومن بذور الدرع المحلية، وذلك في إطار مواصلة جهوده لاسترجاع البذور التونسية الأصلية من بنوك الجينات الأجنبية.

مؤشر الأمن الغذائي

تقع تونس في المرتبة الـ55 عالمياً من بين 113 بلداً شملها مؤشر الأمن الغذائي لعام 2021، وهو مؤشر سيزداد خطورة في ظل تزايد الطلب العالمي على الحبوب، وتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وهو ما يدفع نحو وضع سياسات عمومية في القطاع الفلاحي تعتمد الموارد الذاتية، وتقطع مع هيمنة البذور المستوردة، التي تكلف الفلاح مصاريف إضافية، وتخلق تبعية مستدامة للشركات المصدرة.

اقرأ المزيد