Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الركود يشل الاقتصاد الليبي وتحذير دولي من الأسوأ

خطط المشروعات القصيرة ومحدودة التأثير التي تنتهجها الحكومة قد تكون مجرد مسكنات موقتة

حمّل باشاغا مسؤولية الوضع الاقتصادي الحرج إلى "هيمنة المؤسسات التي تتحكم في أعناق الليبيين ومعيشتهم" (أ ف ب)

تشهد ليبيا جدلاً واسعاً في شأن ركود اقتصادي غير مسبوق تشهده البلاد منذ نهاية الربع الأول من العام الحالي. ومع تزايد شكوى التجار من ضعف القدرة الشرائية التي تسبب أو تهدد بانهيار مشاريع صغرى ومتوسطة لبعضهم، اشتعل النقاش بين المتخصصين في مجال الاقتصاد في شأن مسببات الشلل الاقتصادي الذي تعيشه البلاد وآثارها الخطرة على المديين القصير والمتوسط، إذا لم تسارع السلطات لعلاجها.

فصل في المعركة السياسية
ومن أهم الأسباب التي لفتت الأنظار إلى مشكلة الركود الاقتصادي في البلاد أنها شكلت فصلاً من فصول الخلاف والمناكفات بين رئيسي الوزراء في الحكومتين المتنازعتين على السلطة عبدالحميد الدبيبة وفتحي باشاغا، الشهر الماضي، بعد أن سلط الأخير الضوء عليها في تصريحات له، ونفى الدبيبة وجودها بشكل قاطع، في تصريح لاحق.
بدأ هذا الجدال حين صرح رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا، بأن "حركة التبادل التجاري بليبيا فيها ركود لأول مرة"، متعجباً من "بقاء المشكلة من دون علاج".
وتساءل في كلمة مسجلة له مع عدد من أعيان المنطقة الغربية، "لماذا يحدث ذلك مع أن ليبيا دولة غنية، لماذا لم تشكل لجنة وطنية لمعرفة أسباب الركود ومعالجته؟ فيما تحول الأموال لدول بعينها، مما يسبب الركود وقد يسبب كارثة ويزيد من عدد الفقراء".
وحمل باشاغا مسؤولية الوضع الاقتصادي الحرج الذي تعيشه ليبيا إلى "هيمنة المؤسسات التي تتحكم في أعناق الليبيين ومعيشتهم، والتي أصبحت ديكتاتورية وتمارس السرقة والنهب، وتعمل ضد صالح الشعب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رسائل طمأنة 

في المقابل، نفى رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، وجود ركود اقتصادي في البلاد، مستنداً إلى زيادة نسب الاستيراد. وقال في اجتماع مع عدد من رجال الأعمال، بعد أيام من تصريح باشاغا، إن "فتح الاعتمادات بات الآن أكثر من السنة الماضية، وهذا يعني وجود طلب واستهلاك يؤكده توريد متزايد للبضائع من الخارج، أما الحديث عن الركود فيعني إما عندك مشكلة تسويقية كشركة، أو بسبب وجود منافس آخر أقوى".

وفيما يخص دعم القطاع الخاص المتعثر أخيراً، أكد الدبيبة أن "الدولة مستعدة لتقديم إعفاء كامل من الضرائب الخاصة بالعمالة لشركات القطاع الخاص، شرط اتباع الإجراءات الصحيحة وتوفير السلع للمواطنين بسعر في المتناول".
وأشار إلى أن "هناك قطاعات عديدة ينقصها دخول القطاع الخاص، شرط أن يكون القطاع الخاص منظماً، والدولة تتحمل مسؤولية تنظيم كل قطاع، وتوضيح التسهيلات المطلوبة من الحكومة".
أرقام دولية صادمة
وسط هذا الجدل، خرج تقرير صادر عن البنك الدولي، في شأن المؤشرات الخاصة بالاقتصاد الليبي، ليدعم تحذيرات رئيس الحكومة الملكف فتحي باشاغا، التي أنكرها نظيره عبدالحميد الدبيبة.
وبحسب هذا التقرير، فإن النزاع المسلح أنهك الاقتصاد الليبي، إذ بلغت تقديرات نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في 2021 نحو نصف قيمته لعام 2010 قبل بدء هذه النزاعات.
وأوضح البنك الدولي أن "ليبيا تعرضت منذ 2020 إلى موجات متعددة من وباء كورونا، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة المبذولة فقد واجه النظام الصحي المنهك أصلاً بسبب عقد من الصراع، تحديات كبيرة في توفير الرعاية الصحية وضمان جودتها".
تأثير الأزمة العالمية
وذكر أن "الأمن الغذائي ازداد سوءاً بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية وما نتج عنها من نقص في المواد الغذائية الأساسية وارتفاع في أسعارها في السوق المحلية، مع ما تعرض له القطاع النفطي من تقلبات كبيرة خلال 2022، حيث تراجع إنتاجه خلال الربع الأول من السنة الحالية إلى مستوى أقل بنسبة 4.4 في المئة من متوسط عام 2021".
وكشف البنك الدولي عن أن "أسعار السلع الأساسية، مثل الأغذية والمشروبات والسكن والكهرباء والمياه والغاز وغيره من أنواع الوقود والنقل، تعد المساهم الرئيس في ارتفاع معدل التضخم الرسمي في ليبيا منذ عام 2021، إذ أسهمت الاضطرابات في سلاسل التوريد بسبب الصراع الداخلي، والتدابير الصحية المتعلقة بوباء كورونا والاعتماد على مصادر بديلة مكلفة لتزويد المياه وتوليد الكهرباء في زيادة الأسعار".
وبحسب التقرير ذاته، "ارتفع معدل تضخم الأغذية في سلة الحد الأدنى للإنفاق ليصل إلى 40.6 في المئة على أساس سنوي في أبريل (نيسان) 2022 قبل أن يتراجع إلى 31 في المئة في مايو (أيار) 2022، وهو معدل لا يزال مرتفعاً، وبلغ متوسط كلفة الأغذية في سلة الحد الأدنى للإنفاق في مايو 2022 مستوى أعلى بنسبة 14 في المئة عما كان عليه قبل الأزمة في فبراير (شباط) 2022".
وخلص البنك الدولي أن "ترجمة هذه الأرقام تؤدي إلى ارتفاع في معدل التضخم وانخفاض في الاستهلاك، وهو ما يمكن أن يفاقم الفقر والجوع الذي تعانيه الأسر ذات الدخل المحدود والفقيرة".
ضعف الاقتصاد الريعي
في سياق متصل، يعتقد أستاذ التمويل بجامعة نوتنغهام ومؤسس سوق المال الليبي، سليمان الشحومي، أن تردي الوضع الاقتصادي في ليبيا سببه عدم التنوع، وأن "الاقتصاد الليبي كغيره من الاقتصادات المعتمدة على النفط كمصدر وحيد للدخل تقريباً، يشكل أغلب الإيرادات الحكومية ومصدراً وحيداً لاحتياطاته من العملات الأجنبية، بالتالي فهو اقتصاد منكشف على الخارج، ويلعب الطلب على العملة الأجنبية والمعروض منها من قبل المصرف المركزي دوراً محورياً في ظل فقدان مساهمات إنتاجية محلية قادرة وتخفف من الشراهة المفرطة في الطلب على العملة الأجنبية من جميع الأطراف الفاعلة اقتصادياً".
وأشار إلى أن "مثل هذه الطبيعة الاقتصادية تزايد شهية الحكومة للإنفاق العام، المترافق مع تضخم مستورد بسبب ارتفاع الأسعار عالمياً وتباطؤ سلاسل التوريد وصعوبات أخرى لوجيستية فرضتها معطيات دولية أخرى".
وحول قدرة السلطات في ليبيا على وضع خطة لإنعاش الاقتصاد المحلي بشكل عام، قال إن "خطط المشروعات القصيرة ومحدودة التأثير التي تنتهجها الحكومة، قد تكون مجرد مسكنات موقتة، في حين تعجز الحكومة عن تتبع وإدارة عمليات نقل وتوزيع الوقود، ولا تستطيع أن تدير منظومة الكهرباء على الرغم من الإنفاق الأسطوري على المحطات والصيانة والتشغيل".
وأضاف الشحومي أن "الحكومة التي لا تعمل بمستهدفات محددة لمعالجة الأزمات الاقتصادية القائمة ولا تشترك في مشروع إنقاذ اقتصادي مع السلطات الأخرى في البلاد ستكون حتماً في مأزق هي نفسها وتحول البلاد واقتصادها إلى كرة لهب تحرق بها الجميع".
اقرأ المزيد