Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الرقص "مكروه" والعشق "ممنوع"... حياة الساسة تحت منظار العامة

حجم الإثارة في متابعة كواليس المشاهير كبير وكلما زادت الشهرة والتفاصيل الصغيرة الحساسة تصاعد الاهتمام

رئيسة وزراء فنلندا تعرضت لانتقادات سخيفة بسبب رقصها في حفلة خاصة (أ ف ب)

رقصت رئيسة وزراء فنلندا، فقامت فنلندا ولم تقعد. أقام رئيس وزراء بريطانيا حفلة في أثناء فترة إغلاق كورونا، فاهتز عرش المنصب، وظل يهتز حتى أعلن استقالته من منصبه كرئيس تنفيذي لحزب المحافظين. قبلهما أدت علاقة عاطفية، وفي أقوال أخرى جنسية، بين رئيس أميركي سابق ومتدربة في البيت الأبيض إلى فضيحة مدوية باتت حديث مشارق الأرض ومغاربها. وتظل تفاصيل الحياة الشخصية لأميرة بريطانية راحلة تشغل بال الجميع، بل يعتبر البعض موتها المبكر سببه تدخل الجماهير في حياة المشاهير وتطفلهم، لكن يظل البعض الآخر يعتبر أن التدخل حق والتطفل واجب.

الرقص المكروه

"يجب على كل من ينتقد رئيسة وزراء فنلندا سانا مارين أن يضع لسانه داخل فمه مع الاحتفاظ بمشاعره الحقودة والساخطة والسلبية لنفسه. وإن أراد أن يعالج نفسه، فعليه أن يفعل كما تفعل مارين". هكذا غرد أحدهم، وفي المقابل قال آخر، "لو أمضى كل الساسة والمسؤولين وقتهم كالمحترمة مارين لخربت الدنيا أكثر مما هي خربة. قليل من الاحترام لا يضر".

منذ تسريب فيديو لأصغر مسؤولة سياسية في منصب رفيع جداً في العالم بعد سيباستيان كورتس الذي وصل إلى السلطة في النمسا، وهو في سن الـ33 عاماً في عام 2017، وبقي فيها لفترتين غير متصلتين، فإن الضرر الحاصل يعد نسبياً جداً. فقبل أيام تداول مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي فيديو لستة أشخاص يرقصون بينهم رئيسة وزراء فنلندا سانا مارين. وظهرت مارين في جزء من الفيديو وهي جالسة على ركبتيها في حلبة رقص، وهي تضع ذراعيها خلف رأسها وترقص بشكل وصفه البعض بـ"المثير".

حجم الإثارة في متابعة تفاصيل حياة المشاهير كبير. وكلما زادت الشهرة، وزادت التفاصيل الصغيرة الحساسة تفاقمت الإثارة وتصاعد الاهتمام. الاهتمام بالحياة الشخصية لمارين لم يتفجر في الفيديو الراقص، بل كل ما يتعلق بها مثير للاهتمام. فهي الأصغر سناً (بعد المستشار النمسوي السابق كورتزس)، وهذا في حد ذاته مثير للاهتمام، كما أنها سيدة وهذا ما زال يدعو إلى الاهتمام الزائد في بعض الثقافات، كما أنها جميلة، وهناك اعتقاد نمطي سائد بأن السياسية الناجحة والجمال لا يتوافقان، لكنها أيضاً تنتمي لأسرة بسيطة وظروفها بالغة الصعوبة، إذ انفصل والداها وهي في سن صغيرة بسبب إدمان والدها الكحول. بعدها نشأت في أسرة مثلية. هذه النشأة تجعل من مارين شخصية بالغة الإثارة لبعض شعوب الأرض وثقافاتها وقيمها، ولكن ليس لشعب فنلندا.

يشار إلى أن وزيرة الداخلية الفنلندية السابقة بايفي راسانين حوكمت في مطلع العام الحالي بتهمة نشر خطاب كراهية ضد المثليين، وذلك بعد أن أدلت بتصريحات قالت إنها تستند إلى الإنجيل في ثلاث مناسبات مختلفة. ويشار أيضاً إلى أن النائب العام الفنلندي قال عقب المرة الأولى التي أدلت فيها راسانين بتصريحات مناهضة للمثلية والمثليين، إن ما تقوله "من شأنه أن يثير التعصب والازدراء والكراهية ضد المثليين".

لهو وعري واعتذار

ومثلما صار جدل عارم بعد فيديو رئيسة الوزراء مارين صار جدل أكبر بعدها بأيام قليلة. هذه المرة، انتشرت صورة لمؤثرتين من مؤثري الـ"سوشيال ميديا" عاريتي الصدر في مقر إقامتها الرسمي. مارين اعتذرت عن الأخيرة، لكن واقعة احتفالها ولهوها ورقصها وشربها الكحوليات ضمن حفل لم تعتذر عنها. حتى مطالبتها بالخضوع لاختبار تعاطي مواد مخدرة قابلته بالموافقة. وأثبت الاختبار عدم تعاطيها للمخدرات. وهذا هو الحد الفاصل الذي وضعته مارين بطريقة غير مباشرة بين ما يسمح للجمهور بالتدخل فيه والاعتراض عليه، وبين ما لا يسمح به.

ما لا يسمح به من تدخل في أمور شخصية من قبل الجمهور أو العامة أشارت إليه المرشحة السابقة للرئاسة ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون بطريقة غير مباشرة. السيدة كلينتون نشرت صورة لها وهي ترقص في مدينة قرطاجنة الإسبانية وقت كانت وزيرة للخارجية. ووجهت رسالة حازمة لمارين فيها كثير بين السطور، "مثلما قالت آن ريتشاردز (سياسية أميركية وحاكمة ولاية تكساس السابقة)، فعلت جينجر رودجرز (فنانة وراقصة أميركية) ما فعله فريد أستير (راقص أميركي)، لكنها فعلته بطريقة عكسية وبكعب عالٍ. أنا في قرطاجنة في اجتماع وأنا وزيرة للخارجية. سانا مارين، واصلي الرقص".

هيلاري وبيل ومونيكا

مناصرة السيدة كلينتون لرئيسة وزراء فنلندا تفتح كتب التاريخ المعاصر، وتجربة كلينتون المريرة مع فضيحة زوجها العاطفية أو الجنسية مع المتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي. ففي عام 1998، استيقظ سكان الأرض على تفاصيل علاقة جمعت بين الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، زوج هيلاري، ظلت مثار شد بنفي الرئيس وجذب بتأكيد الأقاويل. الرئيس والمتدربة لوينسكي – وكانت حينئذ في الـ22 من عمرها - دخلا في علاقة عاطفية تحولت لجنسية بتفاصيل يندى لها الجبين. إنها قصة العشق الممنوع الأشهر في السنوات الأخيرة من القرن العشرين.

في تلك الفترة، صارت "بقعة فستان لوينسكي" مثاراً للتندر والصدمة بين الملايين، فقد تم تحليل عينة من الحامض النووي لكلينتون لفحصه معملياً في معامل مكتب التحقيقات الفيدرالي ومطابقتها وبقعة على فستان لوينسكي للتأكد من أنه سائل الرئيس المنوي!

السائل عن التفاصيل

السائل عن تفاصيل علاقة جمعت بين رئيس أقوى دولة في العالم وسيدة أخرى غير زوجته لن يجد صعوبة في معرفة أكثر حميمية، وأعمقها حساسية. ووصل الأمر إلى درجة أن متحف "إيروتيك هريتيج" أو "متحف تراث الشهوانية" عرض مليون دولار أميركي على لوينسكي في عام 2015 لشراء الفستان الأزرق الأشهر في التاريخ.

هذا عن الأثر الأسطوري. أما القول الأسطوري المصاحب للفضيحة التي يعلمها الجميع فهو تأكيد بيل كلينتون في حينها "لم يكن لدي علاقات جنسية مع تلك المرأة"، وهي إحدى أكثر المقولات التي لا تنسى في السياسة الأميركية. لماذا؟ لأنها مقولة كاذبة.

كذب المقولة – كما اتضح فيها بعد - تحول إلى قصص إخبارية وأعمدة تحليل وفقرات حوارية ممتدة في كثير من دول العالم في أواخر التسعينيات. الغالبية العظمى من السطور والكلمات والأفكار دارت في فلك حدود كذب الرئيس وإساءة استغلال المنصب والخيانة الزوجية وهل ينبغي اتخاذ قرارات عزله وغيرها، لكن أحداً لم يتطرق إلى "حق" المواطنين في معرفة ما جرى والاطلاع على تفاصيل العلاقة وأثرها على زوجته هيلاري. بدا أن "الحق" مكفول ومقبول.

ليس هذا فقط، بل صدرت سلسلة أفلام وثائقية تحمل اسم "هيلاري" (2020) تحدث فيها الضالعون في الفضيحة، ومنهم هيلاري نفسها التي تحدثت عن "الدمار" الذي تعرضت له وقت الكشف عما جرى. قالت، "تأذيت شخصياً جداً ولم أصدق ما كان يجري. لا أستطيع أن أصدق أنك (بيل) كذبت. كان الأمر فظيعاً".

فظاعة السير

فظاعة سيرة بيل وهيلاري ومونيكا التي كانت على كل لسان ليست على القدر نفسه من فظاعة نشر صور لحفل أقامه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي أعلن استقالته لتواتر أزماته، وذلك في وقت الإغلاق بسبب الوباء. صور جونسون في الحفل تم تداولها في كل بيت بريطاني، ومنها إلى ملايين البيوت حول العالم. صار الحفل موضع حديث وتحليل الجميع.

الجميع ضلع قبل عقود وحتى الوقت الراهن في التنقيب عن أدق تفاصيل أميرة ويلز الراحلة الأميرة ديانا. كل حركة أو خطوة أو تفصيلة من تفاصيل حياة "أميرة القلوب" كانت مثار بحث وتقص وأحياناً تطفل وفضول ملايين الناس حول العالم. حياة الأميرة ديانا كانت مثيرة بكل المقاييس. فبدءاً بأناقتها وسماتها الجمالية من حيث القالب والقلب، مروراً بحياتها الزوجية العاصفة مع زوجها ولي العهد الأمير تشارلز وكم المغامرات الناجمة عن ذلك، وانتهاءً بمقتلها وصديقها دودي الفايد أثناء محاولة السائق الهرب من الـ"باباترازي" (مصورون مهمتهم مطاردة المشاهير).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الخيط الرفيع الفاصل بين مطاردة المشاهير عنوة وإكراهاً لإرضاء العامة وإشباع رغباتهم في التلصص على الحياة الشخصية للساسة والفنانين والشخصيات العامة، وبين حق الجمهور والمتابعين في معرفة جوانب بعينها من حياة هؤلاء المشاهير يصعب تعريفه. وإذا  كان لكل إنسان، بمن في ذلك المشاهير، الحق في الخصوصية، فإن "بعض" القضايا أو التصرفات أو التفاصيل يصعب إدراجها ضمن "الخصوصية" لأنها تتعلق بالصالح العام. وفي المسائل المتعلقة بالمشاهير، لا سيما الساسة، تعتبر بعض الدول والثقافات والقوانين تفاصيل بعينها في الحياة الشخصية ملك الجميع طالما صاحبها ترشح أو ينوي الترشح لمنصب عام، بمعنى آخر، فإن المسؤولين والساسة يفقدون جانباً من حقهم في الخصوصية ما إن يصبحوا مسؤولين.

مسؤول رائع لكن مخطئ

فالمسؤول الرائع في أداء عمله أو السياسي الناجح في منصبه، لكن يتعاطى مواد مخدرة أو يخوض علاقات عاطفية أو جنسية غير لائقة، أو يسيء استغلال موارد وظيفته أو ما شابه يجد نفسه في خانة محاسبة قاسية من قبل الجمهور.

في الوقت نفسه، فإن بين "الجمهور" معارضين ومتلهفين على إسقاط المسؤول ضمن لعبة السياسة والتوازنات والصالح. في حالة رئيسة وزراء فنلندا مارين مثلاً، انقسم خبراء ومتابعون حول ما جرى. البعض اعتبر تصرفاتها في حدود اللائق والمسموح به، لا سيما إنها شابة وتعيش حياتها الطبيعية إضافة إلى النجاحات العديدة التي تحققها منذ تولت المنصب في عام 2019. والبعض الآخر يرى أن وصولها لهذا المنصب لا يأتي من دون كلفة تتكبدها حياتها الشخصية، وإنه كان عليها مراعاة ذلك.

يشار إلى أن استطلاعاً للرأي أجرته صحيفة فنلندية حول شعبيتها في أعقاب فيديو الحفل أشار إلى تراجع تقييم 42 في المئة من الفنلنديين لها.

من جهة أخرى، فإن جانباً من تأليب الرأي العام على ساسة أو مسؤولين ينجم أحياناً عن المعارضة التي تعمل من أجل إسقاط هذا ليحل ذلك محله. إنها لعبة السياسة الأزلية.

في ورقة بحثية عنوانها "الحياة الشخصية للشخصيات العامة" والمنشورة على موقع "مركز ماركولا للأخلاقيات التطبيقية" التابع لجامعة سانتا كلارا الأميركية، تطرح المؤلفتان جودي نادلر وميريام شولمان أسئلة عدة أبرزها، هل هناك حد فاصل بين حياة السياسي أو السياسية العامة والخاصة؟ هل يمكن أن يكون السياسي أخلاقياً في عمله وغير أخلاقي في حياته الخاصة؟ ما النقاط الجدلية التي يمكن مناقشتها من الجمهور والمتعلقة بحياة السياسي الخاصة؟ وجميعها أسئلة يخضع بعضها للقوانين في كل دولة، والثقافات التي تفرق بين شعب وآخر في مفهوم العمل العام وواجبات ومسؤوليات من يعمل به وقواعد وضوابط المكاشفة والمصارحة، وكذلك حقوق الناخبين أو الجمهور أو المتلقين في معرفة تفاصيل من الحياة الخاصة قد تؤثر في الأداء والصالح العام وغيرها.

استشعار الحرج

وعلى الجانب الآخر من العالم، يندر الدخول في نقاشات جدلية حول الخطوط الفاصلة بين الحياة العامة والخاصة للسياسيين وكبار المسؤولين، لا لعدم وجود حياة خاصة أو فضائح لهم، ولكن لأن الثقافة العربية السائدة بوجه عام تحول دون الخوض في "حق" الجمهور بالضلوع في حياة المسؤولين الشخصية. أما الضلوع بحياة الفنانين والفنانات الشخصية فهو متاح ومباح، حتى في حال وجود قوانين تحول دون ذلك.

وعلى الرغم من أن الثورة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي فتحت أبواب التلصص على حياة الآخرين الشخصية على مصاريعها، فإن "الآخرين" هم الجميع باستثناء المسؤولين. أقصى ما يمكن تداوله والتكهن بأبعاده وإطلاق العنان لتفاصيله هو طلاق مسؤول أو زواجه، وعمل أبنائه وبناته في أماكن بعينها، وربما ضلوع أي من أفراد الأسرة في عمل غير قانوني طالما تم تسريبه بشكل أو بآخر، لكن يظل تداول التفاصيل أو الخوض فيها علناً من الأمور غير المستساغة أو غير المقبولة أو غير المسموحة عربياً لأسباب بعضها يتعلق بشح المعلومات أو باستشعار الحرج أو القلق أو الخوف.

وفي كل الأحوال، على جانبي العالم، تظل الحدود الفاصلة بين حياة المشاهير، لا سيما الساسة، الخاصة والعامة منطقة ضبابية رمادية، وذلك على الرغم من أنف القوانين والثقافات والأعراف.

المزيد من تحقيقات ومطولات