Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تأثير العقوبات طويل الأمد على الاقتصاد الروسي

تفادي الانهيار لا يعني أن مستوى المعيشة لم يبدأ في التراجع والركود مستمر

تداعيات طويلة الأمد ستظهر على الإقتصاد الروسي مع الحرب في أوكرانيا وشدة العقوبات الدولية ( رويترز)

بعد ستة أشهر من الحرب في أوكرانيا قد تكون روسيا تمكنت من تفادي انهيار الاقتصاد تحت وطأة العقوبات الغربية عليها، لكن دخول الاقتصاد في ركود عميق يعني أن تأثير العقوبات سيمتد لفترة طويلة. صحيح أن موسكو تمكنت من تفادي الانهيار الذي تحدث عنه الرئيس الأميركي جو بايدن مع بدء فرض العقوبات في بداية الحرب في أوكرانيا، لكن تأثير العقوبات سيأخذ في الظهور مع تعمق الركود. وإذا كانت الصين والهند وغيرهما ساعدتا في امتصاص صدمة العقوبات بزيادة وارداتها من صادرات الطاقة الروسية فإن المحللين في الغرب يرون أن الاقتصاد الروسي بدأ في التراجع بقوة ويواجه فترة ممتدة من الركود، كما يقول وزير الاقتصاد الروسي السابق أدنريه نيتشييف في مقابلة مع شبكة "سي أن أن" الأميركية.

يقول نيتشييف، الذي كان مسؤولاً عن الاقتصاد الروسي في فترة انهياره مطلع التسعينيات من القرن الماضي، إن الشكل الظاهر أن شيئاً لم يتغير، ويضيف، "أقود سيارتي في موسكو فأجد الزحام كما هو من قبل". وباستثناء بعض واجهات المحال التي كانت تستضيف ماركات عالمية تظهر فارغة، فإن الصورة العامة أن الوضع كما كان من قبل. حتى سلاسل محلات الوجبات السريعة التي غادرت روسيا مثل "ماكدونالدز" عادت محلاتها تعمل تحت اسم جديد هو "فكوسنو أي توشكا" "لذيذ، هكذا" أما مقاهي "ستاربكس" فعادت للعمل تحت اسم لا يختلف كثيراً "ستارز كافيه".

استعدادات روسيا

ومما ساعد روسيا على امتصاص صدمة العقوبات في البداية تلك الاستعدادات التي بدأت بها منذ فرض العقوبات السابقة عليها إثر ضمها شبه جزيرة القرم في 2014. ويعود الفضل أيضاً في تفادي الانهيار الاقتصادي إلى إجراءات البنك المركزي الروسي كما يقول نيتشييف. مع بداية الحرب وفي أول فرض العقوبات انهارت العملة الروسية، الروبل، إلى أدنى مستوى لها أمام الدولار، ذلك مع تجميد الغرب نحو نصف الاحتياطات الروسية من العملة الأجنبية البالغة 600 مليار دولار، لكن الروبل عاد وارتفعت قيمته لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2018 على الرغم من تهديدات الرئيس بايدن بأنه سيحول العملة الروسية إلى "ركام".

وفور بدء العقوبات فرضت روسيا قيوداً على رأس المال، وقام البنك المركزي الروسي برفع سعر الفائدة بشكل كبير وبنسبة غير مسبوقة. وبعد فترة، بدأ تخفيف تلك الإجراءات حتى عاد سعر الفائدة الآن إلى نسبة أقل مما كان عليه قبل الحرب. ويقول البنك المركزي في موسكو، إن معدلات التضخم التي وصلت إلى أعلى مستوياتها في أبريل (نيسان) عند نسبة 18 في المئة تراجعت الآن إلى ما بين 12 و15 في المئة. كذلك عدل البنك توقعاته لانكماش الاقتصاد بنسبة ما بين 4 و6 في المية، بعد أن كانت الوقعات في أبريل بانكماش بنسبة ما بين 8 و10 في المئة. ويتسق ذلك مع توقعات صندوق النقد الدولي بانكماش الاقتصاد الروسي بنسبة 6 في المئة هذا العام.

وأسهم استعداد روسيا لاحتمالات فرض العقوبات في تفادي كارثة الانهيار السريع للاقتصاد. يقول وزير الاقتصاد السابق: "لم يكن لخروج شركات ماستركارد وفيزا تأثير على نظام المدفوعات الداخلية في البلاد، لأن البنك المركزي كان لديه نظام بديل للمدفوعات بالفعل". وسبق أن أطلقت روسيا في عام 2017 بطاقة الائتمان "مير كارد" للتعامل في البلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما قدرة روسيا على سرعة تشغيل سلاسل المحلات للماركات العالمية التي غادرت روسيا، فتعود إلى إجراء مهم بدأت الحكومة تطبيقه منذ عام 2014، كما يقول كريس ويفر المؤسس المشارك لشركة "ماكرو أدفايزوري ليمتد" التي تقدم المشورة للشركات الأجنبية العاملة في روسيا.

فقد أجبرت الحكومة الشركات الأجنبية منذ ذلك الحين على اعتماد سلاسل توريد محلية لأعمالها، ورضخت الشركات لذلك، لذا عندما انسحبت شركات مثل "ماكدونالدز" و"ستاربكس" وغيرهما، لم يكن صعباً على الروس تشغيلها لأنها لا تعتمد على سلاسل توريد خارجية. يقول ويفر: "العاملون أنفسهم، والمنتجات نفسها، والتوريدات نفسها".

قطاع الطاقة

أدت استعدادات روسيا إذاً إلى تخفيف تأثير العقوبات، خصوصاً في ما يتعلق بأعمال الشركات الأجنبية التي خرجت من روسيا، لكن الوضع مختلف بالنسبة لقطاع الطاقة، حيث ما زالت عائدات صادرات النفط والغاز تمثل مصدر الدخل الرئيس للحكومة الروسية. وبحسب تحليل شبكة "سي أن أن" قد تكون هناك مبالغة في القول، إن ارتفاع أسعار الطاقة أدى إلى حماية روسيا تماماً من تأثير العقوبات.

صحيح أن توقعات وكالة الطاقة الدولية في مارس (آذار) الماضي بأن صادرات النفط الروسية ستنخفض نتيجة العقوبات بمقدار ثلاثة ملايين برميل يومياً في أبريل لم تتحقق، إلا أن شركة الأبحاث "رايستاد إنرجي" ذكرت أن صادرات النفط تراجعت قليلاً خلال الصيف.

وإذا كانت صادرات الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا انخفضت بنسبة 75 في المئة تقريباً، نتيجة العقوبات وتقليل أوروبا اعتمادها على واردات الطاقة الروسية أو نتيجة قطع روسيا الغاز في إطار الضغط على أوروبا، فإن النفط الروسي وجد مشترين آخرين في آسيا.

يقول هومايون فالاكشالي من شركة الاستشارات في مجال السلع "كبلر"، إن أغلب شحنات النفط الروسي بالناقلات تذهب إلى آسيا منذ بداية الحرب في أوكرانيا. وكان نصيب آسيا من صادرات النفط الروسي المنقول بالبحر في يوليو (تموز) 56 في المئة من إجمالي صادرات روسيا بالناقلات، وذلك مقابل نسبة 37 في المئة في الشهر ذاته العام الماضي 2021.

وخلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى يوليو من هذا العام زادت الصين ورداتها من النفط الروسي المشحون براً بالناقلات بنسبة 40 في المئة. أما الهند فزادت وارداتها من نفط روسيا في تلك الفترة بنسبة 1700 في المئة، كذلك زادت روسيا صادراتها من الغاز الطبيعي إلى الصين عبر خط أنابيب سيبيريا بين البلدين.

مستوى المعيشة

على الرغم من أن ارتفاع معدلات التضخم عالمياً يساعد روسيا على تخفيف تأثير العقوبات بسبب زيادة عائداتها من صادرات الطاقة مرتفعة السعر، فإن التضخم يضر أيضاً بالمواطنين الروس كما في بقية دول العالم. يقول أندريه نيتشييف: "بالنسبة لمستويات المعيشة، غذا قدرتها بالقيمة الحقيقية للدخل، فإننا عدنا إلى الوراء ربما 10 سنوات".

لذا نجد الحكومة الروسية تزيد من إنفاقها في محاولة لتخفيف العبء عن المواطنين، ففي مايو (أيار) الماضي أعلنت عن زيادة رواتب معاشات التقاعد ورفعت الحد الأدنى للأجور بنسبة 10 في المئة، كما أعلنت عن برنامج شراء سندات دين شركات الطيران، المتعثرة نتيجة العقوبات، بنحو 280 مليون دولار (17 مليار روبل).

ويعرب وزير الاقتصاد السابق عن قلقه من تأثير العقوبات على المدى البعيد، ويؤكد أنه "الآن، بدأ التدهور الاقتصادي"، أما كريس ويفر فيقول: "سيكون تأثير العقوبات تدهوراً على المدى الطويل أكثر منه صدمة انهيار... تواجه روسيا الآن ركوداً لفترة طويلة".

اقرأ المزيد