Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اكتشاف أساليب غير معروفة لفرويد في كتاب ضائع لآنا غوغنبول

4 أشهر على ديوان رائد التحليل النفسي حررت الزميلة من مشكلاتها العائلية وخطيبها المحبوب

سيغموند فرويد (1856 – 1939) (غيتي)

كانت عادة طريفة وغريبة بعض الشيء تلك التي كان يتبعها المحللون النفسيون خلال الحقب الأولى من عمر التحليل النفسي، حيث غالباً ما كان ذلك التحليل يمارس أول ما يمارس على من يريدون أن يكونوا بعد ذلك من ممارسي هذا النوع من العلاج، فلا يمكنهم بالتالي أن ينصرفوا إليه إلا بعد أن يكون زملاء لهم سابقون عليهم قد حللوهم أول الأمر، بل وكان يحدث في أحيان كثيرة أن يبدأ المرء بتناول العلاج التحليلي انطلاقاً من أعراض تبدو عليه وحتى دون أن تخامره رغبة في أن يتحول بعد ذلك إلى محلل بدوره. ولعل من الحالات الشهيرة بالنسبة إلى هذا النوع الأخير حالة الروسية سابين سبيلمان التي بدأت علاقتها مع التحليل النفسي مريضة جيء بها إلى كارل يونغ في عيادته في زيوريخ أول الأمر فعالجها هذا واستعان بأستاذه وزميله سيغموند فرويد في فيينا حتى شفيت لتصبح بعد ذلك من المحللات النفسيات. ولقد حقق السينمائي ديفيد كروننبرغ عن حكايتها فيلماً بات شهيراً قبل سنوات هو "منهج خطير"، يرينا كيف أنها بدأت مريضة لا تفكر حتى في شيء غير الشفاء لتنتهي باحثة وطبيبة. والحالات الشبيهة بحالة سابين عديدة وربما كانت حالة آنا. غ شديدة الشبه بها، ما عدا أنها حالة ظلت مجهولة لا يعرف عنها أحد شيئاً من عام 1921 حين خضعت السيدة للتحليل لدى فرويد في عيادته في 19 بيرغاسي بفيينا، وحتى عام 1988 أي بعد ذلك بأكثر من 65 عاماً حين اكتشفت حفيدة لها تدعى بدورها آنا وتعمل هي الأخرى في التحليل النفسي، في زوايا الدار العائلية في زيوريخ بسويسرا دفاتر مدرسية مخبأة بعناية كانت الجدة قد دونت عليها يوميات الأشهر التي أمضتها على ديوان "الهر الدكتور فرويد" تخضع لتحليله لها إذ استشارته في بعض شؤونها الخاصة.

هل تنشر أم لا؟

ولقد انتظرت آنا الحفيدة سنوات طويلة وهي في حيرة من أمرها: هل تنشر ما في الدفاتر أم تعيدها إلى المخبأ؟ في النهاية نشرتها لتشكل مفاجأة علمية طيبة، تحت عنوان "تحليلي مع الدكتور فرويد" كما سيرد في الترجمة الفرنسية التي صدرت في عام 2010، من تحقيق آنا كولرويتر، وهو اسم الحفيدة، التي احتفظت في الكتاب باسم جدتها كما عرفها فرويد: آنا. غ، إنما مع تأكيد اسمها الحقيقي الذي كان معروفاً منذ سنوات على أية حال، آنا غوغنبول. وتبدأ حكاية آنا هذه مع فرويد كما جاء في أوراقها، ذات يوم من شهر أبريل (نيسان) 1921 وكانت في السابعة والعشرين من عمرها حين دقت على باب عيادة البروفيسور فرويد وقد عزمت على أن تستشيره بصدد حالتها. ولم تكن حالة شديدة الصعوبة على أية حال، كل ما في الأمر أنها كانت تتقدم في العمر وهي مخطوبة منذ سبع سنوات لكنها تؤجل الزواج عاماً بعد عام على الرغم من إلحاح العريس وضغوط أهلها. ففي بيئتها الاجتماعية آنذاك كانت تعتبر عانساً في تلك السن. ولسوف تقول لفرويد منذ البداية إنها تحب خطيبها وتريد أن تبني معه عائلة لكنها لا تعرف ما الذي يمنعها. يومها كان فرويد في نحو الخامسة والستين من عمره وفي قمة مجده، ولم يكن قد أصيب بعد بذلك السرطان في الفك الذي سيجعله قليل الكلام. وبالطبع كان حينها قد أوصل إلى الذروة أسلوب التداعي الحر وتذكر الأحلام وما شابه ذلك.

اكتشاف متشعب وبسيط!

وإلى ذلك كله، وجلسة بعد جلسة راحت أسئلة فرويد لآنا تتشعب بينما هي صارحته بأن مشكلة الزواج لم تكن الوحيدة التي اجتذبتها إلى عيادته بل كذلك حيرتها إزاء مستقبلها المهني -أتبقى عالمة نفس أم تتحول إلى التحليل النفسي- وغيرتها من إخوتها الصبيان، وعلاقتها بوالديها. وكل هذه القضايا راحت آنا تستعيدها وهي مستلقية على ديوان الدكتور الشهير طوال ما لا يقل عن أربعة أشهر. وكانت إضافة إلى ذلك، ما إن تعود إلى دارها حتى تبدأ بتسجيل كل ما تتبادله من حديث مع فرويد وتركز على الملاحظات التي يبديها، لكنها كانت تحرص على أن تقفل بالمفتاح على دفاترها لأنها لم تكن راغبة في أن يطلع أحد على أفكارها، وبخاصة ليس على ما تنقله من عبارات يقولها فرويد. والحال أن التحليل، وبحسب ما تكتب آنا الجدة، كان يتم بهدوء حتى وإن كان يتضمن كشفاً لأسرار عميقة من حياتها ومن شخصيتها "أفهمتني تماماً كل ما أفعله وكل ضروب التردد التي تجعلني غير راغبة في استعجال الزواج من خطيبي". صحيح أنها كانت تحبه لكنها "اكتشفت" أن مرور السنوات على خطبتهما ومشاركته حياتها العائلية قد جعلاه فرداً من العائلة. وهنا المشكلة الرئيسة، المشكلة التي ستجعلها في نهاية الأمر تتركه لتتزوج نحاتاً فرنسياً ارتبطت بعلاقة معه بعيداً من تأثيرات أهلها. لماذا؟ لأن فرويد قد ساعدها وهي مستلقية على ديوانه على فهم مشكلتها الحقيقية: إنها هؤلاء الأهل بالذات. فآنا كانت من ناحية متيمة بواحد من أشقائها، ومن خلاله كانت تحس بولع بأبيها وتغار عليه من أمها. ولعل أخاها هذا كان يشبه الأب كما أن خطيبها السابق كان مقرباً من شقيقها ويماثله في السن. وبما أنها كانت هي أصلاً مطلعة على نظريات فرويد بالنسبة إلى المعضلات الجنسية، كانت كما يبدو تخشى عمليات الإسقاط التي قد تلجأ إليها في تلك الحياة مستبدلة كل واحد من هؤلاء الذكور الثلاثة في حياتها بالآخر، ما يؤدي إلى جعل الخطيب الذي تحبه ضحية لكل تلك الحياة، ما سيقود إلى فشل حياتها الزوجية بشكل يقيني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بين آنا. غ، وآنا. ف

وبهذا كان التحليل الذي قام به فرويد لمشكلة آنا قادراً على أن يقودها إلى بر الأمان، حيث إنها ستعيش مع زوجها النحات الذي لا يمت بأية صلة إلى أهلها خمسين عاماً من السعادة والهناء. ومع ذلك فإن حفيدتها حين اكتشفت تلك الصفحات وقرأتها راحت تطرح على نفسها سؤالاً حيرها: إذا كان الأمر كذلك، لماذا ترى الجدة قد تخلت بعد ذلك كله عن حلمها بأن تصبح بدورها محللة نفسية؟ والحقيقة أن ليس في الكتاب ما يمكن اعتباره جواباً على هذا السؤال على الرغم من أن دار النشر التي نشرته أضافت إلى نصه ملاحق اشتغل عليها خمسة من المحللين النفسيين المعروفين، لكن هؤلاء لم يهتموا كثيراً بذلك البعد قدر اهتمامهم بما كشف عنه النص من الطريقة التي كان فرويد يتعامل بها عند تلك الحقبة من مسيرته العلمية والمهنية مع الحالات النسائية التي يحللها مع نساء يتحاور معهن بشكل حميم وصريح، دون أن ننسى أن آنا. غ قد قصدته بإرادتها وكانت تناقشه بكل حرية كأستاذ وزميل. ولعل الأهم من هذا هو ما يكشف عنه هذا النص نفسه من أن فرويد كان، وفي الوقت نفسه الذي "يعالج" فيه هذه الـ"آنا" الزميلة السويسرية، كان يعالج "آنا" أخرى في مثل سنها تقريباً، هي نمسوية هذه المرة وبالتحديد هي ابنته آنا فرويد التي سيجعل منها لاحقاً وريثته العلمية. وخسارة أن فرويد استنكف عن الإشارة إلى هذا "التطابق" في الاسم والسن والمهنة بين فتاتين عالجهما في وقت واحد تختلفان في أن السويسرية كانت محاطة في حياتها بالذكور، فيما كانت الثانية محاطة بعلماء عجائز من زملاء والدها، بالتالي كان فرويد يبذل جهوداً مضنية كي يزوجها من واحد من الشبان الذين يحللهم لكنه لم يفلح في مسعاه، فإذا كان قد تمكن من "تحرير" آنا. غ فإنه في الواقع فشل مع آنا. ف!

حرص محير

ولئن كانت "يوميات" الأولى لا تفيدنا كثيراً حول هذه الناحية، فإنها في المقابل تعطينا مجموعة أفكار بالغة الحميمية والدقة والصراحة من نوع تلك التي يمكن الاشتغال عليها بغية تحقيق مزيد من الاكتشافات المتعلقة بتقنيات فرويد، بخاصة أن لغة آنا. غ في الكتاب لغة علمية وتخلو من الأبعاد التي قد تبديها مبجلة لأستاذها أو "فاضحة" له أو أي شيء من هذا القبيل، ما يجعلنا أمام نص وصفه المعلقون على الكتاب بأنه من نوع "التحليل العلاجي النفسي"، متسائلين بعد كل شيء عم جعل آنا. غ تخفيه بكل ذلك الحرص!

المزيد من ثقافة