Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أشعل الحائري فتيل الحرب الشيعية - الشيعية في العراق؟

عديد من المسارات التي تلت بيانه تدفع إلى الاعتقاد أنه مثل "نقطة التحول نحو الصراع المسلح"

يستمر الصراع المسلح بين أتباع التيار الصدري من جهة والميليشيات الموالية لإيران من جهة أخرى، مخلفاً عشرات القتلى ومئات الجرحى، مع عدم وجود أي بوادر لحل الأزمة، وأشعل البيان الذي أصدره رجل الدين المقيم في إيران كاظم الحائري والخلاف بينه وبين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر فتيل ما يمكن أن يتحول إلى حرب شيعية - شيعية أوسع، بين التيار الصدري من جهة والميليشيات التابعة لـ"الحشد الشعبي" من جهة أخرى.

حادثة غير مسبوقة

ومثل "اعتزال" الحائري حدثاً مفاجئاً وغير مسبوق في تاريخ المرجعيات الدينية الشيعية، إذ على الرغم من قلة عدد أتباعه فإنه لم يسبق أن اعتزل أي مرجع شيعي في السابق وأوصى أتباعه باتباع مرجع آخر، بحسب متخصصين. ويرى مراقبون أن عديداً من المسارات التي تلت بيان الحائري تدفع إلى الاعتقاد أنه مثل "نقطة التحول نحو الصراع المسلح"، خصوصاً كونه تضمن التوجيه إلى أتباعه بـ"إطاعة" المرشد الإيراني علي خامنئي بالتزامن مع وصول الأزمة إلى أعلى مستوياتها، واصفاً الأخير بأنه "الأجدر والأكفأ على قيادة الأمة وإدارة الصراع مع قوى الظلم والاستكبار".

ويأتي هذا بالتزامن مع الصراع المستمر بين التيار الصدري وفصائل "الحشد" التي يعلن معظمها الولاء لخامنئي، إذ أوصى الحائري في بيانه من سماهم "جميع المؤمنين" بدعم وتأييد "الحشد الشعبي كقوة مستقلة غير مدمجة في سائر القوى"، واتهم الحائري الصدر بشكل ضمني بـ"السعي إلى تفريق أبناء الشعب والمذهب باسم الشهيدين الصدرين (...) وهو، في الحقيقة، ليس صدرياً مهما ادعى أو انتسب"، الأمر الذي دفع زعيم التيار الصدري إلى القول في بيان اعتزاله هو الآخر "يظن الكثيرون بمن فيهم السيد الحائري أن هذه القيادة جاءت بفضلهم أو بأمرهم، كلا، إن ذلك بفضل ربي أولاً ومن فضل والده محمد صادق الصدر الذي لم يتخل عن العراق وشعبه".

ولعل ما يدفع إلى الاعتقاد أن "اعتزال" الحائري مثل "ساعة الصفر" لبدء الميليشيات تحركها المسلح ضد حراك التيار الصدري هو قطع الصدر مهلة 72 ساعة التي أعطاها للكتل السياسية لترك العمل السياسي وإعلان اعتزاله، ويرجح مراقبون أن يكون خيار الصدر بالاعتزال جاء استباقاً لأي صدام مسلح لإخلاء مسؤوليته بكل ما يتعلق بهذا الأمر على الرغم من اشتراك الميليشيات التابعة للتيار في الصراع المسلح، خصوصاً أنه أشار في بيانه إلى أن اعتزال الحائري "لم يكن بمحض إرادته"، في إشارة إلى تأثيرات خارجية دفعته إلى اتخاذ خيار كهذا.

مفتي الميليشيات الولائية

ولا تتحرك الميليشيات الموالية لإيران والمنضوية ضمن هيئة "الحشد الشعبي" إلا بموجب فتاوى دينية تستند إليها في عملياتها المسلحة، إذ تعلن غالبية تلك الفصائل بشكل صريح ولاءها لخامنئي، في ما يستند بعضها إلى فتاوى دينية من رجال دين آخرين مقربين من خامنئي بينهم الحائري، ويصف عديد من المراقبين الحائري بأنه أحد أبرز "مفتي الميليشيات الموالية لإيران"، إذ يرتبط اسمه بتراث طويل من الفتاوى المخصصة لدعم المرشد الإيراني وتوسيع النفوذ الإيراني في المنطقة، من بينها فتاوى ترتبط بالصراع في سوريا وأخرى ترتبط بالشأن العراقي، وخلال التسريبات المنسوبة لرئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي يقول أحد المتحدثين "يجب إراقة الدماء"، مشيراً إلى أنها "دماء شرعية، ومراجعنا وعلى رأسهم آية الله الميرزا تشيد بالدماء الجديدة، ولديه فتوى موجودة".

ولم تكن تلك المرة الأولى التي يدعو فيها الحائري إلى الدخول ضمن "ولاية الفقيه"، حيث أفتى بوجوب القتال في سوريا عام 2013 دعماً لنظام بشار الأسد ضد ما سماه بـ"الكفر كله"، ودعت فتوى الحائري ذاتها إلى "الالتحاق بولاية المرشد الإيراني علي خامنئي وطريقه"، ومثلت تلك الفتوى واحدة من أبرز أبواب دخول عديد من الميليشيات الموالية لإيران على خط الأزمة السورية.

ويعد الحائري أحد أبرز رجال الدين الأصوليين في مدينة قم الإيرانية، إذ يعتبر كتاب "دليل المجاهد" الذي ألفه، في تسعينيات القرن الماضي، أحد أكثر الكتب التي تستند إليها الميليشيات الموالية لإيران لشرعنة عملياتها المسلحة منذ عقود.

فتاوى قتل متظاهري "تشرين" 2019

وخلال السنوات القليلة الماضية، وتحديداً بعد احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) 2019 المناهضة للنفوذ الإيراني، يستمر الحديث بين ناشطين وحتى سياسيين عن فتاوى ممنهجة تم إصدارها لعناصر الميليشيات الموالية لإيران لتصفية ناشطي الانتفاضة، من قبل مراجع تم استخدامهم من قبل طهران لوأد أي حراك يقوض نفوذ الميليشيات الموالية لها. ويرجح مراقبون أن ما دفع طهران إلى الاستعانة برجال دين غير خامنئي في إصدار تلك الفتاوى يعود إلى المخاوف من أن تعرقل أي مباحثات إيرانية مع المجتمع الدولي، فضلاً عن تأزيم موقفها بشكل أكبر في العراق وبقية البلدان التي تشهد نفوذاً إيرانياً واسعاً، ويتهم الحائري من قبل ناشطي احتجاجات "تشرين" بأنه أحد المراجع الذين تم استخدامهم لإصدار فتاوى تشرعن قمع المحتجين.

يذكر أن المدان بقتل الصحافي أحمد عبد الصمد كان قد اعترف بأنه "ينطلق من فتاوى دينية يتلقاها من جهات خارجية بضرورة مواجهة المعارضين والرافضين سلطة الميليشيات"، بحسب ما تسرب من إفادته، وكان عبد الصمد قال قبيل اغتياله بأيام، في يناير (كانون الثاني) 2020، إنه تلقى تهديدات مبطنة بسبب تجاوزه "خطوطاً حمراء تتعلق بإيران والميليشيات المسلحة والأحزاب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان خامنئي قد صرح أثناء الاحتجاجات المناهضة للنفوذ الإيراني في العراق ولبنان بالقول "أوصي الحريصين على العراق ولبنان أن يعالجوا أعمال الشغب وانعدام الأمن الذي تسببه في بلادهم أميركا والكيان الصهيوني وبعض الدول الغربية بأموال بعض الدول الرجعية"، وهو ما عده مراقبون توجيهاً مباشراً للميليشيات لزيادة حدة القمع.

ساعة الصفر لبدء الصراع

ويرى رئيس المركز العربي الأسترالي أحمد الياسري أن اعتزال الحائري تضمن "إشارات واضحة لضرب حراك الصدر، وكأنه مثل إعلان ساعة الصفر لقمع التيار"، مبيناً أن ما دفع الصدر إلى الاعتزال هو "إدراكه المبكر هذا المخطط"، ويبدو أن الحائري عمل على "محاولة ضرب الشرعية الدينية لحراك الصدر، بحسب الياسري، الذي يشير إلى أنه على الرغم من "تقليد عديد من أتباع التيار الصدري الحائري في المسائل الشرعية فإنهم لا يقلدونه في القضايا السياسية، وهو ما بدا واضحاً، إذ اعتبر أتباع التيار حركة الحائري استهدافاً مباشراً لهم". ويلفت الياسري إلى أن إدراك الصدر وجود "تحرك مسلح" لقمع أنصاره، هو الذي دفعه إلى "إعلان الاعتزال حتى لا يلقى اللوم عليه في معادلة الاقتتال"، مبيناً أن الدليل على ذلك هو "قطع الصدر المهلة التي أعطاها للأطراف السياسية وأعلن الاعتزال"، ويتابع أن استغلال إيران خطاب الحائري في توجيه الميليشيات يرتبط بسعيها "لإيجاد مخرج مريح لا يحرجها أمام الرأي العام الإقليمي والمحلي".

ويتحدث الياسري عن مسارات عدة ربما تدفع مرجعية السيستاني إلى الدخول على خط الأزمة، يتعلق الأول بـ"تدهور الوضع الأمني وسقوط الدماء التي ستحرج المرجعية لإبداء موقف إزاء ما يجري من أحداث والدفع نحو التهدئة"، ويرتبط المسار الآخر، بحسب الياسري، بـ"استشعار مرجعية النجف خطورة تمدد خطاب أتباع الولي الفقيه مقابل خطابات الصدر الأخيرة التي تتمسك بمركزية النجف بالنسبة إلى شيعة العراق"، وتتحسس أجواء مرجعية النجف منذ سنوات خطورة الميليشيات الموالية لإيران، إذ أشار عديد من الأطراف المرتبطة بمرجعية السيستاني وعلى رأسهم قادة ألوية المرجعية في "الحشد الشعبي" في أكثر من مناسبة إلى خطورة الفصائل الموالية لإيران داخل منظومة "الحشد"، وتجلى ذلك خلال انفكاك تلك الألوية وارتباطها بوزارة الدفاع العراقية.

رسالة تهديد وفك للوساطة

ويعود توسع نفوذ الحائري في أوساط الميليشيات في العراق إلى الانشقاقات التي حصلت في التيار الصدري عام 2008، حيث بدأت الجماعات المنشقة بتقليد الحائري كمفت لها، إذ مثل الحائري مرحلة انتقالية لتلك الفصائل بين التيار الصدري والذهاب نحو أتباع خامنئي، ومثل عام 2008 ذروة الانشقاقات في أوساط التيار الصدري، وتعد ميليشيات "عصائب أهل الحق" وميليشيات "النجباء" من بين أبرز الفصائل المنشقة التي باتت تدين بالولاء للمرشد الإيراني.

ويرى باحث، رفض الكشف عن هويته لأسباب أمنية، أن اعتزال الحائري مثل ضمناً "رسالة تهديد مباشرة للصدر، خصوصاً أنه كان أحد أطراف الوساطة بين زعيم التيار والقوى الموالية لإيران عام 2018".

ويضيف في حديث لـ"اندبندنت عربية" أن اعتزال الحائري كان يعني "انتهاء أي وساطة بين تلك الأطراف"، مبيناً أن هذا الأمر أدى إلى "استشعار الصدر بأنه مقدمة لحراك أوسع، مما أدى إلى انسحابه أيضاً".

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل