Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

روسيا "قوة ستاتيكو" وأميركا "قوة تغيير"

ليس أمراً قليل الدلالات عقد لقاء ثلاثي في القدس بين مستشاري الأمن القومي في أميركا وروسيا وإسرائيل

روسيا اليوم عملاق عسكري وقزم اقتصادي (أ. ف. ب)

المشهد المتحرك، من القدس إلى أوساكا وكل جغرافية الأزمات والتسويات، معبّر جداً. والانطباع السائد، في الشكل، هو أن الصورة تبدلت في العالم وعلى قمته: النسر الأميركي شاخ وتعب. الدب الروسي صار رشيقًا سريع الحركة. والتنين الصيني خرج من البر إلى المحيطات والبحار حاملاً تريليون دولار لمشروع "طريق واحد، حزام واحد". لكن الواقع، في المحتوى، داخل كل من أميركا وروسيا والصين وفي العالم أشد تعقيداً من هذا الانطباع.

وليس أمراً قليل الدلالات عقد لقاء ثلاثي في القدس بين مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، وسكرتير مجلس الأمن الروسي نيقولاي باتروشيف، ورئيس مجلس الأمن القومي في إسرائيل مائير بن شبات. لا بل أن تصبح السابقة مرشحة للتكرار وإطلاق "قناة حوار جديدة" حول الملف السوري والوجود الإيراني في سوريا، كما أوحت موسكو. فالغامض، حتى إشعار آخر، هو نوع "الاتفاقات" التي قال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إنه تم التوصل إليها في شأن سوريا. والمؤكد الوحيد هو التلاقي الأميركي- الروسي على "ضمان أمن إسرائيل"، بحيث بدا باتروشيف كأنه بولتون، وهو يؤكد اهتمام موسكو الخاص "بضمان أمن إسرائيل الذي هو مصلحة خاصة لنا بحكم وجود نحو مليونين من مواطنينا في إسرائيل التي تدعمنا في قنوات عديدة بما فيها الأمم المتحدة". فضلاً عن مفاخرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن اللقاء الثلاثي هو "إنجاز" له جعل إسرائيل في موقع الشريك لقوتين عظميَين بالنسبة إلى البحث في الوضع السوري والدور الإيراني.

أما الخلافات، فإنها واسعة وعلى أمور كثيرة إستراتيجية وجيوسياسية واقتصادية. وهي تشمل ما هو أبعد من المقدمة المرفوعة من لقاء القدس إلى القمة بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين في أوساكا على هامش قمة الـ 20، من المطالب الأميركية والإسرائيلية بإخراج إيران وحلفائها من سوريا، إذ ترى موسكو في طهران "حليفاً وشريكاً في محاربة الإرهاب"، إلى مطالبة روسيا أميركا وأوروبا بدعم "الرؤية الروسية لمستقبل سوريا" والإسهام في إعادة إعمارها، وما سماه باتروشيف "الكف عن استخدام سوريا حلبة للصراع".

وفي العلن، فإن الرئيس فلاديمير بوتين ردّ على الأحاديث عن "صفقة" مع أميركا حول إيران وسوريا بالقول إن "روسيا لا تتاجر بمبادئها وحلفائها، والممكن هو التفاوض على حل بعض المشاكل". وهذا ما ألمح إليه باتروشيف بالحديث عن إمكان "عدم حصول حلفاء إيران على أسلحة متطورة". أما في السر وأحاديث "الكواليس، فالله أعلم. لكن الواضح أن الظروف لم تنضج بعد للتوصل إلى تسوية واسعة بين واشنطن وموسكو حول العلاقات الثنائية والخلافات حول أوكرانيا وفنزويلا وسوريا وإيران وأماكن أخرى. واحتمالات التسويات الجزئية محدودة.

ذلك أن العنوان العام لسياسة روسيا في ظل بوتين هو ما قال مسؤول روسي في جلسات خاصة إنه "زرع الشوك على طريق أميركا". من مجلس الأمن إلى ساحات النزاعات الجيوسياسية. لماذا؟ لما تسميه واشنطن "الانتقام" كسياسة بلورها بوتين وما تسميه موسكو الرد على "إذلال الغرب لها" بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وما يراه الخبراء حرصاً روسيا على استعادة دور القوة العظمى عالمياً ودفع واشنطن إلى التسليم بتعدّد الأقطاب و"الشراكة" الروسية في إدارة النظام العالمي والأنظمة الإقليمية. وبهذا المعنى، فإن روسيا هي "محور الممانعة" الأساسي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وليس سراً أن الأدوار انقلبت بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي. خلال الحرب الباردة كان الاتحاد السوفياتي "قوة تغيير" في العالم بوصفه "القلعة الاشتراكية" التي تدعم الثورات في كل مكان وخصوصاً ضد الأنظمة الموالية لأميركا والغرب. وكانت أميركا "قوة ستاتيكو" للحفاظ على الأوضاع القائمة ومقاومة الثورات، ودعم الانقلابات العسكرية لضمان مصالحها، كما فعلت في تشيلي وبلدان عدة في أميركا اللاتينية والعالم.

المشهد اليوم هو العكس. أميركا تلعب دور "قوة تغيير". وباستثناء ما فعلته في أوكرانيا وجورجيا، فإن روسيا تلعب دور "قوة ستاتيكو". أميركا دعمت "الثورات الملونة" في أوروبا الشرقية، والثورة في أوكرانيا على الرئيس الموالي للروس، والحراك الشعبي في فنزويلا ضد الرئيس نيكولاس مادورو. وهي دعمت بقوة، وهناك من يتهمها بأنها خلقت، ثورات ما سمي "الربيع العربي" وراهنت على تحرك "الإسلام السياسي" بقيادة الإخوان المسلمين: من تونس وليبيا ومصر إلى سوريا والعراق واليمن والسودان والجزائر. أما روسيا، فإنها وقفت إلى جانب الأوضاع القائمة وتدخلت عسكريًا في سوريا للحفاظ على النظام. وهي واجهت كل تحرك أميركي في مجلس الأمن بالڤيتو مع الصين. وكان حرصها كبيراً على منع أي تغيير بحجة الحفاظ على الاستقرار. أقل ما قاله محلل عسكري روسي هو أن "محاربة أية ثورة ملونة مبدأ أساسي في موسكو". وأبسط ما رآه المحلل الروسي المعارض

 ألكسندر موروزوف هو أن "الكرملين يصر على أنه لا يمكن إسقاط أية حكومة سياسية، ولو كانت غير فعالة، حتى على أيدي مواطنيها".

روسيا اليوم عملاق عسكري وقزم اقتصادي، وهي تفتقر إلى ما كان لدى الاتحاد السوفياتي من "قوة ناعمة" وجاذبية أيديولوجية يسارية إلى جانب "القوة الصلبة". إذ حكمها سلطوي في ثياب انتخابية، واقتصادها رأسمالي تسيطر عليه شلة من أصدقاء الكرملين. لكن قوى اليسار في العالم وقوى الإسلام السياسي بالطبعة السنية والطبعة الشيعية تصطف وراء روسيا وتطالبها بأدوار أكبر لمجرد أنها تقول لا لأميركا، ولو لدفعها إلى قبول الشراكة. وأكثر ما يساعدها هو انحدار أميركا على يد ترامب الذي يزرع الأزمات مع الحلفاء ويحلم بالتسويات مع الخصوم.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء