Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يواصل الاقتصاد الروسي الصمود وتخييب توقعات الانهيار؟

يشير تحليل "إيكونوميست" لبيانات مجموعة واسعة من المصادر إلى أنه يبلي بلاء "أفضل من أكثر التقديرات تفاؤلاً"، "إذ أدت مبيعات الهيدروكربونات إلى تحقيق فائض قياسي في الحساب الجاري"

ما مدى تأثير العقوبات الغربية إثر الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد الروسي؟ (رويترز)

نشرت "إيكونوميست" تقريراً عن الأسباب التي تجعل اقتصاد روسيا صامداً إلى الآن في وجه العقوبات الغربية المفروضة عليه منذ غزت البلاد جارتها أوكرانيا في فبراير (شباط) من هذا العام، مشيرة إلى أن معظم المحللين الاقتصاديين استبعدوا وقتذاك أن يظل متماسكاً خلال فترة الأشهر الستة هذه. وأشارت إلى أن اقتصاد روسيا لطالما افتقر إلى الشفافية، في ظاهرة تفاقمت منذ اندلاع الحرب إذ توقف المصرف المركزي في البلاد و"روستات" (وكالة الإحصاءات الرسمية هناك) عن إصدار أي بيانات عن أي قطاع اقتصادي أو مالي، بما في ذلك التجارة والاستثمار، وتوقفت المصارف الاستثمارية خارج البلاد عن تقديم المشورة إلى عملائها حول الاستثمار في الشركات الروسية، في حين أخرجت المؤسسات البحثية المتعددة الأطراف خبراءها الاقتصاديين من روسيا.

ووفق المجلة، يدور نقاش حاد حول أداء الاقتصاد الروسي. تفيد ورقة بحثية حديثة أعدها خمسة باحثين في "جامعة ييل" وحظيت باهتمام واسع النطاق، بأن انسحاب الشركات الغربية وفرض العقوبات من شأنهما إصابة هذا الاقتصاد "بالشلل"، وأن أي نقاط قوة اقتصادية واضحة هي سراب. ويقول الباحثون، "يروج بلا مبالاة للإحصاءات التي اختارها بوتين عبر وسائل الإعلام وتستخدم من قبل مجموعة كبيرة من الخبراء ذوي النيات الحسنة لكن المهملين في بناء توقعات مواتية [منحازة] للكرملين في شكل مفرط وغير واقعي". وبدا البعض الآخر من الاقتصاديين أقل تشاؤماً في ما يخص أحوال الاقتصاد الروسي. كتب كريس ويفر، وهو مراقب محترم لروسيا، في ورقة بحثية حديثة يقول، "الاقتصاد لا ينهار". وتساءلت المجلة، "أين تكمن الحقيقة؟".

بعد غزو روسيا لأوكرانيا دخل اقتصادها في "سقوط حر" [انهيار كبير وتقهقر موارد قوته]، وفق "إيكونوميست". وفقد الروبل ربع قيمته في مقابل الدولار. وانهارت سوق الأسهم، ما أجبر المنظمين على تعليق تداول العملة. وانسحبت الشركات الغربية بالمئات من روسيا، أو تعهدت بذلك، بينما كانت حكوماتها تفرض عقوبات. وفي غضون شهر، راجع المحللون توقعاتهم للناتج المحلي الإجمالي الروسي عام 2022 من نمو بنسبة 2.5 في المئة إلى انخفاض يقترب من عشرة في المئة. وكان بعضهم أكثر تشاؤماً، فقد أعلن البيت الأبيض قائلاً، "يتوقع الخبراء أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الروسي بنسبة تصل إلى 15 في المئة هذا العام، ما يمحو السنوات الـ15 الماضية من المكاسب الاقتصادية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولفتت المجلة إلى أن طرفي النقاش يتفقان على أن البلاد لا تزال تعاني. لقد دفعتها الزيادات الهائلة في معدلات الفائدة في الربيع، التي هدفت إلى تحقيق الاستقرار للروبل المنهار، إلى جانب انسحاب الشركات الأجنبية، إلى الركود. وفي الفصل الثاني من العام انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة أربعة في المئة على أساس سنوي، وفق أرقام رسمية. وتضررت عديد من مدن البلاد المتخصصة كل منها بصناعة واحدة والبالغ عددها 300 مدينة من العقوبات وتعاني كساداً كاملاً. وفر كثر من الناس من البلاد، ولا سيما المتعلمون. وينقل آخرون الأصول إلى خارج البلاد. ففي الفصل الأول من عام 2022، الذي تتوفر في شأنه أحدث البيانات المتاحة، سحب الأجانب ما قيمته 15 مليار دولار من الاستثمار المباشر، والرقم هذا يمثل أسوأ الخسائر على الإطلاق. وفي مايو (أيار) 2022، كانت التحويلات الفردية من روسيا إلى جورجيا أعلى بعشرة أضعاف على صعيد القيمة الدولارية مقارنة بالعام السابق.

لكن تحليل "إيكونوميست" لبيانات من مجموعة واسعة من المصادر يشير إلى أن أداء الاقتصاد الروسي أفضل من أكثر التوقعات تفاؤلاً، "إذ أدت مبيعات الهيدروكربونات إلى تحقيق فائض قياسي في الحساب الجاري". مثال على ذلك هو "مؤشر النشاط الحالي" الذي ينشره مصرف "غولدمان ساكس"، وهو مقياس في الوقت الفعلي للنمو الاقتصادي. "فقد انخفض المؤشر في شكل كبير في مارس (آذار) وأبريل (نيسان)، وإن لم يكن على نطاق مماثل لما حصل خلال الأزمة المالية العالمية بين عامي 2007 و2009 أو حتى غزو أوكرانيا عام 2014. وفي الأشهر اللاحقة، تعافى".

وهناك مقاييس أخرى تروي قصة مماثلة، وفق المجلة: ثمة ركود، لكنه ليس بالركود العميق، في الأقل وفق معايير روسيا المتقلبة. في يونيو (حزيران) انخفض الإنتاج الصناعي بنسبة 1.8 في المئة عنه قبل سنة، بحسب ورقة نشرها مصرف "جاي بي مورغان تشايس". ويظهر مؤشر لنمو قطاع الخدمات، مجمع عن طريق إرسال استطلاعات إلى مديرين عاملين في القطاع، ضربة أقل مما حصل خلال الأزمات السابقة. ويبدو أن استهلاك الكهرباء يتعاظم مرة أخرى، بعد انخفاض أولي. ولم يتراجع عدد عمليات تحميل عربات السكك الحديدية، وهو مؤشر إلى حركة الطلب على البضائع.

ولفتت "إيكونوميست" إلى ثلاثة عوامل تفسر سبب استمرار روسيا في التغلب على التوقعات ومخالفتها، "الأول هو السياسات. ففلاديمير بوتين ليس لديه فهم يذكر للاقتصاد، لكنه سعيد بتفويض الإدارة الاقتصادية إلى أشخاص يفهمون ذلك. والمصرف المركزي حافل بخبراء من أصحاب الكفاءات ومؤهلين تأهيلاً عالياً اتخذوا إجراءات سريعة لمنع الانهيار الاقتصادي، فقد أدى تضاعف معدلات الفائدة في فبراير، بالاقتران مع فرض ضوابط على حركة رأس المال، إلى تعزيز الروبل، ما ساعد في خفض التضخم... ويتعلق السبب الثاني بالتاريخ الاقتصادي الحديث. وكان سيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي، أبلغ في فبراير الحكومة البريطانية، وفق (واشنطن بوست)، أن الروس (يمكن أن يتحملوا أكثر من أي شعب آخر). هذه هي الأزمة الاقتصادية الخامسة التي تواجهها البلاد منذ 25 سنة، بعد الأعوام 1998 و2008 و2014 و2020".

أما السبب الثالث، بحسب المجلة، "فيتعلق بالهيدروكربونات. كان للعقوبات أثر محدود في إنتاج النفط الروسي، وفق تقرير صدر أخيراً من وكالة الطاقة الدولية. ومنذ الغزو باعت روسيا ما قيمته نحو 85 مليار دولار من الوقود الأحفوري إلى الاتحاد الأوروبي. والطريقة التي تنفق بها روسيا العملة الأجنبية المتراكمة على هذا النحو يكتنفها شيء من الغموض، بالنظر إلى العقوبات المفروضة على الحكومة". وختمت المجلة تقريرها بالقول، "إلى أن يغادر السيد بوتين منصبه، سيتردد المستثمرون الغربيون في التعامل مع موسكو. وستظل العقوبات مفروضة. ويقر المصرف المركزي في روسيا بأن البلاد لا تعتمد كثيراً على المواد الأجنبية، لكنها تتوق إلى الآلات الأجنبية. بمرور الوقت، ستثقل العقوبات كاهل البلاد، وستنتج روسيا سلعاً أدنى جودة بكلفة أعلى، أما الآن، فاقتصادها يتعثر فقط".