Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحذيرات جديدة من "فيتش" و"موديز" تضع لبنان أمام إعادة جدولة ديونه

يقلل حاكم المصرف المركزي ووزير المال من هذه المخاوف

حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يؤكد بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون أن الأوضاع المالية والنقدية مستقرة (الوكالة الوطنية)

تتواصل تقارير المؤسسات الدولية ووكالات التصنيف المحذرة من مخاطر الوضع المالي والاقتصادي في لبنان، مقابل تطمينات رسمية يتعاقب على إصدارها وزير المال علي حسن خليل وحاكم المصرف المركزي رياض سلامة.

آخر هذه التقارير ما أصدرته وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني التي استعادت مسألة إعادة جدولة الدين السيادي اللبناني كأحد الخيارات الأساسية المطروحة.

إعادة هيكلة الدين

وقالت "إن تباطؤ التدفقات الرأسمالية على لبنان وتراجع نمو الودائع يعززان احتمال تحرك الحكومة لاتخاذ تدابير تشمل إعادة هيكلة الدين أو إجراء آخر لإدارة الالتزامات ربما يشكل تخلفاً عن السداد"، وأضافت "موديز" في تحليل ائتماني للبنان "على الرغم مما تضمنه مشروع ميزانية 2019 من إجراءات للضبط المالي، فإن تباطؤ التدفقات الرأسمالية وضعف نمو الودائع يعززان احتمال اتخاذ الحكومة إجراءات تشمل إعادة هيكلة الدين أو إجراء آخر لإدارة الالتزامات قد يشكل تخلفاً عن السداد بموجب تعريفنا".

وكانت الوكالة رفعت من مستوى تحذيراتها للمستثمرين، بإصدار تقرير عن نظرتها المستقبلية للبنان، بعد أقل من أربعة أشهر على التقرير الذي خفضت فيه تصنيف لبنان إلى مستوى غير مسبوق وهو ""Caa1 مع نظرة مستقرّة.

تخلف عن السداد

وعزت الوكالة هذا التصنيف إلى مستوى الدين العام المرتفع الذي بلغ 138 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وباتت خدمته توازي 46.9 في المئة من الإيرادات الحكومية، وقالت "على الرغم من أن مشروع ميزانية 2019 تضمن تدابير مالية أساسية، إلا أن تباطؤ حركة التدفقات وضعف نموّ الودائع يزيدان المخاطر من أن تتضمن استجابة الحكومة لهذا الأمر عملية إعادة هيكلة للدَّين العام أو أي تدابير أخرى شبيهة لا يمكن تفسيرها وفق معايير الوكالة إلا على أنها تخلّف عن السداد".

واستندت الوكالة في هذا التقييم إلى مجموعة عوامل أساسية ضرورية للتصنيف، لا سيما القوة الاقتصادية، ومتانة المؤسسات، والعجز المالي، والقدرة على تجنّب المخاطر، وعليه، فإن "أي تهديد مباشر ووشيك يؤدي إلى خفض أولي للتصنيف". وتوقعت الوكالة تعافياً بسيطاً في التحويلات من الخارج بمعدل 0.8 في المئة عام 2019، في حال حصل لبنان على أموال مؤتمر "سيدر" بعد إقرار ميزانية 2019، مشيرة إلى تراجع في مصادر التمويل الخارجية، مثل الخليج.

"فيتش"... الميزانية غير كافية

أما وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، فشككت من جهتها بقدرة ميزانية 2019 على معالجة الوضع، وقالت "لبنان في حاجة إلى إصلاحات مالية وهيكلية إضافية، لخفض عجز الميزانية واستقرار نسبة الدين الحكومي من الناتج المحلي الإجمالي". وأضافت "حتى لو تحققت خطة الميزانية بالكامل لعام 2019، فإنها ستكون مجرد خطوة أولى نحو استقرار الدين الحكومي من الناتج المحلي الإجمالي".

وأوضحت أن استقرار الدين الحكومي من الناتج يتطلب خفض عجز الميزانية اللبنانية إلى 5.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الأقل، وكشفت أن أوضاع المالية الخارجية للبنان، لا تزال تحت الضغوط، بسبب انخفاض الاحتياطيات الأجنبية والودائع المصرفية، في الثلث الأول من السنة الحالية.

ورأت أنه من الصعب ضبط الإنفاق المتعلق بالتوظيفات الجديدة والمكافآت، وعليه، خفضت توقعاتها للعجز في 2019 حوالى 1.5 نقطة أساس إلى تسعة في المئة تقريباً من إجمالي الناتج المحلي، وحتى لو جرى تطبيق بنود الميزانية كاملة، فإنها ستكون مجرد خطوة أولى نحو تثبيت الدين الحكومي نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي (151 في المئة في نهاية عام 2018)، الأمر الذي يتطلّب تضييق العجز إلى 5.5 في المئة على الأقل.

هندسة الصفقة

وذكرت أن نصف جهود خفض الإنفاق في الميزانية، يعتمد على قيام الحكومة بإصدار سندات خزينة بفائدة واحد في المئة، أي أقل بكثير من أسعار السوق حالياً والتي تبلغ سبعة في المئة على سندات خزينة مدتها سنتان، وقالت إن تفاصيل هذه العملية غير واضحة بعد، لكن يبدو أن مصرف لبنان سيشتري هذه السندات ويحاول هندسة الصفقة بطريقة لا تؤثر في ميزانيته العمومية.

واعتبرت الوكالة أن الاقتراض بمعدل منخفض بشكل مصطنع، يشير إلى نسبة الضغوط المالية التي تتعرض لها الحكومة، ويثير تساؤلات حول استدامة الدين العام، نظراً إلى الاعتماد الكبير على البنك المركزي في التمويل. وشدّدت على أن تدهور المالية العامة والضغوط المتزايدة على نظام التمويل في لبنان كانا من بين الأسباب التي دفعت الوكالة في ديسمبر (كانون الأول) إلى تعديل نظرتها المستقبلية للبنان إلى سلبية.

وبينما أشارت إلى أن تشكيل الحكومة في يناير (كانون الثاني) لم يدعم المؤشرات الرئيسة مثل نموّ ودائع المصارف والاحتياطيات الأجنبية، قالت "يبقى أن نرى ما إذا كانت ميزانية الحكومة أو الإصلاحات في قطاع الكهرباء، ستعزّز الثقة بين المودعين أو المستثمرين الأجانب".

مخاطر حقيقية

وأكدت أن قدرة السلطات على تنفيذ خططها من دون إلحاق المزيد من الضرر بالثقة وزعزعة نظام التمويل الحكومي، هي العناصر الأساسية من أجل عودة الوكالة عن نظرتها السلبية للبنان. ولا يخفي خبراء اقتصاديون مخاوفهم من أن تنحو الوكالة في هذا الاتجاه، ما سيعني أن وكالتين من أصل ثلاث قد عمدتا إلى خفض التصنيف، وهذا يضع لبنان أمام مخاطر حقيقية لا بد للمسؤولين والسلطات المعنية من أخذها في الاعتبار.

وكان سبق تقريري وكالتي التصنيف، تقرير لوكالة "بلومبرغ" حذرت فيه من دخول السندات اللبنانية مرحلة الخطر في ظل أزمة الميزانية. ورأت أن الميزانية تأخرت كثيراً، علماً أنها تضمنت خفضاً للإنفاق وتجميداً للتوظيف في القطاع العام، وخفض العجز من 11.4 في المئة إلى 7.6 في المئة. ونبّهت من "أن صبر المستثمرين بدأ ينفد بسبب الخلافات السياسية التي تعرقل الإصلاحات الاقتصادية، بينما يُنتظر أن يقرّ مجلس النواب الميزانية".

الوقت يمر

وعلّق رئيس استثمار الدخل الثابت في مؤسسة الخليج للاستثمار في الكويت رافاييل بيرتوني قائلاً: "الوقت يمرّ وهناك قرارات لا تحظى بشعبية بين اللبنانيين، إلا أنها في حال اعتُمدت تسمح بالسيطرة على العجز المالي". وتوقفت "بلومبرغ" عند ما كان أعلنه وزير المال عن نية الوزارة إصدار سندات خزينة بقيمة 11 ألف مليار ليرة أو ما يعادل 7.3 مليار دولار للمساعدة في خفض الدين، لكن المصارف المقرضة لن توافق على شراء هذه السندات.

ونقلت عن الأمين العام لجمعية مصارف لبنان مكرم صادر قوله، إن المصارف لن ترضى بالاكتتاب إلا بفوائد السوق، ليس بسبب نقص في السيولة وإنما بسبب الكلفة، وهذا سيترتب بحسب الوكالة على المصرف المركزي أن يتحمل وحده هذه الهندسة، ورأت أن السندات اللبنانية دخلت مرحلة الخطر في ظل أزمة الميزانية. وذكرت أنّ ثلاثة أضعاف عدد اللبنانيين يعيشون خارج لبنان، وهم يدعمون الاقتصاد عن طريق التحويلات المالية التي تأتي بشكل رئيسي من دول الخليج وأفريقيا، وتستخدمها المصارف بعد ذلك لشراء الديون الحكومية، إلا أنّ الوكالة لم تتلقَ أي تعليق من مصرف لبنان أو وزارة المال على هذا الموضوع.

وزير المال... الوضع تحت السيطرة

في المقابل، يقلل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووزير المال علي حسن خليل من هذه المخاوف. فوزير المال ورداً على سؤال حول تقرير "موديز" طمأن إلى أن "الوضع تحت السيطرة"، وقال إن التقرير يحتاج إلى "قراءة متأنية والأمور ليست سلبية والرهان اليوم هو على إقرار الميزانية والالتزام بالإجراءات وحماية الاستقرار السياسي والحكومي".

أما مصادر مصرفية، فعلقت على التقرير بالقول، إن هذا الأمر "ناتج من مناخ متشنج يسود أوساط المؤسسات المالية ووكالات التصنيف، نتيجة شعورها بغياب حس المسؤولية لدى السلطات حيال مدى خطورة عدم تنفيذ الالتزامات التي وعدوا بها". واستبعدت المصادر قيام المصارف بتمويل الاكتتاب الذي كشف عنه وزير المال، مشيرة إلى أن المصرف المركزي هو من سيتحمل هذا الموضوع.

المزيد من اقتصاد