Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف ظهرت فكرة البنوك المركزية حول العالم؟

وضعت السويد النبتة الأولى عام 1668 والهدف من إنشائها كان "تمويل الإنفاق العسكري" في الحروب

مبنى بنك إنجلترا في وسط لندن (أ ف ب)

النجاح الاقتصادي وتحقيق النمو دائماً ما يرتبطان بنجاح البنك المركزي للدولة الذي يرسم السياسة النقدية، لتتناغم مع نظيرتها المالية، ومن ثم تتحقق السياسة الاقتصادية الناجحة.

وفكرة البنك المركزي ليست حقاً أصيلاً للعصر الحديث، بل تضرب بجذورها في العصور القديمة والوسطى، ففي مصر القديمة لم يكن كاهن المعبد عند قدماء المصريين مجرد رئيس ديني فحسب، إنما كان على درجة كبيرة من الاستعداد الاقتصادي، وبشكل أو بآخر جعل من منصبه هذا بداية نواة لما يشبه المركزية الاقتصادية والمالية، فيدبر للناس أمور معاشهم، ويقدم لهم المساعدات في أوقات الضيق والمصائب والنكبات والأوبئة.

الحارس الأمين

يوضح الكاتب الاقتصادي زكريا مهران في كتابه "البنوك المركزية في العصور المختلفة"، أن "حاكم البندقية في العصور الوسطى قرر إنشاء بنك (Wenice of Bank) عام 1171، باكتتاب جبري فرضه على الأغنياء فرضاً، وتعهد لهم بضمان ربح لا يقل عن خمسة في المئة سنوياً، ثم أشرك الحكومة معهم بالمال، وجعل على إدارة البنك موظفين يعينهم لإدارته".

ويضيف مهران "نجح ذلك البنك المركزي شبه الحكومي نجاحاً كبيراً، مما دفع بلاداً أخرى إلى انتهاج النهج نفسه، فتأسس بنك سانت جورج وبنك برشلونة في القرن الـ14، وانتشرت الفكرة من بلد إلى آخر، حتى أخذ بها الهولنديون مع كبر ملكهم ونشاط تجارتهم وتوسعهم الاستعماري، فأنشأوا في أمستردام بنكها المعروف (Amesterdam Bank -Wisselvan) في كنف الحكومة الهولندية عام 1609".

وتطورت فكرة البنوك المركزية في العصر الحديث من مجرد قرار اختياري بين الدول إلى الحد الذي قد يتنحى رئيس دولة ما أو يسقط نظام ولا يسقط البنك المركزي، ووضعت السويد النبتة الأولى لتأسيس بنك مركزي بمواصفات العصر الحديث والحالي في عام 1668، وأسست أول بنك مركزي في العالم، ثم دشنت بريطانيا بنكها المركزي، ليكون أشهر بنك مركزي في العالم حتى الآن.

والبنك المركزي هدفه الأول هو إقراض الحكومة أو تمويلها، وشراء الديون التي تدين بها للجهات الأخرى، وشيئاً فشيئاً أصبح يتدخل لتنظيم المعاملات التجارية المحلية، ووضع سقف محدد لعديد المعاملات المالية، وطباعة النقد المتداول بشكل احتكاري، حتى أصبحت البنوك المركزية مركز ثقة المواطنين والعملاء، فهي الحارس الأمين على أموالهم.

بين الاستقلالية والمساءلة

لكن ما دور البنوك المركزية في دول العالم؟ وما مدى الاستقلالية التي تتمتع بها؟ وماذا عن الخلاف الكلاسيكي بينها وبين السياسة المالية؟

تتعدد مهمات البنوك المركزية حول العالم، ولعل أبرز الحقائق التي تبرزها الحكومات هي استقلالية البنوك المركزية، ويوضح المستشار المالي ورئيس إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية في صندوق النقد الدولي توبياس أدريان، في تقرير له على الموقع الرسمي لصندوق الدولي في عام 2019 أن "في المجمل تعتبر استقلالية البنوك المركزية أمراً جديداً نسبياً، فقد اكتسبت الفكرة زخماً في سبعينيات القرن الماضي، لكن تبين أنها عامل مهم ومحقق للاستقرار بالنسبة للبلدان التي تسعى لتحرير قرارات السياسة النقدية من التأثير السياسي".

ويضيف "ومع ذلك، فبعد عشر سنوات من قيام البنوك المركزية بدور محوري في مواجهة الأزمة المالية العالمية، نجد أنها تجاهد لإنجاز المهام المنوطة بها، في ظل ظروف صعبة فمن أوروبا إلى الأميركيتين، ومن أفريقيا إلى آسيا، يطالب الناخبون الساخطون وحكومات بلادهم بزيادة مساءلة البنوك المركزية، وأصبح بعضهم يتشكك في قيمة استقلاليتها التي كانت مصونة إلى حد القداسة يوماً ما".

يقول وزير المالية المصري الأسبق سمير رضوان (أول وزير مالية عقب ثورة يناير 2011)، "دور البنوك المركزية في العالم التقليدي في بدايات التأسيس الأولى ينصب على مواجهة معدلات التضخم، والآلية الأساسية المستخدمة هي أسعار الفائدة فحسب، لكن بعد الأزمات المالية العالمية في عام 2008 أضيفت مهمات أخرى للبنوك المركزية، إذ أصبح يستهدف معدل نمو محدد، ونسب تشغيل، وهو لا يحدث في الدول العربية في الوقت الحالي، خصوصاً في مصر، إذ إن الهدف الأساسي هو استهداف معدلات التضخم فحسب".

وأشار رضوان إلى أن "أية دولة في العالم لديها سياسة اقتصادية مستهدفة تعتمد على جناحين، هما السياسة النقدية يختص بها البنك المركزي، بينما الجناح الآخر السياسة المالية المنوط بها وزارة المالية، ويجب أن تكون السياستان متناغمتين دائماً".

تمويل الحروب

من جانبه، يقول المحاضر في الجامعة الأميركية هاني جنينة، "قبل تدشين البنوك المركزية كانت البنوك التجارية الخاصة هي المسؤولة عن إصدار البنكنوت الخاص (النقد) بها كأداة دفع بديلة لتداول الذهب أو الفضة أو النحاس، لكن نظراً إلى عدم وجود رقابة كافية حدث عديد من الأزمات، نتيجة طباعة بنكنوت من دون غطاء كاف من الذهب".

ويضيف "على عكس ما يعتقد كثيرون، بأن السبب الأساس وراء إنشاء البنوك المركزية بداية من القرن الـ17 لم يكن للإشراف على البنوك وتنظيم طباعة النقد فحسب، بل الهدف كان تمويل الإنفاق العسكري، نظراً إلى عدم كفاية موارد الدولة الضريبية خلال تلك الأوقات، فهذا التمويل كان يعد تمويلاً تضخمياً، لأنه يعتمد على طباعة البنكنوت من دون غطاء كامل، وإجبار الشعوب على قبول البنكنوت كوسيلة دفع بقوة القانون، بالتالي عانت البنوك المركزية في أوروبا عديد الأزمات المتكررة خلال القرنين الـ18 والـ19".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشير جنينة إلى أنه "في الولايات المتحدة الأميركية أصدر قانون الفيدرالي الأميركي قبل الحرب العالمية الأولى في 1913، وتأسس الفيدرالي في 1914، وقبل ذلك بنحو 30 عاماً ثبت سعر الدولار عند 20.67 دولار للأونصة من الذهب الخالص (نحو 33 غراماً)، وكان يحق لحاملي الدولار استبداله بالذهب عند الطلب"، مؤكداً أنه "مع اندلاع الحرب العالمية الأولى ومع اضطرار الفيدرالي إلى طبع دولار يفوق غطاء الذهب، قرر خفض سعر الصرف إلى 25 دولاراً للأونصة في عام 1934، وأصدر قراراً بمنع تداول الذهب كوسيلة دفع بين أفراد الشعب مع بقاء الحق في استبدال الدولار إلى ذهب عند الطلب".

ويقول المحاضر بالجامعة الأميركية أن "في الفترة من 1934 وحتى عام 1971 استمر العمل بهذا النظام عالمياً، إذ كان الدولار مغطى بالذهب والعملات الكبرى مثبتة للدولار"، مستدركاً "لكن دخول الولايات المتحدة أكثر من حرب مثل الحرب العالمية الثانية وحربي كوريا وفيتنام، إضافة إلى الحرب الباردة مع روسيا (الاتحاد السوفياتي سابقاً)، وما فرضته هذه الحروب من طباعة مفرطة للدولار لتمويل الإنفاق العسكري، أعلن الرئيس الأميركي نيكسون آنذاك انتهاء العمل بغطاء الذهب نهائياً في 1971 لعدم قدرة الفيدرالي على توفير الدولار عند الطلب للبنوك المركزية خارج الولايات المتحدة الأميركية".

ويتابع أنه "منذ ذلك الوقت، تخلت البنوك المركزية الكبرى عن تثبيت سعر الصرف للدولار، وأصبحت العملات الكبرى (الدولار الأميركي، والين الياباني، والمارك الألماني، والجنيه الإسترليني) عملات حرة التداول"، موضحاً أنه "في غياب رادع لطباعة البنكنوت (ممثلاً في حجم الذهب المتاح)، دخلت البنوك المركزية في مرحلة طويلة من التجارب لإيجاد مستهدف جديد بديلاً عن سعر الصرف، وبالفعل تحولت البنوك المركزية من استهداف سعر صرف ثابت إلى استهداف معدل محدد للتضخم، وهو قرابة اثنين في المئة".

ويختم جنينة أن "البنوك المركزية على مستوى العالم لديها وظيفتان أساسيتان، الأولى ضمان الاستقرار النقدي (الحفاظ على قيمة العملة المحلية عبر الزمن من خلال الحفاظ على معدلات التضخم)، بينما الثانية هي الحفاظ على الاستقرار المالي عن طريق الإشراف الصارم على القطاع المصرفي".

"المالية" و"المركزي" قط وفأر

يقول المتخصص في شؤون الاقتصاد الكلي هاني توفيق، إن "العلاقة بين وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في العالم دائماً تشبه العلاقة بين القط والفأر"، ويضيف أن "الخلافات بين وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية هي مباراة كلاسيكية بينهما، إذ عندما يرفع البنك المركزي سعر الفائدة ترتفع مديونية الموازنة العامة للدولة، والحكومة أكبر مدين، وهو ما يعرف بتضارب المصالح".

ويوضح توفيق أن "البنوك المركزية أنشئت بهدف تنظيم إصدار وتداول العملات المحلية الموحدة"، ويؤكد أن "البنك المركزي في كل دول العالم له هدفان اثنان لا ثالث لهما، هما مجابهة التضخم للمساعدة في النمو وتشجيع الاستثمار"، مشيراً إلى أنه "في حالة ارتفاع معدلات التضخم يستخدم أدواته ويرفع سعر الفائدة لامتصاص السيولة وتقليل الاستهلاك ويتراجع الطلب والتضخم، بينما في حالة تراجع معدلات التضخم لأدنى من المستهدف يرفع سعر الفائدة لتنشيط الاستثمار وتشجيع الاقتراض والاستهلاك فيزيد الطلب وترتفع معدلات التضخم".

اقرأ المزيد