Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جدل لا ينقطع في مصر... "البنك المركزي" بين محافظين

محللون يرون أن خطايا طارق عامر كانت "كثيرة وكارثية" ويثمنون اختيار حسن عبدالله لخلافته

اتسعت دائرة الجدل بين محاولات تفسير استقالة المحافظ السابق واستنتاج خطى القائم بالأعمال الجديد (رويترز)
 

منذ مغادرة محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر منصبه طواعية، لم يتوقف الجدل في مصر، حتى بعد تسمية حسن عبدالله، صاحب الخبرة المصرفية، قائماً بالأعمال لحين تعيين محافظ جديد.

واتسعت دائرة الجدل لتتوزع بين محاولات تفسير استقالة المحافظ السابق طارق عامر، التي جاءت في توقيت بالغ الحساسية واستنتاج واستنباط خطى القائم بالأعمال الجديد لضبط أسواق الصرف ومكافحة معدلات التضخم المرتفعة، مستخدماً أدوات السياسة النقدية التي تخولها له صلاحيات المنصب الجديد.

خطايا عامر بعيون المحللين

تنوعت آراء المحللين والمتخصصين بين النقد اللاذع لسياسات البنك المركزي المصري في ظل قيادة محافظه السابق منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 وحتى الأسبوع الماضي، ونصائح لقائده الجديد.

وقال المستشار الأسبق لرئيس هيئة الرقابة المالية مدحت نافع، إن "المحافظ السابق وقع في أخطاء كارثية منذ الأسابيع الأولى لتوليه منصبه في عام 2015".

وأضاف نافع أن عامر "أقحم السياسة النقدية للبنك في صراعات جانبية مع مؤسسات تدير الأنشطة الاقتصادية المتعددة، سواء مؤسسات حكومية أو أخرى من القطاع الخاص، ما أجهد الرأي العام والجهاز المصرفي المنهك من الأساس وسخره لإقراض الحكومة على حساب دعم الائتمان وإقراض القطاع الخاص دعماً لاستثمارات، وهو ما جعل السياسة المالية مهيمنة على السياسة النقدية، التي يجب أن تكون مستقلة".

أشار إلى أن "التضارب في السياسة النقدية خلق تشوهات بالسوق المصرفية إلى جانب الاعتماد على الأموال الساخنة في الوقت نفسه الذي قيدت فيه عمليات الاستيراد، مما قلل من العجلة الإنتاجية لولا تدخل القيادة السياسية لما له من أضرار جسيمة على الاقتصاد المحلي".

 

وأوضح أن "أبرز أخطاء المحافظ السابق هو اتباعه سياسة تدور في فلك الحفاظ الاحتياطي الأجنبي والاحتياطي النقدي بشتى الطرق على حساب قائمة من الأولويات، وهو ما جعل الاقتصاد هشاً، ولم يتحمل صدمة الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الحرب الأوروبية، وتراجع إلى نحو 33 مليار دولار أميركي في يونيو (حزيران) الماضي، إلى جانب أزمة شبهة تعارض المصالح نتيجة عمل زوجته، وهنا لا نتحدث عن ذلك، فالجهات الرقابية هي المسؤولة عن حسم هذا الأمر".

في نوفمبر 2021 أصدر رئيس مجلس الوزراء القرار رقم 3173 لسنة 2021 بتعيين وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد، زوجة طارق عامر، بمجلس إدارة صندوق حماية المستثمر التابع للهيئة العامة للرقابة المالية، وقبل استقالة طارق عامر بنحو 10 أيام اختيرت خورشيد لتكون الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة "بلتون" المالية القابضة.

رجل اقتصادي ذو خبرة مصرفية جيدة

وفي شأن القائم بأعمال المحافظ الجديد، قال نافع إنه "رجل اقتصادي ذو خبرة مصرفية جيدة، ويتمتع بثبات انفعالي أثبته من قبل عند خلافه مع المحافظ السابق، وهو ما يتلاءم مع شخصية بحجم محافظ البنك المركزي أو قائم بأعماله، إذ إن هذا المنصب يتطلب الهدوء".

قبل ساعات من إعلان طارق عامر استقالته، ترددت أنباء عن تلك الاستقالة قبل أن يتدخل النائب الأول لمحافظ البنك المركزي جمال نجم نافياً ذلك، ووصف تلك الإشاعات بـ"الملفقة". وقال إن "الغرض الأساسي منها التأثير سلباً على الجهاز المصرفي في مصر"، وبعد 48 ساعة من هذا النفي ترك محافظ البنك المركزي المصري منصبه طواعية.

ليس قراراً فردياً

من جانبها، استبعدت نائب رئيس بنك مصر الأسبق سهر الدماطي أن تكون استقالة طارق عامر جاءت على خلفية ما يثار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بأن هناك خلافاً داخل دائرة صنع القرار الاقتصادي حول مدى الاستجابة إلى طلب صندوق النقد الدولي الخاص بإتاحة مرونة أكبر في سعر الصرف.

وقالت الدماطي، في تصريحات صحافية، إنه "لا يعني وجود وجهات نظر مختلفة تقديم الاستقالة، وفي النهاية الجميع يعمل لمصلحة الدولة المصرية فحسب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحول القائم بالأعمال الجديد، أشارت إلى أن "أي محافظ جديد سيكون لديه رؤيته الخاصة التي تتوافق مع رؤية الدولة وبرنامجها الاقتصادي، والفترة المقبلة مهمة جداً، والدولة تقوم بجهود كبيرة من أجل التعامل مع الأوضاع الاقتصادية الناشئة عن الأزمة العالمية".

وعن مفاوضات القاهرة مع مسؤولي صندوق النقد الدولي في ظل قيادة مصرفية جديدة، أوضحت أن "استجابة أي محافظ لشروط صندوق النقد الدولي هي قرار مشترك بين البنك المركزي ووزارة المالية والعديد من المؤسسات المعنية وليس قراراً فردياً".

خلافات عامر وعبدالله

قبل ثلاث سنوات، أُبعد القائم بالأعمال الحالي للبنك المركزي حسن عبدالله من منصبه كرئيس للبنك العربي الأفريقي في القاهرة، بعد نحو 16 عاماً قضاها في منصبه، بعد اتهام مباشر من البنك المركزي المصري، بصفته الرقيب على الجهاز المصرفي، بإهدار 9.2 مليار جنيه وارتكاب مخالفات، وصفها البنك المركزي آنذاك بالجسمية.

وأشار البنك المركزي، في بيان حينها، إلى أن "الاتهامات في منح كبار العملاء تسهيلات ائتمانية بلغت 9.2 مليار جنيه، واستخدام جزء منها في سداد تسهيلات وقروض ممنوحة لهم من البنك نفسه بقيمة 2.8 مليار جنيه، وبنوك أخرى بقيمة 191 مليون جنيه".

ونشرت صحف محلية في عام 2019 تقريراً منسوباً لقطاع التفتيش والرقابة التابع للبنك المركزي المصري، زعم أن "حسن عبدالله منح الشركات تسهيلات بما يخالف قرارات تأسيسها وطبيعة نشاطها، بل لم يقم بالمتابعة لاستخدام القروض والتسهيلات لبعض العملاء، واتضح عدم سلامة الدراسات الائتمانية لبعض الشركات".

وأضاف التقرير، أن "عبدالله وافق على منح تسهيل لشركة مملوكة للبنك واستخدام جزء من القرض في عقد تأجير تمويلي، ثم استخدامه في سداد ديون للشركة، وتبين أنه يتولى منصب عضو مجلس إدارة تلك الشركة، بما يتعارض مع المصالح والاستفادة الشخصية من أموال البنك".

تغيير السياسة النقدية للدولة المصرية

من جانبه، قال المحلل الاقتصادي وائل النحاس، إن "الدولة المصرية تعلمت الدرس جيداً مع تبخر 20 مليار دولار من الأموال الساخنة (استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية) خارج البلاد مع مواصلة الفيدرالي الأميركي دورة التشديد النقدي ورفع معدلات الفائدة".

وأوضح أن "المحافظ السابق للبنك المركزي كانت خلفيته الأساسية هي تسيير أمور المصارف والبنوك ولم يتمتع بخلفية اقتصادية، وكان دائم الانتقاد للاقتصاديين بشكل عام، ولا يرحب بآرائهم على الدوام".

وأضاف النحاس، أنه "بدلاً من الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي تضيف إلى الناتج المحلي الإجمالي وتوفر فرص عمل جديدة وتشجيع الاستيراد والتصدير، اشتبك مع المستثمرين بالداخل، واتجه إلى المقامرة بالبحث عن الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، سواء في أدوات الدين أو سوق المال منذ عام 2017، مفضلاً الاعتماد على تلك الأموال الساخنة للتدبير السريع للعملة الصعبة".

ولفت إلى أن "خزائن البنك المركزي نضبت من العملات الأجنبية بعد أزمة الحرب الروسية في أوكرانيا وهروب المستثمرين الأجانب بأموالهم الساخنة من جميع اقتصادات الدول الناشئة، ومن بينها مصر، وهنا شعرت الحكومة والقيادة السياسية بحجم الأزمة الصعبة، ولذلك تم قبول استقالة المحافظ".

 

وأضاف أن تعيين قائم بالأعمال ذي خلفية اقتصادية قوية جاء من أجل "تقديم أفكار جديدة، واتباع سياسيات تميل إلى دعم السياسة النقدية بالشكل الذي يصب في صالح الاقتصاد والاستثمار الأجنبي المباشر الدائم، وتعزيز دور القطاع الخاص بالدولة".

إلى جانب، "استكمال برنامج طروحات الشركات العامة المتوقف، والبعد الكامل أو الجزئي عن الاعتماد على الأموال الساخنة، وتنفيذ خطة لبيع أصول مملوكة للدولة بقيمة 10 مليارات دولار سنوياً ولمدة 4 سنوات، وهو ما يتضح من زيادة حجم الاستحواذات الخليجية والأجنبية في مصر خلال الأشهر الأخيرة، خصوصاً من قبل الصناديق السيادية الخليجية"، وفق النحاس.

مطلع يوليو (تموز) الماضي، قال وزير المالية المصري محمد معيط، في تصريحات إعلامية حول خروج الأموال الساخنة من القاهرة، إن "الدولة المصرية تعلمت الدرس فيما يخص الأموال الساخنة من ثلاث مرات متتالية في 2018 و2020 و2022، والدولة وضعت استراتيجية تنص على عدم الاعتماد على هذا النوع من الأموال مرة أخرى".

65 صفقة اندماج واستحواذ

ووفقاً لمؤسسة "إيرنست أند يونغ"، سجلت مصر 65 صفقة اندماج واستحواذ بقيمة 3.2 مليار دولار في النصف الأول من عام 2022، ما جعلها ثاني أكبر وجهة للاندماج والاستحواذ بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث القيمة وعدد الصفقات.

وربط عدد من المحللين في القاهرة بين رحيل طارق عامر وتعيين حسن عبدالله ومفاوضات القاهرة مع صندوق النقد الدولي، وكذلك غضب المستثمرين من تقييد الاستيراد من قبل الأول.

وترى مديرة الأبحاث في مؤسسة "فريدريش إيبرت" الإقليمية سلمى حسين، بحسب منشور عبر صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن "تنفيذ مطالب صندوق النقد الدولي، بخفض كبير في سعر العملة بحيث يصل الدولار إلى 25 جينهاً، يحتاج إلى وجه جديد بديلاً لطارق عامر، الذي كان يقبل سياسات الصندوق ويطبقها، حتى يكون التحرك مقبولاً من الناحية السياسية".

تقييد الاستيراد وغضب المستثمرين

في مارس (آذار) الماضي، أعلن البنك المركزي المصري وقف العمل بمستندات التحصيل على أغلب السلع المستوردة، وقبول العمليات بنظام الاعتمادات المستندية باستثناء 15 سلعة استراتيجية، لتخفيف الضغط على النقد الأجنبي.

الخطوة أغضبت المستثمرين والصناع والمصدرين والمستوردين، واعترضت قوى الصناعة ممثلة في اتحاد الصناعات المصرية وجمعية رجال الأعمال المصريين والاتحاد العام للغرف التجارية، بسبب تعطيل بعض الأعمال وتعثر الصناعة، في الوقت الذي تمسك فيه البنك المركزي بموقفه.

الأمر تطلب تدخل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لتهدئة الأوضاع الملتهبة، لاستثناء مستلزمات الإنتاج والمواد الخام من فتح الاعتمادات المستندية بالبنوك قبل عملية الاستيراد، والعودة للنظام الجديد من خلال مستندات التحصيل، اعتباراً من مايو (أيار) الماضي.

وأعربت عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب سمية الجزار، في بيان صحافي، عن ارتياحها لقبول الرئيس المصري استقالة طارق عامر، مشيرة إلى أنه "على الرغم من توليه مهام منصبه منذ عام 2015، فإنه أخفق في تحسين أداء العملة المحلية في مواجهة العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار الأميركي".

وتراجعت قيمة العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي بنحو 120 في المئة خلال 8 سنوات بعد أن تراجعت من 8.8 جنيه في عام 2015 إلى نحو 19.20 جنيه في الوقت الحالي.