"الهدف الفلسطيني للاغتيال أهم من حياة مدنيين فلسطييين أبرياء، هكذا شرحوا لنا في الوحدات المختلفة في جهاز الاستخبارات وأوضحوا أن هناك عدداً غير قليل من غير المتورطين، أي العائلات والأطفال، يُسمح للجيش بقتلهم في عملية هدفها عسكري"... هذه الكلمات أدلت بها جندية إسرائيلية في حديث مع "سيحا مكوميت"، وهو موقع إخباري يساري يصدر في تل أبيب، وقد رصد خلال الفترة الأخيرة العمليات العسكرية التي نفذها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية والضحايا الذين سقطوا من بين المدنيين، وتحديداً الأطفال، النساء والمسنين الأبرياء.
ووافق بعض الجنود والمجندات الذين خدموا ويخدمون في وحدات استخباراتية، على الكشف عن هذه الحقائق التي تدين إسرائيل وجيشها بارتكاب جرائم حرب، معظم الجنود كانوا يرصدون ويراقبون المطلوبين الفلسطينيين ويتأكدون من صحة المعلومات الاستخبارية ومعلومات العملاء الفلسطينيين لينفذوا المهمة باغتيال الهدف.
في قراءة لمجمل الشهادات التي أدلى بها الجنود، يُستدل أنه في كثير من الحالات، التي يقتل فيها الجيش الإسرائيلي أبرياء في غزة، يكون الأمر معروفاً لديه قبل الهجوم، وقرار القتل ليس خطأً ولكن نتيجة حساب معروف، وهو أن الهدف أهم من حياة "غير المتورطين".
و في كشف جديد حول هذه الأوامر الإسرائيلية تبين، الثلاثاء 16 أغسطس (آب) الحالي، أن الفتية الخمسة الذين قُتلوا في عملية "الفجر الصادق" الأخيرة في غزة، قضوا بصاروخ إسرائيلي جراء استهدافهم، وليس كما روج الجيش بأنهم قُتلوا جراء إطلاق صاروخ فلسطيني من داخل قطاع غزة.
طفل في الخامسة قُتل بدم بارد
وفي إحدى شهادات الجنود تطرقت مجندة، عملت في وحدة استخبارية، إلى عملية اغتيال في غزة لقيادي في حركة "حماس" ومقتل طفل في الخامسة من عمره كان برفقته، كانت مهمتها المصادقة على أن الصاروخ يصيب الشخص المناسب، في خدمتها كانت مسؤولة عن فحص المعلومات الاستخبارية، في الشبكة المعروفة ضمن الجيش باسم "الساحة الفلسطينية"، وقالت هذه الجندية، "عندما كنت في كتيبة غزة، تابعنا شخصاً من حماس، بعد أن وصلتنا معلومات استخبارية تؤكد أنه يقف خلف تحضير الصواريخ قبل إطلاقها، واتخذ القادة قراراً بتصفيته، أطلقنا طائرة من دون طيار في الجو، لملاحقة الرجل لقتله، لكننا رأينا أنه كان مع ابنه، طفل في الخامسة أو السادسة، على ما أعتقد".
وتستذكر ما سبق الاغتيال قائلة، "قبل الاغتيال، تم دمج معلومات واردة من مصدرين مختلفين تؤكد أننا نقتل الهدف الصحيح، فقلت للقائد، وهو ملازم، إنني لا أملك تشخيصاً مؤكداً، طلبت عدم الموافقة على إطلاق النار لكنه قال: لا يهمني، ووافق. لقد قتلوا الناشط العسكري في حماس والطفل الصغير الذي كان بجانبه".
وبحسب ما أبلغ القادة الإسرائيليون جميع الجنود المشاركين في مهمات مختلفة في عمليات الاغتيال والعمليات العسكرية، فإن ما تم تنفيذه في عملية اغتيال الحمساوي وأدى إلى قتل الطفل، تصرف مقبول وينفذ وفق قواعد، لذا فهو مسموح به. وأضافت المجندة، "لدينا قوانين في الجيش تتعلق بعدد الأشخاص غير المتورطين الذين يُسمح بقتلهم في غزة إلى جانب الذين تتم تصفيتهم".
وفي نهاية حديثها قالت، "يبدو لي أن ذلك خطأ، لكن هناك قوانين ومنطقاً داخلياً للمنظومة، يجعل من السهل القيام بذلك، يسود اعتقاد أنه ما دام الصاروخ سيقتل الشخص المطلوب، فلا بأس، فذلك يتوافق مع القواعد، لذا فهو مسموح به".
محادثات عائلات القتلى "تمزق القلوب"
ولا يكتفي الإسرائيليون بقتل مَن تصيبهم صواريخهم، وإن كانوا مدنيين أبرياء، ما دامت عملية اغتيال المطلوب نجحت، فبعدها يواصلون التنصت للتأكد من "نجاح" المهمة ضمن تعليمات بمراقبة المحادثات الهاتفية التي يجريها أفراد الأسرة بعد القصف، لسماع اللحظة التي يخبرون فيها بعضهم البعض أن قريبهم توفي، وفق ما قالت الجندية التي أوضحت، "أنها طريقة أخرى لفحص مَن قُتل، وطريقة للتأكد من أن الشخص الذي أردناه قد مات، حتى في حالة الطفل ابن الخمس سنوات طُلب إلينا مراقبة محادثات أقاربه، لقد سمعت امرأة تقول: مات، مات الطفل، وهكذا تأكدت من حدوث ذلك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دروس في المفردات العربية
ويُعد التنصت على محادثات أقارب الضحية وعائلتها جانباً مهماً جداً في نشاط وحدات استخبارية.
وأكد جندي أنهى خدمته ضمن وحدة سرية في قسم الاستخبارات قبل ثلاث سنوات، أنه يتم رصد وتسجيل محادثات الأقارب والعائلة منذ يوم التشييع وحتى انتهاء العزاء بهدف استخدامها لاحقاً في الدروس التي تُقدم للجنود ضمن تعليمهم المفردات العربية. وأضاف، "لقد كانت محادثة صادمة للغاية لم يستوعبها أحد منا حتى، إن أحد الجنود خرج من الدرس في حالة ذهول وهستيريا". وتابع الجندي: "في أحد الدروس، قدم لنا القادة محادثة لأم أخبرها زوجها عبر الهاتف أن طفلهما قُتل، وبدأت الأم تصرخ بلا توقف وتبكي، وكان من الصعب، حقاً، الإصغاء إلى ذلك، كان أمر يمزق القلب، كان علينا ترجمة صراخها إلى العبرية، كنا مجموعة من الشبان بعمر 18 عاماً، خرجنا جميعاً من الدرس في حالة استياء تام، كان هناك شخص أُصيب بالرعب جراء ذلك، لقد أثرت المحادثة، بالأساس، على الشبان أكثر من الشابات، لا أعرف لماذا، سألت القادة لاحقاً عما إذا كان علينا تعلّم اللغة العربية من مثل هذه المحادثة لكن لم يكن لديهم إجابة، هم أيضاً كانوا شبان في عمر الـ19 عاماً".
العملاء مصدر مركزي لنجاح بنك الأهداف
وأكد أكثر من جندي اعتمادهم على معلومات العملاء الفلسطينيين الموجودين في غزة حيث يشكل هؤلاء "مصدراً حيوياً وعاماً" لنجاح المهمة في جميع العمليات الإسرائيلية التي تُنفَذ. وقال أحدهم، "تخلق السيطرة على الحدود، وتبعية سكان قطاع غزة لإسرائيل، قوة استخباراتية وتتيح إمكانية تجنيد المتعاونين معها"، بينما أضافت جندية أخرى، "هذا يمنحك كثيراً من القوة، لو كانت غزة متصلة بالضفة الغربية، فسنفقد جزءاً من هذه القوة، اليوم نحن مطلعون على كل ما يدخل ويخرج، جسدياً وإلكترونياً وإنسانياً أيضاً، وهذا يتيح المزيد من أساليب العمل،على سبيل المثال، يتوسل الناس في غزة الذهاب للدراسة في الخارج، أو لزيارة الأقارب خارج غزة، يمكن استخدام ذلك لتجنيدهم".
"لا يوجد شيء اسمه خصوصية"، قال جندي آخر وأضاف، "أنت تعرف كل شيء عن الشخص، ما يحبه وما التقطه من صور، هل لديه عشيقة أو عشيق، وكذلك الرغبة الجنسية، كل شيء مكشوف تماماً، يمكنك جمع معلومات عن أي شخص تريد، وأنت تعلم أن هؤلاء الناس لا يريدون أن تعرف ذلك، وهذه المعلومات الشخصية يتم استغلالها لتجنيد عملاء، وأكثر ما فاجأني خلال خدمتي هو عدد المتعاونين الفلسطينيين الذين عملوا معنا".