Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تنجح خطة مصر التقشفية في تدبير الدولار؟

ترشيد استخدام الطاقة محلياً وتصدير الفائض إلى الخارج

لدى القاهرة فائض من إنتاج الكهرباء (رويترز)

بدأت الحكومة المصرية التفتيش في دفاترها لتدبير العملة الصعبة بإقرار خطة جديدة للتقشف على غرار خطتها في عام الجائحة، عندما رشدت الإنفاق الحكومي في نطاق الموازنة العامة للدولة. أما الخطة الجديدة، فتتعلق بترشيد استهلاك الطاقة على المستوى الرسمي، وتوجيه ما يتم ترشيده إلى الخارج لدعم حصيلتها من العملات الأجنبية مع تآكل رصيدها من الاحتياطي الأجنبي على مدار سبعة، أشهر بعد تعثر الإمدادات التي تدرها الشرايين الرئيسة في الاقتصاد المصري.

خطة التقشف الأولى بسبب الجائحة

قبل عامين، في الأسابيع الأولى من الجائحة العالمية، أقرت الحكومة المصرية خطة لترشيد النفقات في الموازنة العامة للدولة، تضمنت ما يزيد على 20 إجراء لضبط الإنفاق العام، مع الأخذ في الاعتبار عدم تأثير ذلك سلباً في دوران عجلة الإنتاج والاقتصاد، كان أبرزها تجميد نحو 50 في المئة من مخصصات الدولة لشراء الأصول غير المالية والاستثمارات الجديدة، في الوزارات والجهات الحكومية التي توقفت أنشطتها جزئياً أو كلياً متأثرة بالجائحة وإيقاف أي تعيينات أو ترقيات، عدا الوظائف القيادية، علاوة على وقف الإنفاق على الاشتراك في المؤتمرات في الداخل والخارج وإيجار الخيام والكراسي، وبدل انتقال للسفر في الخارج وكلف النقل، والانتقالات العامة بوسائل أخرى للسفر في الخارج، كذلك جمدت المخصصات لشراء وسائل النقل والانتقال بنسبة 100 في المئة.

على الرغم من أن خطتي التقشف غرضهما الترشيد، إلا أن الأولى كانت تستهدف الحفاظ على الأموال بالجنيه المصري، بيد أن الخطة الجديدة تستهدف ترشيد استخدام الطاقة محلياً وتصدير الفائض إلى الخارج، سعياً لجلب العملات الصعبة في ظل تعثر القنوات الرئيسة للحصول على الدولار الأميركي.

وأعلن رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفي مدبولي، في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي، خطة لترشيد استهلاك الكهرباء. وقال إن لدى حكومته خطة لترشيد استخدام الطاقة ستنفذ مطلع الأسبوع الحالي.

وأضاف "نتابع خلال هذه الفترة الدقيقة ما تعاني منه كل دول العالم بلا استثناء في مواجهة التحديات المرتبطة بالطاقة وترشيد الاستهلاك"، مؤكداً أن "القاهرة اتخذت عدداً من الإجراءات لتخفيف الضغط على الموارد من العملة الصعبة، نتيجة مضاعفة أسعار السلع الأساسية التي تستوردها الدولة المصرية، وعلى رأسها المنتجات البترولية والسلع الأساسية مثل القمح والذرة". وأوضح أن "حقل ظهر للغاز يسد حاجة الاستهلاك المحلي، ويحقق وفراً نقوم بتصديره، ومن هنا جاءت رؤيتنا حول أهمية تعظيم الاستفادة من هذا المورد الطبيعي وزيادة الصادرات من الغاز الطبيعي".

60 في المئة من الغاز لإمداد محطات الكهرباء

وتابع مدبولي أن "60 في المئة من إنتاج مصر من الغاز الطبيعي يذهب إلى محطات الكهرباء لتوليد الطاقة، لذا كلما استطعنا ترشيد كميات الغاز الطبيعي التي تخدم محطات الكهرباء، كلما أصبحت لدينا فرصة لتصدير جانب أكبر من هذه الثروة الطبيعية، بالتالي جلب عملة صعبة أكثر".

وأشار إلى أنه "كان لزاماً على الحكومة، العمل من أجل تحقيق فائض إضافي لا يقل عن 15 في المئة من حجم الغاز الطبيعي الذي يضخ لمحطات الكهرباء على مدار العام، بحيث نستطيع زيادة حجم التصدير من الغاز الطبيعي".

وأكد مدبولي أن "مجلس الوزراء ناقش على مدار الفترة السابقة هذا الموضوع، وتوصل إلى أنه أصبح من الضروري بدء اتخاذ إجراءات مهمة جداً في هذا التوقيت، بهدف التخفيف من الضغط على الكهرباء"، موضحاً أن "الدولة تدعم تسعير الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء بسعر ثلاثة دولارات لكل مليون وحدة حرارية، في وقت يصل فيه السعر العالمي للمليون وحدة حرارية عند التصدير إلى نحو 30 دولاراً".

ولفت إلى أهمية ترشيد استهلاك الكهرباء في المباني الحكومية بصورة عامة بقطع الكهرباء عن تلك المباني بعد انتهاء مواعيد العمل الرسمية، في ما عدا الوحدات التي لها طبيعة عمل خاصة، وكذلك الغرف التي توجد فيها أجهزة كمبيوتر وسيرفرات والتي تتطلب استمرار توصيل التيار الكهربائي لها، إلى جانب إيقاف الإنارة الخارجية لمختلف المباني الحكومية والميادين العامة، إلى جانب التحرك نحو تخفيض إنارة الشوارع والمحاور الرئيسة، على أن يتم ذلك بالتنسيق مع المحافظات ووزارتي الإسكان والكهرباء. وأشار إلى البدء بتطبيق مثل هذه الإجراءات، إذ تم إيقاف الإنارة الخاصة بميدان التحرير وبعض المباني العامة، إلى جانب النظر في تطبيق التوقيت الصيفي في ما يخص المحال العامة والمولات التجارية، بحيث تغلق في الساعة الـ11 مساء، علاوة على ترشيد استهلاك الكهرباء بالإنارة الخاصة بالمنشآت الرياضية الكبرى.

جدوى خطى الترشيد

وعن جدوى خطة ترشيد الطاقة التي أعلنت القاهرة تطبيقها بداية من هذا الأسبوع، أوضح وزير الكهرباء المصري محمد شاكر لـ"اندبندنت عربية"، "كي لا يختلط الأمر عند البعض، لدى القاهرة فائض كبير من إنتاج الكهرباء يكفي حاجة الاستهلاك المحلي ونصدر الفائض إلى خارج البلاد". وأضاف "إننا هنا في مرحلة تطور مهمة ولسنا في أزمة في إنتاج الكهرباء، بل نبحث عن زيادة مواردنا من العملة الصعبة بما نملكه من موارد طبيعية، ولذلك قررت توفير الغاز الطبيعي الذي يمثل العمود الأساسي لتشغيل محطات الكهرباء بتخفيف أو ترشيد الاستهلاك والاستفادة من حجم ما تم توفيره للتصدير الخارجي".

وأكد "بدأنا منذ عام تقريباً تشغيل عدد من محطات الكهرباء بالمازوت المنتج محلياً، بدلاً من الغاز الطبيعي، وتحقق فائض تم تصديره بقيمة تصل إلى 150 مليون دولار شهرياً"، قائلاً "من هنا جاءت فكرة الترشيد العام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأردف شاكر أن "محطات الكهرباء تستهلك سنوياً حوالى 40 ألف مليون متر مكعب من الغاز". وأشار إلى أن "الخطة العامة لترشيد استخدام الكهرباء التي ستنفذها المحافظات المصرية كلها ستعلن الأسبوع الحالي خلال مؤتمر صحافي، بحيث تكون دليلاً إرشادياً لكل محافظ يطبقها داخل نطاق المحافظة تحت إشراف وزراتي الكهرباء والتنمية المحلية".

وجمعت القاهرة عام 2021 نحو 88 مليار دولار من خمسة مصادر للنقد الأجنبي، تشمل تحويلات المصريين في الخارج والصادرات وإيرادات السياحة وقناة السويس وصافي الاستثمار الأجنبي المباشر، بزيادة قدرها 25 في المئة عن عام الجائحة عندما جمعت نحو 70.6 مليار دولار عام 2020.

من جانبه، قال المتخصص في صناعة الغاز المسال وأحد مؤسسي مصنع دمياط لإسالة الغاز عمر الكومي إن "نسبة توزيع نصيب القاهرة من الغاز تقسم بين 60 في المئة لمحطات توليد الكهرباء، إضافة إلى 15 في المئة لمد المنازل بغاز الطهي وإمداد محطات تزويد السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي، وكذلك تشغيل مصانع الأسمنت والسيراميك والحديد التي تعمل بالغاز". وأضاف في تصريحات صحافية أن "نسبة ما تبقى تصل إلى 20 في المئة يمكن زيادتها ثم تصديرها إلى خارج البلاد".

500 مليون دولار وفراً للخزانة العامة للدولة

وقال رئيس هيئة البترول الأسبق مدحت يوسف إن الحكومة المصرية تسعى إلى استغلال المذكرة الثلاثية بينها وبين إسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي أفضل استغلال ممكن في ظل تعطش القارة الباردة للغاز بعد الحرب الروسية – الأوكرانية"، مشيراً إلى أن مصر تعتبرها فرصة ذهبية في ظل تعثر الإمدادات الرئيسة للعملة الأجنبية". واعتبر أنه إذا نجحت "الحكومة في خطتها لترشيد 15 في المئة من الغاز الذي يذهب إلى محطات الكهرباء والذي يقارب 40 ألف مليون وحدة حرارية سنوياً، ستتمكن من البيع في الأسواق الخارجية بالأسعار العالمية للغاز الطبيعي، ما يعني إضافة حوالى نصف مليار دولار للخزانة العامة للدولة".

في يوليو (تموز) الماضي، وقعت مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم ثلاثي لإمداد أوروبا بالغاز بعد استيراده من إسرائيل إلى مصر ثم تصديره إلى أوروبا.

تقليل فجوة النقد الأجنبي في مصر

من جانبه، قال مدير "مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاجتماعية" عبدالمنعم السيد، إن "الحكومة تبحث الطرق لتقليل فجوة النقد الأجنبي في مصر"، موضحاً أن "الفجوة تعني الفارق بين حصيلة الدولة من النقد الأجنبي الواردة وبين ما تحتاج إليه من نقد أجنبي لسداد فاتورة الاستيراد وسداد المستحقات وأقساط الديون الخارجية وفوائدها".

وشرح السيد في بيان رسمي أن "أسباب الفجوة في الحصيلة الدولارية الواردة ترجع إلى تخارج أكثر من 20 مليار دولار أميركي من الأموال الساخنة (استثمارات الأجانب في أدوات الدين المصرية) منذ بداية 2022، إضافة إلى تراجع الحصيلة من السياحة الوافدة للقاهرة والمدن السياحية من روسيا وأوكرانيا، إذ إن البلدين كانا يصدران لمصر 4.5 مليون سائح قبل الحرب بينهما". وتابع أن "انخفاض حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تستهدف فتح مصانع أو شركات جديدة أو التوسع فيها بسبب تدني حركة رؤوس الأموال عالمياً في الوقت ذاته، زادت حاجات القاهرة للعملة الصعبة لسداد الديون وفواتير الاستيراد التي ارتفعت إلى 70 مليار دولار".

وأكد أن "الفجوة الدولارية وصلت إلى ذروتها في فبراير (شباط) الماضي لحوالى 3.9 مليار دولار مطلوب سدادها شهرياً"، مشيراً إلى أن "إجراءات البنك المركزي المصري في مارس (آذار) الماضي لترشيد فاتورة الاستيراد، في ما عدا السلع الأساسية، قللت من الفجوة في النقد الأجنبي لتصل إلى 400 مليون دولار شهرياً في يوليو الماضي".

ونزف احتياطي مصر من العملات الأجنبية نحو 7.8 مليار دولار منذ بداية عام 2022، بنسبة تقترب من 20 في المئة بعدما هبط من 40.93 مليار دولار في ديسمبر (كانون الأول) 2021 إلى نحو 33.14 مليار دولار حتى نهاية يوليو الماضي، إذ تآكل الرصيد في ظل تغطية فاتورة استيراد القاهرة للسلع الأساسية مع بداية الحرب الروسية في أوكرانيا.