Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عام على السلطة و"طالبان" لم تتجاوز "حد البداية"

استعادة نسبية للأمن مقابل رؤى متشددة وأزمة إنسانية شاملة واقتصاد منهار وحقوق وحريات مفقودة

 تحل الذكرى الأولى لسيطرة "طالبان" على السلطة وسط سيل من التقييمات عن الأحوال المتردية للمجتمع الأفغاني (أ ف ب)

مع مرور عام على عودة "طالبان" إلى السلطة في أفغانستان، لا تزال تلك الدولة الواقعة في آسيا الوسطى تستحوذ على قدر من الاهتمام الدولي، بعد أن تمكنت الحركة المتشددة من السيطرة على العاصمة كابول في الخامس عشر من أغسطس (آب) 2021، من دون أن تواجه أية مقاومة على أثر تقدمها الخاطف، والانسحاب الفوضوي للقوات الأميركية والأطلسية بعد عشرين عاماً من تمركزها في البلاد.

وبين مناقشات أميركية لتداعيات قرار الرئيس جو بايدن بالانسحاب، ومخاوف أوروبية من عودة أفغانستان لاحتضان الجماعات المتشددة، وأعين روسية وصينية وإيرانية تسعى لملء الفراغ الغربي، تحل الذكرى الأولى لسيطرة "طالبان" على السلطة، وسط سيل من التقييمات والتقديرات عن أحوال المجتمع الأفغاني الذي بات يعاني أزمة إنسانية كبيرة.

ومع تردي الأوضاع الاقتصادية وتصاعد التحذيرات من فقر مدقع يطاول أكثر من نصف سكان البلاد، فضلاً عن تراجع الحقوق والحريات لا سيما بالنسبة للمرأة، وفي ظل عودة السياسات المتشددة للقائمين على السلطة، تحاول "اندبندنت عربية" رصد ما تغير في أفغانستان طوال العام الماضي.


 

عودة التشدد

على الرغم من الوعود التي قطعوها في بادئ الأمر، سرعان ما عاد حكام البلاد الجدد إلى فرض تفسيرهم المتشدد للشريعة الإسلامية، الذي طبع فترة حكمهم السابقة بين 1996 و2001، وقيد حقوق المرأة، إذ استبعدت النساء إلى حد كبير من الوظائف الحكومية، وحظر عليهن السفر بمفردهن خارج المدن التي يعشن فيها.

عندما حكمت "طالبان" أفغانستان في أواخر التسعينيات لم تستطع النساء العمل، وجرى منع الفتيات من الذهاب إلى المدارس، كما تقلص المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة وغادر عدد من أعضائها والعاملين فيها البلاد.

تشير تقارير غربية عدة إلى أنه بالنسبة إلى الأفغان العاديين، وبخاصة النساء، فإن عودة "طالبان" لم تؤد سوى إلى زيادة الصعوبات في وقت بات نصف سكان البلاد البالغ عددهم 38 مليون نسمة، يعيشون في فقر مدقع.

وقالت بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان في مراجعة حديثة إن الجماعة تحد من المعارضة باعتقال صحافيين وناشطين ومتظاهرين.

ومن بين مظاهر التشدد التي عادت إلى الشارع الأفغاني بعد عقدين من اختفائها، كان قرار الحركة في مارس (آذار) الماضي بمنع الفتيات من الالتحاق بالمدارس الإعدادية والثانوية بعد ساعات فقط من إعادة فتحها بموجب قرار كان معلناً منذ فترة.

كذلك أمر القائد الأعلى لـ"طالبان" هبة الله أخوند زاده، في أوائل مايو (أيار) الماضي، النساء بوضع النقاب في الأماكن العامة، وأوضحت "طالبان" أنها تفضل أن ترتدي النساء البرقع، لكنها ستتسامح مع أشكال أخرى من الحجاب لا تكشف سوى العينين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفق تقرير نشرته منظمة العفو الدولية، الإثنين 15 أغسطس  الحالي، بمناسبة مرور عام على سيطرة "طالبان" على الحكم في أفغانستان، فقد تعرضت النساء تحت حكم الحركة لعنف متزايد، وفي بعض الأحيان تم استخدامهن كوسيلة لمعاقبة أفراد أسرهن.

تقرير المنظمة الذي حمل عنوان "عام من نكث (طالبان) بالوعود وفرض القيود الصارمة وممارسة العنف"، أبرز أن الحركة اعتقلت عشرات النساء وعذبتهن بسبب تنظيم احتجاجات سلمية للمطالبة بحقوقهن وسط قيود متزايدة جردتهن من حرياتهن، وكذلك ضيقت الحركة الخناق على الحق في التعليم، مما أفسد تطلعات ملايين الفتيات الأفغانيات نحو المستقبل، وعندما أعيد فتح المدارس الثانوية في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي، منعت الحركة الفتيات فوق الصف السادس من الحضور، مرجعة السبب إلى "حال مؤقتة ريثما يتم تعيين مزيد من المعلمات، وضمان تهيئة الظروف المناسبة للتعليم المنقسم حسب النوع الاجتماعي".

قبل يومين، السبت 13 أغسطس، فرق مسلحون من "طالبان" بالقوة تظاهرة نظمتها نحو أربعين امرأة للمطالبة بالحق في العمل والتعليم. واليوم، تجمعت نحو ثلاثين من هؤلاء المتظاهرات في منزل إحداهن، ونشرن على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لهن مع شعارات مثل "إن تاريخ أفغانستان يخجل من إغلاق المدارس".

ولا تزال مقاليد إدارة البلاد بيد ما تعد حكومة لتصريف الأعمال، أو سلطة "بحكم الأمر الواقع"، تضم وزراء بالإنابة يمكن للزعيم الروحي الأعلى لـ"طالبان"، ومقره مدينة قندهار الجنوبية، نقض قراراتهم.

ويقول بعض الخبراء الدستوريين والقانونيين إنه ليس من الواضح دائماً كيف سيتم تفسير وتطبيق الشريعة الإسلامية القانونية والأخلاقية في الممارسة العملية.

رجوع محدود لـ"داعش"

على الرغم من تراجع العنف منذ انتهاء الحرب مع وصول "طالبان" إلى السلطة، فإن الهجمات الإرهابية بقيت، لا سيما من قبل تنظيم "داعش ولاية خراسان" الذي شن عمليات عدة، ويقول مراقبون إن البلاد أصبحت أكثر أماناً مما كانت عليه عندما كانت "طالبان" تقاتل القوات الأجنبية التي تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها من الأفغان.

ففي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أسفر اعتداء لتنظيم "داعش" الذي تتواجه معه "طالبان" منذ سنوات، عن سقوط 60 قتيلاً في أكثر الهجمات فتكاً منذ انسحاب القوات الأميركية.

وفي ربيع عام 2022، قتل عشرات الأشخاص في سلسلة من التفجيرات أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن غالبيتها.

وتؤكد حركة "طالبان" أنها تغلبت على تنظيم "داعش" في أفغانستان، لكن محللين يرون أن "داعش" لا يزال يشكل التحدي الأمني الرئيس للسلطة الأفغانية الجديدة.

كذلك كان لافتاً تمكن القوات الأميركية، في نهاية يوليو (تموز) الماضي، من قتل زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري بواسطة طائرة مسيرة في العاصمة كابول، وكان الظواهري الذي خلف أسامة بن لادن في قيادة التنظيم أحد العقول المدبرة لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر2001 في الولايات المتحدة، التي أسفرت عن سقوط نحو ثلاثة آلاف قتيل، وكان كذلك من بين كبار المطلوبين لدى أجهزة الاستخبارات الأميركية منذ سنوات.

وضع اقتصادي متدهور

من بين أبرز ملامح العام الأول لـ"طالبان" بعد عودتها للسلطة الأزمة الاقتصادية الخانقة، إذ غرقت البلاد المحرومة من المساعدة الدولية التي كانت حيوية بالنسبة إلى أفغانستان، في أزمة مالية وإنسانية حادة مع ارتفاع صاروخي في معدلات البطالة.

وبحسب الأمم المتحدة، فإن أكثر من نصف سكان البلاد أي نحو 24 مليون أفغاني، مهددون بانعدام الأمن الغذائي. وفي 31 مارس  وجهت المنظمة الأممية أكبر نداء إلى الأسرة الدولية لجمع تبرعات لبلد واح،. لكن المبادرة سمحت فقط بجمع 2.44 مليار دولار بينما المطلوب 4.4 مليار دولار.

لدى مرور عام على عودة "طالبان"، قال تقرير لوكالة "رويترز" إن الأمن النسبي لا يمكن أن يخفي حجم التحدي الذي تواجهه الحركة في وضع أفغانستان على طريق النمو الاقتصادي والاستقرار، فهناك ضغوط هائلة على الاقتصاد سببها الأكبر عزلة البلاد مع رفض الحكومات الأجنبية الاعتراف بحكامها، إذ قطعت المساعدات التنموية التي تعتمد عليها بشكل كبير، مع مطالبة المجتمع الدولي "طالبان" باحترام حقوق الأفغان، وخصوصاً الفتيات والنساء اللاتي فرضت قيود على فرصهن في التعليم والعمل.

لكن الحركة ترفض الانصياع لهذه المطالب قائلة إنها تحترم حقوق جميع الأفغان في إطار تفسيرها للشريعة الإسلامية، وتطالب بإعادة تسعة مليارات دولار من احتياطات البنك المركزي الموجودة في الخارج، لكن المحادثات مع الولايات المتحدة تواجه عقبات، منها مطالب واشنطن بتنحي قيادي في "طالبان" مشمول بعقوبات من ثاني أعلى منصب قيادي في البنك. وجرت مفاوضات بين واشنطن والحركة حول تحرير الأموال المحتجزة بعد زلزال أسفر عن سقوط أكثر من ألف قتيل وشرد الآلاف في نهاية يونيو (حزيران) في شرق البلاد.

وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 25 مليون أفغاني يعيشون الآن في فقر، وهم ​أكثر من نصف عدد السكان، وبحسب تقدير للأمم المتحدة، فإن من الممكن فقد ما يصل إلى 900 ألف وظيفة هذا العام مع تعثر الاقتصاد.

بحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش" المعنية بحقوق الإنسان، فإن الجوع الحاد منتشر في جميع أنحاء أفغانستان، وهناك نحو 20 مليون شخص يعانون أزمة غذاء من المستوى الثالث، أو الرابع من مستويات انعدام الأمن الغذائي "الإغاثة الإنسانية" بموجب تصنيف برنامج الأغذية العالمي، موضحة أن أكثر من مليون طفل دون الخامسة، بخاصة المعرضين لخطر الموت عند حرمانهم من الطعام باتوا يعانون سوء التغذية الحاد لفترات طويلة.

وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن الوضع الإنساني كان سيصبح أسوأ لو لم تزد الأمم المتحدة وغيرها من مقدمي الإغاثة عملياتها بشكل كبير في 2022.

في يونيو الماضي، أفاد برنامج الأغذية العالمي أن عشرات الآلاف من الأشخاص في ولاية واحدة، هي غور، يعيشون في المستوى الخامس من انعدام الأمن الغذائي الحاد أي مرحلة "الكارثة الإنسانية"، وهي نذير بحدوث للمجاعة.

وبحسب مراقبون، فإن الأزمة الاقتصادية في أفغانستان ترتبط في أحد جوانبها بـ"أزمة الشرعية والاعتراف الدولي بالحكومة"، إذ لم تعترف بها بعد أي من دول العالم، على عكس ما كانت عليه الحال في طبعتها الأولى، حين ظهرت قبل أكثر من ربع قرن ونالت حينها اعتراف ثلاث دول هي باكستان والسعودية والإمارات.

حريات مفقودة

على مدار العام الماضي، تكشف في أكثر من مناسبة التراجع غير المسبوق لمساحات الحريات والحقوق في أفغانستان تحت حكم "طالبان".

ووفق تقرير منظمة العفو الدولية المعنون بـ"عام من نكث (طالبان) الوعود وفرض القيود الصارمة وممارسة العنف"، فمنذ سيطرة الحركة على أفغانستان قبل عام شنت هجوماً مستمراً على حقوق الإنسان، واضطهدت الأقليات، وقمعت الاحتجاجات السلمية بعنف، وقلصت حقوق المرأة، واستخدمت عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري لنشر الخوف بين الأفغان".

ووثق التقرير، الذي لم ترد الحركة على ما جاء فيه حتى الآن، ما قال إنه "انتهاكات لحقوق الإنسان في ظل حكمها"، مشيراً إلى أن هناك حال من "الإفلات واسع النطاق من العقاب حيال جرائم مثل التعذيب والقتل الانتقامي والإخلاء القسري للمعارضين".

وقالت ياميني ميشرا، المديرة الإقليمية لجنوب آسيا في المنظمة "قبل عام، تعهدت طالبان علناً بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها، ومع ذلك فإن السرعة التي يفككون بها 20 عاماً من مكاسب حقوق الإنسان صادمة، وسرعان ما تبخرت أية آمال في التغيير مع سعي الحركة إلى الحكم من خلال ممارسة القمع العنيف مع الإفلات التام من العقاب".

وأضافت "عادت الاعتقالات التعسفية وممارسات التعذيب والاختفاء والإعدام بإجراءات موجزة لتشكل الوضع السائد. وباتت النساء والفتيات يواجهن مستقبلاً قاتماً، إذ يحرمن من التعليم أو من إمكانية المشاركة في الحياة العامة".

كذلك ذكر تقرير لـ"هيومان رايتس ووتش"، في 11 أغسطس، بعنوان "أفغانستان: عام على حكم (طالبان) الكارثي"، أن "الحركة خرقت تعهدات عدة باحترام حقوق الإنسان وحقوق المرأة منذ سيطرتها على السلطة، وفرضت قيوداً صارمة على النساء والفتيات، وقمعت وسائل الإعلام، واحتجزت بشكل تعسفي وعذبت وأعدمت بإجراءات موجزة المنتقدين والمعارضين المفترضين، وذلك من بين انتهاكات أخرى ارتكبتها".

ومنذ عودتها للسلطة فرضت "طالبان" قواعد تمنع النساء والفتيات بشكل شامل من ممارسة حقوقهن الأساسية في التعبير والحركة والتعليم، بما يؤثر في حقوقهن الأساسية الأخرى في الحياة وسبل العيش والرعاية الصحية والغذاء.

ومنعت "طالبان" النساء من السفر أو الذهاب إلى أماكن عملهن من دون أن يرافقهن أحد أفراد الأسرة الذكور، ومنعت عليهن عدداً من الوظائف، كما حرمت جميع الفتيات تقريباً من الالتحاق بالمدارس الثانوية.

بعكس فترة حكم "طالبان" الأولى، سُمح للفتيات بارتياد المدارس الابتدائية، ولصحافيات بإجراء مقابلات مع مسؤولين حكوميين، وهو أمر لم يكن بالإمكان تصوره خلال التسعينيات، لكن كثيراً من المحللين أعربوا عن قلقهم من أن يكون كل ذلك "شكلياً".

يقول مايكل كوغلمان المتخصص في شؤون أفغانستان بمركز "ويلسون سنتر" للبحوث، إن "هناك بعض الحالات التي نلحظ فيها تطوراً في السياسة، لكن لنكن واضحين، فنحن ما زلنا نرى حركة ترفض التخلي عن آراء عقائدية رجعية".

 وبحسب دراسة أعدتها منظمة "مراسلون بلا حدود" قبل أيام، فقدت أفغانستان أكثر من نصف صحافييها منذ عودة "طالبان" إلى الحكم. وذكرت المنظمة في دراستها أنه "كان هناك 11 ألفاً و857 صحافياً قبل وصول الحركة إلى الحكم، لم يبق منهم اليوم سوى 4759".

وأشارت إلى أن "76.19 في المئة من الصحافيات فقدن عملهن، إذ كانت هناك 2756 امرأة تعمل في الصحافة في مؤسسات إعلامية أو متعاونات معها، وبات العدد حالياً يقتصر على 656، غالبيتهن في العاصمة كابول".

وبينت الدراسة التي نشرتها المنظمة على موقعها الإلكتروني أن "البلاد كانت في 15 أغسطس 2021 تضم 547 وسيلة إعلام، وبعد عام توقف 219 منها عن العمل، وفي المقابل ظهرت أربع مؤسسات إعلامية جديدة"، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن هناك بعض المؤسسات الإعلامية التي أغلقت لـ"صعوبات اقتصادية جديدة على غرار وقف المساعدات الدولية والوطنية، وتراجع عائدات الإعلانات في ظل أزمة اقتصادية حادة".

وتحتل أفغانستان المرتبة 156 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي تصدره "مراسلون بلا حدود".

المزيد من تقارير