Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما خطوات التصعيد المقبلة للتيار الصدري بعد مطالبته القضاء بحل البرلمان؟

إصرار "الإطار التنسيقي" على ضرورة عقد مجلس النواب يعود إلى محاولته انتخاب رئيس وزراء من قبله

تتوالى الخطوات التصعيدية التي ينتهجها التيار الصدري في العراق، إذ وصلت إلى حد مطالبة القضاء العراقي بشكل مباشر بحل البرلمان من دون العودة إلى الكتل السياسية، الأمر الذي زاد تعقيد المشهد السياسي في البلاد، ويبدو أن مسارات التصعيد ستكون مستمرة بالنسبة للتيار الصدري، الأمر الذي يزيد التساؤلات حول أشكال التصعيد المقبلة التي ينوي انتهاجها، إذ يبدو مصراً على تنفيذ مطالبه بعد مرور نحو أسبوعين على اقتحام البرلمان العراقي من قبل أنصاره وعدم قبوله الحوار مع أطراف "الإطار التنسيقي" للقوى الشيعية، ويعتقد مراقبون أن تصعيد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لن يتوقف عند حدود المطالبات بحل البرلمان، بل سيصل إلى كل المديات الممكنة عدا الدفع نحو صراع مسلح، في وقت يبدو أنه يحاول أيضاً استقطاب غالبية القوى المدنية من خلال توجيه بوصلة الصراع بشكل مباشر نحو الأحزاب والفصائل الموالية لإيران.

وفي وقت تتباين الآراء حول إمكانية أن يكون للمجتمع الدولي دور في حسم الإشكالات الدائرة في البلاد، يرى طيف من المراقبين أن عدم قدرة الفواعل الداخلية على درء مخاطر الاقتتال ستدفع في النهاية الأمم المتحدة إلى اتخاذ دور حاسم إزاء ما يجري.

القول الفصل للمحكمة الاتحادية

وكان الصدر قد حدد مطالبته بحل البرلمان لرئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان في موعد "أقصاه نهاية الأسبوع المقبل"، وهو الأمر الذي سيزيد من تأزيم الوضع السياسي في البلاد، وينص الدستور العراقي على أن حل البرلمان يجب أن يتم بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناء على طلب من ثلث أعضائه، أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، إلا أن الصدر يبدو مصراً على دفع أنصاره إلى تقديم دعاوى إلى المحكمة الاتحادية، ونشر التيار الصدري نسخة من نموذج الدعوى المراد تقديمها للمحكمة الاتحادية لحل البرلمان عبر صفحة صالح محمد العراقي المقرب من الصدر.

وكان رئيس مجلس القضاء الأعلى نفى في وقت سابق خلال مقابلة تلفزيونية، إمكانية تدخل القضاء في حل البرلمان، إلا أنه تحدث عن "جزاء" مفروض لمن يخرق المدد الدستورية.

وعلى الرغم من الحديث عن عدم دستورية هذا الطلب، يتداول متخصصون آراء حول إمكانية أن يحل القضاء البرلمان، إذ يقول الخبير القانوني علي التميمي، إن هناك من يتبنى رأياً آخر بالاستناد إلى المادتين 47 و59 من القانون المدني لتقديم دعاوى حل البرلمان إلى المحكمة الاتحادية، مبيناً أن أصحاب هذا الرأي يعتمدون على مسار "الطعن بأن البرلمان تلكأ في أداء مهامه، ولم يستطع تحقيق الغرض الذي أنشئ من أجله"، وبحسب التميمي، يستند أصحاب الرأي هذا إلى أن "أساس الانتخابات كان غير صحيح، إذ تم تحديد موعد الانتخابات من قبل البرلمان وليس من خلال رئيس الجمهورية، وهو ما يعد مخالفة لمبدأ الفصل بين السلطات الواردة في الدستور"، ويختم التميمي أن "القول الفصل يعود إلى المحكمة الاتحادية كسلطة مستقلة في حل البرلمان من عدمه ولا علاقة للسلطات القضائية الأخرى بذلك"، ويؤكد خبراء قانونيون أن المحكمة الاتحادية سترد أي دعاوى تطالب بحل البرلمان كونه ليس ضمن اختصاصاتها الدستورية.

"الإطار التنسيقي" يتمسك بتشكيل الحكومة

في السياق، أصدرت قوى "الإطار التنسيقي" بياناً أشارت فيه إلى أنها اجتمعت لـ"مناقشة الإسراع في استكمال الاستحقاقات الدستورية، وأهمية حسم مرشح رئاسة الجمهورية، وتشكيل حكومة خدمية"، على عكس بياناتها السابقة التي أيدت فيها أطراف داخل "الإطار" الدعوة إلى الانتخابات المبكرة، وفي وقت عُد كرد ضمني على مطالب الصدر، أكد "الإطار" في البيان "ضرورة احترام المؤسسات، وفي مقدمتها السلطة القضائية والتشريعية، ورفض كل أشكال التجاوز عليها وعدم تعطيلها عن أداء مهامها الدستورية".

ويرى مراقبون أن إصرار "الإطار" على ضرورة عقد البرلمان يعود إلى محاولته انتخاب رئيس وزراء من قبله فضلاً عن تغيير قانون الانتخابات ومفوضيته قبل التوجه نحو أي حوارات في شأن الانتخابات المبكرة، وهو ما لا يوافق عليه التيار الصدري ويشير باحثون إلى أن الغاية ترتبط أيضاً بمحاولات الإطار تشكيل "حكومة خدمة" في هذا التوقيت الذي تشهد فيه البلاد تزايداً في الفائض المالي نتيجة الارتفاع المستمر بأسعار النفط.

تظاهرات وتظاهرات مضادة

ويبدو أن مسار التصعيد بين جميع الأطراف لا يزال مستمراً خصوصاً مع تزامن تظاهرات التيار الصدري مع التظاهرات التي دعا لها "الإطار التنسيقي"، الجمعة 12 أغسطس (آب)، ودعت اللجنة المنظمة لتظاهرات "الإطار" إلى تظاهرة جديدة على أسوار المنطقة الخضراء. وقالت في بيان إن "تظاهرات (الشعب يحمي الدولة) تهدف إلى المطالبة باحترام مؤسسات الدولة، ومنع الانفلات والفوضى والإخلال بالأمن والسلم المجتمعي". وتابع البيان، أن التظاهرة ستطالب "بتشكيل حكومة خدمة وطنية تخفف معاناة الناس"، مضيفاً، "موعدنا الجسر، وسيكون للأحرار وقفة وطنية ترفض مصادرة رأي الشعب واحتكاره تحت أي ذريعة، فالعراق للجميع والبرلمان لكل الشعب، والقضاء ركيزة الدول".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، دعا المقرب من زعيم التيار الصدري صالح محمد العراقي إلى تحشيد جديد في المحافظات العراقية في توقيت تظاهرات "الإطار" نفسه. وقال العراقي، في بيان نشره على منصات التواصل الاجتماعي، "على محبي الإصلاح الاستعداد (لدعم الإصلاح) بتجمع حاشد كل في محافظته وفي الساعة الخامسة من الجمعة، والبقاء حتى إشعار آخر من هذه الصفحة لا الصفحات المزورة". وأوضح أسباب التحشيد بنقاط عدة أبرزها، "ملء الاستمارات القانونية لتقديمها للقضاء من أجل حل البرلمان"، و"إغاظة الفاسدين"، وكتب في تعليق لاحق أنه "لا تظاهرات في محافظة النجف".

مواجهة دائمة مع حلفاء إيران

في السياق، رأى رئيس المركز "العربي الأسترالي" للدراسات أحمد الياسري أن رسالة الصدر إلى القضاء تمثل رداً على محاولات أطراف داخل "الإطار" تصويره على أنه "انقلابي يتجاوز القانون والدستور"، ويبدو أن الغاية الأساسية للصدر تتعلق بمحاولات "جعل حلفاء إيران في مواجهة دائمة مع الشارع الشيعي"، بحسب الياسري الذي لفت إلى أن التصعيد الذي يتبناه الصدر "سيصل إلى كل المديات عدا الصدام المسلح". وأشار إلى أن طلب الصدر من أنصاره توقيع دعاوى للمحكمة لحل البرلمان تعطي انطباعاً بأنه يحاول "إعادة استنساخ حركة (تمرد) المصرية، مقابل شعار (الشرعية) الذي ترفعه قوى (الإطار)، ولعل اللافت، بحسب الياسري، هو تبني الصدر خطاب (انتفاضة تشرين) بشكل واضح، وكأنه يحاول توجيه موجة ثانية من احتجاجات عام 2019 لاستقطاب بقية القوى الوطنية لدعم خطواته والتناغم معها"، و"على الرغم من الخلافات بين أجواء انتفاضة (تشرين) والتيار الصدري، فإن أي حركة غايتها عزل الأذرع الإيرانية ستحظى بقبول أطراف الاحتجاج الأخرى".

ويبدو أن القوى الموالية لإيران والمندرجة ضمن "الإطار التنسيقي" باتت أمام خيارين، بحسب الياسري، يرتبط الأول بـ"الاستمرار بنهج المالكي وتشكيل الحكومة رغماً عن إرادة الصدر، ما يزيد منسوب التأزيم"، أما الخيار الآخر فهو "محاولة احتواء الصدر من خلال التنازل والقبول بإجراءات إقصائية لرؤوس كبيرة داخل منظومة حلفاء إيران"، واستبعد الياسري احتمال التدخل الأممي "على الرغم من الترحيب الدولي الذي تحظى به خطوات الصدر الأخيرة"، لافتاً إلى أن لقاء جينين بلاسخارت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق بالصدر كان مبنياً على أساس "المخاوف من الصدام الشيعي- الشيعي".

تدويل القضية العراقية

ويرى مراقبون أن قبول العراق بالإشراف الدولي على الانتخابات البرلمانية الأخيرة يمثل تفويضاً ضمنياً للمجتمع الدولي في حسم الإشكالات التي تهدد السلم الأهلي في حال عجزت الدولة العراقية عن حسمها. ورأى الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي أن دخول القضاء على مسار حل النزاعات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية يرتبط بكونه "السلطة العليا المستقلة الضامنة للمسار السياسي للدولة والمانح للثقة إلى البرلمان والسلطة التنفيذية"، وبحسب الشريفي، فإن عدم حسم السلطة القضائية النزاع القائم سيؤدي إلى "زيادة النقمة الجماهيرية والدخول في منعطف خطير أساسه عجز القضاء عن أداء دوره في منع اتجاه البلاد نحو الفوضى"، وبشأن احتمالات دخول المجتمع الدولي على خط الأزمة العراقية، أشار إلى أن الانتخابات الأخيرة جرت تحت إشراف دولي من خلال قرار صادر من مجلس الأمن، وهذا الأمر يمثل "تفويضاً إجرائياً للأمم المتحدة في حال تصاعد احتمالات الاحتراب وتهديد السلم الأهلي". وتابع أن عجز وسائل الردع سواء في السلطات التنفيذية أو القضائية عن منع الانهيار والفوضى "سيجعل من تدويل القضية العراقية أمراً متاحاً"، لافتاً إلى أنه حتى المرجعية الدينية في النجف باتت "لا تمتلك أي خيارات في التأثير على الأطراف السياسية أو منع الانهيار".

خيارات صعبة أمام رئيس مجلس القضاء

في السياق، رأى الصحافي مصطفى ناصر أن مطالبة الصدر وضعت رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان "في زاوية حرجة جداً"، إذ باتت خياراته محصورة بـ"التأثير لحل البرلمان وهو ما يعد خرقاً دستورياً، أو الرفض الذي سيعتبر من قبل الصدر وجمهوره انحيازاً واضحاً للقوى الموالية لإيران ما سيجعله خصماً مباشراً"، ولفت إلى أن تطور الأمور إلى حدود "الخصومة بين رئيس مجلس القضاء وزعيم سياسي" ستؤدي إلى "إرباك أكبر للمشهد السياسي في البلاد".

في المقابل، أشار رئيس مركز "كلواذا" للأبحاث باسل حسين إلى أن كل تفاعلات المشهد العراقي في المرحلة الحالية "تتجه نحو التصعيد"، مردفاً أن "تعدد الآراء وتقاطعها داخل الإطار التنسيقي وعدم وجود قيادة واحدة داخله تعقد إمكان التوصل إلى حلول، الأمر الذي يدفع التيار الصدري إلى المضي بخطوات التصعيد". وختم بأن كل الخطوات والاتجاهات السياسية تشير إلى حتمية "رضوخ الإطار التنسيقي في النهاية إلى القبول بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة جديدة".

المزيد من متابعات