Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوروبا تهرع لإنقاذ فرنسا من "غول الحرائق"

رجال إطفاء من جميع أنحاء القارة يسافرون إلى باريس وقرى تتحول إلى "مدن أشباح"

سافر رجال إطفاء من جميع أنحاء أوروبا إلى فرنسا، الخميس الـ11 من أغسطس (آب)، لمكافحة حريق غابات هائل يستعر لليوم الثالث بالقرب من بوردو، معقل صناعة النبيذ، إذ يستبعد تراجع درجات الحرارة المرتفعة قبل مطلع الأسبوع المقبل.

وحاول أكثر من ألف رجل إطفاء، تدعمهم طائرات رش المياه، احتواء الحريق في منطقة جيروند بجنوب غربي البلاد، الذي أجبر آلاف الأشخاص على ترك منازلهم وأتى على 6800 هكتار من الغابات.

وقال المسؤول في هيئة الإطفاء الفرنسية غريغوري أليون لراديو "إر تي إل"، "إنه غول، إنه وحش".

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الدول الأوروبية تهب لإنقاذ بلاده. وأضاف مكتبه أن طائرتي إطفاء يونانيتين، إضافة إلى طائرتين سويديتين و64 رجل إطفاء من ألمانيا و146 رجلاً آخر من بولندا ومزيداً من رجال الإطفاء من النمسا ورومانيا سيصلون إلى البلاد.

واندلعت حرائق الغابات في جميع أنحاء أوروبا هذا الصيف بفعل موجات الحر المتتالية التي اجتاحت القارة، وسجلت خلالها درجات حرارة قياسية، ولفتت الانتباه من جديد إلى مخاطر تغير المناخ على الصناعات وسبل العيش.

قرية أشباح

وقال رجال الإطفاء إنهم تمكنوا من إنقاذ قرية بولان بيليه، التي تحولت إلى قرية أشباح بعدما طلبت الشرطة من السكان إخلاء منازلهم مع اقتراب ألسنة اللهب.

وفي مدينة هوستنس القريبة، بقيت أليسون فايول ووالدها في منزلهما وحقائبهما جاهزة، استعداداً للمغادرة سريعاً في أي وقت.

وقالت فايول بعد أن شاهدت عدداً من جيرانها يغادرون منازلهم خلال الليل "لا يزال كثير من الدخان يتصاعد، لكنه لا يأتي في هذا الاتجاه حالياً".

وزارت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن المنطقة.

حر وفيضانات وذوبان الجليد

زادت موجات الحر والفيضانات وذوبان الجليد المخاوف المرتبطة بتغير المناخ وزيادة تكرار الأحوال الجوية المتطرفة في أنحاء العالم.

وأوضح رئيس وكالة الفضاء الأوروبية جوزيف أشباخر أن موجات الحر المتتالية وانحسار الأنهار وارتفاع درجات حرارة الأرض بحسب القياسات التي تتم من الفضاء لا تترك مجالاً للشك بأن تغير المناخ يؤثر سلباً في الزراعة والصناعات الأخرى.

وقال أشباخر لـ"رويترز"، "إنه أمر سيء للغاية، لقد رأينا أحوالاً جوية متطرفة لم نرصدها من قبل".

وقامت مجموعة من الأقمار الاصطناعية التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية بقياس درجات حرارة "عظمى" على سطح الأرض تجاوزت 45 درجة مئوية في بريطانيا و50 درجة مئوية في فرنسا و60 درجة مئوية في إسبانيا خلال الأسابيع الأخيرة.

 

وأظهرت بيانات من نظام المعلومات الأوروبي عن حرائق الغابات أن النيران اشتعلت في أكثر من 57200 هكتار في فرنسا حتى الآن هذا العام، أي ما يقرب من ستة أضعاف المتوسط السنوي للعام بأكمله في الفترة من 2006 إلى 2021.

وقالت السلطات الفرنسية إن درجات الحرارة في منطقة جيروند ستصل إلى 40 درجة مئوية اليوم الخميس وستظل مرتفعة حتى يوم السبت.

وحذر رجال الإطفاء من "مزيج قابل للانفجار" من الأوضاع الجوية، بما فيها الرياح وعوامل أخرى تساعد على إذكاء النيران.

وتعرضت منطقة جيروند لحرائق غابات كبيرة في يوليو (تموز) أتت على أكثر من 20 ألف هكتار من الغابات وأجبرت ما يقرب من 40 ألف شخص على ترك منازلهم بشكل مؤقت.

ووصف رئيس بلدية هوستنس جان لوي دارتايل الأسابيع الماضية بأنها كارثة، وقال لـ"راديو كلاسيك" إن "المنطقة مشوهة تماماً، نشعر بالأسى، نحن مرهقون، هذه الحرائق هي القشة التي قصمت ظهر البعير".

خريف مبكر

من ناحية أخرى، يضفي بساط الأوراق المتساقطة من الأشجار طابعاً خريفياً خادعاً على ممرات حديقة بوت شومون العامة في شرق باريس، وهي "الرئة الخضراء" للعاصمة الفرنسية، مع أن الزمن صيف والحرارة في ذلك اليوم كانت تبلغ 36 درجة مئوية.

فمنذ يوليو الماضي، تشهد أشجار المدينة وسواها من المناطق الفرنسية خريفاً مبكراً، يخيل للمرء أنه أطاح صيفها، لكن موجات الحر المتكررة والجفاف الناتج منها سببا في الواقع هذا المشهد غير المألوف.

وبدت الأشجار الطائرة وأشجار الكستناء الأكثر استعجالاً للتخلص من أوراقها قبل شهر من الموعد المعتاد لسقوطها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال الحطاب من قسم المساحات الخضراء والبيئة في باريس تيم بيجيه (28 سنة)، وهو يقف متجهماً عند أسفل شجرة كستناء في الحديقة الباريسية، التي ندرت أوراق أشجارها وذبل ما تبقى منها، "من المفترض أن تكون أوراق الشجر شديدة الخضرة".

ويلاحظ بيجيه أن "الأغصان تنكسر بفعل ثقل الأوراق، وعندما تتساقط الأوراق تتوقف عملية التمثيل الضوئي، ويحرم الخشب تالياً من التغذية، فيجف ويصبح يابساً".

لم تصل إلى درجة الخطورة بعد

إلا أن خبراء بلدية باريس يطمئنون إلى أن هذه الظاهرة المذهلة الناجمة عن الجفاف لم تصل بعد إلى درجة الخطورة.

وشرحت بياتريس ريزو من قسم المساحات الخضراء أن "هذه الأشجار ليست غبية على الإطلاق، بل كل ما في الأمر أنها لجأت إلى ما يبقيها على قيد الحياة"، فتخلصت من خضرتها للحفاظ على مخزونها الاحتياطي.

وأكدت ريزو أن هذه الأشجار التي جفت صيفاً "يمكن أن تعيد إنبات أوراقها" قبل الخريف، إذا توافرت الظروف الجوية المؤاتية.

لكن الخبيرة تبدي قلقها من أمراض أخرى ربما تتأتى من درجات الحرارة العالية، ومنها مثلاً "حروق الشمس" التي تصيب لحاء الأشجار وتحفر جروحاً في خشبها تسهل نمو الطفيليات، مما يهدد الشجرة على المدى الطويل. وأشارت إلى أن هذه الظاهرة "جديدة ومرتبطة بالمناخ".

الشجرة الطائرة

عندما شرع "بستاني" باريس في عهد نابوليون الثالث أدولف ألفان في ورشة استحداث المتنزهات والحدائق العامة في العاصمة الفرنسية في ستينيات القرن التاسع عشر، وانطلق من العدم تقريباً لإقامة غابة بولونيا في غربها، وغابة فنسين (في شرقها) وبوت شومون وأبرز المساحات الخضراء على الجادات، عول بشكل كبير على الأنواع المحلية، خصوصاً على الشجرة الطائرة المعروفة بصلابتها وقدرتها التظليلية.

وشرح حطاب بوت شومون الشاب أن الأشجار الطائرة التي تشكل 38 في المئة من مساحات الشوارع الخضراء وتنتصب مثلاً على جانبي جادة الشانزليزيه، من "نوع يقاوم الجفاف جيداً" و"هي كذلك بمثابة رمز لمدينة باريس".

 

ولكن في ظل ارتفاع متوسط درجة الحرارة بنحو 2.3 درجة (في مقابل درجة واحدة على مستوى العالم ككل)، وفقاً لهيئة المناخ الباريسية، بين فترتي 1873-1902 و2000-2019، باتت بلدية العاصمة تفضل أنواعاً جديدة توصف بـ"المتوسطية"، كتوت العليق والصنوبر، من بين 170 ألف نبتة مستقبلية.

وفي ضوء الظروف المناخية الجديدة، لجأ بستانيو باريس أيضاً إلى تكييف أعمال الصيانة التي ينفذونها.

ري تلقائي وتغطية

وقالت رئيسة بستانيي بوت شومون التابعين للبلدية إيرين إنريك "لم يعد هناك مكان لا يشمله الري" على الرغم من القيود المفروضة على المياه، ويعكف فريقها على إنجاز برنامج الري التلقائي الليلي الذي قرره المجلس البلدي.

كذلك عدلت عمليات تقليم الأشجار، فأصبحت "أقل لكن بانتظام أكبر بهدف الحفاظ على عدد أكبر من الأغصان"، بحسب المسؤولة عن البستانيين.

ونال تطبيق تقنية "التغطية"، التي تقوم على إحاطة جذوع الأشجار ببساط مكون من أغصان متكسرة، بغية الحد من التبخر أهمية كبيرة.

وعززت المراقبة عند جذع الأشجار كما في أعلاها، لرصد الحروق والأغصان اليابسة.

وأصبح لرواد الحديقة أيضاً دور في ذلك. وقال دانيال أوليفييه (78 سنة) الذي جاء مع مجموعة من المتنزهين ولا تقلقه كثيراً بوادر الخريف المبكر "لم نلاحظ حتى الآن أموراً مأساوية".

لكنه أضاف، وهو يشير بعصا المشي إلى السماء، "لكن هذا لا يعني أنها لا يمكن أن تحصل قريباً جداً".

المزيد من دوليات