Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حوادث الدراجات الكهربائية تجتاح باريس… والشرطة مطالبة بضبط هذه الظاهرة

في أقل من عام واحد خرج نجاح ما يسمى بالـ"سكوتر" عن السيطرة واكتسح العاصمة الفرنسية

رجل على "سكوتر" كهربائي في باريس (رويترز)

ذات مساء ربيعي في باريس كانت عازفة البيانو إيزابيل فانبرابان تسير في أحد المتنزهات في طريقها إلى منزلها حين اصطدم بها سكوتر كهربائي وكسر معصمها في موضعين. بدورها، كانت بيرونيك كيليباسا تقطع الشارع وتشد طفلها البالغ عمره سبعة أسابيع إلى صدرها حين اصطدم بها رجلٌ يركب سكوتر مماثلاً فأوقعها وطفلها أرضاً. وفي حادثة أخرى، أسرع سكوتر ليتجاوز الضوء الأحمر فصدم رجلاً يبلغ 81 سنة من العمر وقتله.  

لم يفصل بين الحوادث الثلاث سوى بضعة أسابيع وكان المتسبب بها الدراجات الكهربائية- وتُسمّى محلياً بـ"السكوتر"- التي اكتسحت بالآلاف شوارع العاصمة الفرنسية خلال العام الماضي. بالنسبة لفانبرابان، كلّفها الحادث مهنتها كعازفة بيانو في دار الأوبرا الفرنسية الشهير. 

وقالت "لم يعد الرصيف آمناً للمشاة. مساء اليوم الذي ذهبت فيه إلى المستشفى لمعالجة إصابتي، كان في غرفة الطوارئ 10 حوادث أخرى تسببت بها أجهزة السكوتر هذه - وكان المصابون خمسة سائقين وخمسة مشاة".

أول من طرح السكوتر الكهربائي في السوق الباريسية هو شركة لايم الناشئة ومقرها في سان فرنسيسكو. حدث ذلك في يونيو (حزيران) 2018. كونها زهيدة الثمن وصديقة للبيئة نسبياً ولا يتطلب استخدامها سوى هاتف ذكي وبطاقة ائتمان، جذبت سكان باريس والسياح على حد سواء فاعتمدوها. ولكن منذ دخولها السوق، استقرّ أكثر من 20 ألفاً من هذه الأجهزة الثنائية العجلات فوق أرصفة المدينة وفي شوارعها وجاداتها.

وفي حين ما زالت شركة لايم المشغّل الأكبر لهذه الخدمة، أصبحت اليوم تتشارك السوق مع 11 منافساً آخر - أي أكثر من أية مدينة أخرى في العالم- وأثار هذا التدفق الغزير حفيظة بعض السكان. ودعا جيروم كورميه، عمدة الدائرة الثالثة عشرة في باريس إلى "التوقف عن هذا الهراء" في فيديو قاسي اللهجة بثّه عبر تويتر.

هكذا يبدأ الفيديو "يا مشغّلي السكوتر انظروا في عينيّ. ولّى عصر ركن السكوتر الكهربائي برداءة على الرصيف". وتظهر في خلفية الفيديو مجموعة عيّنها كورميه وهي تنقل الأجهزة داخل شاحنة تمهيداً لحجزها.     

داخل مكاتب شركة لايم في باريس، يعي الجميع المذبحة التي تتسبب بها أجهزتهم الثنائية العجلات على الشوارع في الخارج. ورداً على سؤال حول تبرّم الباريسيين من طريقة استخدام الناس لدراجات السكوتر الخاصة بهم، رفعت بالوما كاسترو مسؤولة وحدة الإعلام الدولي لدى لايم يديها وقالت "ونحن سئمنا كذلك".

تعبيراً عن هذا الشعور، أطلقت الشركة الناشئة حملة دعائية غير تقليدية انتشرت في أنحاء المدينة في يونيو (حزيران). ومن الشعارات الملصقة داخل مواقف الباصات واللوحات الدعائية الموضوعة داخل المترو التالية "سكوتر حقير" و"سئمت من هذا السكوتر" و"هذا السكوتر إزعاج كريه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعلو كل شعار إشارة النجمة، ويقول النص التفسيري المصاحب لها "لا ينطبق هذا القول على السكوتر الذي يحترم المشاة - ويمتنع عن القيادة فوق الرصيف - والمركون بشكل صحيح".

ويقول آرتور لويس جاكييه، المدير العام لشركة لايم في فرنسا، "حملة الملصقات هذه فرصة لنا لنظهر للباريسيين أننا نتفهم قلقهم ونشاركهم إياه. نريد أن نغيّر التصرفات عبر تحدي مستخدمي ومعارضي خدمتنا معاً.

تصف السيدة كاسترو المدن الكبيرة مثل باريس على أنها "أدغال" تبعث الخوف في قلوب سكانها. وتقول "يواجه الناس مدنهم بعدائية ولا يحترمونها. هذه مسألة متعلقة بالتحضّر وبتصرفاتنا كأفراد. وليس محورها السكوتر فقط بل هو موضوع علينا مناقشته على نطاق المجتمع ككل".

دخلت لايم في مداولات حول الموضوع مع سلطات المدينة، ولكنها تأمل حالياً في أن يمتد النقاش أيضاً ليشمل سكان باريس. وبدايةً، أعلنت الشركة مجموعة من 12 إجراء لضمان "القيادة المستدامة والمسؤولة"، وهي تتضمن دروساً عن كيفية قيادة سكوتر كهربائي وتوزيع الخوذ المجانية على المستخدمين.

أمّا اجتياح السكوتر الكهربائي ومشغليه شوارع باريس فيعود جزئياً إلى تساهل القوانين الفرنسية مع هذا النوع الجديد من وسائل النقل مما أتاح لها أن تزدهر. ففي لندن على سبيل المثل يُمنع التنقل بالسكوتر الكهربائي على الطرقات إلا في حال كان مسجلاً وخاضعاً للضريبة، وتُمنع أيضاً قيادته على الرصيف بموجب قانون الطرقات 1835، الذي يحظر على أي كان ركوب "عربات من أي نوع كانت" في الممرات المخصصة للمشاة.

تغيب هذه القوانين الخاصة في فرنسا وفي أقل من سنة واحدة بعد إطلاقها في باريس، أصبح واحد من أصل كل عشرة من السكان يستخدم السكوتر الذي يمكن ركنه في أي مكان. ووفقاً لمسح جديد أجرته شركة أودوكسا، أبدى واحد من أصل كل ثلاثة باريسيين من غير المستخدمين استعداده لاستخدامه.

يتبين سبب شعبية هذا السكوتر من خلال استخدامه. فهو زهيد الثمن ومنتشر في كل مكان وقيادته أسهل من قيادة الدراجة الهوائية. كما تمثّل قيادة السكوتر الكهربائي متعة فيما تحل المعضلة الأخيرة في النقل المدني المعروف بـ "الميل الأخير".

سبق لباريس أن وفّرت طرقاً جديدة لتقليص المسافة بين المنزل ومكان العمل من جهة، ونقاط تجمّع وسائل النقل مثل مواقف الباصات ومحطات المترو من جهة أخرى.

ففي عام 2007 أطلقت المدينة برنامج فيليب للدراجات التشاركية- وهي العاصمة الأولى في العالم التي تطلق هذا النوع من البنى التحتية.

وعلى الرغم من نجاح هذا البرنامج، تلبي أجهزة السكوتر الكهربائية حاجة تعجز محطات ركن الدراجات الهوائية الثابتة عن سدها. فطبيعة السكوتر الكهربائي مثل لايم تمكّن المستخدمين من قيادته حتى باب بيتهم إن شاؤوا ذلك. مما يخلق مشكلة جديدة وهي الفوضى.

قلة الأجزاء المتحركة في هذه الأجهزة تعني سهولة أكبر في الحفاظ عليها وتصليحها مقارنة بالدراجات الهوائية، مع كونها صديقة للبيئة بالدرجة نفسها. في المدينة التي استضافت اتفاق باريس للمناخ، يبدو أن السيارات التي تستهلك النفط وتنتج الكربون تواجه خطراً وجودياً على طرقات باريس.

وتقول كاسترو "هي ثورة في عالم التنقل داخل المدن، ومن الواضح أنها مستمرة".

تدعم دراسة نشرتها مجموعة بوسطن الاستشارية في مايو (أيار) أرجحية صواب ما قالته كاسترو. إذ تقدّر مجموعة الأبحاث بلوغ حجم السوق العالمية للسكوتر الكهربائي المشترك إلى ما قيمته بين 40 و50 مليار دولار أميركي بحلول عام 2025. 

"على الرغم من سيئاتها، تستطيع أن تلعب دوراً مهماً في التنقل داخل المدن في حين أصبحت الحاجة طارئة لمعالجة الاكتظاظ والتلوّث"، بحسب ما ورد في تقرير المجموعة. وأضاف التقرير أنّ المدن التي تتيح هذا النوع من الوسائل تكسب الكثير "وليس أقله جعل مراكز المدينة ممتعة أكثر".

ربما يكون الإقبال الضخم على السكوتر في باريس تجارة جيدة للشركات الناشئة التي تغتنم هذه الفرصة، ولكن في مدينة درجت على انتخاب عمدة اشتراكي منذ عام 2001، يعتبر بعضهم بلاء السكوتر رمزاً للرأسمالية الجامحة والمتوحشة.

ووصل الحد بالبعض إلى تنفيس غضبه بالأجهزة نفسها. بعد فترة وجيزة من السير في شوارع المدينة، تظهر إحدى الأجهزة التي تعرضت للتخريب، فيما اُلقي عدد كبير منها في الأنهار وقنوات المياه.

لذا أصبحت تهدئة الشوارع تحدياً سياسياً أساسياً أمام عمدة باريس تي كي هيدالغو، التي تقع على عاتقها، إذا كانت تصبو إلى إعادة انتخابها، مسؤولية التوسل إلى طريقة لإدخال السكوتر ضمن البنية التحتية للمدينة.

قالت هيدالغو الأسبوع الماضي "نحتاج للنظام والقوانين لضمان السلامة على الطرق وتهدئة شوارع مدينتنا وأرصفتها وأحيائها. لا نبعد كثيراً عن الفوضى التامة، ومن الصعب جداً على مدينة كمدينتنا أن تنظّم هذا النوع من الخدمة".

تخطط هيدالغو لتخصيص أماكن محددة لركن السكوتر مع تحديد سرعتها عند حد العشرين كيلومتراً في الساعة على معظم الطرقات وثمانية كيلومترات في المناطق المكتظة. ويحتمل أن يُحدّ عدد المشغلين كما أعداد السكوتر المسموح بها في المدينة، إذ يعتقد أن ضبط أعداد المشغلين- المؤجرين عند ثلاثة كحدٍ أقصى مناسب لضبط الخدمة.

إلى ذلك الحين لا نهاية مرتقبة لعدد الحوادث اليومية.

أسّس جان رينيه ألبيرتان، شريك فانبرابان، جمعية مع أرنو كيليباسا الذي تعرضت زوجته وطفله للصدم من قبل سكوتر متفلّت. ويأمل الثنائي وضع حدٍ لما يصفانه بـ “الفوضى على الطرقات" من خلال جمعيتهما، "الجمعية الخيرية في مواجهة الفوضى الحضرية". 

ويقول ألبرتان "خرج الأمر عن السيطرة ولا يبدو أنّ الشرطة تتحرك أبداً كي تمنع الناس من قيادة السكوتر متى يحلو لهم وكيفما يحلو لهم".

أضاف "علينا التصرف إن كنا نرغب في منع وقوع مزيد من الحوادث الرهيبة هذه.

هذه المعركة صعبة لأنها في النهاية حرب على الغباء. لست متأكداً إن كان الفوز ضد الغباء ممكناً ولكننا نستطيع مساعدة الضحايا على أقل تقدير".

أما بالنسبة لفانبرابان فيقول الأطباء إن معصمها بحاجة لسنة على الأرجح قبل أن يشفى، ولكن من غير المؤكد أن تستطيع تحريكه بالطريقة نفسها مثل قبل. ولكنها لا تعارض السكوتر قدر معارضتها للسائقين المتهوّرين.

وتقول "تبدو ممتعة وسهلة القيادة، ولكنها تخفي خطرها تحت هذا المظهر".

وحين تُسأل عن استعدادها لركوب إحدى هذه الأجهزة تشير إلى معصمها وتقول "حتى لو رغبت في ذلك الآن، لا أستطيع".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات