Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القلق البيئي يتفاقم ..فكيف نتعاطى مع تغيير المناخ وتداعياته المحتملة؟

"كثيرين يقولون إنّهم لن ينجبوا أولادًا. وأخبرتني إمرأة أنها تخيلت نفسها تقتل طفلها"

لقطة من ساحة التروكاديرو الباريسية تظهر تأثير موجات الحر الشديد التي باتت تتكرر بانتظام في أوروبا صيفاً ما يعمق التوتر بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ (وكالة الصحافة الفرنسية)

التغير المناخي مآساة حقيقية تتكشف فصولها أمام أعيننا. فهاهي أعداد الحشرات تنخفض، والصفائح الجليدية تصبح أقل سماكة، ومستوى سطح البحر يرتفع، والطبقة الجليدية الدائمة في القطب الشمالي تذوب، وغابات كاليفورنيا تحترق، فيما يحصل  انقراض جماعي سادس .

ووفق تحذير ورد أخيراً في تقرير "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" (IPCC)، فإن أمامنا 12 عامًا لوضع حدٍّ لهذه الكارثة.  أصبحت مكافحة التغيير المناخي جزءًا من روح العصر، ومع ذلك تواصل الانبعاثات ارتفاعها على مستوى العالم، فيما تنبّه تقارير لاتعد ولاتحصى على الدوام من انهيار النظم البيئية الوشيك في الكرة الأرضية.

مع ذلك، لا يزال دونالد ترمب في حالة إنكار.

كانت البداية في عام 1958، حين لاحظ العلماء للمرة الأولى ازديادًا في مستويات ثاني أكسيد الكربون. وفي الثمانينيات أخذت درجات الحرارة العالمية في الارتفاع، بيد أن  التحذيرات لم تلقَ آذاناً صاغية  لابل جرى التستر عليها. وأخيراً، جاء تقرير "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" بعد أربعين عاماً من تلك البداية، منبّهاً إلى أننا سنواجه كارثة بيئية في المدى المنظور وربما بحلول عام 2040، وكأنه بالنسبة لغالبية الناس أول مسمار يُدقّ في النعش.

نزلت هذه الأخبار نزول الصاعقة على كثيرين  ممن أدركوا أننا صنعنا الكارثة بأيدينا من دون أن ندري. تقول كارولين هيكمان، وهي مدرّسة  في جامعة باث البريطانية وعضو في "تحالف علم النفس المناخي" في محاولة لتوصيف هذا الموقف "أنت تتحدث عن مزيج من المشاعر المربكة، وهي تشمل الاكتئاب والحزن والغضب واليأس الإحباط والشعور بالذنب والعار. كل هذه المشاعر تأتي معاً".

 أصبح هذا الخليط من المشاعر المتناقضة لدى كثيرين  حالياً عبارة عن جزء  من حياتهم اليومية. وهذا "الخوف المزمن من الهلاك البيئي" يعبّر عن قلق بيئي، بحسب تعبير "الجمعية الأميركية لعلم النفس".

عملت هيكمان كمعالجة نفسية لأكثر من 20 عامًا، واعتادت في سنوات سابقة أن تستقبل أحياناً مريضين أو ثلاثة ممن يعانون من القلق البيئي. غير أن ذلك الماضي ولى، فهي تلفت إلى أن "الجميع تقريباً يشكون حالياً من هذا القلق.. هناك من يقولون إنهم لن ينجبوا أطفالاً. ويذكر آخرون إنهم لا يريدون أن يشعروا بالذنب بسبب إنجاب طفل والمجيء به إلى عالم يعرفون أنه سيكون مليئًا بالمشكلات. وأخبرتني إحدى النساء أنها تخيلت نفسها تقتل طفلها... في الحقيقة زارتني ثماني نساء قلن ذلك لي. إنهن لايتوقفن عن التفكير في كيفية حماية أطفالهن. ويتحدثن عن اليأس والعجز والضعف."

 وتتابع هيكمان "من الناحية النفسية، عندما تردك معلومة صعبة، فإن بإمكانك أن تتجاهلها. لكننا نواجه في حياتنا مخاوف ملحّة أخرى كالقلق بشأن دفع الإيجار أو الامتحانات أو أي شيء آخر، الأمر الذي يجعلنا نتجاهل المخاوف بشأن البيئة. إنها استجابة نفسية طبيعية وصحية من جانب الانسان".

ومع ذلك، في العام الماضي، لم يعد  من الممكن التغاضي عن المعلومات التي تتصل بالبيئة، تحديدًا منذ إطلاق تقرير "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ". وعن ذلك ، تقول هيكمان "يبدو الأمر كأنّك تتعرض للضرب مرارًا وتكرارًا أو تستيقظ على صوت ثماني منبهات في غرفة نومك. كيف يمكن للإنسان استيعاب هذه المعلومات؟"

 

في هذه الأثناء، يطالب حوالى 70 % من الشعب البريطاني باتخاذ إجراءات سياسية عاجلة للتصدي للتحديات البيئية، لكنّ الفجوة تتّسع بين القول والفعل لجهة السياسات المتعلقة بتغير المناخ. تعهدت المملكة المتحدة بتصفير غازات الدفيئة بحلول عام 2050، غير أننا حالياً على وشك أن نخفق في تحقيق الأهداف التي كنا قد حددناها لعامي 2025 و 2030.

ليس غريباً في وضع كهذا أن الأكاديميين الذين كانوا يواجهون المحنة فعليًا على أرض الواقع ويجرون البحوث المناخية لعقود طويلة، قد أصيبوا بالإرهاق.

البروفيسورة كاميل بارميزان، من كلية العلوم البيولوجية والبحرية بجامعة بليموث، دأبت على إعداد بحوث علمية حول آثار تغيير المناخ منذ سنوات عدة كانت خلالها الحكومات لاتتخذ سوى النذر اليسير من الإجراءات حيال ذلك، إن لم تتجاهل الأمر كلياً.

هكذا أصيبت بارميزان  بـ"اكتئاب مهني" وفكّرت في التخلي نهائياً عن بحوثها حول المناخ،  على الرغم من كونها واحدة من أبرز العلماء في عصرنا، بوصفها عضواً مساهمّا رسميًّا في "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ"، وكانت المؤلفة الرئيسية لتقرير سابق لـ "الهيئة" كوفئت عليه في 2007 بجائزة نوبل نالتها بالمشاركة مع آل غور نائب الرئيس الأميركي الاسبق.  

ترى البرفيسورة بارميزان أن "قولك إنّك ستفعل شيئًا لا يُعتبر عملياً إلا خطوة صغيرة نحو فعل شيئ ..أستطيع القول إنّ هذا يغضبني أكثر من كونه يقلقني. لا أحب الكذب، والكثير من السياسيين يكذبون ببساطة بشأن الحقائق، علمًا أنّ ترمب هو صاحب لقب البطولة على هذا الصعيد. هذا يغضبني حقًا. فأنا أبذل كل ما بوسعي للتصدي لذلك، لكنّ الناس لا يزالون يريدون تصديق ما يقوله قادتهم ... من المستغرب أن يبدأوا الآن في اعتبار ذلك أمرًا سيئًا."

يُذكر أن قلة قليلة من الدول تبذل الجهود حاليًا لوقف الانهيار المناخي. وحتى ولو كانت الدول ستنفذ بالكامل تعهداتها المقدّمة في اتفاق باريس، لبقي من المرجح أن ترتفع درجات الحرارة 3 درجات مئوية مع نهاية القرن. يبدو المستقبل قاتمًا كيفما نظرنا إليه.

من جانبها، ترى هيكمان أنّ "القلق البيئي سوف يزداد. لا أستطيع تصورعدم تفاقمه". وتضيف "ينتابنا حالياً قلق بهذا المستوى وما زلنا نلاحظ تأثيرًا ضئيلًا نسبيًا جرّاء حالة الطوارئ المناخية في ويلتشير أو في لندن. أنظر من النافذة وأرى العالم يبدو كما كان عليه قبل خمس سنوات. كيف سيكون شعوري عندما أنظر من نافذتي وأرى العالم مختلفًا تمامًا؟"

ومع ذلك، فإنّ هيكمان تعتبر القلق البيئي ردة فعل عاطفية صحية ومناسبة حيال المعلومات التي تصلنا. وتشير إلى أن " الناس في حاجة إلى الشعور بعدم الإرتياح إزاء ذلك لأنّ هذا الشعور سيحفز العمل. إنه قلق جماعي.  يحتاج الناس إلى استيعاب هذه المشاعر حتى يتمكنوا من الاستمرار في حياتهم ولكن ليس في حالة إنكار".

وتقول هيكمان إنّ السيطرة على الانبعاثات الفردية يمكن أن تحسن الحالة العقلية والنفسية للناس بشكل كبير. وبدلاً من تجاهل المشكلة، فإن الاطّلاع على تفاصيل مشكلة التغير المناخي والانخراط في مناقشة سبل مواجهتها،  في أماكن مثل مثل المقاهي المناخية أو الإضرابات المدرسية أو مجموعات أولياء الأمور، من شأنهما أن  يخففا من وطأة مشاعر اليأس وفقدان السيطرة."

وتضيف "لن أطلب منك أن تذهب وتعانق شجرة لأن ذلك سيكون شكلاً بدائياً للعمل المطلوب ، ولكننا سوف ننقذ أنفسنا  من خلال حماية البيئة، والحزن على ما فعلناه بهذا الكوكب والاعتراف بارتباطنا به".

على صعيد متصل، انضمّ الدكتور نيك هارتلي، وهو متخصص في علم النفس السريري يعمل في مدينة نيوكاسل، إلى حزب الخضر في العام 2015 بعد ما شعر بالقلق حيال أزمة المناخ. أراد أن يفهم كيفية معالجة الظلم المناخي وتعزيز مناقشة هذه القضايا في المجالس البلدية  والبرلمان.

وقد جد أنّ ذلك ساعده في تناول الطعام والتسوق والسفر بطرق أكثر أخلاقية. وفي هذا السياق يقول "من المهم حقًا ألا نقلل من شأن صعوبة تبني هذه الخيارات، لأننا نعيش في نظام يجعلنا جميعًا منافقين. إن مواجهة حالة الطوارئ المناخية لاتقع على عاتق فرد واحد، وإذا أردنا أن نتعايش مع القلق حيال المهمة العملاقة التي نواجهها، فإننا بحاجة جميعًا إلى التعاون معًا للحثّ على التغيير السياسي والنظامي".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة