تستعد الجزائر لتنفيذ قرار رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون ببدء تدريس اللغة الإنجليزية انطلاقاً من الموسم الدراسي في سبتمبر (أيلول) المقبل، باعتبارها خطوة تستهدف زحزحة اللغة الفرنسية التي قال عنها تبون إنها "غنيمة حرب"، وفي إشارة منه إلى بدء التخلص من إرث فرنسا الثقافي المتعلق باللغة الفرنسية التي كانت إلى وقت قريب تنافس اللغة العربية، كما قال "الإنجليزية هي لغة العلم والاقتصاد في الوقت الحالي".
القرار وإن كان "مستعجلاً" في نظر البعض، إلا أن السلطات الجزائرية تعتبره مكسباً لمنظومة التربية في البلاد، إذ اعترف الرئيس في آخر حوار أجراه مع وسيلة إعلامية محلية بأنه سيتم تنفيذه فوراً وبحسب الإمكانات المتاحة.
ووجبت الإشارة هنا إلى أن الحكومة ولاعتبارات سياسية وشعبية، اختارت تدريس الإنجليزية في المرحلة الابتدائية من التعليم وتخفيض حضور اللغة الفرنسية في هذا الطور، مع تحييدها من المحررات الرسمية والبيانات والوثائق الإدارية كخطوات للتخلص منها كلغة ورثتها الجزائر بعد حقبة استعمارية طويلة.
أمنيات تصطدم بالواقع
بعيداً من السياسة، أثارت المسألة كثيراً من التساؤلات لدى الأسر وفي الفضاء العام الجزائري، إذ طرحت النقابات التربوية قضية التحضيرات لتدريس اللغة الإنجليزية للصف الثاني من المرحلة الابتدائية، وكذلك المناهج المتبعة لتنفيذ ذلك وتجهيزات الكتب المدرسية الخاصة بهذه المادة، فضلاً عن المتخصصين المعنيين بالتدريس.
واعتبر وزير التربية الوطنية عبدالحكيم بلعابد القرار "مسعى استراتيجياً سيلتف كل أفراد الجماعة التربوية لإنجاحه لكونه يعد مكسباً كبيراً للنظام التربوي الجزائري في مرحلة التعليم الابتدائي، كما أن تدريس هذه المادة سيسند إلى أهل الاختصاص الذين سيستفيدون من عمليات تكوينية مركزة".
كما بدأت الوزارة، ممثلة بمديريات التربية عبر 58 ولاية جزائرية أولاً بعمليات تلقي ملفات المتخرجين في الجامعات من أجل توظيف أساتذة اللغة الإنجليزية وفتح العملية لخريجي معهد الإنجليزية والترجمة للعمل كمعلمين، ثم ستعمل بدورها على توزيعهم على المدارس والمؤسسات التربوية ثانياً، وذلك بداية من سبتمبر المقبل.
هذا من الناحية التحضيرية وعلى مستوى الأرقام، فحاجة المدارس المنتسبة لسلك التعليم الابتدائي المقدرة بـ50 ألف مدرسة تصل إلى أكثر من 30 ألف مدرس، مع احتساب الأساتذة الموظفين في سلك الابتدائي المتخصصين في تعليم السنة الثالثة والرابعة والخامسة من هذه المرحلة التعليمية.
الاستعداد للمخطط
وأدت الحاجة لتنفيذ القرار إلى التساؤل عن كيفية التوظيف ومتى سيفرج عن قوائم المدرسين المعتمدين فعلياً لذلك، وهو ما يعني بحسب أستاذ اللغة الإنجليزية والعضو في نقابة اتحاد عمال التربية عبدالكريم بوزيان أن ذلك "يحتاج إلى مخطط تدريجي يتم تنفيذه كنماذج أولاً ثم تعميمه"، لافتاً إلى أن "العملية ليست سهلة التطبيق حتى إن افترضنا توفير الكادر البشري، إلا أن الأرقام تفيد بأن اللجوء إلى المتخرجين في الجامعات لا يصل عددهم إلى الحاجة الضرورية لتطبيق القرار". واقترح أن "يصار إلى الاستعانة بالأساتذة المتقاعدين من أساتذة اللغة الإنجليزية، فضلاً عن الاستنجاد بطلبة الأطوار المتقدمة في الجامعات والمعاهد في تخصصات اللغة الإنجليزية والترجمة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إذا تم النظر إلى حقيقة التعليم الابتدائي من زاوية تعليم اللغة الإنجليزية، فإن البعض يراه خطوة استباقية، خصوصاً أنه يهدف بالأساس إلى تحقيق اللحاق بلغة العالم والعلم ولغة التكنولوجيا وتحضير التلاميذ للأعوام المقبلة من هذا التطور، غير أن أي قرار تعليمي يستحق التخطيط على المدى القصير والمتوسط والبعيد.
تغطية حاجة المدارس
من هذا المنطلق، هل تستطيع الوزارة توفير الدعم البشري والمادي من أجور ومصاريف؟ هذا السؤال دفع وزير التربية إلى تقديم وعود بأن العملية ستمضي في مسارها الصحيح من الناحية التحضيرية كمناهج وكتب وتأطير بشري ومواقيت التدريس أيضاً.
من خلال تجربتها في الميدان، تطرح أستاذة اللغة الإنجليزية (متقاعدة) فريدة آيت عثمان أن العملية التعليمية لا تعني بتاتاً توفير الأموال وضخها لتحقيق البرنامج الدراسي، إنما هناك نقاط عدة وجب الالتفات إليها تتعلق أساساً بماذا سندرس للتلميذ ومن سيدرس له في هذه المرحلة الحساسة بالذات؟".
أسئلة تطرحها من خلال مشوارها الدراسي الحافل لمدة حوالى 32 عاماً من التعليم في الأطوار الابتدائية والمتوسطة، لافتة إلى أن "المطلب لم يكن جديداً، في ما تعلق بتدريس الإنجليزية ولكن متى ندرس هذه اللغة أمام تلميذ يدرس العربية والفرنسية والأمازيغية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، وجب تحضير المناهج والكتب، إذ إننا لا نعارض تدريس لغة التكنولوجيا والتطور الاقتصادي ولكن وجب التثبت من أسلوب تدريسها وعدم الخلط بين تدريس اللغة كبداية لإتقانها أو كلغة التكنولوجيا".
ومن ثم راهنت آيت عثمان على الوزارة حتى "تتناول المسألة بجدية أكثر وأن تتمسك بالعنصر البشري سواء الأستاذ الذي يعتبر حلقة مهمة في العملية برمتها أو التلميذ في علاقة مع أسلوب التدريس في هذه المرحلة العمرية من أعمار التلاميذ التي تعتبر حساسة جداً وتحتاج إلى تعامل من نوع خاص يراعي قدرات التلميذ العقلية والذهنية والجسدية أيضاً".
سن مبكرة وتكدس
في سياق آخر، طرح مهتمون بالشأن التربوي الجزائري أن المسألة قد تتجاوز الكادر البشري وتوظيف الأساتذة والاستعدادات التي تحضرها الوزارة، إلى مسألة لا تقل أهمية عما ذكر سابقاً، تتصل أساساً بجدوى تكديس المعرفة واللغات في ذهن طفل لا يتجاوز عمره سبع سنوات.
هذه القضية باتت تؤرق كثيرين، إذ عدها الباحث في المناهج التربوية بالمدرسة العليا للأساتذة في جامعة قسنطينة شرق الجزائر عبدالله حنافي، "مرحلة حساسة في عمر وتاريخ نمو الطفل -التلميذ، وجب التعامل معها بحذر وبروية"، لافتاً في تصريحه إلى أن من مخاطر المناهج التربوية عملية "التكديس من دون فهم والتعامل مع التعليم بسطحية الحشو من دون مخطط".
وربما تكون النتيجة من كل هذا تدريس لغة على مراحل، لكن ستكون بالتدريج على الأقل، إذ دعت أصوات عدة في الجزائر إلى أهمية مواكبة العولمة والانسجام مع التطور الحاصل في العالم، لكن في المقابل تحتاج هذه الخطوة إلى مخطط مدروس على نحو محكم.