هذا الصيف كانت جودة المياه موضوعاً رئيساً تصدر عناوين الصحف الوطنية مرات عدة، ولسبب وجيه سأتناوله لاحقاً، ولكن دعونا نوضح لماذا تعتبر المناضلة من أجل المياه النظيفة جزءاً مهماً من المناقشات المتعلقة بتغير المناخ.
في الواقع تعتبر المياه العذبة النظيفة ضرورية لحياة الإنسان، بيد أن 1.1 مليار شخص يفتقرون إلى إمكانية الحصول على هذه المياه، ومن المتوقع أنه بحلول عام 2025 قد يواجه ثلثا سكان العالم نقصاً في المياه. هذه لمحة عن الوضع في العالم بأسره، ولكن ما نشهده في جميع أنحاء المملكة المتحدة هو صورة مصغرة للمشكلة الأوسع نطاقاً، ففي النهاية نحن جميعاً تربطنا المياه نفسها.
بصفتي ممارسة لرياضة ركوب لوح التجديف، فقد شاهدت بنفسي الحالة المروعة لممراتنا المائية وتأثيرها في النظم البيئية التي تعتمد عليها من أجل البقاء، هذا ما دفعني إلى إنشاء "بلانيت باترول" Planet Patrol في عام 2016، وهي منظمة بيئية غير ربحية مصممة بهدف معالجة القضايا الملحة مثل صحة المياه بالاستناد إلى علم المواطنين [أي البحث العلمي الذي يجريه الهواة أو غير الاختصاصيين].
تحقيقات رئيسة
لا شيء يصف بوضوح "فضيحة تصريف مياه المجاري" بقدر ما يفعله التحقيق حول عمل شركات المياه والهيئات التنظيمية والحكومات الذي تجريه هيئة حماية البيئة (OEP). وفي ذلك الإطار أُعلن في يونيو (حزيران) أنه ستتم مراجعة أدوار "هيئة تنظيم خدمات المياه" (Ofwat) و"وكالة البيئة" (EA) ووزير البيئة والغذاء والشؤون الريفية لمعرفة ما إذا كانت تلك السلطات فشلت في الامتثال لواجباتها في ما يتعلق بتنظيم مخارج تصريف مياه المجاري المشتركة، في حال تحديد أوجه القصور فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى مراجعة التشريعات الحالية من أجل تحسين جودة المياه على المدى الطويل.
وجود فيروس شلل الأطفال
واسطراداً اكتُشف فيروس شلل الأطفال في المياه بمحطة معالجة المجارير [شبكات الصرف الصحي] في لندن، ويمكن للفيروس أن ينتقل عن طريق شرب الماء والتعرض لبقايا البراز، لذلك أثارت وسائل الإعلام ضجة إعلامية كبيرة وأصيب الناس بالهلع، ولكن من يستطيع أن يلومهم؟
في عام 2021 وحده، قامت 10 شركات مياه تغطي إنجلترا بتصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة في الأنهار 372544 مرة، ما يوازي مجموعه أكثر من 2.6 مليون ساعة (أو 297 سنة)، من بين تلك التدفقات غير المعالجة كان يجري تصريف 25 ألفاً منها مباشرة في المياه الموجودة في مواقع السباحة الساحلية (أي الأماكن التي دفعونا إلى الاعتقاد بأنها آمنة للسباحة)، وفي العام نفسه حققت تلك الشركات العشر مجتمعة مبلغ 2.8 مليار جنيه إسترليني (نحو 3.4 مليار دولار) من الأرباح التشغيلية، ودفعت 27 مليون جنيه إسترليني (نحو 32.6 مليون دولار) مكافآت لكبار المديرين التنفيذيين.
في المقابل، تشير الاحتمالات إلى أننا على الأرجح نسبح ونجدف ونسمح لأطفالنا بوضع أقدامهم في مياه قد تكون ملوثة بفيروس قاتل.
ملاحقة الشركات بسبب تلويث النهر
وأخيراً رأينا ما بدا وكأنه أخبار جيدة، إذ فُرضت غرامة قدرها 1.52 مليون جنيه إسترليني (نحو 1.84 مليون دولار) على شركة "ديري كرست" (Dairy Crest)، وهي الشركة الأم لعلامات تجارية مثل جبن تشيدر "ديفيد ستو" (Davidstow Cheddar) و"كاتدرال سيتي" (Cathedral City) ومورد الجبن الرسمي للمملكة، بسبب ارتكابها 21 جريمة ملوثة للنهر على مدى خمس سنوات من 2016 إلى 2021.
في ذلك الوقت، رمت شركة "ديري كرست" مبيدات حيوية ضارة في نهر "إني" (River Inny) في كورنوال قتلت آلافاً من الأسماك، وغطت النهر بحمأة سوداء ضارة تمتد على مسافة 5 كيلومترات، وتجاوزت باستمرار الحدود المفروضة على مواد مثل الفوسفور والمواد الصلبة العالقة.
هل يمكن القول إنه انتصار بيئي؟ في الواقع، تلك الغرامة التي تعتبر أكبر غرامة مفروضة على الإطلاق وفق إدانة صادرة عن وكالة البيئة في الجنوب الغربي، لا تمثل تماماً الإنجاز الذي قد تفترضه أولاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويكشف قليل من الرياضيات السريعة والفحص الدقيق أن الغرامة تعادل 71428 جنيهاً إسترلينياً (نحو 86364 دولاراً) فقط لكل جريمة مرتكبة أو 300 ألف جنيه إسترليني سنوياً، لا يعتبر هذا مبلغاً كبيراً، خصوصاً عندما تنظر إلى الوضع المالي لشركة "ديري كرست"، في الحقيقة، أظهر إجمالي الأرباح لعام 2021 أن الإيرادات بلغت 14.24 مليار دولار كندي (أي ما يوازي 9.139 مليار جنيه إسترليني أو 11.05 مليار دولار أميركي)).
بالتالي ليست تلك الغرامة سوى صفعة صغيرة على اليد تساوي تكاليف العمل، إذا قارنتها بانتهاكات الشركة على غرار حماية البيانات أو السلوك المالي أو قانون المنافسة أو حماية المستهلك، فإن مستويات الغرامات تبلغ بشكل روتيني عشرات الملايين أو حتى مئات الملايين.
أليس الضرر الذي يلحق بالبيئة مهماً بقدر تلك المجالات الأخرى (إن لم يكن أكثر أهمية)؟ إذاً لماذا لا تدفع الشركات المسؤولة عن التلويث المتعمد لأنهارنا ثمناً مشابهاً (أو أعلى).
مزيد من المساءلة وغرامات أكبر
تخلص جميع تلك الحوادث الثلاثة إلى النتيجة المطلوبة نفسها: مراقبة أفضل، ومزيد من المساءلة، وزيادة الإرشادات التوجيهية المتعلقة بالغرامة، في نهاية المطاف يمثل ذلك في الحقيقة القيمة التي تمنحها الحكومة والمجتمع للبيئة (علماً أنها كانت تسلك اتجاهاً إيجابياً)، بالتالي يجب أن تعكس مستويات الغرامات ذلك.
في سياق متصل، آمل أن يكشف تحقيق "هيئة حماية البيئة" عن أوجه القصور المؤسفة في العقوبات البيئية وأن يجري التعامل مع ذلك باستخدام تشريعات أكثر طموحاً.
واستكمالاً نحتاج إلى رؤية مزيد من الأمثلة على هاشتاغ "الملوث يدفع" #polluterpays لارتكابه مخالفات بيئية، ولكن تجدر الإشارة إلى أن تلك الغرامات يجب أن تصيب مكان أكثر إيلاماً لكي تكون رادعاً حقيقياً، وتعكس حقاً مدى الضرر الذي يسببونه المخالفين، وعندئذ فقط قد نبدأ في رؤية تأثير حقيقي في سلوك الشركات وانخفاض ملحوظ في تلويث المياه.
وعلى الرغم من تدهور حالة مجاري المياه لدينا بشكل تدريجي، فقد خفضت حكومة المملكة المتحدة تمويلها لوكالة البيئة (الهيئة التنظيمية) بمقدار الثلثين في السنوات العشر الماضية، من 120 مليون جنيه إسترليني (نحو 145 مليون دولار) في عام 2009 إلى 40 مليون جنيه إسترليني فقط (نحو 48.3 مليون دولار) في عام 2020.
وقد أدى ذلك إلى تراجع في مراقبة المياه وأخذ العينات، وبين عامي 2013 و2019 انخفض عدد عينات جودة المياه التي أخذتها وكالة البيئة بنسبة 45 في المئة من 160 ألفاً إلى 87 ألفاً، وفي الفترة الزمنية نفسها انخفض عدد أماكن جمع العينات بنسبة 40 في المئة تقريباً من 10797 إلى 5696 موقعاً.
اختبار جودة المياه في منظمة "بلانيت باترول"
في منظمة "بلانيت باترول"، عملنا بجد من أجل تطوير برنامج قوي علمياً لمعالجة نقص البيانات المتاحة حول جودة المياه في جميع أنحاء المملكة المتحدة، بهدف وضع معايير طموحة تستند إلى معلومات في الوقت الفعلي تقريباً.
وفي وقت سابق من هذا العام، أطلقنا برنامجاً تجريبياً لاختبار جودة المياه قائماً على علم المواطنين، يمكن عامة الناس الذين لا يملكون خلفية علمية من التطوع ولعب دورهم في البحوث الرائدة.
وانتشر المتطوعون جغرافياً في جميع أنحاء المملكة المتحدة لاختبار صحة المياه من خلال جمع عينات من المجاري المائية المحلية وتسجيل النتائج التي توصلوا إليها في تطبيق "بلانيت باترول"، ما يساعدنا في إنشاء خط أساس أولي للملوثات الرئيسة.
ما الخطوة الآتية؟
بمجرد اكتمال المرحلة التجريبية في الأشهر المقبلة، ستطلق "بلانيت باترول" برنامجها الوطني لاختبار جودة المياه، تحت شعار ما الذي يقبع أدناه "وات لايز بينيث" (What Lies Beneath).
والجدير بالذكر أنها ستكون أكبر وأشمل دراسة استقصائية يجريها الناس لجمع بيانات عن خمسة ملوثات رئيسة تؤثر في صحة مجارينا المائية.
ما الهدف من ذلك؟
بناء مجموعة بيانات دقيقة على نطاق وطني يمكن أن يساعد في سد فجوات البيانات، وتوفير معلومات في الوقت الفعلي عن جودة المياه لمستخدميها، ووضع معايير أكثر طموحاً لجودة المياه في جميع أنحاء المملكة المتحدة.
نُشر في اندبندنت بتاريخ 1 أغسطس 2022
© The Independent