Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تبديد مخاوف امتداد التصعيد من غزة إلى لبنان

هل تحول انتخابات إسرائيل دون قبولها اقتراح الضمانات الأميركية المكتوبة لبيروت في شأن اتفاق ترسيم الحدود؟

آثار القصف الإسرائيلي على غزة  ( أ ف ب)

فور اندلاع المواجهة العسكرية بين إسرائيل وحركة "الجهاد" في غزة، قفز إلى الصدارة في بيروت السؤال عما إذا كان لبنان سيتأثر بالتطورات العسكرية المفاجئة في المناطق الفلسطينية، إذ إنها لم تقتصر على غزة لأنها بدأت بالضفة الغربية حين اعتقل الجيش الإسرائيلي القيادي في "الجهاد" بسام السعدي، ليل الإثنين- الثلاثاء، الأول والثاني من أغسطس (آب)، ثم أعلن رئيس الوزراء يائير لبيد بدء عملية عسكرية، الجمعة الخامس من أغسطس، تحت عنوان "الفجر الصادق" أدت إلى اغتيال المسؤول عن القطاع الشمالي في الحركة تيسير الجعبري وقياديين آخرين فيها.

المخاوف اللبنانية بدأت قبل هذا التصعيد الذي بادرت إليه تل أبيب واستفز الفصائل الفلسطينية، لا سيما بعد تسرب صور للقيادي السعدي وشقيقه وقد تعرضا للتعذيب الشديد، ثم اغتيال الجعبري في الخامس من أغسطس، وترجع بالأساس إلى وقوع احتكاك عسكري بين الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" اللبناني على خلفية تهديداته بوقف نشاطات استخراج الغاز من قبل إسرائيل من حقل "كاريش" الواقع ضمن المنطقة الاقتصادية التابعة لهذه الأخيرة، ما لم يتم إنجاز اتفاق على ترسيم الحدود البحرية بينها ولبنان قبل سبتمبر (أيلول) المقبل.

تصعيد في غزة و"تنازلات مؤلمة" في لبنان؟

والتساؤل حول إمكان أن يشمل التصعيد الإسرائيلي لبنان بفعل تهديدات "حزب الله"، برز بعد سلسلة إيحاءات إسرائيلية، الجمعة 5 أغسطس، بأن التصعيد في غزة نموذج عما يمكن أن يقع في لبنان حال قرر "حزب الله" استهداف منصات الغاز الإسرائيلية. فالجيش الإسرائيلي استخدم طائرة مسيّرة اقتحمت منزل الجعبري لاغتياله.

زاد من المخاوف اللبنانية أن الاجتماعات التي عقدتها الحكومة الإسرائيلية المصغرة في الثالث من أغسطس لدرس الاقتراح اللبناني الذي نقله إلى قادتها الوسيط الأميركي آموس هوكستين بعد لقائه رؤساء الجمهورية العماد ميشال عون والبرلمان نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي، لم تنتهِ إلى إعلان قرار حاسم بل أعقبته تسريبات إسرائيلية متناقضة.

وأفادت "القناة 14" العبرية بأنه "بعد جولة المفاوضات،​ يبدو أن التسوية الدائمة حول ترسيم الحدود البحرية أقرب من أي وقت مضى، ومن المتوقع حتى أن يتم التوقيع عليها في غضون بضعة أسابيع"، بحسب هوكستين. وأضافت، "في حين أن الولايات المتحدة راضية، وكذلك لبنان، هناك بعض المصادر الإسرائيلية التي تعتقد أن تفاصيل الاتفاقية الناشئة تحتوي على بعض التنازلات الإسرائيلية المؤلمة". وأشارت إلى أن "الاقتراح الأخير يقضي بنقل كل حقوق حقل قانا للغاز إلى أيادٍ لبنانية على الرغم من أن هناك مساحة منه في المياه الإسرائيلية وتل أبيب مستعدة للتخلي عن المخزون". إلا أن القناة ذاتها نقلت عن السفير الإسرائيلي السابق في الأمم المتحدة داني دانون انتقاده لوزير الخارجية الإسرائيلي (ورئيس الوزراء)​ يائير لبيد بأنه "يلعب بالنار وقد يؤدي عدم فهمه السياسي إلى كارثة لإسرائيل ستستغرق أعواماً عدة لتصحيحها".

 واعتبر دانون أنه "إذا سمحت إسرائيل للبنان بتطوير حقل قانا بمفرده، فسيكون ذلك استسلاماً للموقف اللبناني مع عواقب جغرافية استراتيجية واقتصادية هائلة لتل أبيب. وسيكون سابقة تؤثر في المفاوضات التي أجريناها مع قبرص​ في شأن حقل الغاز العابر للحدود، وحول حقول الغاز الإضافية التي سيتم اكتشافها في المستقبل".

غموض إسرائيلي حول العرض اللبناني

الاقتراح اللبناني الذي لقي حماسة من قبل هوكستين، وفق معلومات استقتها "اندبندنت عربية" من مصدر قريب من المفاوضات مع الوسيط الأميركي، يقضي باعتماد الخط 23 لترسيم الحدود البحرية على أن يكون مستقيماً بدلاً من أن يكون متعرجاً عند الجزء الصغير من حقل قانا الذي يتخطى الخط 23 إلى المنطقة الإسرائيلية بحيث يحصل عليه لبنان كاملاً. وهذا ما كان يجري التداول به في المفاوضات السابقة، لكن جرى استبداله بالإبقاء على الخط مستقيماً من دون أي تعرج حتى لا تطالب إسرائيل بمساحة مقابلة، تقضم من البلوك رقم 8، وبحصول لبنان على ضمانة أميركية مكتوبة تنص على حقه في عائدات كامل حقل قانا، حتى من الجزء الصغير الذي يقع في المساحة العائدة لإسرائيل جغرافياً. وهو الأمر الذي بدا الوسيط الأميركي إيجابياً حياله، خصوصاً أنه يتفهم الموقف اللبناني الرافض لأي شكل من أشكال العلاقات مع إسرائيل عن طريق تقاسم العائدات بين الدولتين.

استبعاد التنازلات قبل الانتخابات

وفي وقت ينتظر لبنان أن ينقل هوكستين الجواب الإسرائيلي إليه منتصف أغسطس، وسط تفاؤل بإمكان العودة قريباً إلى صيغة مفاوضات الناقورة غير المباشرة بين الجانبين بحضور الوسيط الأميركي والأمم المتحدة لتكريس الاتفاق رسمياً، بدا الموقف الإسرائيلي غامضاً حياله، بينما كانت أوساط لبنانية منخرطة في المفاوضات تراهن على "ضغوط أميركية" على إسرائيل كي تقبل به.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبالعودة إلى التصعيد في غزة وإمكان امتداده إلى لبنان، فإن هذا الغموض الإسرائيلي أبقى على السؤال مطروحاً. فالتسريبات عن مناقشات الحكومة الإسرائيلية المصغرة أفادت بأن احتمال تأجيل استخراج الغاز من حقل "كاريش" الإسرائيلي نوقش من بين الخيارات، بعد أن هدد "حزب الله" بمنع ذلك إذا لم يتم إنجاز ترسيم الحدود. وعدّ المراقبون ذلك إشارة إلى احتمال رفض الجانب الإسرائيلي للاقتراح اللبناني، لكن شركة "إنرجين باور" اليونانية التي استقدمت السفينة المتخصصة في استخراج الغاز من "كاريش" نفت لقناة "إل بي سي" اللبنانية أن يكون هناك أي تأجيل. وقال مسؤول التواصل في الشركة للقناة، "كل الأنشطة البترولية في المنطقة الاقتصادية الإسرائيلية تمضي قدماً ضمن خطة التنمية طويلة الأجل المعلن عنها سابقاً. ولا يوجد تأخير في حقل كاريش أو أي من عملياتنا الأوسع نطاقاً".

المخاوف من التصعيد بقيت ماثلة في سياق قراءة لدى بعض المراقبين في لبنان تستند إلى ما يتردد في الإعلام الإسرائيلي، لا تستبعد أن يحجم المسؤولون الحكوميون الإسرائيليون عن تقديم أي تنازلات للبنان قبل الانتخابات المبكرة التي تقرر إجراؤها في خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وأن فكرة تأجيل استخراج الغاز الإسرائيلي هي لتفادي التصعيد العسكري مع لبنان.

تهديد قاآني باسم "حزب الله"

 لكن الاحتكاك العسكري بين إسرائيل و"الحزب" قد لا يتوقف على مسألة الترسيم بالنسبة إلى المتخوفين من امتداده من غزة إلى لبنان. ومع أن الخارجية اللبنانية سارعت إلى دعوة المجتمع الدولي للتدخل السريع لوقف الاعتداء الإسرائيلي فوراً، والطلب من تل أبيب التقيد بالقرارات الأممية حفاظاً على المدنيين الفلسطينيين الذين يعانون الأمرين من الحصار الإسرائيلي"، فإن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني، أعلن السبت في السادس من أغسطس أن "حزب الله يخطط لتوجيه آخر ضربة لإسرائيل وإزالتها من الوجود في الوقت المناسب". وأكد "أننا نخطط للتعامل مع جرائم واشنطن وتل أبيب وسنرد عليها بشكل حاسم في الوقت المناسب"، كما شدد على أن "أمن إسرائيل أخذ في التراجع ولن نتوقف عن القتال بميادين المقاومة وسنواصل الصمود".

وتصريحات قاآني دفعت أوساط المعارضين للنفوذ الإيراني إلى العودة لاستنتاجهم بأن التصعيد المحتمل من "حزب الله" مع إسرائيل سببه حاجة طهران لمواجهة الضغوط عليها وليس مسألة حقوق لبنان في الغاز والنفط في البحر، الأمر الذي نفاه "الحزب" وأمينه العام حسن نصر الله، مشدداً على أن الهدف الإفادة من حاجة دول الغرب للغاز بدل نظيره الروسي من أجل الضغط لتسريع الاتفاق حول الحدود البحرية قبل سبتمبر، كي يستفيد لبنان من ثروته الغازية والنفطية لمعالجة أزمته الاقتصادية الخانقة التي يردها إلى الحصار الأميركي على البلاد.

المواجهة في غزة محدودة

في المقابل، فإن قيادات لبنانية على صلة بالفصائل الفلسطينية تواصلت مع قيادتي حركة "حماس" وحركة "الجهاد" المعنيتين أكثر من غيرهما بتطورات الوضع في غزة لاستطلاع المعطيات حول وجهة الأحداث وخلصت إلى النتائج الآتية:

أن المواجهة العسكرية محدودة بهدف رد "الجهاد" على اغتيال أحد قادتها الجعبري، وأنها نسقت مع "حماس" في الردود التي قامت بها بقصف مدن ومستوطنات إسرائيلية ومواقع عسكرية.

لفت هؤلاء إلى أن "حماس" لم تشارك في القصف الذي نفذته "سرايا القدس" التابعة لـ"الجهاد" مع أنها رفعت استعداداتها تحسباً لتوسع المواجهة العسكرية. والقرارات التي اتخذت بالرد على العمليات الإسرائيلية صدرت عن غرفة العمليات المشتركة بين التنظيمين وتنظيمات أخرى لكن من دون مشاركة "حماس" في العمليات.

أن "حماس" تشارك في الرد العسكري إذا ارتكب الجانب الإسرائيلي مجزرة ما ضد المدنيين، أو إذا واصل عمليات الاغتيال لقادة "الجهاد" أو غيرها.

أن توقعات "حماس" و"الجهاد" أن تبقى المواجهة محدودة، نظراً إلى تكثيف الوساطات لوقف التصعيد، التي لم تقتصر على الوساطة المصرية بل شملت دولاً أوروبية وغربية عدة دعت إسرائيل إلى خفض تحركها العسكري، لا سيما أن الإدارة الأميركية لا تريد حرباً في الشرق الأوسط في ظل استمرار المفاوضات على النووي الإيراني وتركيز جهودها على مواجهة تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.

ورأت القيادات اللبنانية التي تواصلت مع "حماس" و"الجهاد" أن هذه المعطيات تؤدي إلى استبعاد ربط لبنان بموجة التصعيد الحالي في غزة.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي