Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترمب كان مؤهلا للتعامل مع روسيا بشكل أفضل من بايدن

إصرار الرئيس السابق على رفض هزيمته في الانتخابات وتحقيقات الكونغرس بأحداث الاقتحام أديا إلى تهميش تأثير إرث سياسته الخارجية

كانت سياسة ترمب الخارجية أقل عدائية وحربية وأكثر قدرة على استشراف المستقبل من سياسة بايدن (أ ف ب)

هل كان من الضروري جداً لرئيسة مجلس النواب الأميركي أن تمضي يوماً كاملاً في تايوان فقط كي تستفز الصين بشكل مباشر؟ وهل كان على تايوان أن تستقبل نانسي بيلوسي بهذه الحفاوة بما في ذلك اجتماعها برئيس البلاد وأن يتم بث شعار الترحيب بها على أبراج مباني العاصمة تايبيه؟ وهل كان على رد فعل بكين أن يصدر على شكل حملة قدح وذم إضافة إلى مناورات عسكرية بالذخيرة الحية اقتربت بشكل خطير جداً من السواحل التايوانية بعد ساعات على مغادرة الضيفة الأميركية؟  

من دون أدنى شك لدى كل الأطراف أسبابهم التي دفعتهم إلى القيام بما قاموا به. حسابات الحزب الديمقراطي الأميركي الانتخابية ربما حتمت على الحزب حاجته إلى القيام بخطوة دبلوماسية تساعد في تحسين فرصه لوقف تقدم الحزب الجمهوري قبل موعد انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل التشريعية النصفية. وربما لم ترضَ بيلوسي أن تنتهي مسيرتها السياسية الطويلة وأرادت أن [تضيف إليها ما] يجنبها توجيه الانتقادات لزعامتها في مجلس النواب. وتايوان ربما أرادت أن تظهر أنها فعلياً دولة تتمتع بجميع صلاحياتها، على الرغم من الازدواجية الدولية وحتى الأميركية حيال وضعها القانوني [كدولة]، والصين وعلى الرغم من ثقلها [على الساحة العالمية] تخفي شعوراً بالضعف ولم يكن بإمكانها أن تسمح بمرور تلك الزيارة التي اعتبرتها مستفزة مرور الكرام.

إذاً ربما لم تكن كل تلك المسرحية على مستوى الخطورة التي بدت عليها. وربما كان كل المعنيين بها على علم مسبقاً بما سيقومون به تحديداً وإلى أي مدى سيمكنهم أن يمضوا من دون أن يشعلوا حرباً عالمية ثالثة على مسرح المحيط الهادئ. وبالاستناد إلى أن الرئيس بايدن كان قد أعرب بوضوح أنه لا يدعم رحلة بيلوسي -كي لا تبدو وكأنها تحمل صفة المبعوث الوطني الأميركي- فيمكن لبقية دول العالم أن تطمئن.

إلا أنه من الممكن أيضاً أن يكون لمثل تلك الزلات المهينة تحديداً أن تتحول إلى الفتيل الذي قد يشعل حرباً. إن وصول شخصية أميركية هي الأرفع التي تصل إلى تايوان في خمسة وعشرين عاماً لا يمكن اعتبارها إلا كبادرة دعم لتايوان بشكل لا لبس فيه. بالنسبة إلى الصين مثلت الزيارة تحدياً للأوضاع الراهنة [طعناً فيها] ولذلك مثلت أيضاً تهديداً "للسلام والاستقرار في منطقة خليج تايوان". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان ظاهراً أيضاً وبكل وضوح حال الانزعاج الذي أبداه بايدن فيما كانت الاستعدادات للزيارة قد اكتملت. فالزيارة جاءت في فترة يجري فيها التركيز على تطور عمليات الدعم التي تقدمها الولايات المتحدة منذ اجتياح روسيا لأوكرانيا ومن ضمنها ما قاله وزير الدفاع الأميركي وحديثه عن أن أهداف بلاده هي العمل على إضعاف روسيا إلى الأبد، لكن الواقع - وفي الحالتين - هو أن الولايات المتحدة كانت تساعد دولتين صغيرتين للدفاع عن نفسيهما في مواجهة الجار الأقوى على بعد مسافة طويلة من شواطئ الولايات المتحدة، ومن دون تلك المساعدة الأميركية لكان ميزان القوى مختلفاً للغاية.

إنه من المناسب جداً للولايات المتحدة الأميركية وكل الدول الغربية التي تسير خلف رايتها أن يجادلوا أنهم بصدد حماية خيارات تلك الدول (باتباع نظام حكم يعتمد على) حماية الحريات ضد الاضطهاد، ولكن لا بد من القول إن دوافعهم هنا لم تكن لوجه الله [مجانية]، أم إنها كذلك؟

إن القضية تتعلق باستعراض القوة أيضاً، وهذا غير ممكن من دون دفع ثمن ما مقابله، على المستوى المادي والأخلاقي ــ فالثمن في الحالة الأوكرانية هائل للغاية، وقد التزمت الولايات المتحدة حتى الآن بدفع 54 مليار دولار أميركي، وهو ثمن يفوق ما تقدمه الولايات المتحدة إلى أي دولة خلال عام واحد. وبشكل متسق بالطبع فإن الأثمان المتوجب على أوكرانيا دفعها تفوق ذلك بكثير إذا أخذنا في الاعتبار الخسائر البشرية وحجم الدمار الذي تكبدته أوكرانيا.

لكن السؤال الذي يجب طرحه هو إلى أي مدى يسهم دعم الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية [لأوكرانيا] - والذي يبقى في جانبه النظري دعماً يقدم من بعد، ولكن عملياً هو يرقى إلى دعم مباشرـ في تأجيج النزاع بدلاً من اقتصاره على كونه مجرد رد. هل يتم هنا تحريض على حروب لم تكن لتقع من دونه؟ كل من أوكرانيا وتايوان تقعان في مناطق بعيدة للغاية من الولايات المتحدة الأميركية. فهل ستكون الدول الغربية مسؤولة عن حماية هاتين الدولتين لعقود قادمة أو أكثر؟ وإذا كانت الإجابة نعم، إذاً لماذا؟

الواقع يشير إلى أن تدخل الولايات المتحدة -والدول الغربية- في الحرب الأوكرانية، شأنه شأن زيارة بيلوسي المستفزة إلى تايوان، يبدو إلى حد كبير وكأنه يمثل عودة إلى المواجهة الأيديولوجية التي كانت قائمة إبان الحرب الباردة، بدلاً من كونها بمثابة استعدادات لما قد تحمله الأيام المقبلة مستقبلاً. وربما يتعلق ذلك إلى حد كبير بشخص الرجل الذي يقيم في البيت الأبيض حالياً.

عندما حرم الرئيس جو بايدن دونالد ترمب من فترة رئاسية ثانية، تنفس كثيرون الصعداء، حتى إنهم احتفلوا في كثير من الدول الأوروبية [برحيل ترمب]. وكان هناك على وجه الخصوص أمل بتجديد الالتزام الأميركي بحلف الأطلسي وأوروبا، وعودة إلى انتهاج سياسة خارجية أميركية مألوفة إلى حد كبير. جزء من ذلك قد تحقق بالفعل، لكن ذلك حمل معه عودة إلى فكر [سياسات] الحرب الباردة التقليدية في واشنطن ــ وهو ما لا يمكن اعتباره مفاجئاً، إذا أخذنا في الحسبان مسيرة بايدن المهنية وسنه.

لكن وفي كثير من الأشكال كانت سياسة ترمب الخارجية - إلى المدى الذي سمحت مؤسسة الحكم في واشنطن بتحقيقه - في الوقت نفسه أقل هجومية ومتطلعة نحو المستقبل بشكل أكبر من نهج الرئيس بايدن. وكانت إحدى الأولويات للرئيس ترمب وضع حد لتدخلات بلاده في النزاعات الخارجية على أن ينأى بالولايات المتحدة عن أي حروب مستقبلية.

وعندما سحب الرئيس بايدن القوات الأميركية (بشكل فوضوي) من أفغانستان قبل عام من اليوم، كان من خلال ذلك ينفذ أحد تعهدات الرئيس ترمب ــ إلا أن عديداً من حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا ومن ضمنهم المملكة المتحدة كانت تؤمن وحتى اللحظة الأخيرة أنه كان بإمكانهم إقناع (من لم يكن مثل ترمب) أي الرئيس بايدن بتأجيل عملية الانسحاب، وذلك يعود في جزء كبير منه إلى رغبة في تفادي عملية انسحاب غير منظمة.

إنه من المؤسف أن الرئيس ترمب تمسك برفض الاعتراف بهزيمته [في الانتخابات] والاعتراف أيضاً بالتحقيق من جانب واحد [الأحادي] بالعنف الذي جرى في السادس من يناير (كانون الثاني) - وأقول هنا من جانب واحد لأن الحزب الجمهوري رفض المشاركة في التحقيقات وهو ما أدى إلى محو تأثير إرث سياسة ترمب الخارجية، لكن في المقابل، لا بد أن يكون واضحاً أن ترمب قد خلف وراءه حيز سلام أكبر، حتى مع كوريا الشمالية.

ويمكننا أن نبرز هنا أيضاً محاولات ترمب التوصل في الأقل إلى نوع من التقارب العام مع روسيا (حتى وإن كانت محاولاته المتعددة قد تم صدها) وقيامه بتأجيج مواجهة مع الصين اقتصرت على الجانب التجاري وليس في الميادين العسكرية، كان ترمب يسعى من خلال كل ذلك أن يترك عصر الحرب الباردة خلفه.

وهناك رأي لا بد من طرحه هنا ومن خلال نظرة على النسخة التي لا تستند إلى الواقع التاريخي counterfactual، وهو أن الحرب الأوكرانية لم تكن لتندلع، أو في الأقل لم تكن لتقع بهذا الشكل [لو كان ترمب رئيساً]، هذا كان يمكن أن يقوم لأن ترمب لم يكن ليرفض محاولات التقارب التي قامت بها روسيا تجاه الولايات المتحدة وحلف الأطلسي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. فالرئيس فلاديمير بوتين لم يكن ليجتاح أوكرانيا لخوفه من رد فعل ترمب الذي لا يمكن التنبؤ به، وأيضاً لأن ترمب لم يكن ليدعم من دون تحفظ المساعدة التي قدمها حلف الأطلسي لأوكرانيا في الفترة التي سبقت اندلاع الحرب إلى الحد الذي وافق عليه بايدن وآخرون ـ [وإن هذه الحرب لم تكن لتقع في عهد ترمب] ولمجموعة واسعة من الأسباب الأخرى.

الرئيس ترمب نفسه كان متحفظاً حيال هذه الحرب، فيما كان أنصاره منقسمين بين من اتبع الإجماع القائل إن دعم أوكرانيا هو العمل النبيل والقضية العادلة التي يجب دعمها، وحتى هناك من ذهب إلى حد الدعوة لنقل الحرب إلى روسيا نفسها مباشرة، ولكن ما كان قد قاله ترمب يتوافق مع خطه السياسي العام الذي كان قد انتهجه طوال سنواته على رأس السلطة. وهو تساءل عن ثمن المساعدة الباهظة التي قدمتها الولايات المتحدة (خصوصاً بالمقارنة مع ما يراه ترمب بأنه مساهمة صغيرة قدمتها أوروبا والتي تقع أراضيها على بوابة أوكرانيا)، وتساءل أيضاً لماذا غابت الدبلوماسية تماماً من على وجه الأرض. "هناك شيء لا تقوم له قائمة" يقول ترمب، "لماذا لا تجلس أوكرانيا وروسيا على طاولة المفاوضات للعمل على التوصل إلى اتفاق ما. وهم إن لم يقوموا بذلك قريباً، فلن يتبقى شيء سوى الموت والدمار والمجازر"، هل حقاً إلى هذا الحد أنه من الصعب عدم التوصل إلى اتفاق؟

يقول ترمب إن الاجتياح الروسي لأوكرانيا لم يكن ليحدث لو كان هو الشخص الذي يشغل منصب الرئيس، وهو ربما على حق في ذلك، أو ربما هو مخطئ، ولكن من الصعب أن نصدق أنه كان ليتجاهل الشكاوى التي أطلقتها روسيا خلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي، أو أنه قد يراهن إلى نفس الحد كما فعل الرئيس بايدن في اعتماده على عقيدة الحرب الباردة للردع التي ينتهجها حلف الأطلسي [في تعامله مع اجتياح أوكرانيا]. من السهل جداً التهكم على أساليب ترمب للتوصل إلى اتفاقات بوصفها "صفقات بيع وشراء تجارية" transactional، في ما يتعلق بالسياسة الخارجية. إن ذلك بالغ السهولة.

 إن هذا الطريق [المنحى]، وليس المواقف الأيديولوجية المسبقة [ويقينها]، قد تكون سبيلاً ترتجى منه فائدة أكبر حين تسلكه القوى العظمى في مساعيها الدبلوماسية المستقبلية. وربما هذا سيشكل الخيار الأهم بالنسبة إلى الأميركيين عندما يدلون بأصواتهم لاختيار الرئيس المقبل بغض النظر إن كانوا من الديمقراطيين أو الجمهوريين.

© The Independent

المزيد من آراء