Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فك شيفرة تسلل كورونا إلى الدماغ البشري

ارتبط الفيروس بمجموعة من الأعراض العصبية والآن تعرف العلماء إلى درب بلوغه المخ

دققت دراسة حديثة في مروحة واسعة من أعراض كورونا الطويل الأمد (معهد ماساشوستس للتقنية)

يلفّ الغموض الطريق الذي يسلكه فيروس كورونا كي يتغلغل إلى خلايا الدماغ البشري. ولطالما بقي ذلك لغزاً محيّراً للعلماء. لكن دراسة جديدة كشفت الآن كيف يقوم فيروس "كوفيد- 19" باختطاف جسور الأنابيب النانوية الدقيقة، التي تربط بين خلايا الجسم المصابة بكورونا وبين الخلايا العصبية، ثم يتسلل بواسطتها إلى الدماغ.

ويكشف البحث الذي نُشر في مجلة "ساينس آدفانسز" Science Advances الأميركية، كيف يخترق ذلك الفيروس الذي تسبب بالجائحة، الخلايا العصبية على الرغم من افتقارها إلى "البوابة" الرئيسة المتمثلة في "مستقبلات الإنزيم المحوّل للأنجيوتنسين 2"  ACE2 [إيه سي إي 2] التي يستخدمها الفيروس في العادة كي يدخل إلى خلايا الجسم ويحدث مرضاً فيها. [توضيحياً، هناك تراكيب بروتينية معينة على الأسطح الخارجية لخلايا الجسم تتوافق مع تراكيب مماثلة في الفيروس، كمثل ملاءمة المفتاح للقفل. بالتالي، فإنها تُسمّى بمستقبلات لأنها أول ما يقابله الفيروس ويستطيع عبره الدخول إلى الخلايا. واستكمالاً، في العادة، لا تحتوي الأعصاب على تلك المستقبلات].

وكانت دراسات قد أظهرت أن "كوفيد" مرتبط بجملة من الأعراض العصبية المختلفة. وتشمل قائمتها فقدان حاسة التذوق أو الشم، وأنواع من القصور في الإدراك كفقدان الذاكرة والصعوبة في التركيز (يُطلق عليها عادة "ضباب الدماغ")، ويحدث كلاهما خلال المرحلة الحادة من المرض ثم يستمران على المدى الطويل، مع متلازمة "كوفيد طويل الأمد". في المقابل، لم تكُن الآلية الكامنة وراء انتقال العدوى الفيروسية إلى الدماغ معروفة [قبل إجراء الدراسة الآنفة الذكر].

في الدراسة الجديدة، استخدم باحثون من "معهد باستور" ومختبرات "المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي"  French National Center for Scientific Research في فرنسا، أحدث أنواع المجهر الإلكتروني في تتبع فيروس "سارس- كوف- 2 " Sars-CoV-2 ، وهو الاسم العلمي لفيروس كورونا المستجد [المسبب للجائحة الحالية]. وتبيّن لهم أن الفيروس يختطف الأنابيب النانوية التي تربط الخلايا بالأعصاب. [تنتشر الأعصاب بأنواعها المختلفة في الجسم وتغذي معظم خلاياه]. وبيّن العلماء أن الخلايا العصبية السليمة تصاب بالعدوى لدى ملامستها الخلايا المصابة.

وتُعدّ هذه الأنابيب النانوية بمثابة هياكل ديناميكية عابرة ناتجة من اندماج الغشاء الطرفي للخلايا البعيدة [أي اندماج غشاء الخلايا العصبية مع أغشية خلايا الجسم]، ما يتيح تبادل المواد الخليوية في ما بينها بصورة مباشرة من دون الحاجة إلى وجود مستقبلات خاصة للأعصاب على خلايا الجسم. واستطراداً، إن الوسيلة الطبيعية السائدة في وصول المواد المختلفة إلى الخلايا تجري بواسطة دخول تلك المواد عبر غشاء الخلية، بفضل وجود مستقبلات لتلك المواد على ذلك الغشاء. واستطراداً، غالباً ما تتجمع تلك المواد في سائل داخل الخلية يسمّى بـ"سيتوبلازم"، فتنتشر في أرجاء الخلية كلها، ما عدا النواة التي تمتلك غشاء خاصاً بها. وتخرج المواد من الـ"سيتوبلازم" بواسطة آلية مشابهة لدخولها، لكنها تسير في الاتجاه الآخر.

وفي أوقات سابقة، تبيّن للعلماء أن الأنابيب النانوية لها دور أساسي يرتبط بالأمراض الانتكاسية كألزهايمر وباركنسون، إذ تمر عبر تلك الأنابيب أنواع البروتينات المسؤولة عن هذه الأمراض. [يطلق تعبير الانتكاسي على الأمراض التي تتصف بشكل بارز بأنها تعيد عقارب ساعة التطور في الإنسان إلى الوراء، فيفقد الصفات والقدرات التي امتلكها وراكمها في مراحل تطوره المختلفة].

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفيما أظهرت دراسات عدة، منذ بداية تفشّي وباء "كوفيد"، أن مستقبلات "إيه سي إي 2"  ACE2 تعمل كبوابة بالنسبة إلى كورونا، فيدخل منها إلى خلايا الرئة التي تمثّل الهدف الرئيس للفيروس. في المقابل، ظلّت طريقة تسللها إلى الخلايا العصبية التي تفتقر إلى ذلك النوع من المستقبلات البروتينية، لغزاً محيّراً للعلماء.

إضافة إلى ذلك، وجد الباحثون مادة جينية فيروسية في أدمغة بعض المرضى، ما قدّم تفسيراً لمجموعة من الأعراض العصبية المرتبطة بـ"كوفيد" الحاد أو طويل الأمد.

وكذلك تظهر تلك الدراسة الجديدة أن فيروس كورونا يمكن أن يحفّز تشكيل أنابيب نانوية بين الخلايا المصابة والخلايا العصبية المصابة، بالتالي تضحي تلك الأنابيب جسوراً تمتد بين الخلايا العصبية بعضها بعضاً. وتلقي تلك المعطيات مزيداً من الضوء على طريقة إصابة الدماغ بالفيروس.

وفي هذا الإطار، كشف العلماء عن وجود جسيمات فيروسية متعددة سواء داخل الأنابيب النانوية أو على أسطحها.

ويشير الباحثون إلى أن الفيروس ينتشر داخل الأنابيب النانوية بشكل مباشر وبسرعة تفوق قدرته على الانتقال من خلية إلى أخرى عبر المستقبلات. بالتالي يسهم هذا النمط من الانتشار في تعزيز القدرة المعدية لفيروس كورونا، ويزيد وصوله إلى الخلايا العصبية.

إضافة إلى ذلك، تبيّن أن الفيروس قادر أيضاً على الانتقال من فوق السطح الخارجي للأنابيب النانوية، التي يستطيع من خلالها التوجه بشكل أسرع إلى الخلايا التي تحمل في طياتها مستقبلاتٍ متطابقة [مع التراكيب الموجودة في الأنابيب النانوية والفيروس معاً].

وفي بيان لها، أوضحت المؤلفة المشاركة في الدراسة من "معهد باستور" كيارا زورزولو أنه "يمكن اعتبار تلك الأنابيب النانوية بمثابة أنفاق، لكنها تملك أيضاً طريقاً على سطحها، إذ لا تكتفي بأن تسهم في إصابة الخلايا غير المضيفة لها [أي التي لا توجد على سطحها الخارجي مستقبلات إيه سي إي 2 ACE2] على غرار الخلايا العصبية، بل تؤدي أيضاً إلى انتشار العدوى بين الخلايا المضيفة كذلك [على غرار خلايا الرئة]".

ويشتبه الباحثون في أن الأنابيب النانوية المنتشرة بين الخلايا العصبية تشكل بيئة ملائمة لنمو فيروس كورونا، لأنها تجعله غير مرئي بالنسبة إلى جهاز المناعة، فيقدر بالتالي على مراوغة ضربات ذلك الجهاز.

ولذا، تلفت الدكتورة زورزولو إلى أن "هذه الطريقة قد تمثل آلية مؤاتية للفيروس للتهرب من الجهاز المناعي وضمان استمراريته".

وكخلاصة، يأمل العلماء في أن تؤدي هذه النتائج إلى اكتشاف طرق علاجية بديلة قادرة على احتواء انتشار الفيروس، في موازاة سلسلة الأبحاث الأخرى التي تركز على منع اختراقه الخلايا البشرية من خلال "مستقبلات الإنزيم المحوّل للأنجيوتنسين 2" ACE2.

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 26 يوليو 2022

© The Independent

المزيد من صحة