إثر الإعلان عن اغتياله من طرف القوات الأميركية، يتوالى الحديث عن عصر "القاعدة" ما بعد أيمن الظواهري وذلك من حيث مستقبل التنظيم، وعن سيناريوهات رد فعله على عملية الاغتيال، إضافة إلى تكهنات بشأن خليفة الزعيم الراحل ومن بينهم القيادي المغربي في التنظيم "أبو عبد الرحمن".
وحظي خبر اغتيال زعيم "القاعدة" بمتابعة واسعة في الإعلام المغربي، بسبب مكانة الظواهري ضمن أهم التنظيمات الدينية المسلحة تاريخياً، ومن جهة أخرى تحسباً لقيام التنظيم بأعمال انتقامية على الأراضي المغربية سواء ضد مصالح أميركية أو محلية.
مخاوف مغربية
وتتصاعد المخاوف خصوصاً إثر وضع التنظيم المغرب ضمن "اللائحة السوداء" جراء التقارب المغربي - الأميركي - الإسرائيلي، بعد أن أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، في شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 2020 عن سيادة المغرب على منطقة الصحراء الغربية.
وتوعد أيمن الظواهري في رسالة مصورة بُثت في شهر أبريل (نيسان) الماضي، المغرب إلى جانب مصر وبعض الدول الأوروبية باعتبارهم "أعداء الإسلام"، كما أن هناك مخاوف نظراً لوجود صهر أيمن الظواهري، عبد الرحمن المغربي ضمن لائحة القياديين المحتملين لخلافة الزعيم الراحل.
مخاوف أميركية
وحذرت وزارة الخارجية الأميركية من احتمال قيام التنظيم بعمليات انتقامية، قائلةً إن "المعلومات الحالية تشير إلى أن المنظمات الإرهابية تواصل التخطيط لهجمات إرهابية ضد المصالح الأميركية في مناطق عدة في جميع أنحاء العالم".
وأوضحت الوزارة في بيان أنه "قد تُستخدَم في هذه الهجمات مجموعة متنوعة من التكتيكات، بما في ذلك العمليات الانتحارية والاغتيالات والخطف والتفجيرات"، وأضافت أن "أنصار القاعدة أو المنظمات الإرهابية التابعة له قد تسعى إلى مهاجمة المنشآت أو المواطنين الأميركيين، نعتقد أن هناك احتمالية أكبر لحدوث أعمال عنف ضد أميركا نظراً لوفاة أيمن الظواهري".
ضعف وترهل
من جهته، استبعد عبد الوهاب رفيقي، الباحث المغربي المتخصص في قضايا التطرف، إمكان قيام "القاعدة" بأعمال انتقامية، بالنظر إلى حال الضعف والترهل التي يشهدها التنظيم.
وقال رفيقي، "لا أتوقع أي رد من التنظيم على مقتل الظواهري، لقد اغتالت الولايات المتحدة أسامة بن لادن مؤسس القاعدة في عام 2011 ولم يقم التنظيم بأي رد على استهداف زعيمه الأكبر، ليس لأنه لا يريد ذلك، لكن لأنه عاجز باعتبار أنه أصبح مشتتاً ومفككاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن "هناك فقط بعض الجماعات المسلحة الصغيرة سواء في القرن والساحل الأفريقيين أو اليمن وسوريا، توالي القاعدة عاطفياً وتتبنى أيديولوجيتها، وليس هناك بينها وبين التنظيم أي ارتباط عضوي أو تنظيمي".
وأشار الباحث في الجماعات الإسلامية إلى أن "تقهقر تنظيم القاعدة يدل عليه عدم قيامه بأي هجمات كبيرة خلال عقود، بالنظر إلى تعرض التنظيم لإنهاك شديد بعيد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وجل قياداته إما اعتقلوا أو اغتيلوا، إضافة إلى انضمام عديد من أتباعه لتنظيم (داعش)"، بالتالي يعتقد الباحث أن "التنظيم في طريقه إلى الزوال".
هل يكون الزعيم مغربياً؟
و في خضم التكهنات بخصوص هوية الزعيم الجديد لـ"القاعدة"، وعلى الرغم من تركيز وسائل الإعلام المغربية على احتمال تولي القيادي في التنظيم عبد الرحمن المغربي الزعامة، فإن متابعين يستبعدون ذلك نظراً إلى طبيعة تسيير التنظيم.
ويرى عبد الباسط سلامة هيكل، الأكاديمي المصري المتخصص في تحليل بنية خطاب الجماعات الإسلامية، أن "هناك فكرة تأسيسية تقوم عليها الجماعات المسلحة وهي التراتبية، فالأسبق هجرةً إلى أرض الجهاد والأكثر بلاءً في ميادين العمل المسلح يكون في أعلى درجات التنظيم، وهذا ما تحقق مبكراً لمجموعة من المصريين يُطلق عليهم شيوخ الجهاد، أو النواة الصلبة بلغة الظواهري، أو ما يمكن أن نطلق عليه الجيل المؤسس للتنظيم".
وأوضح هيكل أنه "بعض التفاصيل عن بعضهم انكشفت، لا سيما مَن لقي حتفه، ومنهم صبحي أبو ستة المعروف بأبي حفص القائد أو (الكومندان) الساعد الأيمن لأسامة بن لادن، والمسؤول الأول عن تدريب مجموعة 11 سبتمبر في أفغانستان، وقد لقي مصرعه في غارة أميركية". وأضاف "ومنهم أيضاً علي أمين الرشيدي المعروف بأبي عبيدة البنشيري، الساعد الثاني لأسامة بن لادن، وزوج أخت محمد عبد الحميد عبد السلام أحد الأربعة الذين اغتالوا السادات، وأول من نقل نشاط القاعدة المسلح إلى الصومال وشرق أفريقيا، ومات غرقاً في بحيرة فكتوريا بتنزانيا".
وهناك كذلك "سيد موسى، الذي التحق بمجموعات الجهاد المصري في بيشاور، قبل أن يتحول إلى القاعدة، وأسند إليه التنظيم الإشراف الكامل على معسكرات تدريب المصريين ثم تنظيم القاعدة في أفغانستان حتى توفي بسرطان الطحال".
وأشار إلى أن "من بين هؤلاء ممن هم على قيد الحياة، وأبرزهم محمد إبراهيم المعروف بسيف العدل أو سيف الانتقام". مضيفاً أن القيادة بعد الظواهري لن تخرج عن الآباء المؤسسين للتنظيم، لما يحظون به من مكانة تاريخية وسلطة روحية لن تتوفر لغيرهم من القادة الجدد الذين يتم توظيفهم في نطاق الولايات الفرعية المبايعة والتابعة للقيادة المركزية.
وأوضح الأكاديمي المصري أن تنظيم "القاعدة" يعيش حالة تنظيمية غريبة أربكته وأضعفته وكانت سبباً في تعدد الانشقاقات داخله، وهي أنه يجمع في بنيته ما بين التنظيمات الهرمية والعنقودية، فهناك بيعة عامة من أجناد الولايات وأمرائها للظواهري، وستكون لمن سيحل محله من شيوخ التنظيم كطبيعة التنظيمات الهرمية ذات الرأس الواحدة، وفي الوقت نفسه لا يحول هذا دون وجود صلاحيات واسعة لأمراء التنظيم المنتشرة ولاياتهم قارياً وفق طبيعة التنظيمات العنقودية ذات الرؤوس القيادية المتعددة، على حد تعبيره.
قيادات مشتتة
يستبعد رفيقي أن يكون عبد الرحمن المغربي الزعيم المقبل لـ"القاعدة"، موضحاً أن "التنظيم ما هو الآن إلا قيادات مشتتة تركز على الظهور الإعلامي لتبرز وجودها، بحيث لم يعد للقاعدة من وجود إلا في الإعلام بالتالي يُعد سيف العدل الأكثر إثارةً لوسائل الإعلام من عبد الرحمن المغربي الذي لا يعرفه كثيرون، إضافة لكونه شخصية غير بارزة إعلامياً على الرغم من أنه قضى سنوات طويلة في أفغانستان وكان مشرفاً على إدارة التنظيم، إضافة لكونه صهر الظواهري".
ولفت إلى أنه لا يعتقد أن يكون المغربي مرشحاً لقيادة التنظيم، "وحتى لو قاد التنظيم فلا أجد أي دلالة لهذا الموضوع على المستوى المغربي، وذلك بحكم أن الرجل بعيد من الشأن المغربي، وانتقل للعيش في أفغانستان حتى قبل تأسيس القاعدة وتزوج هناك وكون عائلة". وأضاف أنه "انفصل نهائياً عن المحيط المغربي، ولا علاقة له حتى بالإرهاب المحلي الذي عرفه المغرب، سواء قبل ظهور داعش أو بعده"، وتخلى الإرهاب المحلي عن "القاعدة" وأعلن ولاءه للتنظيم الجديد.