Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

برامج المنوعات والطهي تهدد استمرارية "التوك شو" التقليدي

اللون التلفزيوني الأكثر شهرة يتراجع بسبب الجمود... والسوشيال ميديا تفسد المحتوى بدل الإسهام في تطويره

مبنى اتحاد الاذاعة والتلفزيون المصري في وسط القاهرة (أ ف ب)

أين ذهبت "الساعة المقدسة" حين كانت تلتف الأسرة حول برنامجها المسائي المفضل، تنتظر تحليلات وانفرادات وتعليقات على أخبار تهم أفرادها، ومناقشات تنفس عنهم... "التوك شو" (برامج الحوارات) الملك المتوج على عرش البرامج اليومية في مصر، يمر بمفترق طرق ويبحث عن منقذ، بعدما كان هو اللون البرامجي "المدلل" والأكثر قابلية للنجاح.
فبعد تقنين ساعات بث "التوك شو" بحيث لم تعد مفتوحة بلا سقف مثلما كان يحدث عادة، بات ينفض الجمهور تدريجاً من حوله، فلم يعد مخلصاً له سوى ذلك المشاهد التقليدي الذي يريد الحفاظ على عاداته، أما الأجيال الجديدة فتبحث عما هو أسرع وأكثر تكثيفاً. وحاول متخصصون في مجال الإعلام والعمل التلفزيوني أن يجيبوا عن أسئلة "اندبندنت عربية" حول مستقبل هذا الفن البرامجي الذي صنع كبار الإعلاميين العرب من خلاله أسماءهم الرنانة.

"موضة قديمة"

بحسب  تقرير لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فإن عدد مستخدمي الإنترنت في مصر وصل إلى 76 مليون شخص فيما تعداد السكان يتجاوز 102 مليون، وهذا العدد الهائل من مستخدمي الإنترنت يبحث أغلبهم عن محتواه بنفسه، ولم يعد ينتظر أمام شاشة التلفزيون في موعد محدد كي ينال الخدمة الإخبارية أو التحليلية، كما أن مساحة البرامج ذات الطابع السياسي البحت في خريطة "التوك شو" تقل إلى حد كبير وتحل محلها نقاشات اقتصادية حول ظروف المعيشة في ظل الأزمات التي يتعرض لها العالم، كما أن عدداً لا بأس به من نجوم برامج "التوك شو" تحولوا إلى تقديم برامج المنوعات التي صعدت بقوة خلال السنوات الأخيرة، وهذه النقاط كلها تهدد الأفضلية التي كان يتمتع بها "التوك شو"، الذي على الرغم من كل شيء لا تزال بعض من برامجه في مصر تقاوم وتكافح من أجل المحافظة على ما تبقى لها من الشعبية والاستمرارية ونسبة المشاهدة، وهو أمر لا ينكره أحد بدليل أنها لا تزال تستقطب الإعلانات التي هي مؤشر أساسي للجماهيرية.

في المقابل، تعتبر بعض برامج التوك شو "تحصيل حاصل"، فهي موجودة فقط لملء فراغ القنوات في وقت الذروة التي تبدأ من السابعة مساء وحتى منتصف الليل، فيتناوب خلالها عدد من الفقرات، بعضها ينجح وبعضها الآخر يخفق، وكثيرون يكررون الكلام ذاته، أما التفرد الحقيقي فهو من نصيب ثلاثة أو أربعة برامج على الأكثر، فالمشهد يتغير بوقت قياسي، وفي كل عام تتبدل الأحوال وتصعد شعبية برنامج بينما يختفي آخر. وبعد أن كان "التوك شو" هو اللون التلفزيوني الأكثر تفضيلاً للجمهور، أصبح الجيل الجديد يصفه بأنه "موضة قديمة"، تلك "الموضة" التي كانت سنوات مجدها مع بداية الألفية الثالثة حينما كانت الجماهير تشكل ما يشبه "الألتراس" لكل برنامج، فكل فريق يفضل طريقة طرح معينة وتوجهاً سياسياً واجتماعياً محدداً، ومن هنا كانت تتنوع الأذواق وتختلف شخصيات وبصمة المقدمين، فتتسع الخريطة لعدد كبير من المذيعين. وحينها لم تكن هناك تقلبات سياسية حادة، حتى لو كانت نبرة الخطاب والنقاش عالية وتبادل الأحاديث عن "المقدمات النارية" كان على أشده، فيما شعبية هذه النوعية من البرامج وصلت إلى ذروتها مع ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 حيث كان ما يجري أكبر بكثير من أن يعبر عنه تيار تلفزيوني واحد. ومع الحراك السياسي حلت برامج جديدة بوجوه مختلفة محل "الحرس البرامجي القديم"، وأصبحت الساحة مفتوحة أمام جميع جهات "اللعب التلفزيوني" المدعوم سياسياً بالطبع، ولكن خلال السنوات الأخيرة حدث ما يشبه "الفلترة"، ليتقلص عدد البرامج التي ظلت محافظة على شعبيتها بسبب تعطش الجمهور للمتابعة. لكن أخيراً لم يعد لـ"التوك شو" زخم كبير في مصر، فالفن الذي عرفه المشاهد الأميركي منذ ستينيات القرن الماضي وحاول التلفزيون المصري محاكاته في تجارب متنوعة منذ سبعينيات القرن الماضي، ثم كانت الشعبية الكبرى منذ أواخر التسعينيات عبر القنوات المشفرة ومن ثم المفتوحة، لا يزال يطور نفسه ويستقطب أجيالاً جديدة في مناطق مختلفة من العالم لاسيما الولايات المتحدة، ولكن مستقبله يبدو مرتبكاً في مصر، فما السبب؟

حائر بين السوشيال ميديا والرصانة

يلفت استشاري تكنولوجيا الإعلام والتحول الرقمي أحمد عصمت النظر إلى أن "هناك أجيالاً كاملة لا تشاهد التلفزيون من الأساس"، مشيراً إلى أن "الجيل z الذي بات محط أنظار شركات الإعلانات والماركات الكبرى وصناع الترفيه عالمياً ليس لديه عادات أو ذكريات تلفزيونية، فمتعته الكبرى في متابعة الفيديوهات القصيرة أو ما يسمى بمقاطع الريلز Reels التي لا تتجاوز مدتها 15 أو 20 ثانية". وأضاف "قد يشاهد هذا الجيل بالفعل مقطعاً مجتزأ من برنامج توك شو شهير، ولكنه لا يهتم سوى بما يمثله هذا المقطع الذي قد يكون رد فعل كوميدياً أو غريباً، وهذا جزء كبير من انتشار الخلل المعلوماتي في العالم حالياً".
ولا ينكر "محمد. ع" وهو معد برامج "توك شو" ويعمل حالياً في برنامج يومي شهير، أن "هذا الاجتزاء المعلوماتي تشارك فيه القنوات نفسها"، مؤكداً أن "القصة بدأت حينما وجدت المحطات التلفزيونية أن الفيديوهات القصيرة من برامجها تحقق مشاهدات واسعة حينما يتم تداولها من خلال صفحات أخرى، فقررت هي أيضاً أن تشارك في اللعبة وتحقق مكاسب من المشاهدات والإعلانات التي تصاحب تلك المقاطع". ويصف الأمر بأنه "قص" يشبه ما يحدث عند تجميع الأهداف من مبارايات كرة القدم، وعرضها في فيديو قصير للغاية لتقديم الخلاصة للمشاهد.
من جهة أخرى، يعود أحمد عصمت استشاري تكنولوجيا الإعلام للحديث عن سؤال "من يشاهد برامج التوك شو في الوقت الحالي؟"، ليشير إلى أن "هناك أيضاً من لا يزال يتابع برامج التوك شو من أجيال مختلفة، ولكن الجيل الأكثر مشاهدة هم من في الـ50 من عمرهم وما فوق، فجزء كبير منهم لا يزال يفضل قضاء الفترة الأساسية في متابعة بعض تلك البرامج، وهم جمهور لا يزال يتوجه له معلنون بعينهم على أية حال".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


جمهور مخلص

الأمر يوضحه بصورة أكبر المحاضر بالجامعة الأميركية الباحث في مجال الإعلام الرقمي فادي رمزي، إذ يرى أن "هناك عشرات الملايين من تعداد سكان مصر لا علاقة لهم بالإنترنت، وهذا في حد ذاته كفيل بأن يساهم في نجاح واستمرارية برامج التلفزيون حتى الآن"، مشيراً إلى أن التوك شو لن يختفي ولكنه سيتطور، بخاصة وأنه كـ "فورمات" format لا يزال ناجحاً ومتجدداً في أغلب دول العالم.

للوهلة الأولى يبدو هذا الانفتاح الهائل في ما يتعلق بتعدد مصادر المعلومات وتنوع النقاشات عبر مواقع التواصل الاجتماعي محفزاً على تطور برامج "التوك شو"، وطريقاً يساهم في ثراء محتواها ومن ثم حيويتها وجذبها للمشاهدين من مختلف الأعمار، بسبب التطور غير المسبوق في أسلوب العرض وفي الأفكار المطروحة يومياً أيضاً بين الجمهور ومستخدمي السوشيال ميديا، فهل استفادت فعلاً تلك البرامج من كل هذه الإمكانات؟ ويجيب فادي رمزي بأن "التوك شو على الرغم من كل هذا التطور لم يعد جاذباً للمتابعين بقدر كاف، لأنه لا يضيف بعداً مختلفاً لنقاشات مواقع التواصل الاجتماعي في أغلب الأوقات"، واصفاً السوشيال ميدا بأنها "الشاشة الثانية" التي تشهد تفاعل الجمهور حول ما يجري في عالم الرياضة والفن وما تعرضه البرامج كذلك. ويضيف "المفترض أن يخرج صناع تلك البرامج بأفكار جديدة مستقاة من توجهات رواد السوشيال ميديا لا أن ينقلوا ما يجري كما هو، فهذه ظاهرة سلبية للغاية أن تسير البرامج الاحترافية من دون أدنى إضافة وراء الترند اليومي من دون فلترة، فهذا محتوى مجاني وثري وسهل فلماذا لا تستغله البرامج بطريقة مهنية مفيدة بالتحليل والإضافة والمناقشة لتصنع هي الترند لا أن تسير وراءه، كما ينبغي وضع الفئات العمرية الأصغر سناً في الاعتبار، لأن الموضوعات التي تشغلهم عادة ما تكون مختلفة تماماً عن المعتاد، فالتنوع مطلوب وهو طوق نجاة أية صناعة إعلامية".

فرصة للمنافسة والتطور

وتم بقرار من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، تحديد ساعتين على الأكثر كأقصى وقت متاح لبرامج "التوك شو"، وهي مدة ملائمة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن أغلب البرامج العالمية المماثلة والأكثر شهرة بالعالم لم تعد تتجاوز الساعة، بالتالي فإن التكثيف والدقة والاختلاف مميزات يمكن تحقيقها بسهولة على الأقل إعلاء لقيمة المنافسة بين البرامج بعضها بعضاً، ولكن ببساطة هذا لم يحدث إلا قليلاً، واللافت أن الضالعين في العمل اليومي لتلك البرامج لا ينكرون أن المناخ أصبح مغايراً كثيراً عما كان قبل سنوات مضت وأن التميز بات قيمة صعبة المنال، وبينهم "محمد. ع" الذي يعمل في تلك الصناعة منذ أكثر من عشر سنوات وتنقل بين قنوات عربية عدة، حيث يقول إن "غالبية البرامج تسير وراء السوشيال ميديا بالفعل وليس العكس، وقد يكون هذا من أسباب تراجع المشاهدة والمتابعة، لأن هناك جيلاً منفصلاً تماماً عن جهاز التلفزيون من الأساس، وإذا أردنا الصراحة فهناك مذيعون هواة على قنوات يوتيوب معروفون أكثر من مخضرمين في مهنة التقديم التلفزيوني بالنسبة للجيل (زد)، وهو أمر نلمسه بوضوح، ولكن على الرغم من ذلك فهناك ضغوط كثيرة للغاية على المهن والصناعة، بالتالي يحاول الجميع الاستمرار وفق المتاح، وهناك اجتهاد حقيقي ولكن محاولات التطوير الكبرى ينبغي أن تأتي من أصحاب القرار وأصحاب القنوات أنفسهم".

برامج الطبخ تحت المجهر

وفي حين يخفت نجم برامج "التوك شو"، هناك صعود قوي وملحوظ لبرامج المنوعات الفنية والاجتماعية وبرامج الطهي، في حين أن مذيعين كباراً كانت لهم تجارب شهيرة في عالم "الـتوك شو" راحوا في هذا الاتجاه، وفي ما يتعلق ببرامج "المطبخ" تحديداً فقد كانت محل جدل قبل أسابيع قليلة حينما تحدث عنها مازحاً الرئيس عبدالفتاح السيسي معلقاً على انتشار تلك البرامج عبر المحطات المختلفة، ومتسائلاً "انتوا بتتكلموا على الأكل، احنا مستنيين حد يعلمنا ناكل؟"، إذ أكد السيسي في الوقت نفسه أنه ليس ضد هذه النوعية من البرامج بالمرة.
فإن تخصيص المحطات التلفزيونية أوقاتاً جيدة من البث اليومي لتلك البرامج له مردود إعلاني واضح، إذ إن هناك عادات ثابتة لدى كثير من مشاهدي التلفزيون لمتابعة الوصفات وحتى التواصل مع الشيف هاتفياً لتبادل الخبرات في صنع الأطباق. ويشدد فادي رمزي المحاضر بالجامعة الأميركية على شعبية تلك البرامج المتزايدة بشدة بالفعل، مشيراً إلى أن "القوة الإعلانية تتوجه إلى هذا المحتوى بصورة كبيرة وواضحة، فهي تجذب قطاعات واسعة من شريحة مشاهدي التلفزيون، نظراً إلى حاجة الناس الدائمة لتجربة وصفات جديدة وتعلم أسس الطهي، وحتى هناك من يتابع من باب التسلية فقط، فهو محتوى جاذب في كل الأحوال".

ويتفق معه استشاري الإعلام الرقمي أحمد عصمت الذي يقول إنه "على الرغم من أن محتوى تلك البرامج يبدو خفيفاً وبسيطاً بالنسبة لبعض المتابعين، ولكنه معبر أساسي عن الثقافة، بل ويسهم في الحفاظ على النسيج المجتمعي وفي الحفاظ على أصول مطابخ كل دولة"، مضيفاً أن "تلك الفيديوهات مفيدة للغاية للمغتربين الذين ليس لديهم خبرة في طهي الأصناف المحلية في بلدانهم". وتابع "من الطبيعي أن تحقق تلك البرامج شعبية لأنها تهم القطاعات كافة، بخاصة الأجيال الصغيرة التي تحاول أن تتعلم بدايات المطبخ، كما تحافظ على التراث وعلى الهوية، فهي جزء مهم من عالم صناعة الترفيه، ولها قوة تسويقية هائلة".

المزيد من منوعات