Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل قتل الظواهري وزيارة بيلوسي لتايوان "خطة إنقاذ" للديمقراطيين؟

صناعة تلك الأحداث تأتي قبيل أشهر من انتخابات الكونغرس ومراقبون يتحدثون عن "تسجيل مواقف" لإظهار قوة الإدارة الأميركية

زيارة بيلوسي لتايوان اعتبرها مراقبون محاولة من الديمقراطيين لتسجيل مواقف تظهر قوة الإدارة الأميركية (أ ف ب)

ما أشبه اليوم بالبارحة، ففي الثاني من مايو (أيار) 2011 بث البيت الأبيض فيديو لأعضاء إدارة الرئيس السابق باراك أوباما وهم يتابعون عملية قتل زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن في باكستان، وقبل أسبوع أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن مقتل أيمن الظواهري، خليفة بن لادن، في غارة جوية بأفغانستان، معتبراً ذلك انتصاراً جديداً على التنظيم الإرهابي الذي شن أعنف هجوم إرهابي في تاريخ الولايات المتحدة، عندما قتل أكثر من ثلاثة آلاف شخص في هجمات على مبني التجارة العالمي بنيويورك 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

إعلان قتل الظواهري، أعقبه إعلان آخر مفاجئ عن زيارة مثيرة للجدل لرئيسة مجلس النواب الأميركي وزعيمة الديمقراطيين نانسي بيلوسي لتايوان، وسط تحذيرات من بكين وحتى امتعاض البعض داخل الإدارة الأميركية في شأن ما قد تثيره هذه الزيارة من تصعيد للتوتر مع الصين التي سرعان ما ردت بالإعلان عن تدريبات عسكرية حول تايوان وفرض قيود حول الجزيرة الواقعة في الجنوب الغربي قبالة سواحلها وتعتبرها جزءاً من الدولة الصينية.

انتخابات نوفمبر

صناعة هذه الأحداث التي ضج بها العالم، تأتي قبيل بضعة أشهر قليلة من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، حيث يواجه الحزب الديمقراطي نتائج ضعيفة في استطلاعات الرأي، فضلاً عن تراجع شعبية بايدن. فوفقاً لاستطلاع جديد صادر عن مركز غالوب للأبحاث، تراجعت شعبية الرئيس الأميركي إلى مستوى منخفض جديد، إذ بلغ معدل الناخبين المؤيدين لأدائه 38 في المئة مقارنة بـ41 في المئة الشهر الماضي، ومقارنة بـ57 في المئة عندما بدأ فترته الرئاسية في يناير (كانون الثاني) 2021، وهو ما يطرح تساؤلات عما إذا كانت هذه الأحداث مصنوعة خصيصاً كخطة إنقاذ ديمقراطية قبيل انتخابات نوفمبر، وهل المخاطرة بإشعال الصراع مع الصين سيكون مجدياً لبيلوسي وزملائها في الحزب الحاكم؟

زيارة بيلوسي لتايبيه ليست الأولى من نوعها بالنسبة لرئيس مجلس نواب أميركي، حيث ذهب الجمهوري نويت غنغرتش في زيارة مماثلة عام 1997، ويتحدث مراقبون عن احتمالات عدة، من بينها الحساب الانتخابي بالنظر إلى احتمال خسارة السياسية المخضرمة صاحبة الـ82 عاماً مطرقة المجلس أمام الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي، ما يعني على الأرجح تقاعدها، وربما تكون الزيارة تتويجاً لمسيرة طويلة من المناداة بانتهاكات بكين لحقوق الإنسان، ويعتقد آخرون أنها محاولة من الديمقراطيين لتسجيل مواقف تظهر قوة الإدارة الأميركية على الصعيد الخارجي لخدمة الأغراض المحلية.

ويقول مراقبون غربيون إنه في ظل حالة التعثر الأميركي الداخلي والانقسام المجتمعي، لا يوجد شيء مثل صرخة حاشدة من أجل الديمقراطية في الخارج للجمع بين الأحزاب السياسية الرئيسة. وقد أصدر 26 من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، بمن فيهم زعيم الأقلية ميتش ماكونيل، بياناً مشتركاً لدعم زيارة بيلوسي، وحتى شبكة "فوكس نيوز"، المحافظة، أشادت بها.

يقول بشار جرار، المحلل السياسي والمحاضر في برامج الدبلوماسية العامة التابعة للخارجية الأميركية، المقيم في واشنطن، في حديثه لـ"اندبندنت عربية" إن توقيت زيارة رئيسة مجلس النواب والتي تأتي بعد أيام من عملية تصفية الظواهري يبعث بتوقعات بأنها تمت بإيعاز من البيت الأبيض أو قيادة الحزب الديمقراطي لإظهار إدارة بايدن قوية، إذ تصدت لروسيا والآن تتصدي للصين وتخوض معركة ضد الإرهاب، ذلك قبيل انتخابات نوفمبر التي تأتي في ظل أرقام كارثية علي صعيد الاقتصاد، حيث بلغ معدل التضخم 9.1 في المئة وهو الأعلى منذ أكثر من أربعة عقود.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف جرار أن الرد على السؤال عما إذا كانت الزيارة تمت للضغط على بكين أم لإنقاذ شعبية بايدن، هذا ما ستظهره الأيام المقبلة، مستبعداً أن تتصاعد الأمور إلى عمليات عسكرية أو احتكاك خشن. ويلفت إلى أن بيلوسي كانت المسؤولة عن محاولة تهدئة مخاوف الصينيين عندما قيل إنها اجتمعت مع رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارك ميلي، وأوعزت إليه أن يتواصل مع نظيره الصيني عندما قيل إن الرئيس السابق دونالد ترمب قد يلتف حول نتائج الانتخابات الرئاسية ويوجه ضربة عسكرية للصين تساعد على بقائه في السلطة.

في حين يتفق لايل غولدشتاين، المدير لدى مركز أبحاث أولويات الدفاع، في واشنطن، مع جرار على أن الأمر لن يتطور إلى اندلاع حرب، إذ أشار في تعليقات لصحيفة "الغارديان" البريطانية إلى أن هذه "الحيلة السياسية الحمقاء" ستسرع من السير نحو كارثة عالمية ووطنية في المستقبل، مضيفاً أن الالتزام بسياسة واشنطن "صين واحدة" و"الغموض الاستراتيجي" هما أفضل الأساليب للحفاظ على استقلالية تايوان.

الغموض الاستراتيجي هي السياسة التي تحكم الموقف الأميركي تجاه الصراع بين الصين وتايوان طيلة أكثر من أربعة عقود. وتنص تلك العقيدة في قانون العلاقات مع تايوان لعام 1979، على دعم الولايات المتحدة للجزيرة في بناء دفاعاتها وتعزيزها من دون التعهد صراحةً بتقديم مساعدتها في حال حدوث هجوم من الصين.

لعبة خطيرة

ويتفق كثيرون على التوقيت غير الصحيح للزيارة. ووصف الكاتب الأميركي توماس فريدمان، في عموده بصحيفة "نيويورك تايمز"، الزيارة بأنها "متهورة تماماً وخطيرة وغير مسؤولة"، لأسباب ليس أقلها أن البيت الأبيض قد شارك في مفاوضات حساسة لمنع الصين من تقديم المساعدة العسكرية لروسيا في أوكرانيا. وقال جو باتنفيلد، في مقاله بصحيفة "بوسطن هيرالد"، إن السياسية "النرجسية" مارست "لعبة خطيرة ومتهورة" في تايوان، مضيفاً أنه حتى لو كان ذلك جزءاً من استراتيجية أميركية منسقة لاستعادة المصداقية على المسرح العالمي، فلا ينبغي أن تكون بيلوسي هي مَن يقود السياسة الخارجية الأميركية ضد الصين، لافتاً إلى أن حكومة تايوان وشعبها هم مَن يدفعون ثمن مناورة رئيسة مجلس النواب الأميركي.

وتواصل الصين مناوراتها العسكرية حول تايوان في أعقاب زيارة بيلوسي، حيث تخلل التدريبات إطلاق صواريخ باليستية في المياه المحيطة بتايوان، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع التايوانية التي نددت بما وصفته بأنه "تصرفات طائشة تهدد السلم الإقليمي". ودعا وزير الخارجية الياباني يوشيماسا هاياشي، الخميس، الصين إلى "وقف فوري" لمناوراتها قائلاً إن "أفعال الصين هذه المرة لديها تأثير خطير على سلام المنطقة والمجتمع الدولي واستقرارهما. أطالب مرة جديدة بوقف هذه التدريبات العسكرية على الفور". كما أصدر وزراء خارجية مجموعة الدول السبع بياناً يدعو الصين إلى معالجة الأزمة حول مضيق تايوان بطريقة سلمية ويقول إنه "لا يوجد مبرر لاستخدام الزيارة ذريعة لنشاط عسكري عدواني في مضيق تايوان. من الطبيعي أن يسافر المشرعون من بلداننا حول العالم".

وبالتزامن مع زيارتها، كتبت بيلوسي في صحيفة "واشنطن بوست"، تقول: "لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي بينما يواصل الحزب الشيوعي الصيني تهديد تايوان والديمقراطية نفسها. نقوم بهذه الرحلة في وقت يواجه العالم خياراً بين الاستبداد والديمقراطية، بينما تشن روسيا حربها غير القانونية مع سبق الإصرار ضد أوكرانيا، وتقتل الآلاف من الأبرياء - حتى الأطفال - فمن الضروري أن توضح أميركا وحلفاؤنا أننا لا نستسلم أبداً للحكام المستبدين".

مشهد متكرر

بالعودة إلى مشهد إعلان مقتل بن لادن، والذي كان بايدن حاضراً فيه بصفته نائباً لأوباما آنذاك، فإن الرئيس الأسبق وضع العملية في مركز جهود إعادة انتخابه لولاية ثانية، وهو ما أثار آنذاك انتقادات بالداخل لأوباما لتحويله النصر الأميركي إلى رصيد سياسي حزبي. ففي حين كان نجاح العملية فرصة سياسية هائلة لرئيس ديمقراطي ليس لديه خبرة عسكرية، لكن المحللين السياسيين والمنتقدين الجمهوريين في واشنطن اعتبروه استغلالاً على حساب بطولة القوات المسلحة الأميركية. بالأخير، استطاع أوباما التغلب على منافسه الجمهوري ميت رومني في الفوز بولاية جديدة في 2012. وبمقارنة المشهدين يمكن استخلاص أن بايدن يجد أنها استراتيجية مجربة ومجدية.

ويقول جرار إن توقيت عملية تصفية الظواهري لافت بالفعل لكن المسألة ليست مرتبطة فقط بالانتخابات، فربما استطاعت الاستخبارات الأميركية اقتناص فرصة لاحت لقنص الظواهري. ويضيف أن القرارات الخاصة بتصفية الإرهابيين كقاسم سليماني وأبو بكر البغدادي تأتي نتيجة استغلال فرص ناشئة، لكن ما جعل الأنظار تتجه صوب الشأن المحلي هو تشابه مشهدَي قتل الظواهري وبن لادن والمفارقة أن بايدن كان حاضراً في المرتين.

المزيد من تحلیل