Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بات النظام العراقي منتهي الصلاحية بعد 19 عاماً على "التحرير"؟

مراقبون: الطبقة الحاكمة لن تمضي باتجاه انهياره للحفاظ على الامتيازات والشعب هو الخاسر الأكبر

النظام العراقي يدفع باتجاه مزيد من الانقسامات الداخلية والتشظي (أ ف ب)

بعد مرور 19 عاماً على "العملية السياسية في العراق" التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية عقب إسقاط نظام البعث بزعامة صدام حسين، يبدو المشهد مع اعتصام أتباع مقتدى الصدر في البرلمان ودعوتهم إلى الثورة وكأن النظام على حافة الانهيار، فهل يسقط بالفعل أم أن هناك ما يدار حالياً في الكواليس لإنقاذ القائمين عليه، ومن ثم الحفاظ على مصالحهم ومكتسباتهم؟

قبل الإجابة عن السؤال نسرد في ما يلي خلاصة النظام الذي فرضته الإدارة الأميركية واعتبرته "تحريراً للبلاد"، ويعتمد الديمقراطية في الحكم وتداول حر للسلطة عبر انتخابات برلمانية، والاحتكام إلى الصندوق الانتخابي بين المكونات الرئيسة الثلاث في المجتمع العراقي شيعة وسنّة وأكراد، على أن يتحول إلى نظام برلماني يحكمه برلمان منتخب ورئاسات ثلاث منفصلة السلطات، رئاسة للجمهورية يتولاها كردي، ورئاسة البرلمان للسنّة العرب، وأن يكون رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة شيعياً.

وفي عام 2003 تشكل مجلس سياسي سموه بـ"مجلس الحكم" حكم البلاد شكلياً بحسب تسلسل الحروف الهجائية لمدة شهر لكل سياسي معين في المجلس، وكان الأمر مثار سخرية للشعب العراقي لأن زعامة البلاد كانت تتغير كل شهر بحسب تسلسل الشخص في الأبجدية، فمن كان اسمه يبدأ بحرف الياء يكون آخر المعينين، بينما كان القرار للحاكم المدني الأميركي.

حكومات موقتة

استمرت هذه العملية حتى تولى إياد علاوي رئاسة الحكومة العراقية الموقتة التي ألغت صيغة مجلس الحكم الانتقالي في يونيو (تموز) عام 2004، وكان زعيم حزب الوفاق الليبرالي وطبيباً معارضاً لنظام صدام حسين، وأقام في لندن وعمّان وحكم سنة واحدة، تلاه إبراهيم الجعفري وهو طبيب أيضاً وتولى رئاسة الحكومة سنة واحدة (2005 - 2006)، وكان زعيم حزب الدعوة الإسلامية ومعروف بغلوه وتطرفه الطائفي، ووقعت خلال حكمه الحرب الطائفية في البلاد إثر هجوم تنظيم القاعدة على مرقد العسكريين الإمام علي الهادي وحسن العسكري شمال بغداد بـ100 كيلومتر وتفجيره، ومن ثم انهار السلم الأهلي وحدوث مجازر حصدت أرواح العراقيين،

وتولى نوري كامل المالكي رئاسة مجلس الوزراء لثمان سنوات متواصلة، واشتهر بشعار "ما ننطيها" بمعنى "لا نسلم السلطة لغيرنا"، وأسست تلك الفترة العصيبة من تاريخ العراق لعدد من التناقضات التي يدفع المجتمع ثمنها غالياً حتى اليوم، إذ شهدت ارتفاع أسعار النفط ووصلت لـ 126 دولاراً للبرميل بالتزامن مع رفع الإنتاج النفطي بصورة لم تعتدها البلاد من قبل، مما تسبب في زيادة موازنة العراق لما يزيد على 100 مليار دولار سنوياً، رافقها أكبر عملية فساد في التاريخ، بحسب قول رئيس المؤتمر الوطني العراقي أحمد الجلبي الذي مات في ظروف غامضة بعد تلويحه بكشف سرقة 300 مليار دولار.

كذلك شهدت تلك الفترة تضخماً في أعداد الموظفين إلى خمسة ملايين موظف بدافع التوظيف الانتخابي ومئات الآلاف ممن يطلق عليهم "موظفين فضائيين"، وهم هؤلاء المعينون من قبل الأحزاب لتمويلهم بالرواتب من دون عمل حقيقي، بل لتكليفهم بواجبات في ميليشيات الأحزاب التي فرخت إبان حكم المحاصصة ميليشيات، وشاعت ما تسمى "قوى اللادولة" للمرة الأولى في تاريخ البلاد.

مراجعات شكلية

كان انهيار الموصل أمام "داعش" مؤشراً إلى هشاشة النظام السياسي وأكاذيبه في بناء دولة قوية، وبينما كان الشعب ينتظر تحقيقاً يطيح برؤوس الفساد التي استفادت من "التخصيصات المليارية"، انتهى الأمر بإدانة عدد محدود من الضباط، واعتبر الموقف مجرد "إهمال"، مما أفقد العراقيين الثقة بالزعامات التي راهنت على الطائفية وشرذمة المجتمع وانشطاره حتى تحول المواطنون إلى ما يسمى "الأغلبية الصامتة".

لكن رؤوس السلطة فوجئت بتلك الأغلبية الصامتة تخرج في تظاهرات عارمة في أكتوبر (تشرين) 2019 مطالبة بـ "وطن معافى" (نريد وطن)، وعوضاً عن فهم مطالباتهم وأناشيدهم قمعتهم حكومة عادل عبدالمهدي بقسوة، فقتل المئات وأصيب الآلاف حتى سقطت وحلت مكانها حكومة تصريف الأعمال التي أدارها سياسي مستقل هو مصطفى الكاظمي، فنجح في استعادة الدولة لكنه لم يتمكن من السيطرة على قوى الميليشيات.

هجوم الصدر

وبالعودة للأحداث الجارية المتمثلة في اعتصام أنصار مقتدى الصدر في البرلمان العراقي وما ستفرزه من نتائج، يرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أنه على الرغم من مؤشرات انهيار النظام لعدم قدرته على إنتاج الحلول، إلا أن الطبقة الحاكمة لن تمضي باتجاه انهيار هذا النظام لكونه يوفر لهم غطاء مثالياً لاستمرار هيمنتهم على السلطة وحصولهم على امتيازات، مستدركاً "في النهاية ومهما وصل التدافع في ما بينهم فلن يصلوا إلى سقف انهيار العملية السياسية، لأن ذلك ليس في مصلحتهم، ولذلك سيعيدون تموضعهم سريعاً".

بينما يرى الكاتب ناجي الغزي أن "الأزمة الحالية تكمن في منهجية الأحزاب الحاكمة التي تعتبر الأكثر نفوذاً في السلطة والقادرة على تغيير قواعد اللعبة السياسية، لكنها لا تملك وعياً للمفاهيم، ولذلك نجدها غير قادرة على إنتاج معادلة سياسية ضامنة لبناء الدولة والمحافظة على نظامها الديمقراطي، وهذا المؤشر ينعكس على غياب قادة محترفين يتقنون فن إدارة الدولة ويحسنون الخطاب السياسي ويدركون قيمة فن التفاوض وإدارة الأزمات واتخاذ القرارات المصيرية، من خلال استقراء الاوضاع الداخلية والسياسة الدولية"، مشيراً إلى أن "الواقع بحاجة إلى تقنين الممارسات السياسية أكثر من تغيير شكل النظام السياسي ونوعه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الكاتب مازن صاحب قال إن أزمة النظام تتمثل في "الدولة العميقة ووجود السلاح المنفلت واللجان الاقتصادية الحزبية المتعارضة في ما بينها، حتى وصلت الظاهرة السياسية إلى المواجهة بين الفواعل السياسية ليبقى الشعب برمته الخاسر الأكبر".

بينما يعلق الشيخ حسن الزركاني المقرب من رئيس التيار الصدري قائلاً "نحن في التيار الصدري رأينا أن مسار الشراكة والمحاصصة وصل إلى مرحلة مأسوية لا يمكن معها أي إصلاح، فكل الإصلاحات كانت ترقيعية، وبعد أن أصبح التيار هو القائمة الأكبر أراد أن يغير ذلك المسار باتجاه الأغلبية، إلا أنه وجد مواجهة شرسة من قبل الثلث المعطل، فلم يكن هناك بد من الخروج من هذا البرلمان الذي أصبح دوره تعطيلياً أكثر من أن يكون تأسيسياً لعملية تنفع الواقع السياسي والوضع العراقي المتأزم".

وتابع، "ترك لهم البرلمان عسى أن يفهموا هذه التضحية، فكان عليهم إما أن يذهبوا إلى انتخابات باكرة أو يسعوا إلى تأسيس نظام أغلبية نيابة عن التيار الذي أراد هذا المسار".

وأضاف، "ذهبنا إلى الشارع لأنه الأقدر على إعادة العربة إلى طريقها، فالتيار الصدري يريد أن يؤسس لحوار وطني شامل ولديه مشروع وحلول جذرية لتغيير هذا الواقع مع شركاء الوطن ممن لم يكونوا ضمن عملية الإفساد، ونفتح الباب لجميع القوى للتغيير الشامل".

لكن الشمري يرى أن "حلول الأزمة ستكون من خلال المبادرة التي تطلقها أطراف سياسية لإجراء انتخابات باكرة أو حكومة مستقلة تهيئ الوضع المادي للعملية الانتخابية، وتنازل الإطار عن قوته ككتلة أكبر مثلما تنازل الصدر وسحب مرشحه للحكومة"، مضيفاً "لا بد من عقد سياسي وصياغة نظام جديد بعيد من هذا النظام الذي يدفع باتجاه مزيد من الانقسامات الداخلية والتشظي".

المزيد من تقارير