Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

137 حالة قتل خلال 5 أشهر... يد الجريمة تطول في ليبيا

انتشار 20 مليون قطعة سلاح وسط ارتفاع معدلات البطالة وتفشي المخدرات

جاءت ليبيا في المرتبة الأخيرة عالمياً من حيث درجة الصمود ضد الجريمة المنظمة (أ ف ب)

عشرون مليون قطعة سلاح وتشتت للسلطة وضعف قوتها القاهرة، وسط ارتفاع مطرد لمعدلات البطالة وتفشي تجارة المخدرات وتعاطيها، في بيئة مشابهة من الطبيعي أن تنمو معدلات الجريمة في ليبيا إلى مستويات مفزعة، وأن تتطور أشكالها حتى باتت الجرائم الصادمة شيئاً عادياً بقائمة الأخبار اليومية.

توابع الانفلات الأمني ووفرة السلاح الخارج عن سلطة الدولة لم تتأثر بها ليبيا وحدها، بل باتت تشكل تهديداً كبيراً لأمن جيرانها، مع عجز واضح للسلطات المحلية المتنازعة فيما بينها دائماً وأبداً على السلطة، في مواجهة التهديد الداهم الآتي من أراضيها.

جرائم تفطر القلوب

وعزا مراقبون تزايد جرائم القتل في المدن الليبية خلال الأشهر الماضية،  إلى انتشار السلاح وضعف الأجهزة الأمنية وعدم التعامل بحزم مع مرتكبي تلك الجرائم، ما جعلهم يعززون نشاطاتهم الإجرامية بعد أن أمنوا العقاب الرادع.

ومع انتشار السلاح بكميات تصل إلى 3 قطع لكل شخص، بحسب إحصاءات صادرة عن الأمم المتحدة، التي تقدر عدد الأسلحة المنفلتة في ليبيا بأكثر من 20 مليون قطعة، في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 7 ملايين نسمة، يبدو طبيعياً أن تنتشر الجريمة، لكن طبيعة الجرائم التي صدمت الشارع الليبي منذ بداية العام الحالي، هي التي شكلت ناقوس خطر ينذر بحجم المشكلة ومسبباتها.

أبرز الجرائم الصادمة بالعام الحالي شهدتها مدينة بنغازي، مع إقدام شخص تحت تأثير المخدرات على قتل ابنتيه بسلاح ناري نوع "خرطوش" وفراره لأسابيع عدة قبل القبض عليه من قبل الأجهزة الأمنية في اليومين الماضيين.

وكادت جريمة ثانية تشعل أزمة كبيرة قبل أيام قليلة في مدينة البيضاء، شرق بنغازي، بعد قيام شخص من أب مصري وأم ليبية، بقتل فتاة رفضت الجواز منه وإصابة والدها بعد اعتراض سيارتهم في الطريق العام، في حادثة رصدتها كاميرات مراقبة منزلية وانتشرت على مواقع التواصل.

وأغلق عدد من شباب المدينة الغاضبين بعد انتشار المقطع المصور محلات الأجانب في المدينة، ولو لا تدخل العقلاء لخرجت الأمور عن السيطرة، لكن الحادثة فتحت الباب للحديث عن خطر السلاح وانتشار الجريمة على السلم الأهلي، ليس في البيضاء وحدها، بل بالبلاد كلها.

تصنيف متأخر

مع هذه الحوادث وما شابهها من جرائم مرعبة وتكرارها بشكل مطرد، كان من الطبيعي أن تصنف مؤسسة المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة (GLOBAL INITIATIVE) ليبيا في الترتيب الرابع عربياً، والعشرين عالمياً، ضمن البلدان الأعلى في مستويات الجريمة المنظمة.

واعتمدت المؤسسة بمؤشراتها في أحدث تقرير لها عن ليبيا على عوامل عدة، أبرزها الاتجار بالبشر وغسل الأموال وتجارة المخدرات والجرائم المتعلقة بالحياة الحيوانية والنباتية وتهريب البشر وتجارة السلاح.

وبين التقرير أن "الجهات الإجرامية التي بنيت عليها الدراسة مشابهة للمافيات والشبكات الإجرامية والجهات الفاعلة التابعة للدولة والجهات الأجنبية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وجاءت ليبيا في المرتبة الأخيرة عالمياً من حيث درجة الصمود ضد الجريمة المنظمة، وهو ما يعكس عدم قدرة الدولة على مواجهة آفة الجريمة.

ولا يكاد يمضي أسبوع في ليبيا إلا وتحدث جريمة قتل بإحدى المدن أو المناطق، إما تسجل ضد مجهول أو يلقى القبض على مرتكبها، وبلغ عدد من قتلوا خارج نطاق القانون 173 شخصاً خلال الفترة من بداية العام وحتى نهاية شهر مايو (أيار) الماضي، في ظل انتشار السلاح وعدم قدرة الأجهزة الأمنية على احتكار حيازة السلاح في مؤسساتها الشرطية والعسكرية، الأمر الذي ضاعف من أعداد جرائم القتل.

ومنذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 انتشر السلاح بين المدنيين، ولم تستطع الحكومات المتعاقبة إيجاد آلية لجمعه وإعادته إلى مؤسسات الدولة أو فرض قوانين صارمة على حاملي السلاح خارج نطاق الدولة.

أرقام تنذر بحجم الخطر

بحسب مؤشر الجريمة الخاص بموسوعة قاعدة البيانات "نامبيو"، الذي يعتمد على تصويت الزوار، احتلت ليبيا في تصنيف المؤشر للفترة التي تخص منتصف هذا العام، المرتبة الأولى بمنطقة شمال أفريقيا، والثالثة عربياً بعد سوريا والصومال والـ25 على مستوى العالم في معدل الجرائم.

وطرح الموقع أسئلة عدة على زواره لجمع تلك البيانات، من بينها ما نسبة مخاوفك من التعرض للسرقة أو اقتحام بيتك وسرقته؟ ما مدى احتمالية سرقة سيارتك، وخوفك من أن يتهجم عليك شخص مسلح؟ ما مدى شعورك بالأمان بالمشي وحدك في النهار أو الليل؟ وغيرها من الأسئلة.

وسجلت ليبيا نسبة 60.5 في المئة بمعدل الجريمة، وهي نسبة تُعتبر عالية، بينما سجلت 39 في المئة بمعدل الأمان، في حين سجلت نسبة الجريمة خلال السنوات الثماني الماضية أرقاماً مرتفعة، كان أقلها عام 2017 بنسبة 54 في المئة، وأكثرها سوءاً العام 2015 بنسبة 70 في المئة.

انتشار البطالة

للبطالة يد واضحة في انتشار ظاهرة الجريمة بليبيا، بحسب متخصصين، وعلى الرغم من أن ليبيا تصنف بأن لديها خامس أكبر احتياطي للنفط في المنطقة العربية بعد السعودية والعراق والكويت والإمارات، مع احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي، وصلت نسبة البطالة فيها إلى نحو 19 في المئة، بينما يعيش نحو 45 في المئة من سكانها تحت خط الفقر، ويحتاج نصفهم تقريباً إلى مساعدات مالية لمواجهة غلاء السلع والخدمات، بحسب مركز "أويا" للدراسات الاقتصادية.

 

ويرى الأكاديمي، فرج المجريسي، المتخصص في الموارد البشرية، أنه على الرغم من "ثروات البلاد وإنتاجها المحلي من البترول والمعادن، فشلت الدولة في تمكين الشباب، وخلق فرص الإنماء والاستثمار لهم، وهذا بكل تأكيد عامل من العوامل التي لها دور كبير في ارتفاع معدلات البطالة".

وقال المجريسي إن "ارتفاع نسبة البطالة في ليبيا إلى معدل 19 في المئة رقم كبير مقارنة بعدد السكان". وأضاف أن "ارتفاع مؤشرات البطالة يعتمد على مسببات عدة، أبرزها قلة الوظائف وانتشار الحروب وكثرة العمالة الوافدة، الذي نعانيه بشكل كبير في ليبيا، وإقبال الشباب ورغبتهم بالعمل في القطاع العام وتجنبهم العمل بالقطاع الخاص، وهذا يرجع لوعي الشباب تجاه هذا الموضوع".

وأكد الأكاديمي الليبي أن "الحروب التي عاشتها ليبيا وحالة عدم الاستقرار في البلاد كانت سبباً مهماً في زيادة معدلات البطالة".

وتابع، "لاحظنا ارتفاعاً كبيراً في ظاهرة الهجرة غير الشرعية من أبناء الشعب الليبي، حيث زادت هذه النسبة بعد تدهور الوضع الاقتصادي، وهذا مؤشر كبير على ارتفاع معدلات البطالة".

المخلفات النفسية للحرب

انتشار جرائم القتل المروعة خارج إطار القانون في معظم المناطق الليبية، فضلاً عن الإخفاء القسري والسجن والترهيب والتعذيب، كل هذه التصرفات السلوكية المفاجئة، مجموعة من المخلفات النفسية للحرب على المواطنين، التي جعلتهم أكثر عدوانية في التعامل مع جميع المشكلات التي يواجهونها في حياتهم، بحسب الباحثة الاجتماعية حنان الترهوني.

وترى الترهوني أن "هذه المشكلة تحتاج إلى وقفة جدية من قبل السلطات المسؤولة من خلال نشر واستحداث مراكز للإصلاح والعلاج النفسي، ومحاسبة مرتكبي الجرائم وفق القانون وفي محاكم شرعية علنية ليكونوا عبرة لغيرهم".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير