Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسباب اختيار التونسيين سلطة تنفيذية قوية في الدستور الجديد

يتخوف المعارضون من عودة حكم الاستبدادي مع تركيز الصلاحيات في موقع الرئاسة

يترجم توجه التونسيين إلى اعتماد سلطة تنفيذية قوية الرغبة في القطع مع تشتت الحكم والتهرب من المسؤولية السياسية (أ ب)

بعد إقرار الناخبين التونسيين الذين شاركوا في الاستفتاء الذي جرى أخيراً دستوراً جديداً للبلاد سيتم اعتماده رسمياً إثر انتهاء المهل القانونية للطعون، تثار أسئلة على الساحة السياسية في تونس، حول "الجمهورية الجديدة"، وشكل الحكم والصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية، ولماذا اختار التونسيون الاعتماد على سلطة تنفيذية قوية؟

طيلة السنوات الماضية اكتوى التونسيون بنار الصراعات السياسية تحت قبة البرلمان وبين مؤسسات الحكم المشتت بين قرطاج (رئاسة الجمهورية) والقصبة (رئاسة الحكومة) وباردو (رئاسة مجلس النواب)، من دون أن تتحقق في البلاد انتعاشة اقتصادية أو توجد فرص عمل تخفف من وطأة الأزمة الاجتماعية.

وعمق هذا الوضع الهوة بين التونسيين والنخب السياسية، ما دفع جزءاً كبيراً منهم إلى الانخراط في المسار الذي أعلنه رئيس الجمهورية قيس سعيد، في 25 يوليو (تموز) 2021، وتم تتويجه بعد سنة، بتبني دستور جديد ينص على نظام رئاسي، يعيد لرئيس الجمهورية، صلاحية تعيين الحكومة، وينتزعها من الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية، مثلما كان ينص عليه دستور عام 2014، بانتظار تنظيم انتخابات تشريعية في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

ويترجم توجه التونسيين إلى اعتماد سلطة تنفيذية قوية الرغبة في القطع مع تشتت الحكم والتهرب من المسؤولية السياسية التي كانت سائدة في العقل السياسي للأحزاب التي حكمت طيلة السنوات الماضية، لتصبح المسؤولية بيد رئيس الجمهورية وحكومته بشكل مباشر.

وأعاد الدستور الجديد البلاد من نظام برلماني هجين، شتت الحكم، وقسم السلطات إلى نظام فيه سلطة واحدة ممثلة في شخص رئيس الجمهورية.

الحنين إلى رمزية رئيس الجمهورية

وعبر النائب السابق في البرلمان، الكاتب الصحافي، هشام الحاجي، عن اعتقاده أن "تصويت التونسيين لسلطة تنفيذية قوية، يعود إلى سببين أساسيين، أحدهما سياسي، والآخر ثقافي، ويتمثل السبب السياسي في أن تجربة الانتقال الديمقراطي المغشوش قدمت صورة سلبية عن النظام البرلماني، وكرست انطباعاً بأن هذا النظام يشتت السلطة ويصعب إدارة الدولة ومؤسساتها، بخاصة مع انتشار المحاصصة الحزبية ومنطق الغنيمة في التعاطي مع الحكم". وأضاف الحاجي أن هذا "الشعور يغذيه الحنين إلى رمزية رئيس الجمهورية"، مستحضراً شخصية "الزعيم الحبيب بورقيبة في الوجدان الشعبي التونسي، وهو الذي حكم في ظل نظام سياسي، عماده السلطة التنفيذية، التي تتمحور حول شخص رئيس الدولة. ولم يتقبل التونسيون رئيساً منزوع الصلاحيات (في النظام البرلماني)، وغير قادر على اتخاذ القرارات، لذلك تدافعوا نحو التصويت لصالح سلطة تنفيذية قوية".

وبخصوص العامل الثقافي، أكد النائب السابق أن "الثقافة السياسية، والمرجعية المجتمعية، هي بالأساس ثقافة أبوية، يلعب فيها الأب دوراً محورياً، ومن هذا المنطلق يتطلع التونسيون إلى الأب المنقذ القادر على إدارة شؤون الدولة، والذي يملك كامل الصلاحيات في الوعد والإنجاز".

من جهته، يرى سرحان الناصري، رئيس حزب "التحالف من أجل تونس"، أن "الدستور الجديد بالصلاحيات المعززة لرئيس الجمهورية، سيضمن استقرار الدولة ومؤسساتها، ويقطع مع عشرية الفساد والمنظومات السياسية الفاشلة والتدمير الممنهج لمؤسسات الدولة واقتصادها علاوةً على محاولة ضرب النموذج المجتمعي والثقافي التونسي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


"صلاحيات فرعونية"

في المقابل، يتخوف معارضو المسار الذي رسمه سعيد، من أن يطلق رئيس الجمهورية سلطاته ويوسعها على حساب الحريات وحقوق الإنسان والعدالة.

وتنتقد هذه المعارضة الدستور الجديد الذي لم يضع آلية لمراقبة أو محاسبة رئيس الجمهورية، ما يجعله فوق الدستور وفوق المساءلة.

وقال الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، خلال مؤتمر صحافي، إن تونس أمام "تركيز سلطوي غير مسبوق منذ بناء الدولة الحديثة"، متهماً سعيد بـ"إلغاء التوازن بين السلطات وإعطاء نفسه سلطات فرعونية".

كما يعتبر أستاذ القانون العام بالجامعة التونسية، الصغير الزاكراوي، أن "الدستور الجديد أسند إلى رئيس الجمهورية، صلاحيات فرعونية غير موجودة في أي دستور، علاوةً على أنه لا يتحمل أي مسؤولية".

وينص الدستور الجديد على أن صلاحيات البرلمان الجديد لا تشمل مراقبة قرارات الرئيس التي اتخذها في إطار أدائه مهامه، وتكون الحكومة مسؤولةً أمام الرئيس وليس البرلمان، كما ينص على صلاحية رئيس الجمهورية في تعيين رئيس الحكومة وسائر الوزراء وإنهاء مهامهم.

وتتضمن صلاحيات الرئيس التونسي، إسناد الوظائف العليا المدنية والعسكرية في الدولة، عبر اقتراح من رئيس الحكومة، وتسمية الرئيس للقضاة عبر ترشيح من مجلس القضاء الأعلى.

ويتهم سعيد منظومة الحكم السابقة بـ"محاولة ضرب الدولة من الداخل وتفكيك مؤسساتها"، مستنداً إلى ما أفرزته الاستشارة الوطنية الإلكترونية من تفضيل نحو 90 في المئة من المشاركين، النظام الرئاسي.

المزيد من متابعات