Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا سيتغير اقتصاديا في تونس بعد التصويت على الدستور الجديد؟

دعوة صريحة من متخصصين إلى اعتماد مقاربات جديدة تقطع مع الماضي

جانب من احتفالات التونسيين بالدستور الجديد في العاصمة، ليل الإثنين 25 يوليو الحالي (أ ب)

يتطلع التونسيون إلى تحسن أوضاعهم المعيشية بشكل جذري والخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة، آملين، إثر انتهاء التصويت على الدستور الجديد للبلاد، الذي طرحه الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو (تموز) الحالي على الاستفتاء، الدخول في مرحلة جديدة تقطع مع عشرية وصفوها بالسوداء في تلميح واضح للأحزاب ذات الخلفية الدينية التي يرى قسم كبير منهم ـنها أضرت بالبلاد كثيراً.

وتعاني تونس في السنوات الأخيرة من تتالي الأزمات السياسية والاضطرابات الاجتماعية، ما أثر جلياً على أداء المؤشرات الاقتصادية الكلية بتراجع أهم رافعات الاقتصاد التونسي المرتكز أساساً على السياحة والفوسفات والإنتاج الفلاحي والصناعات المعملية.

ولم توفق تونس منذ عام 2011 في تحقيق الإقلاع الاقتصادي المنشود على الرغم من تتالي الخطط والبرامج، بسبب النزاعات السياسية وإمساك الأحزاب، وفي مقدمتها "حركة النهضة" الإسلامية والأحزاب الدائرة في فلكها، بمقاليد السلطة، سواء بتعيين رئيس الحكومة وأعضائها أو إطاحتهم.

رغبة في التغيير

وأمام تأزم الأوضاع السياسية ودخول البلاد في أزمة اقتصادية ومالية عصفت بكل المؤشرات إلى حد تعدد الأطروحات والمقاربات التي تتحدث عن إمكانية إفلاس تونس، أقدم الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو 2021 على إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وتعليق عمل البرلمان ثم حله في أواخر العام السابق، ووضع خريطة طريق سياسية أهم مراحلها الاستفتاء على مشروع دستور جديد في 25 يوليو 2022 وانتخابات برلمانية مبكرة في 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

ورحب التونسيون في تلك الفترة بهذه الخطوة الجريئة التي أقدم عليها سعيد معبرين عن أملهم في حصول تغيير جديد يخرجهم من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية ويوقف المناكفات السياسية التي عمقت أزمة البلاد.

القبول بالدستور الجديد

وعلى الرغم من رفض بعض الأحزاب والمنظمات الحقوقية، أظهرت نتائج الاستفتاء قبول التونسيين بمضامين الدستور الجديد الذي يمنح الرئيس سعيد سلطات واسعة تخوله الإمساك بالحكم في البلاد.

ويرى قسم كبير من التونسيين وجوب العودة إلى النظام الرئاسي بعد فشل النظام البرلماني المعدل لأكثر من عشر سنوات، حققت خلالها تونس نتائج اقتصادية واجتماعية سلبية وتأخرت كثيراً على درب تحقيق الازدهار والرخاء للمواطنين.

وجوب اعتماد مقاربات جديدة

من جهته، اعتبر أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي أن "الدستور الجديد الذي سيؤسس لجمهورية جديدة يفترض أن يؤسس لمقاربات اقتصادية جديدة تتماشى والمرحلة المقبلة عليها تونس".

ورأى أنه "من الضروري الابتعاد عن المقاربات المحاسباتية التي طغت على الحكومات في العقد الأخير والتعويل على مقاربات اقتصادية واجتماعية بحتة قصد تحقيق الثروة والنمو الحقيقي".

وتابع قائلاً إن "المقاربات المحاسباتية الصرفة أوصلت البلاد إلى تسجيل نتائج كارثية ولم تحقق الأهداف المرجوة منها، بل اقتصرت هذه المقاربات على حلول ظرفية محددة بالوقت والزمن".

واستدل الشكندالي في هذه الخصوص على المقاربة التي تم اعتمادها في السابق في إصلاح القطاع العام "بالحرص على تقليص كتلة الأجور من الناتج الداخلي الخام بالاعتماد على مقاربة محاسباتية صرفة بتجميد الأجور، والحال أنه في حال التعويل على رفع نسبة النمو واستعادة قيمة العمل فإن الناتج المحلي سيرتفع ولا يعد اللجوء إلى تجميد الأجور ضرورياً".

وأكد المتحدث ذاته أن "المرحلة الجديدة يفترض أن تتطلب إصلاحات اقتصادية تلقى قبولاً شعبياً واسعاً"، مستدركاً بأن "نسبة المصوتين على الدستور الجديد تقارب الـ30 في المئة"، معتبراً أن هذه النسبة "ضعيفة".

من جانب آخر، قال الشكندالي إنه "يتعين انتظار معدل عامين كاملين لتنزيل مضامين الدستور الجديد عبر تحويلها إلى نصوص قانونية تطبق على أرض الواقع، وهو ما سيجعل المستثمرين التونسيين كما الأجانب يتريثون إلى حين وضوح الرؤية. والحال أن وضعية تونس الاقتصادية لا تحتمل الانتظار". وأضاف أن "الوضعية الاقتصادية الصعبة والمعقدة تتطلب من الرئيس سعيد الماسك بزمام السلطة حالياً، الإسراع بتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي لتنفرج الأمور قليلاً وفتح الطريق أمام الحصول على التمويلات الأجنبية".

وخلص الشكندالي إلى دعوة رئيس الجمهورية إلى "تغيير الحكومة الحالية وتشكيل حكومة أخرى مصغرة مكونة من كفاءات اقتصادية عالية تتماشى ومتطلبات فترة ما بعد الاستفتاء".

رفع التحديات الاقتصادية

كذلك، تؤكد كونفيدرالية المؤسسات المواطنة التونسية (كوناكت) على "ضرورة الإسراع في وضع الإصلاحات الاقتصادية اللازمة لاستعادة نسق نمو شامل ومستدام". وأشارت في بيان إثر الانتهاء من الاستفتاء على الدستور، إلى أن "الاستثمار يعد الوسيلة الوحيدة لامتصاص البطالة وخلق الثروة وتحقيق النمو والاستقرار الاجتماعي".

في هذا الإطار، دعت "كوناكت" سلطات الإشراف إلى تسريع سن النصوص التطبيقية التي ستمكن من تفعيل القوانين العالقة الرامية إلى خلق فرص العمل، إضافة إلى إيجاد فرص تمويل مغايرة في ظل صعوبة النفاذ إلى التمويل التي تعانيه الشركات الصغرى والمتوسطة.

وأملت منظمة "كوناكت" أن تكون المرحلة الجديدة التي تمر بها البلاد، دافعاً للعمل ورفع التحديات الاقتصادية والاجتماعية والنهوض بالاقتصاد الوطني.

القطيعة مع منوال تنموي

من جهة أخرى، أوضح عضو اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية لإعداد مشروع الدستور، أحمد الكرم، أن "الدستور الجديد تضمن مبادئ ومفاهيم اقتصادية جديدة ومواكبة من شأنها أن تكرس القطيعة مع دستور عام 2014". وأكد على ضرورة القطيعة مع منوال الدولة الراعية لكل شيء الأمر الذي تضمنه جانب من الدستور الجديد، وفق تقديره.

وقال الكرم إن "هذا المنوال أثبت فشله وبات يشكل خطراً على الديمقراطية التي يجب إنقاذها عبر جملة ترتيبات وأحكام اقتصادية تقطع مع الماضي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الاتفاق مع صندوق النقد

من ناحية ثانية، ربط عضو اللجنة الاستشارية الاقتصادية لإعداد مشروع الدستور الجديد، محمد صالح العياري، التصويت على الدستور بمسألة "الثقة برئيس الدولة وبمشروعه لتونس على الرغم من حملة التشكيك في نتائج الاستفتاء". وشدد العياري على أن "مرحلة ما بعد الاستفتاء ودخول الدستور الجديد حيز التطبيق سينتج عنها إمكانية بلوغ اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي تذمر طويلاً من الفراغ السياسي الحاصل في البلاد ووجود مخاطب وحيد وهو رئيس الدولة الذي سيكون الضامن لتطبيق الإصلاحات على أرض الواقع".

ومن التغييرات المنتظر ملاحظتها في تونس في الفترة القادمة، وفق المتحدث، "التراجع الكبير لحجم الفساد في العامين القادمين الذي استشرى في تونس في العشرية الماضية علاوةً على قطع أجنحة لوبيات الرشوة والفساد التي أطبقت على البلاد وجعلتها تتراجع في مراتب الشفافية والنزاهة".

على صعيد الاستثمار، قال محمد صالح العياري، إن "المشهد الاستثماري في تونس سيتغير إيجابياً في الفترة القادمة بتنزيل مضامين ومحاور الدستور الجديد بمزيد من ترسيخ العدالة والشفافية، ما سيعيد الثقة في مناخ الأعمال في البلاد"، كاشفاً عن أن "عديداً من رجال الأعمال في السابق تعرضوا للابتزاز والضغط عليهم من أجل تمويل الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية النافذة في البلاد".

في سياق متصل، اعتبر العياري أن "ترسيخ قضاء عادل وناجز من شأنه أن يساعد على جذب الاستثمارات الخارجية وتشجيع الاستثمار الداخلي على حد سواء". وخلص إلى تأكيد "انطلاق ديناميكية جديدة في البلاد في اتجاه النهوض بالاستثمار وإيجاد فرص عمل".

جدل حول دسترة الاقتصاد

ويلحظ أن المشروع الجديد لم يخصص باباً للمسألة الاقتصادية والحقوق الاقتصادية في فترة تمر فيها تونس بأزمة اقتصادية خانقة وسط تكرر الطلبات بوجوب إنجاز منوال تنموي جديد يقطع مع المنوال السابق الذي بلغ حدوده.

وكان من المفروض أن يخصص مشروع الدستور الجديد باباً لدسترة الاقتصاد وتوضيح الرؤى والمبادئ الاقتصادية في ظل ما تشهده تونس من مخاض اقتصادي وتخبط في عديد من الملفات الحارقة ووجوب البدء في قضايا عدة على غرار التنمية المستدامة والبيئة والطاقات المتجددة.

وسبق نشر الدستور جدل واسع في تونس حول دسترة الاقتصاد والحقوق الاقتصادية من قبل خبراء وباحثين في القانون الدستوري، بين مؤيد لوجوب دسترة الاقتصاد وبين من اعتبر أن الاقتصاد متحرك متغير بينما الدستور يتضمن أبواباً وفصولاً تصمد لمدة لا تقل عن ثلاثة أو أربعة عقود.

وكان العميد الصادق بلعيد، رئيس "الهيئة الوطنية من أجل جمهورية"، أكد أنه "يجب على الدستور الجديد أن يكون منارةً لسياسة تنموية للبلاد لتحقيق النمو والعدالة وترسيخ دولة القانون، قائلاً إن "الخاصية التي ستميز الدستور الجديد هي أنه سيكون دستوراً اقتصادياً بعد أن كان دستور 2014 دستوراً سياسوياً".

فصول متناثرة

واقتصرت المسألة الاقتصادية في مشروع الدستور الجديد على مسائل متناثرة وموزعة على بعض الفصول من دون تخصيص باب في الغرض.

وجاء في توطئة مشروع الدستور الجديد بعض الإشارات إلى الملف الاقتصادي، حيث تم التنصيص على "أننا ونحن نقر هذا الدستور الجديد، مؤمنون بأن الديمقراطية الحقيقية لن تنجح إلا إذا كانت الديمقراطية السياسية مشفوعة بديمقراطية اقتصادية واجتماعية، وذلك بتمكين المواطن من حقه في الاختيار الحر، ومن مساءلة من اختاره، ومن حقه التوزيع العادل للثروات الوطنية".

وذكر في التوطئة أيضاً، "كما نجدد التأكيد أن النظام الجمهوري هو خير كفيل للمحافظة على سيادة الشعب، وتوزيع ثروات بلادنا بصفة عادلة على كل المواطنين والمواطنات. وإننا سنعمل ثابتين مخلصين على أن تكون التنمية الاقتصادية والاجتماعية مستمرة دون تعثر أو انتكاس في بيئة سليمة تزيد تونس الخضراء اخضراراً من أقصاها إلى أقصاها، فلا تنمية مستمرة دائمة إلا في بيئة سليمة خالية من كل أسباب التلوث".

ونص الفصل الخامس عشر على أن "أداء الضرائب والتكاليف العامة واجب على كل شخص، على أساس العدل والإنصاف. وكل تهرب ضريبي يعتبر جريمة في حق الدولة والمجتمع". وورد في الفصل السابع عشر، "تضمن الدولة التعايش بين القطاعين العام والخاص وتعمل على تحقيق التكامل بينهما على قاعدة العمل الاجتماعي".