Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كير ستارمر يتطلع إلى الانتخابات البريطانية المقبلة ما يفسر انعطافته السياسية

يرغب في تقديم صورة الزعيم الذي يقود حزبه حتى لو أثار بلبلة عبر إعادة النظر في وعوده

زعيم حزب العمال كير ستارمر ونائبته أنجيلا راينر على المنصة أثناء اليوم الافتتاحي للمؤتمر السنوي للحزب في برايتون على الساحل الجنوبي لإنجلترا بتاريخ 25 سبتمبر 2021 (أ ف ب)

ثمة فارق بين أن يغير المرء موقفه حينما يكون في الحكومة وتفرض عليه قوى العالم الحقيقي ومتطلبات المرحلة أن يجري انعطافة مخجلة في مساره، وبين أن يبدل موقفه طواعية بينما لا يزال في صفوف المعارضة.

ففي النهاية، بعيداً من الخيارات الصعبة التي تفرضها مسؤوليات المناصب، يتمتع قادة المعارضة بحرية تحرك أكبر بكثير تسمح لهم بقطع وعود غير واقعية ولا مدروسة استناداً إلى افتراضات اقتصادية بطولية (على غرار ما تفعله الآن ليز تراس التي تعد إلى حد ما زعيمة المعارضة الداخلية في حزبها).

وفي المقابل، يغرد [زعيم حزب العمال البريطاني] كير ستارمر خارج هذا السرب، إذ يتصرف كما لو أنه تولى بالفعل منصباً حكومياً. ولا شك في أنه يفعل ذلك بغية تذكير وإقناع الناخبين المترددين بأنه هو في الحقيقة، وليس ريشي سوناك أو تراس، من يفترض به أن يكون "رئيس الوزراء البديل".وإنه رئيس راديكالي وحاسم كذلك.

وبشكل تلقائي تماماً، حتى لو أنه غير مفاجئ كلياً، يتخلى ستارمر الآن علناً عن بعض الوعود التي قطعها في بيانه الشخصي، وقد انتخب على أساسها زعيماً للحزب في عام 2020. ففي ليفربول، في وقت سابق من الأسبوع الحالي، أيد ستارمر التعليقات المهينة التي أدلت بها وزيرة المالية في حكومة الظل رايتشل ريفز في شأن إعادة القطاعات الرئيسة تحت لواء القطاع العام، حينما لاحظت "أن إنفاق مليارات الجنيهات على تأميم الأشياء لا يناسب قواعدنا المالية بكل بساطة".

وأثناء تعبيره عن دعمه لها، صرح ستارمر بأنه لن يتصرف بشكل "عقائدي" في موضوع تأميم قطاعات السكك الحديدية والمياه والطاقة وإعادتها إلى الملكية العامة. وقد أكد هذا الموقف الآن، على الرغم من إضافته أن موضوع السكك الحديدية "ربما يختلف عن غيره لأن معظمه واقع ضمن نطاق الملكية العامة أساساً، هذا ما أعنيه بأنني لن أخذ الموضوع بشكل عقائدي".

حتى إن ستارمر بدا كأنه يوسع نطاق ما يصبو إليه، إذ لمح إلى أن الدين العام الهائل في زمن ما بعد الجائحة قد يضيق الخناق على سياسات أخرى، إذ "تغيرت أمور كثيرة خلال السنتين الأخيرتين. لقد مررنا بـ"كوفيد"، ولدينا دين لم نشهد مثيلاً له منذ فترة بعيدة".

وعبر برنامج "توداي"، رد ستارمر على سؤال "هل تقول إنك ما عدت تتعهد الوفاء ببعض الوعود التي قطعتها عندما ترشحت للزعامة بسبب التغيير في الظروف"، بكل وضوح "نعم. لقد تغير الوضع المالي. وتغير وضع الدين".

وهكذا، قد يتخلى ستارمر عن عدد من النقاط التي وردت في بيان الترشح على الزعامة، مع أنه سيتهم بالخيانة، وأنه ليس أهلاً للثقة، شأنه في ذلك شأن بوريس جونسون، لكن ستارمر قادر على تحويل مساره بطريقة لم يتسن له أن يفعلها من قبل لسببين مترابطين بشكل وثيق هما أولاً انهيار حكومة جونسون، وثانياً، ونجاحه الشخصي في الانتخابات واستطلاعات الآراء. وقد أمده الأمران بنفوذ كبير.

وفي الواقع، يعيد هذا التغيير الهائل في الموقف في شأن الملكية العامة، على غرار التغيير في وعد شخصي سابق، إلى الأذهان التعهد الذي قطعه توني بلير أثناء ترشحه للزعامة، بعدم تغيير البند الرابع في دستور حزب العمال لعام 1918. ويشتهر ذلك البند بأنه التزم التحرك صوب "الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج والتوزيع والتبادل" (على الرغم من أن الصيغة الدقيقة لذلك البند قد تغيرت على مر السنوات)، لكن لم يمر وقت طويل على انتخاب بلير [تولى توني بلير زعامة حزب العمال بين عامي 1994 و2007] قبل أن يتخلى عن هذا الوعد، ويستبدله بصيغة عادية لا تعلق في الذهن (لكنها بقيت بعد الثورة الكوربينية) [إشارة إلى الفترة التي تزعم فيها جيرمي كوربين حزب العمال وانتهج سياسة يسارية، وصفت بأنه ثورية. انتهت زعامة كوربين في 2019]. وآنذاك، أتاح ذلك التصرف لبلير في آنٍ واحد بالتخلص من هدف تقليدي لهجوم المحافظين، والانتصار في معركته الأولى ضمن حملة طويلة لإعادة تشكيل الحزب كي يصبح آلة فوز انتخابي. لم يفطن هيو غيتسكيل، أحد أسلافه من الإصلاحيين المشهورين إلى هذه النقطة في عام 1960، وكانت أوضح إشارة إلى التغيير الحقيقي الذي حل بحزب العمال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

ربما يتصرف ستارمر بهذه الطريقة حالياً، عن وعي مسبق، أو غير ذلك.

أحدث هذا التغيير في المواقف بلبلة متوقعة، تدل على أن ستارمر لا يتمتع بسلطة مطلقة على حزبه تشبه تلك التي امتلكها بلير في تسعينيات القرن الماضي. وقد حاول أحد الناطقين باسم الحزب أن يقدم تبريراً شبه مستحيل حاول فيه أن يصالح بين موقف ستارمر وريفز الحالي من جهة، والسياسات السابقة من جهة أخرى، ووفق ذلك الناطق، "نحن نقارب الملكية العامة بشكل عملي طالما تناسب قواعدنا المالية الخاصة - وهذه هي النقطة التي كانت تشدد عليها رايتشيل ريفز في المقابلة، حينما أشارت إلى هذا الإطار. ونحن نعلم مثلاً بالدور الإيجابي للسكك الحديدية ضمن الملكية العامة".

وفي المقابل، لم يجامل البعض في شأن تغيير زعيمهم رأيه. وغردت سكرتيرة لجنة المواصلات في حكومة الظل لويز هيغ، "إن حزب العمال ملتزم بالملكية العامة للسكك الحديدية وإعادة وضع السيطرة على شبكات الباصات بيد الشعب من أجل تخفيض الأسعار وتحسين الخدمات وتصفير الانبعاثات".

وأضاف وزير المواصلات في حكومة الظل سام تاري، "في سبيل توضيح هذه النقطة كلياً، هذا هو موقف حزب العمال من الملكية العامة للسكك الحديدية". في زمن سابق، لقي التراجع عن تعهد التأميم رفضاً ومقاومة من إيد ميليباند، الزعيم العمالي السابق الذي يتولى الآن منصب وزير الأعمال في حكومة الظل، مع أنه يلتزم الصمت في الوقت الحالي.

للتاريخ، إن ما وعد به زعيم حزب العمال في عام 2020 هو "ملكية مشتركة. يجب أن تكون الخدمات بيد القطاع العام بدلاً من أن تدر الأرباح على المساهمين. ادعموا الملكية المشتركة للسكك الحديدية والبريد والطاقة والمياه. أنهوا التعاقد الخارجي في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، والحكومات المحلية والنظام القضائي".

ليست دقيقة تلك المزاعم القائلة إن ستارمر مزق بيان تعهداته الكامل، بنقاطه العشر، إذ لا يزال ملتزماً بـ"معارضة المحافظين بفاعلية" وبـ"المساواة" بلا شك. وفي المقابل، تقدم انعطافته المتزايدة، هو وريفز، إشارة إلى احتمال ابتعاد أكبر عن سنوات كوربين حينما سيحل الوقت الذي يقف فيه الحزب بمواجهة الناخبين مجدداً، إما العام المقبل، وإما في عام 2024. تتسع رقعة حرية التحرك هنا [بالنسبة إلى حزب العمال]، فيما تغلق بالنسبة إلى المحافظين، العازمين على الوفاء بتعهدات بيان عام 2019 مهما كلف الأمر.

يمكن تفسير استراتيجية ستارمر ببساطة بأنها تعني سياسات اجتماعية "بكلفة معقولة" على قياس ما يريد الناخبون المستهدفون أن يسمعونه، بدل ما يريد الناشطون أو حتى النواب، أن يروه. ولا شك في أنه موقف سيتسبب باستياء يساريين كثيرين، لكنه يتعارض بشكل صارخ مع اضطرار المرشحين على زعامة المحافظين لاسترضاء أعضاء حزبهم، بدلاً من أن يحاولوا أن يستميلوا الجمهور الواسع من الناخبين.

ومن المستطاع تذكر إحدى مقولات بلير للقول بأن الصورة التي يريد ستارمر أن يرسمها تظهر أنه هو من يقود حزبه، فيما يبدو أن تراس وسوناك مضطران لاتباع حزبهما.

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 27 يوليو 2022

© The Independent

المزيد من تحلیل