Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اكتشاف مقبرة جماعية شمال سوريا يعيد نبش مآسي مرحلة "داعش"

هياكل عظمية لمدنيين بينهم نساء وأطفال كانوا معصوبي الأعين وطلقات بالرأس في أغلب الجماجم

تتوقع مصادر أهلية وجود مزيد من المقابر الدفينة، إذ كانت التصفيات تحدث تحت جنح الليل أو بشكل مفاجئ (اندبندنت عربية)

بينما كان أحد عمال الحفر وهو ممسك برفش حديدي، ومنكب بكل جسده النحيل لاستخراج ما تبقى من تراب قد غطى بقايا عظام مقبرة جماعية في مدينة منبج، شمال سوريا، اكتشفت حديثاً، دارت في قرارة نفسه تساؤلات كثيرة عن مشاعر الخوف والهلع التي انتابت قرابة 30 شخصاً من بينهم نساء وأطفال كانوا قبل سنوات معصوبي الأعين قبل دفنهم بهذا المكان الموحش، وقد تحولوا اليوم إلى مجرد بقايا هياكل عظمية.

عمال البلدية يكشفون

المشاهد القاسية تلك، نقلها أحد عمال الحفر بعد اكتشاف المقبرة صدفة، إذ كانت البلدية في طور إنجاز أعمال مشروع حفر في أقنية الصرف الصحي بالقرب من مبنى الإدارة المدنية في منبج. وإلى اليوم ما زالت أعمال التنقيب جارية للعثور على المزيد بعد اكتشاف هياكل عظمية، بينها ما يعود لأطفال ونساء، ويعتقد أنها مقبرة حفرت إثر مجازر ارتكبها تنظيم "داعش" أثناء سيطرته على المدينة قبل سنوات ماضية (تقع على بعد 30 كيلومتراً غرب نهر الفرات).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان التنظيم المتشدد الذي سقط في عام 2019 بمنطقة الباغوز، شرق دير الزور قد سيطر على مدينة منبج، في ريف حلب الشمالي الشرقي منذ يناير (كانون الثاني) 2014 ولغاية يونيو (حزيران) 2016، بعد أن شنت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بدعم من قوات التحالف الدولي هجوماً استحوذت فيه على المدينة وريفها وسط عمليات عسكرية لمطاردة خلايا التنظيم.
وتفيد المعلومات الأولية بعدم صدور نتائج تحقيق نهائي، عدا بيان مقتضب يتحدث عن طريقة الكشف عن المقبرة بالصدفة، وذلك لاستكمال التحقيقات وتبيان نتائج الفحوصات الشاقة التي تواجه المتخصصين. ويسرد محمد علي العبو، العضو في الرئاسة المشتركة للمجلس التشريعي في منبج لـ"اندبندنت عربية" تفاصيل العثور على ثلاث جثث في المرحلة الأولى. وقال "لقد أوقفت البلدية أعمالها للبحث عن جثث متبقية، وخلال يومين وصل العدد إلى 29 هيكلاً عظمياً وأغلبها لمدنيين، بينهم نساء وطفلان، بعد حضور أطباء شرعيين وثقوا الأمر بشكل رسمي".
وتابع العبو "لقد اكتشف الفريق الطبي المتخصص جمجمة مهشمة، تبين أنها رأس محطم لامرأة، وكان لافتاً وجود عصائب على الأعين، كما اكتشف وجود طلق ناري بالرأس في أغلب الجماجم. ويعتقد أن المقبرة ضخمة والعمل ما زال جارياً لاكتشاف المزيد، ولكن لم يعثر على أدلة تفضي إلى حقيقة هوياتهم بعد".
في غضون ذلك، تابع الفريق الطبي عمله الشاق والمضني فالمقابر الجماعية تعد من أصعب المهام، في حين تتوقع مصادر أهلية وجود مزيد من المقابر الدفينة، إذ كانت التصفيات وعمليات القتل غير المعلنة تحدث تحت جنح الليل أو بشكل مفاجئ.
وفي حديث مع أحد أهالي منبج، أفاد بأن "داعش" كان يجري تصفيات واسعة، ويجبر المدنيين "على حفر قبورهم بأيديهم" قبل قتلهم رمياً بالرصاص، وذلك بسبب رفضهم الرضوخ لحكمه.
في المقابل، يعد الحكم بالإعدام عبر قطع الرأس أحد أبرز الأحكام وأصعبها حيث تنفذ نهاراً وفي ساحة عامة ولأعداد قليلة من الأشخاص بواسطة سيف. واشتهر في ذلك الوقت السياف أو "الجلاد" ذو القناع الأسود، ما أعاد سكان المدن التي سيطر عليها "داعش" إلى حقب تاريخية غابرة.


مدينة الرقة وأرض الموت

كما أعاد اكتشاف المقبرة إلى الأذهان ما قاساه المدنيون في مناطق "داعش"، فأسلوب الحياة الذي فرضه متخذاً من محافظة الرقة عاصمة له لا يمكن تطبيقه، ولهذا كثرت المذابح والمقابر الجماعية ولغة القتل والإبادة كانت أكثر سيطرة وتنفذ بلا هوادة على من تبقى من الناس، بعد أن هاجر سكان المدينة الذين فضلوا أن يعانوا ألم النزوح على البقاء والتعرض للقصاص بسبب سيجارة، فالتدخين ممنوع ومن يدخن يجلد في عرف التنظيم المتطرف.
في سياق متصل، قال قائد فريق المفقودين والطب الشرعي السوري، ياسر خميس إن "عدد المقابر الجماعية تجاوز 29 مقبرة وعثرنا على 6100 جثة، ولم تعرف هوية إلا 700 جثة فقط".
ولم يشارك الفريق السوري للمفقودين والطب الشرعي بالرقة في العمل ضمن فريق مقبرة منبج لأسباب تتعلق بتلقيه تدريبات مكثفة على أيدي خبراء أجانب من الأرجنتين. وذكر قائد الفريق أن التدريبات من قبل المركز السوري والفريق الأرجنتيني ستمنح القدرة على المشاركة الفعالة في ميدان العمل وفي الكشف عن المقابر الجماعية. وأردف قائلاً إن "محاور التدريب تشمل التحقيقات السياقية قبل فتح أي مقبرة، وقسم منها مع العائلات، والتواصل معها عبر فريق متخصص بالبحث والانتشال والأطباء وفريق العمل والمصورين الشرعيين".
من جهتها، طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في أعقاب سقوط "داعش"، بدعم مجموعة العمل التي تسعى إلى الكشف عن المقابر الجماعية شمال شرقي سوريا، "وتقديم المساعدة التقنية لها لحفظ الأدلة على جرائم محتملة والتعرف على الرفات".
في المقابل، جزم قائد فريق العمل في الرقة، بأن فريقه منعزل عن الإدارة الذاتية مالياً وإدارياً، ويواجه تحديات عميقة في العمل منذ عام 2013 من دون أي تدريبات، مشيراً إلى أن "إكرام الميت دفنه"، ولكن انتابه تفاؤل بعد الشراكة الأرجنتينية، فقال "عملنا بشكل أكاديمي وهيكلنا الفريق بما يتناسب مع التطورات، ويمكن القول إنه بعد التدريبات الأخيرة يمكن أن نصف أنفسنا أنه أصبح لدينا فريق متخصص وأكاديمي يمكن الاعتماد عليه بالميدان والحصول على نتائج مرضية".
ولدى سؤاله عن وجود أي خريطة توضح انتشار المقابر الجماعية، قال قائد فريق العمل، ياسر خميس "سنترك المقابر في مكانها إلا في الحالات الإسعافية منها ريثما يتم تدريبنا الكامل. ومن المتوقع بعد ذلك أن يتبادر إلى مسامعنا العثور على مزيد من مقابر جماعية دفنت في أرض الفرات".

المزيد من متابعات