Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صعوبات اقتصادية واجتماعية أمام علاج مدمني المخدرات في فلسطين

هناك تحديات عديدة تواجههم أبرزها إنكار الأهل وجودهم في المنزل

ماراثون مكافحة المخدرات الذي عقد في رام الله كجزء من الفعاليات التوعوية الخاصة بالمخدرات (جهاز الشرطة الفلسطينية)

"كان لديَّ رهاب اجتماعي واكتئاب في طفولتي، ولم يكن لدى عائلتي الوعي الكافي بأهمية الصحة النفسية آنذاك، ولهذا بدأت مع المراهقة أجرب كثيراً من الأشياء، ففي الثانوية أدمنت النيكوتين، وفي الجامعة بدأت رحلتي مع المخدرات"، يروي أحمد (28 سنة من فلسطين) تجربته مع الإدمان التي بدأت بشكل قوي في المرحلة الجامعية، إذ اختار الدراسة في جامعة بعيدة من أسرته المحافظة، وهناك بدأ بتحقيق ما كان يريد تجربته دائماً، وهو المخدرات، وما سهل هذا الأمر عليه هو اعتياد رفاقه من الطلبة على أنواع مختلفة من المخدرات القوية والخفيفة.

ويتابع أحمد أنه بعد التجربة، للمرة الأولى، بات يريد تجربة المزيد، ولكن لأن رفاقه لم يعطوه المجال للحصول على كميات كبيرة من المخدرات كان ينتظرهم حتى يخرجوا من الشقة السكنية ليحصل على القليل منها، في محاولة لتحسين المزاج والخروج من الحال النفسية السيئة، وتطور هذا الأمر لاحقاً ليتعرف إلى مصادر هذه المخدرات، ويبدأ بتجربة مزيد من الأنواع. هذا الإدمان المتزايد أثر بشكل واضح في دراسة أحمد، إذ تراجع مستواه في الجامعة بشكل كبير، وساءت حاله النفسية. أضاف إلى لائحة إدمانه بعض الأدوية كـ"الترامادول"، التي لم تخل أدراجه أو جيوبه منها يوماً، وهذا ما أدى إلى انخفاض ثقته بالناس، والفشل في إيجاد عمل له، وإصابته بنوبات انهيار عصبي، ما دفعه إلى إخبار أشقائه الذين أصيبوا بخيبة أمل كبيرة ولكنهم قدموا له المساعدة الكاملة للابتعاد عن التعاطي.

لكن قصة أحمد لم تتوقف هنا، فترك المخدرات أدخله في دوامة انطواء نفسي لمدة ستة أشهر، أمضاها في غرفته ما بين حالات الانهيار العصبي والبكاء، والخوف من مقابلة الناس، الأمر الذي أجبره على بدء تلقي العلاج النفسي منذ عام 2019 وحتى الآن عند أحد الأطباء، وقطع علاقاته مع المدمنين من رفاقه، والتوقف تماماً عن تناول الأدوية التي اعتادها أثناء الدراسة.

تحديات عديدة تواجه علاج المدمنين

هناك عديد من المراكز التي تقدم العلاج لهؤلاء المدمنين في فلسطين، ومنها جمعية "الصديق الوفي"، إذ تقول مديرتها سوزان أبو العسل إنهم بدأوا حديثاً في استقبال الحالات من مختلف مناطق الضفة الغربية ومن مختلف الفئات مقابل أسعار رمزية، إما من خلال تحويل مباشر من النيابة العامة، أو طلب من المدمن نفسه أو ذويه، إذ يتم تقديم العلاج له، بالتزامن مع خدمات إرشادية لذويه والمحيطين به، ووضع خطة رعاية لستة أشهر تتضمن جلسات أسبوعية وشهرية لمتابعة حال المتعافي في حال حدوث أي انتكاسة، أو رغبة في العودة للتعاطي من جديد. وفي هذا السياق تقول المختصة النفسية في الجمعية حنان وليد، إن هناك جلسات علاج جماعية تقدم خلال عملية التعافي لجميع النزلاء الذين تتراوح أعمارهم ما بين 19 و50 عاماً، بغض النظر عن درجة انخراطهم في عملية التعاطي أو استعمال المواد المخدرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولكن هناك تحديات عديدة تواجه المدمنين خلال العلاج، أبرزها، كما أشارت أبو العسل، تنبع من إنكار الأهل وجود مدمن في المنزل، وعدم التوجه لعلاجه إلا حين يحاول إيذاء نفسه أو شخص ما حوله، أو التورط في قضايا جنائية، إضافة إلى صعوبة الظروف الاقتصادية واكتفاء البعض بالعلاج الأولي، وعدم الالتزام بالجلسات النفسية لأسباب كثيرة من أبرزها الثقافة المجتمعية التي تربط العلاج النفسي بالجنون، مضيفة أن غياب الدعم لهذه المراكز يعوق استقبال مزيد من الحالات أو ضمان تحسين الخدمات لهم.

من جانبها، ترى المختصة النفسية حنان وليد أن غياب النظام الصحي في الضفة الغربية الذي يلزم المتعافي بخطة علاجية تمتد على فترة زمنية وشروط معينة، إضافة إلى ترك قرار استكمال العلاج من عدمه للعائلة، يعني احتمال إيقاف العلاج للظروف المالية أو غيرها من الأسباب، بخاصة أن التعافي من كل مادة يختلف من حيث الفترة الزمنية والحاجة إلى الاستمرار والمتابعة والالتزام بالعلاج، كما أن معاناة المدمنين لا تنتهي بعد تعافيهم، فهم يواجهون صعوبة أمام المجتمع والعودة للحياة اليومية، في ظل المعيقات الحياتية والاقتصادية وغياب الخدمات الصحية والنفسية، وسهولة الحصول على المخدرات.

مراكز مجانية قليلة في فلسطين للعلاج

جمعية "الصديق الوفي" هي واحدة من مراكز قليلة تعالج المدمنين في الضفة، إذ أوضحت إيمان عدوي مديرة دائرة المخدرات في وزارة التنمية الاجتماعية أنه يوجد مركزان حكوميان مجانيان، الأول يشمل العلاج من أنواع الإدمان كافة، والثاني مخصص فقط لمدمني مادة الهيروين، وتقدم هذه المراكز الخدمات لجميع الفئات والأعمار، سواء أكان تلقى العلاج داخل المركز بشكل مباشر أو في مكان آخر، بالاعتماد على قرار لجنة طبية خاصة، مضيفة أن هناك عدداً من المراكز الخاصة أيضاً، لكن العلاج فيها مكلف، وهذا ما قد يدفع البعض إلى العزوف عن العلاج بخاصة أن التكلفة تقدر بـ1000 دولار شهرياً.

وتتابع مديرة دائرة المخدرات في الوزارة أن فريق مكافحة المخدرات ينفذ عديداً من البرامج والفعاليات التوعوية التي تشمل المدارس، والجامعات، ومؤسسات المجتمع المحلي، لمحاولة مواجهة انتشار المخدرات وإيقاف آثارها النفسية والاجتماعية والاقتصادية على المدمنين والمحيطين بهم، بالتعاون مع عديد من الجهات الرسمية والفاعلة كوزارة الصحة والشرطة، والتي كان آخرها ماراثون اليوم العالمي لمكافحة المخدرات.

المزيد من تقارير