مع منتصف الشهر تقريباً عدلت معظم البنوك الاستثمارية والشركات الاستشارية والمؤسسات الدولية توقعاتها للركود الاقتصادي بالسلب ليصبح هذا العام بدلاً من العام المقبل، وبانتظار رفع الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" سعر الفائدة بثلاثة أرباع النقطة المئوية قبل نهاية هذا الشهر، أصدرت هذه الجهات من "غولدمان ساكس" إلى بنك "أوف أميركا" مذكرات تشير إلى أن الركود الاقتصادي ربما بدأ في أكبر اقتصاد في العالم، وكذلك أشارت تقديرات أخرى إلى أن الاقتصاد الألماني، أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، انكمش بالفعل ربع العام الماضي وربما ينكمش في الربع الثالث ما يعني تقنياً أنه في ركود.
أداء الاقتصاد العالمي
وتضافرت عوامل عدة خلال العام ونصف العام الماضي لتدفع باتجاه التشاؤم المبرر حول مستقبل أداء الاقتصاد العالمي، فنتيجة الأزمة الاقتصادية في عام كورونا، ضخت الحكومات مساعدات هائلة في الاقتصاد للحفاظ على النشاط من التوقف، ونتيجة لذلك ارتفعت الأسعار بشكل هائل حتى أصبحت معدلات التضخم عند مستويات غير مسبوقة، ثم بدأت البنوك المركزية منذ نهاية العام الماضي في رفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم.
وخلال هذا العام رفعت أربعة أخماس البنوك المركزية حول العالم أسعار الفائدة بنحو 1.5 في المئة تقريباً، وأدى ذلك إلى انهيار أسواق الأسهم، كما أسهم في تباطؤ النشاط الاقتصادي عموماً.
وتشير بيانات مؤشرات مديري المشتريات التي تصدرها مؤسسة "ستاندرد أند بورز" إلى أن النشاط الصناعي في الدول الرئيسة آخذ في التراجع، وعلى الرغم من ضعف إنتاجية العاملين في معظم الاقتصادات الكبرى، إلا أن الأجور تواصل الارتفاع وإن كانت نسبة التضخم تجعل القيمة الحقيقية لتلك الأجور أقل.
تقديرات "إيكونيميست"
وتعتمد نظرة التشاؤم وتقدير وصول الركود الاقتصادي بالفعل على مؤشرات عدة، منها أن أسعار الفائدة في الولايات المتحدة لم ترفع بهذا المعدل وتلك الوتيرة منذ عام 1955 سوى ثلاث مرات خلال أعوام 1973 و1979 و1981، وفي كل مرة كان الركود الاقتصادي يلي ذلك في غضون فترة قصيرة، في حدود ستة أشهر.
تشكل اقتصادات الدول الكبرى نحو 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتعاني تلك الاقتصادات من تباطؤ شديد في النمو منذ منتصف العام الماضي.
وجاءت الحرب في أوكرانيا والعقوبات على روسيا هذا العام لتزيد من الضغط على النمو الاقتصادي في ظل ارتفاع الأسعار، ومع ذلك خصصت مجلة "إيكونيميست" الموضوع الرئيس في عددها هذا الأسبوع لموضوع الركود تحت عنوان "لماذا من الباكر القول إن الاقتصاد العالمي دخل في ركود".
واستخدمت "ايكونيميست" نموذج تحليل يشبه ما يعتمده المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية الأميركي من وضع سيناريوهاته على أساس عوامل أخرى غير نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي. ومعروف أنه إذا انكمش النمو لربعين متتالين يصبح الاقتصاد في ركود، لكن المكتب ينظر في الجوانب الأخرى للاقتصاد، وكذلك فعلت "ايكونيميست" التي تعد أهم إصدار اقتصادي في العالم الرأسمالي.
وخلاصة الدراسة المطولة للمجلة أنه يصعب القول إن العالم دخل في ركود اقتصادي بالفعل، فعلى الرغم من الإقرار بكل العوامل السلبية التي نشهد تأثيرها، إلا أن الوضع الأساس للاقتصاد يظل جيداً، بخاصة في ما يتعلق بالوضع الجيد لاقتصادات الأسر والشركات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويراهن قليل من الاقتصاديين المتفائلين على أن الإنفاق الاستهلاكي الذي يشكل نحو ثلثي النمو في الناتج المحلي الإجمالي للاقتصادات المتقدمة يمكن أن يعكس هذا التوجه السلبي.
وبحسب تقديرات الدراسة فإن الأسر في الدول المتقدمة راكمت ما يصل إلى 3 تريليونات دولار من المدخرات الفائضة في وقت أزمة وباء كورونا، فحسب بيانات "جيه بي مورغان تشيس" وبحلول مارس (آذار) 2022 كان حساب النقد لدى الأسر الأقل دخلاً أعلى بنسبة 70 في المئة عما كان عليه في عام 2019.
وبحسب بعض الدراسات يبدو الناس أكثر ثقة في أوضاعهم المالية من ثقتهم في وضع الاقتصاد العام، كما أن الاستثمارات سواء من الحكومة أو إلى حد ما من القطاع الخاص، لم تتوقف بشكل كامل كما حدث قبل تجارب الركود السابقة على الرغم من ارتفاع المديونيات وعجز الموازنة.
وتشير "ايكونيميست" إلى أن آثار رفع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية لم تظهر كاملة بعد، مما يجعل من الصعب القول إننا أصبحنا في وضع ركود اقتصادي بالفعل.
وفي النهاية لا تستبعد دراسة المجلة الركود التقني، لكنها تشير إلى تفاؤل بأن أساسات الاقتصاد تبدو أفضل من الحالات السابقة للركود العالمي، مما يعني أن احتمال خطر الركود الطويل والعميق ليس قوياً جداً كما يتصور المتشائمون.