Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يمهد بيان حميدتي الطريق لتنحي العسكر عن حكم السودان؟

نددت "لجان المقاومة" بموقف "قوى الحرية والتغيير" المائل إلى تسوية جديدة مع العسكر

 تعهد حميدتي بانشاء جيش موحد واصلاح منظومة القوات النظامية فلقي ارتياحاً وترحيباً متحفظاً (اندبندنت عربية - حسن حامد)

قبل أن تستفيق الساحة السياسية السودانية من جدل غموض محتوى خطاب الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، في 4 يوليو (تموز) الحالي، الذي أعلن فيه انسحاب المكون العسكري من مائدة الحوار السياسي مع المدنيين، وانتهى به المطاف برفضه من قبل "قوى الحرية والتغيير"، صدر بعد أقل من شهر، بيان نائبه، قائد "قوات الدعم السريع"، محمد حمدان دقلو (حميدتي) ليعلن هذه المرة عزمهم على تسليم السلطة للمدنيين وعودة القوات المسلحة إلى ممارسة دورها وفق القانون والدستور، فلقي الأخير ترحيباً حذراً واستحساناً متحفظاً، بخاصة من قبل تحالف قوى الحرية والتغيير الذي رأى فيه "إقراراً إيجابياً بمطالب الحركة الاحتجاجية وخطوة للتراجع عن الانقلاب".

اتجاهات الأزمة

وبخلاف رد الفعل على خطاب البرهان، اعتبرت قوى سياسية عدة بيان "حميدتي"، على الرغم من تعضيده ما جاء في خطاب رئيس الأركان، بمثابة خطوة أكثر تقدماً وإفصاحاً من سابقه، إذ إنه أعلن صراحة عن عزم القوات المسلحة التخلي عن الحكم للمدنيين والالتزام بجيش مهني موحد وفق المهام التي نص عليها الدستور والقانون، ما خلف مجموعة من الأسئلة والاستفهامات الحائرة حول الاتجاه الذي سيدفع نحوه هذا البيان، دفة الأزمة السياسية السودانية، وعلى أي مرفأ سترسو؟ وهل سيمهد فعلاً الطريق لتنحي المكون العسكري من المشهد السياسي نهائياً ليتفرغ الجيش لمهامه الدستورية والقانونية، وتؤول شؤون الحكم للمدنيين؟

ما تحت السقف

على الرغم من تجمد سقف مطالبه عند شرط إنهاء الانقلاب، وصف المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، بيان نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، بترك الحكم للمدنيين بـ"الأمر الإيجابي"، معتبراً إياه "امتداداً لخطوات تراجع السلطة الانقلابية والتي نتجت عن بسالة الشعب السوداني وتمسكه بقضاياه العادلة واستكمال مسيرة ثورة ديسمبر (كانون الأول) المجيدة".
وقال المكتب التنفيذي لتحالف الحرية والتغيير إن بيان حميدتي "تضمن إقراراً إيجابياً ببعض المطالب الجماهيرية، أهمها ضرورة تسليم السلطة كاملة للمدنيين، وخروج المؤسسة العسكرية كلياً من السياسة وتفرغها لمهامها الدستورية، مع الالتزام بالإصلاح الأمني والعسكري الذي يشمل الوصول إلى جيش مهني وقومي والالتزام بالسلام واستكماله".
وشدد التحالف على أن "الانقلاب يقود البلاد إلى وضع خطير يهدد استقرارها ووحدتها، ولا مجال من النجاة من المصير المخيف إلا بتنحي السلطة الانقلابية وتأسيس سلطة مدنية كاملة تعبر عن الثورة وقضاياها، من خلال مرحلة انتقالية يشرع فيها على الفور بالإصلاح الأمني والعسكري المفضي إلى جيش واحد، فضلاً عن مخاطبة قضايا العدالة بصورة شاملة ومنصفة وتنفيذ مهام ثورة ديسمبر المجيدة، تتم في نهايتها انتخابات حرة ونزيهة يختار فيها شعبنا من يحكمه".

إعلان واستهجان

وأكدت "قوى الحرية والتغيير" أن "وحدة قوى الثورة أمر حاسم لتأسيس السلطة المدنية الديمقراطية الكاملة وأنها بصدد طرح مشروع إعلان دستوري لكل قوى الثورة والقوى المدنية والسياسية الديمقراطية يستند إلى كل ما أنتجته قوى الثورة من مواثيق وإلى التقييم الأمين والشفاف لتجاربنا الانتقالية، بما يضمن وضع بلادنا على طريق التحول الديمقراطي المستدام وجعل انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول)، آخر انقلابات بلادنا ولتغلق هذه الصفحة بصورة كلية".
ودعا التحالف المعارض، "المجتمع الإقليمي والدولي إلى التضامن مع الشعب السوداني ودعم سعيه الدؤوب للسلام والعدالة والحرية، ما يتطلب تفهماً عميقاً بأن معادلة الاستقرار في السودان ترتبط بالتحول المدني الديمقراطي الحقيقي".
من جانب آخر، طالب القيادي "في حزب الأمة القومي"، إمام الحلو، "نائب رئيس مجلس السيادة بضرورة إتباع بيانه بخطوات فعلية نحو تسليم الحكم للمدنيين وتفرغ الجيش لمهامه العسكرية، لكنه سيظل مجرد حديث ما لم يتبعه فعل وتنفيذ، لأن انسحاب المؤسسة العسكرية يجب أن يتم وفق مرسوم مباشر يحدد من خلاله الموقف وعملية التسليم".
على صعيد حراك الشارع، استهجنت "لجان المقاومة" موقف "المجلس المركزي للحرية والتغيير"، اعتبار بيان حميدتي إقراراً إيجابياً ببعض مطالب الحراك الجماهيري، معتبرة أن "ذلك إنما يؤكد مضي الحرية والتغيير نحو تسوية جديدة مع العسكر"، مشددين على رفضهم أي حكومة جديدة يكون على رأسها القائد العام للجيش.

إيجابية الثورية

بدورها، اعتبرت "الجبهة الثورية"، التي تضم عدداً من الحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا، بقيادة الهادي إدريس، عضو مجلس السيادة الانتقالي، بيان حميدتي "خطوة متقدمة تفتح الطريق لحل الأزمة السياسية وتشكل اختراقاً لحالة الجمود الراهنة"، داعية "كل القوى السياسية إلى تدبر المعاني المفتاحية الواردة في البيان والتي يمكن البناء عليها في عملية البحث عن حل للأزمة".
وقالت "الجبهة الثورية" في بيان، إن حميدتي "أكد بوضوح ترك أمر الحكم للمدنيين وتفرغ القوات النظامية لأداء مهامها الوطنية الواردة في الدستور والقانون، مع العمل على إصلاح المؤسسة العسكرية والأمنية وصولاً إلى جيش مهني واحد يعكس تنوع السودان".
ودقت "الجبهة الثورية" في بيانها "ناقوس الخطر إزاء استمرار حالة انسداد الأفق السياسي على مستقبل بلادنا وأمنها واستقرارها"، مشيرة إلى أن هذا هو ما ظلت تنبه إليه ودفعها إلى طرح مبادرتها لدرء تلك المخاطر المحدقة بالبلاد، فضلاً عن الالتزام بتنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان واستكماله، كما تضمن المبادرة "الالتزام التام بالعمل من أجل حماية أهداف ثورة ديسمبر المجيدة وحماية المرحلة الانتقالية حتى تقود إلى تحول ديمقراطي حقيقي وانتخابات حرة ونزيهة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


التنحي أو الانهيار

في السياق، رجح أستاذ العلوم السياسية صلاح الدين الدومة، أن "يفاقم بيان حميدتي الخلافات المكتومة داخل المكون العسكري، ورفع وتيرة الخلخلة وتباين الرؤى حول التعامل مع الأزمة داخل مجلس السيادة الانتقالي، بخاصة في ظل التدهور الاقتصادي والأمني المتصاعد وانتشار الصراعات القبلية الدموية وتمددها من دارفور إلى مناطق أخرى كانت أكثر استقراراً".
وأبدى الدومة مخاوفه من "إحكام الفريق البرهان سيطرته على الوضع وهيمنته على بقية أعضاء المكون العسكري، قد يشكل عقبة تصعب اتخاذ قرار جماعي، بالتالي في هذه الحالة فإن الانهيار قد يسبق التنحي"، مشيراً إلى أن "مناورات المكون العسكري طوال الفترة السابقة خلفت فجوة في الصدقية من خلال تصريحاته وإعلاناته، بعدم التزامه بتعهداته، لا يستبعد معها ظهور خطاب لاحق يحمل تراجعاً عما جاء في بيان حميدتي من إشارات وصفت بالإيجابية"، لافتاً إلى أنه "في حال التنصل واستمرار العسكريين في الإمساك بالسلطة، فإنهم سيكونون أمام خياري التنحي أو الانهيار، بخاصة أن حكومة الانقلاب تعيش ضغوطاً وتداعيات جعلتها آيلة للسقوط الفعلي".
ورأى الباحث السياسي عبد الماجد البشرى أن "بيان حميدتي كان أكثر وضوحاً وصراحة من خطاب الفريق البرهان بخاصة في تناوله الوضع المتدهور الذي تعيشه كل البلاد وإقليم دارفور على وجه الخصوص، ما يتطلب فعلاً سرعة الوصول إلى تسوية تجنب السودان أي آثار كارثية قد تنتج عن أي إطالة لأمد الأزمة".
وأشار البشري إلى أن "بيان قائد الدعم السريع انطوى على كثير من التعقل السياسي والتفهم لوضع البلاد، بخاصة في تلميحه لأول مرة بإمكانية دمج قوات الدعم السريع ضمن القوات المسلحة، وإعلانه نية بناء جيش واحد مهني يعكس تعدد السودان وتنوعه ويحافظ على أمن البلاد وسيادتها". وأضاف الباحث السياسي أن أعمق ما تضمنه إعلان حميدتي بجلاء ووضوح، قوله "قررنا بصورة صادقة أن نترك أمر الحكم للمدنيين وأن تتفرغ القوات النظامية لأداء مهامها الوطنية المنصوص عليها في الدستور والقانون".

هندسة انتقالية

على صعيد متصل، قال رئيس "حزب الأمة" مبارك الفاضل لـ"اندبندنت عربية"، إن "تنحي المكون العسكري عن السلطة الانتقالية بشكل كامل يبدو أمراً غير واقعي، بخاصة في ظل غياب جهة مدنية مفوضة، لكن تظل هناك إمكانية لهندسة سلطة انتقالية يكون القرار السياسي فيها للمدنيين، وللعسكريين دورهم التخصصي فضلاً عن دور مشترك في ما يخص الأمن القومي الوطني"، مشيراً إلى أن "خطاب البرهان هو الذي فتح الطريق ثم جاء بيان حميدتي مؤيداً لذلك الخط".
وكان الفاضل، قد وصف موقف حميدتي بأنه "حكيم ومتقدم" و"يتسق تماماً مع الدور الكبير الذي قام به الفريق حميدتي وقوات الدعم السريع في إسقاط نظام الإنقاذ والانحياز لثورة الشعب".
في المقابل، دشن الحزب الشيوعي السوداني وتجمع المهنيين السودانيين، وكيانات أخرى، "تحالفاً سياسياً جديداً للتغيير الجذري" بهدف إسقاط الانقلاب العسكري وتسلم السلطة بالمركز والولايات.
وقال محمد مختار الخطيب، السكرتير السياسي للحزب، في مؤتمر صحافي بالخرطوم، إن "التحالف الجديد سيضم كل القوى السياسية والنقابية ولجان المقاومة المؤمنة بالتغيير الجذري، والرافضة لأفكار التسوية مع الانقلاب".
واتهم الخطيب قوى الحرية والتغيير بأنها "لا تزال مؤمنة بالتسوية مع العسكر وتسبح عكس تطلعات الشارع الثوري"، مستبعداً "مشاركة الجبهة الثورية في التحالف لتعاونها مع العسكر".

ما بين الخطاب والبيان

وكان الفريق دقلو، أعلن في بيان مسائي متلفز، أن "الجيش لن يتمسك بسلطة تؤدي إلى إراقة دماء شعبنا وتعصف باستقرار بلادنا، لذا قررنا إتاحة الفرصة إلى قوى الثورة والقوى السياسية الوطنية أن يتحاوروا ويتوافقوا من دون تدخل من المؤسسة العسكرية".
وسبقه البرهان قبلها بأقل من شهر بإعلان انسحاب المؤسسة العسكرية من الحوار السياسي مع القوى السياسية المدنية، برعاية مشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة "إيغاد"، مشيراً في خطابه المتلفز أيضاً إلى أنه سيتم حل مجلس السيادة بعد تشكيل الحكومة التنفيذية، وتشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة من الجيش وقوات الدعم السريع ليتولى القيادة العليا للقوات النظامية، ويكون مسؤولاً عن مهام الأمن والدفاع بالاتفاق مع الحكومة التي يتم تشكيلها. وأتبع البرهان ذلك بإعفاء الأعضاء المدنيين في مجلس السيادة الانتقالي، مبقياً على الأعضاء من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام، وهم: مالك عقار، والهادي إدريس والطاهر أبو بكر حجر.

وكانت أولى جلسات الحوار السوداني المباشر انطلقت في 8 يونيو (حزيران) الماضي، برعاية الآلية الثلاثية، غير أنها علقت في المهد بسبب مقاطعة تحالف الحرية والتغيير المعارض وقوى ثورية أخرى.
ومنذ 25 أكتوبر 2021 يشهد السودان مواكب احتجاجية شعبية متواصلة تطالب بالحكم المدني الديمقراطي وترفض ما سمته انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الذي أطاح الشراكة مع المكون المدني وحل مؤسسات الفترة الانتقالية التي كانت قائمة.

المزيد من تقارير