تسببت التطورات الأخيرة على الساحة الليبية، خصوصاً الأمنية منها، في مأزق حاد لحكومة الوحدة في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي بدأت تواجه ما يشبه حالاً من العزلة السياسية والاجتماعية، بعد أن تواترت الدعوات لرحيلها في المنطقة الغربية، مقر قاعدتها الشعبية الكبرى في البلاد.
وكان السبب الرئيس في الموقف الحرج الذي تعيشه حكومة الدبيبة حالياً فشلها الأمني في التعامل مع الأحداث الخطيرة التي شهدتها طرابلس ومصراتة أخيراً، بل ومشاركة أطراف عسكرية تابعة لها في الاشتباكات التي شهدتها المدينتان، وأدت إلى خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات العامة.
آخر ملامح العزلة التي تعيشها الحكومة حالياً ظهرت في مدينة الزاوية، حيث أجمع حشد كبير من القيادات القبلية والسياسية والاجتماعية في الغرب الليبي على دعم منافسه على رئاسة الوزراء فتحي باشاغا وحكومته الانتقالية لقيادة البلاد إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
دعم قبلي وجهوي
طالب عدد كبير من وجهاء القبائل والقادة المحليين، في غرب ليبيا، حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة بتسليم السلطة لنظيره المكلف من البرلمان فتحي باشاغا، عقب اجتماع لهم بالأخير عقد بمدينة الزاوية.
وقال قادة القبائل في بيان، "تستشعر المنطقة الغربية خطورة الواقع الحالي واستمراره، والذي سيؤدي بالبلاد إلى منزلق خطير، مع احتدام الصراع السياسي بين كل الأطراف، ما بات يستوجب ضرورة إنهاء مراحل انعدام الاستقرار السياسي والتمزق الاجتماعي بين المدن والقبائل والعمل على استعادة سيادة الدولة".
وأضاف البيان، "اتفق المجتمعون على ضرورة توحيد المؤسسة العسكرية ودعم الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان وإنهاء المراحل الانتقالية، فضلاً عن إطلاق سراح جميع المعتقلين من كل السجون في ليبيا وجبر الضرر، وتشكيل مجلس لمشايخ المنطقة الغربية، وتشكيل لجان مصالحة داخلية وخارجية للتواصل مع المهاجرين خارج الوطن والنازحين داخله".
وأكد قادة القبائل "عودة المهجرين والنازحين إلى مدنهم وقراهم من دون قيد أو شرط مع ضمان أمنهم وسلامتهم، وإيقاف التدخلات الخارجية في الشأن الليبي، وإخراج جميع القوات العسكرية الأجنبية من البلاد".
وجاءت الدعوة التي أطلقتها قيادات قبلية من مدينة الزاوية بعد يومين فقط من دعوة مماثلة أطلقت من قلب العاصمة، ومن عمداء أكبر بلدياتها، طرابلس المركز وتاجوراء وسوق الجمعة، لخروج حكومة الدبيبة من مدينتهم بعد فشلها في السيطرة على الاشتباكات الدامية التي شهدتها وأودت بحياة نحو سبعة مدنيين.
قبلة الحياة لباشاغا
مثل الدعم المهم الذي تلقته الحكومة الجديدة المكلفة من البرلمان من أطراف اجتماعية وسياسية في المنطقة الغربية قبلة الحياة لها ولرئيس وزرائها فتحي باشاغا، بعد أن كان موقفها صعباً وضعيفاً في الأسابيع الماضية، عقب فشلها في دخول طرابلس بالقوة.
باشاغا أشاد بملتقى فعاليات المنطقة الغربية، الذي عقد الأحد، في قاعة مصفاة الزاوية، ووصفه بأنه "نموذج وطني وحضاري مشرف"، مؤكداً أن "الملتقى يرسخ مبدأ الوحدة الوطنية، وهو تعبير حر عن إرادة الشعب الليبي الذي يرزح تحت بطش الفوضى والظلم والفساد".
واعتبر أن "الملتقى يشير بوضوح لتطلع الشعب الليبي إلى قيام دولة مدنية وديمقراطية تحتكم إلى الشرعية الدستورية"، مشيراً إلى "وجود حراك شعبي كبير داعم للحكومة الليبية في الشرق والجنوب ومدينة مصراتة والمنطقة الغربية بأسرها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال باشاغا إن "هذا الحراك يعطينا الأمل في أن الروح الوطنية الجسورة ستنتصر على (عصبة الفساد)، التي اعتقدت أنها تستطيع شراء الوطن بالمال الحرام".
في المقابل، ردت أطراف موالية لحكومة عبد الحميد الدبيبة على ملتقى الزاوية وما خلص إليه، ووصفت المشاركين فيه بـ"القلة التي لا تمثل إلا نفسها، ولا يحق لها الحديث باسم كل القبائل في غرب ليبيا".
وكاد الصراع الحاد بين باشاغا والدبيبة يتسبب في صدامات عنيفة بين كتيبتين مواليتين لهما في مدينة مصراتة، مسقط رأسيهما، خلال اليومين الماضيين، لأول مرة منذ بداية الأزمة في البلاد، قبل أن تنجح قيادات محلية في تهدئة الموقف.
لا حل لهذا الصراع
عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي قال إن "ما خلص إليه ملتقى فعاليات المنطقة الغربية بالزاوية، يدل على أن حكومة باشاغا بدأت تحصل على ثقة الشارع، الذي بدأ في المقابل يفقد الثقة في تصرفات الدبيبة".
واعتبر العرفي أن بيان الملتقى "يصب في صالح دولة المؤسسات والقانون"، متوقعاً "دخول باشاغا إلى طرابلس قريباً، وهو الآن بصدد وضع الترتيبات الأخيرة لتحقيق ذلك".
في السياق، قال السفير الأميركي، ريتشارد نورلاند، إن "الخلاف بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة ورئيس الحكومة الليبية المنبثقة عن البرلمان فتحي باشاغا لا يمكن حله إلا بالانتخابات".
وكشف نورلاند عن فحوى اتصالات له برئيسي الحكومتين المتنافستين على السلطة بقوله، "لقد شجعتني مكالمات هذا المساء مع كل من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ونظيره فتحي باشاغا، وسماع كلا القياديين يلتزم تجنب العنف، وإيجاد طرق لتهدئة الموقف في أعقاب الأحداث المأساوية الأخيرة".
وتابع، "نقلت مخاوف عميقة لدى باشاغا من أن حقوقه في التعبير السياسي تتعرض للتهديد من قبل الجماعات المسلحة، ونقلت مخاوف الدبيبة في شأن الخطوات التي اعتبرها مزعزعة للنظام العام".
وخلص السفير الأميركي إلى أن "أساس الخلافات بين الأطراف هو موضوع الشرعية، ولا يمكن حل هذا الخلاف إلا من خلال الانتخابات".
الاحتمال الأسوأ والحل الوحيد
توقع رئيس المكتب السياسي لحزب "تيار ليبيا للجميع"، فتحي البعجة، أن "تتجدد الاشتباكات بين الميليشيات المسلحة، لأن باشاغا حصل على دعم من قوى كثيرة على الأرض، ولن يقف مكتوف الأيدي بعد كل محاولاته السابقة دخول طرابلس".
وأكد البعجة أن "باشاغا سيعيد الكرة، وهذه المرة قد ينشأ عنها معارك طويلة بسبب انضمام بعض القوى التي تقف في حال تأهب، سواء في طرابلس أو خارجها، والعملية تتجه نحو الحرب لأن الحل السلمي مع الدبيبة أمر مستحيل".
وبشأن دعوة الولايات المتحدة إلى تشكيل حكومة موحدة، قال البعجة إن "مثل هذه الحكومة يقصد بها حكومة ثالثة، وهذه طبعاً قفزة في الهواء من شأنها أن تعقد الأزمة".
وأضاف، "أعتقد أن مسألة التوافق وصلت إلى حدودها النهائية، والعملية تتجه للأسف نحو الحسم باستخدام القوة المسلحة، إذ لا بد أن يكون هناك منتصر ومهزوم في هذه الأزمة".
الحل السلمي الوحيد للأزمة في ليبيا يتجسد في الاتفاق العاجل بين رئاسة مجلسي الدولة والنواب على قاعدة دستورية وموعد نهائي لإجراء الانتخابات، بحسب المرشح الرئاسي، سليمان البيوضي. الذي شدد على أن "اتفاق المجلسين بات أمراً ملحاً بعد أن ازدادت حالة الانقسام والاصطفاف السياسي تعقيداً في ظل غياب رؤية للحل".
ودعا البيوضي المجلسين إلى "الاتفاق العاجل على طبيعة السلطة التنفيذية التي ستنفذ الانتخابات، هل ستكون موحدة أم ثنائية".
وحذر المرشح الرئاسي من توجه ليبيا نحو سيناريوهات مؤلمة في حال عدم حصول ذلك الاتفاق، إذ ستزيد الأوضاع سوءاً في ظل منع الليبيين من تجديد الشرعيات لمؤسساتهم الوطنية.