Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأزمة المناخية مسؤولة عن الحرائق المندلعة حول العالم

مزيج من الحر والجفاف يؤجج اندلاع النيران في المناطق البرية

تستعر حرائق الغابات في أجزاء شاسعة من أوروبا وسط موجات حر شديدة متوقعة في عطلة نهاية هذا الأسبوع.

في المملكة المتحدة غير المستعدة وغير المعتادة على مثل هذه الأحداث، اندلعت النيران بعد تسجيل حرارة قياسية بلغت 40 درجة. وقال عمدة لندن صادق خان إن يوم الثلاثاء كان اليوم الأكثر انشغالاً بالنسبة لرجال الإطفاء في المدينة منذ الحرب العالمية الثانية.

وفي البرتغال وإسبانيا وفرنسا، غطت النيران المناطق الريفية، مما أسفر عن انتشار صور صادمة تزامناً مع إرسال رجال الإطفاء الذين هرعوا لإخماد النيران.

وحتى هذا الوقت من العام، احترق أكثر من 1.1 مليون فدان (4451 كيلومتراً مربعاً) في أرجاء أوروبا، وهو رقم يتخطى المعدل الذي سجل على مدى الأعوام الخمسة عشر الماضية والذي بلغ آنذاك 270 ألف فدان (1092 كيلومتراً مربعاً)، وحسب. وتجعل الأزمة المناخية هذه الحرائق الكثيفة أمراً مألوفاً فيما أصبح الجفاف وموجة الحر اللذين يشكلان المكونين الأساسيين لاندلاع الحرائق، أكثر كثافةً وتواتراً.

ويصح هذا الأمر بشكل أكبر حول منطقة المتوسط التي تشهد احتباساً حرارياً أسرع بنحو 20 في المئة من باقي مناطق العالم. بيد أن هذه المشكلة ليست محصورة في أوروبا وحدها. خلال العقد الأخير، توسع نطاق الحرائق وأصبحت أكثر حدة في العالم بأسره. وفي عام 2021، أتى حريق "ديكسي فاير" على أكثر من مليون فدان في شمال كاليفورنيا تاركاً ندبة حرق بحجم جزيرة رودوس اليونانية.

واحترق أكثر من 7 ملايين فدان (28328 كيلومتراً مربعاً) في إندونيسيا عام 2019 ما أدى إلى تفشي مشكلات تنفسية لدى مئات آلاف الأشخاص. وفي ذلك العام نفسه، اندلعت حرائق الغابات في أستراليا، ما أدى إلى مقتل مئات الأشخاص وتدمير عشرات ملايين الفدادين من الأراضي. وقدر عدد الحيوانات التي نفقت أو هجرت من مساكنها في الطبيعة المدمرة بنحو 3 مليارات حيوان.

وفيما شكلت الحرائق أمراً غير استثنائي في بعض المناطق على مر آلاف السنين، بيد أنها أصبحت اليوم تندلع بحجم وحدة غير مسبوقين في أجزاء جديدة من العالم مع تفاقم الأزمة المناخية وازديادها سوءاً.

وتستمر حرارة الكوكب بالارتفاع بسبب الانبعاثات التي ينتجها حرق الوقود الأحفوري بشكل أساسي. ويترافق هذا الاحترار مع موجات حر وجفاف أكثر تواتراً وهي مزيج مثالي من الظروف المواتية لاندلاع حرائق الغابات بحسب الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA).

ويشكل استمرار الجفاف على فترات طويلة عنصراً خطيراً لاندلاع الحرائق. فالمزروعات الجافة كالأعشاب وأوراق الأشجار المتساقطة تشتعل بسرعة وكثافة وتكون بمثابة مادة قابلة للاشتعال تحول الشرارات أو الحريق الصغير إلى نيران مستعرة هائلة.

وفي هذا الإطار، لا تشكل الحرائق خطراً على الممتلكات والبنى التحتية وحسب، بل بوسعها أيضاً أن تسبب آثاراً صحية خطيرة، إذ تطلق النيران كميات كبيرة من التلوث في الهواء بما في ذلك جزيئات PM2.5 [جزيئات في الهواء يبلغ قطرها أقل من 2.5 ميكرومتر] وهي جسيمات مجهرية بوسعها أن تستقر في أعماق الرئتين كما توضح وكالة حماية البيئة الأميركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما تشكل الحرائق خطراً حتى على الذين يقطنون خارج محيطها المباشر. النيران الضارية في العام 2020 في شمال كاليفورنيا لم تؤد إلى تشكيل سحابة داكنة في سماء سان فرانسيسكو شبيهة بلون الغبار البرتقالي كما في سلسلة أفلام "بلايد رانر" وحسب، بل تسببت أيضاً في تراجع نوعية الهواء في مناطق بعيدة وصلت إلى مدينة نيويورك.     

وتتسبب حرائق الغابات بسلسلة من الأضرار البيئية، إذ تأتي النيران على مساحات من المزروعات وتخل باستقرار التربة مما يمكن أن يؤدي إلى التآكل حتى بعد إخماد النيران. وتسهم زعزعة استقرار الأراضي في زيادة خطر انهيارات التربة، وخصوصاً خلال العواصف ويمكن أن يؤدي هذا بدوره إلى تلوث المياه عندما تصب الرواسب في مياه الأنهار والبحيرات.

وفي سياق متصل، أفادت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، وهي السلطة الدولية الرائدة في علم المناخ بأن حرارة الكوكب ارتفعت بين 1.1 و1.2 درجة مئوية خلال الأعوام الـ150 الماضية ما أدى إلى مزيد من الحر والجفاف.

وأضافت الهيئة أنه في حال بلغ الاحترار درجتين، فمن شأن موجات الحر التي تحصل كل 10 سنوات أن تحدث كل عامين تقريباً والأمر نفسه ينطبق على الجفاف الذي يضرب الأرض كل 10 سنوات، إذ ستتضاعف وتيرة حدوثه في كثير من الأحيان، كما أن الحرائق ستصبح أكثر حدة وستؤدي إلى مخاطر متزايدة لاندلاع حرائق الغابات الشاملة.

وأفادت مبادرة "وورلد ويذر أتريبيوشن" [إسناد المناخ العالمي]World Weather Attribution (WWA)، وهي عبارة عن فريق من العلماء الدوليين الذين يرصدون دور الأزمة المناخية في الأحداث المتطرفة بأن الظروف المناخية التي أحاطت بحرائق الغابات عام 2019 في أستراليا كانت بغالبيتها بفعل احترار من صنع الإنسان بشكل كبير.

وفي سياق متصل، وجد تقرير للأمم المتحدة عام 2022 بأن بعض المناطق ستكون أكثر عرضة لاجتياح النيران. ومن المتوقع أن تشهد مناطق أفريقيا جنوب الصحراء والبرازيل وغرب أستراليا ارتفاعاً هائلاً في نشاط الحرائق مع ازدياد الأزمة المناخية سوءاً.

وأضاف تقرير الأمم المتحدة أنه من المتوقع أن تشهد البلدان التي لم تشهد تاريخياً حرائق غابات كبيرة تزايداً في عدد الحرائق بما في ذلك أجزاء من أوروبا الشرقية وإندونيسيا.

وأثبت غرب الولايات المتحدة أنه نقطة ساخنة لاندلاع حرائق الغابات. وما زاد المخاطر هي عملية جفاف ضخمة استمرت عقدين من الزمن وهو أمر لم يكن ممكناً لولا الأزمة المناخية المستشرية. ووجدت دراسة حديثة بأن السنوات الاثنتين والعشرين الماضية كانت الأشد جفافاً في المنطقة خلال 1200 عام كحد أدنى.

وبحسب البيانات الصادرة عن المركز الوطني الأميركي المشترك لمكافحة الحرائق (NIFC)، فإنه بين عامي 1983 و1993، أتت النيران على معدل 2.6 مليون فدان (10521 كيلومتراً مربعاً) في أنحاء الولايات المتحدة. وخلال العقد الأخير، قفز ذلك الرقم إلى نحو 7.5 مليون فدان (30351 كيلومتراً مربعاً)، أي إنه شهد ارتفاعاً بمعدل ثلاثة أضعاف.

حصل هذا الارتفاع في قسم كبير منه في غرب البلاد، وخصوصاً في كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن وأوكلاهوما. واندلعت غالبية حرائق الغابات الهائلة التي سجلت في تاريخ كاليفورنيا منذ عام 2000 فيما اندلعت أكبر ثمانية حرائق خلال السنوات الخمس الماضية.

 

وفي جانب متصل، وجد تقرير حديث بأن أكثر من نصف جميع الممتلكات في الولايات المتحدة معرضة لخطر حرائق الغابات. ويواجه 1.5 مليون منزل الخطر "الشديد"، مما يعني أنها معرضة بنسبة 26 في المئة للاحتراق خلال الثلاثين عاماً القادمة. ويواجه 8.7 مليون منزل آخر خطر الاحتراق بنسبة 6 في المئة خلال الفترة نفسها أيضاً.

ولكن فيما تشكل الأزمة المناخية العامل الدافع والقوة الكامنة خلف مزيداً من حرائق الغابات الشديدة، بيد أنها ليست العامل الوحيد.

ففي الولايات المتحدة، أدت عقود من إخماد الحرائق في بعض المناطق إلى تراكم المواد المشتعلة كالخشب والأوراق المتساقطة والتي بوسعها أن تسمح للنيران بأن تتفشى بسرعة البرق. وفي أوروبا، يعود أحد أسباب اندلاع الحرائق هذا العام بشكل كبير إلى أن عديداً من الأشخاص هجروا المناطق الريفية وسكنوا في المدن فخلت الأرياف من المراقبين وأصبحت مليئة بعوامل اندلاع الحرائق المحتملة.

وتقوم وكالات مكافحة الحرائق اليوم بإعادة إدخال ممارسات الحرق المحكوم أي الحريق "الجيد" التي لطالما استخدمتها وشجعتها مجتمعات السكان الأصليين. وفي إطار هذه الممارسة، يقوم المسؤولون بإشعال النار عن قصد في المناطق المحكمة بهدف التخلص من الأوراق والأخشاب الجافة التي تشكل وقوداً لاندلاع الحرائق، بيد أن الظروف المناخية الأكثر حراً وتبدلاً تجعل اليوم هذه الممارسة محفوفة بالمخاطر. ففي نيو مكسيكو هذا الربيع، أدت الحرائق المحكمة إلى اندلاع حريق وادي كالف/ جبل هيرميت Calf Canyon/Hermits Peak عن طريق الخطأ واحترق جرائها أكثر من 340 ألف فدان (1376 كيلومتر مربع) أي بقعة تفوق مساحة لوس أنجليس.

وفي هذا الصدد، حذرت الأمم المتحدة من أن حرائق الغابات الكبيرة والمتكررة ستخلق سلسلة من الارتدادات الخطيرة.

وتطلق الحرائق كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون في الجو وهو غاز دفيئة يؤدي إلى احترار الكوكب. ويتسبب هذا الأمر بدوره بمزيد من الاحتباس الحراري، بالتالي مزيد من موجات الحر والجفاف.

هذا المشهد مقلق بشكل خاص في القطب الشمالي حيث تخزن أراضي الخث (peatlands) والتربة الصقيعية (permafrost) كميات كبيرة من الكربون والميثان، فقد أفادت دراسة نشرت عام 2020 في مجلة "نايتشور" بأن حرائق القطب الشمالي أطلقت 244 ميغا طن من ثاني أكسيد الكربون، أي ما يعادل الكمية التي تطلقها 65 محطة توليد طاقة تعمل على احتراق الفحم.

وتشهد ألاسكا، حيث توجد منطقة كبيرة من الولاية ضمن الدائرة القطبية الشمالية، أحد أسوأ مواسم الحرائق في تاريخها، إذ احترقت أكثر من 3 ملايين فدان (12140 كيلومتراً مربعاً) منذ بداية العام الحالي وفيما اندلعت معظم تلك الحرائق في الغابات، أتى بعضها على مناطق التندرا (tundra) الباردة، حيث تقع التربة الصقيعية.

ونقلت وكالة "رويترز" أنه خلال العام الماضي، احترقت في روسيا 18 مليون فدان (72843 كيلومتراً مربعاً)، وهي مساحة تفوق 15 مرة حجم متنزه غراند كانيون الوطني في الولايات المتحدة، واندلعت غالبية تلك الحرائق في منطقة سيبيريا الباردة والغنية بالكربون.

أسهمت وكالة "أسوشييتد برس" في إعداد هذا التقرير

نُشر في "اندبندنت" بتاريخ 22 يوليو 2022

© The Independent

المزيد من بيئة