Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حكومة غزة حافظت على الأسعار فعجزت عن دفع رواتب موظفيها

مراقبون رأوا في الإجراء دليلاً على سوء تخطيط المؤسسة الرسمية

تعاني غزة أزمة مالية كبيرة وعجز عن دفع رواتب الموظفين بعد إعفاء البضائع الأساسية من الضرائب (اندبندنت عربية)

في ظل موجة الغلاء العالمية، حاولت حكومة غزة الحفاظ على أسعار المواد التموينية والمحروقات، فأعفت السلع الأساسية من الرسوم الجمركية والضرائب وأذونات الاستيراد، وتحملت زيادة أسعار غاز الطهي، للتخفيف عن السكان الذين يعانون ظروفاً اقتصادية صعبة.

واستمر هذا الإجراء نحو ثلاثة أشهر فقط، إلا أنه أثر على إيرادات الحكومة التي تعتمد بالأساس في نفقاتها على التحصيل الجمركي والضريبي، وعلى خلفية دعمها للمنتجات الأساسية، أعلنت وزارة المالية أنها تصارع أزمة مالية خانقة، ولم تعد قادرة على دفع رواتب موظفيها ولا صرف موازنات تشغيلية للوزارات العاملة في القطاع.

الحكومة العاشرة

وتعد حكومة غزة هي الحكومة الفلسطينية العاشرة التي فازت في الانتخابات التشريعية المبرمة عام 2006، وكان رئيسها آنذاك إسماعيل هنية، ونتيجة خلافات سياسية سيطرت على قطاع غزة بقوة السلاح، ما دفع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى إقالتها.

لكن هذه الحكومة بقيت تمارس مهامها في غزة، وفي أعقاب اتفاقية المصالحة الفلسطينية عام 2014 حلت نفسها على أن تتسلم حكومة الوفاق الفلسطيني زمام الأمور داخل القطاع، إلا أن ذلك لم ينجح، وبقيت غزة من دون حكومة تديرها إلى عام 2021، حتى أعادت الحكومة العاشرة تشكيل لجنة "متابعة العمل الحكومي"، وهي بمثابة حكومة غزة، وبينها وبين السلطة الفلسطينية تعاون في مجال الصحة والتعليم وملفات إعادة الإعمار، وتنتهي مهامها مباشرة عند تسلم السلطة الفلسطينية القطاع، أو إجراء انتخابات تشريعية جديدة.

على أية حال، من المفترض أن قرار إعفاء السلع الأساسية والمواد التموينية والمحروقات من الرسوم الجمركية والضرائب وأذونات الاستيراد المحصلة، جاء لصالح سكان غزة ودعمهم في مواجهة الغلاء، لكنه لم يعد كذلك، وانعكس سلباً عليهم، إذ نتيجة تبعياته باتت الحكومة غير قادرة على دفع رواتب الموظفين، وفرضت ضرائب إضافية جديدة من أجل تعويض الفترة السابقة التي لم تحصل فيها إيرادات.

يقول وكيل وزارة المالية في حكومة غزة، عوني الباشا، إنهم يعانون أزمة مالية كبيرة ومركبة، وسببها الرئيس أن الجهات الرسمية تحملت منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي الارتفاعات على أسعار السلع الأساسية، وبخاصة الوقود، حيث تكفلت الحكومة بتحملها دون أن تحمل المواطن أية زيادات.

ويضيف، "هذا الأمر أدى إلى تراكم الأزمة المالية التي تعيشها الحكومة في غزة منذ سنوات طويلة، ونتيجة ذلك باتت المؤسسة الرسمية غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الموظفين الحكوميين والوزارات العاملة".

الضرائب فقط

وفي الأساس، تعتمد حكومة غزة في نفقاتها على الإيرادات الجمركية والضرائب وأذونات الاستيراد والتصدير، إلى جانب المنح المالية الخارجية التي تصلها، وتصرفها على جانبين، الأول رواتب الموظفين الحكوميين، والثاني الموازنات التشغيلية للوزارات، لكنها أيضاً لم تتكفل كلياً بمصاريف الوزارات، إذ تساعدها السلطة الفلسطينية في تغطية تكاليف العلاج في الخارج وفاتورة الكهرباء، كما تورد لها الأدوية، إلى جانب تغطية جزء من موازنة التربية والتعليم، فضلاً عن دفعها رواتب موظفيها في غزة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولم تفصح حكومة غزة في أي وقت مضى عن إيراداتها ولا موازنتها المالية السنوية، كما أنها لم تكشف عن قيمة فاتورة رواتب موظفيها، إلا أن رئيس مكتب الإعلام الحكومي سلامة معروف قال إن إيرادات المؤسسة الرسمية في أي شهر تتراوح بين 20 و25 مليون دولار أميركي ولا تتجاوزها.

وبالعودة إلى الباشا، فإنه يقر بأن الدعم الذي قدمته الحكومة في غزة وكان بقيمة أكثر من أربعة ملايين دولار للمحروقات فقط، أثر على قدرتها في توفير الفاتورة اللازمة لدفع الرواتب والموازنات التشغيلية للوزارات المختلفة، حيث اضطرت وزارة المالية للاستدانة من البنوك للوفاء بالتزاماتها.

عجز عن دفع الرواتب

ولا ينفي الباشا أن حكومة غزة باتت عاجزة عن دفع رواتب موظفيها، لكنه يشير إلى أن ذلك لا يعني أنها لن تدفع لهم مطلقاً، بل ما يتم الحديث عنه قد يكون في شأن تخفيض نسبة صرف الرواتب نتيجة لانخفاض الإيرادات.

وبحسب بيانات حكومة غزة لعام 2015، فإن عدد الموظفين فيها يفوق 50 ألفاً (الشقان المدني والعسكري)، يضاف إلى جانبهم نحو 10 آلاف على بند التشغيل المؤقت، ومن بين الإجمالي هناك نحو ألفين يشغلون مناصب عليا، وجميعهم يتلقون ما نسبته 60 في المئة من رواتبهم، والأموال المتبقية تضيفها وزارة المالية كرقم (ليست عملية نقدية) على بياناتها المحوسبة كمستحقات لهم.

ومنذ عام 2013، لم يتلقَ هؤلاء الموظفون الحكوميون رواتب كاملة، بل تخصم عليهم حكومة غزة أموالاً، وتقول إنها مدرجة لهم، وبالعادة يتلقون شهرياً نسباً مختلفة أدناها 550 دولاراً، أي الحد الأدنى للأجور.

وتشير المعلومات الواردة إلى أن إجمالي مستحقات الموظفين المتراكمة على حكومة غزة تزيد على ملياري دولار أميركي، ومن الصعب توفيرها، سواء عن طريق الجباية الداخلية أو المنح الخارجية.

أزمة الموظفين

فعلياً، يعد ملف الموظفين الحكوميين الذين عينتهم حكومة غزة، أكثر الملفات الشائكة، وكان حجر عثرة في جميع اتفاقيات المصالحة السابقة، بخاصة أن السلطة الفلسطينية لم تدمجهم حتى اللحظة في السلم الحكومي الوظيفي التابع لها، كونها إذا فعلت ذلك عليها تحمل دفع رواتبهم ومستحقاتهم المالية المتراكمة على السلطات التي تحكم غزة.

لكن عدم دمجهم لا يعني أن السلطة الفلسطينية لم تعترف بهم رسمياً، إذ أقرت في اتفاقية المصالحة الوطنية في القاهرة عام 2017 بشرعيتهم، واتفقت حركتا "فتح" و"حماس" على دمج عدد من الموظفين في السلك الحكومي، لكن دون تطبيق ذلك، وهذا يعني أنه ملفهم المالي ما زال تابعاً لوزارة المالية في حكومة غزة.

ووفقاً للتوقعات، فإن هؤلاء الموظفين أول من يتأثر في أزمة حكومة غزة المالية، ومن المقرر أن تنخفض نسبة دفع رواتبهم إلى 40 في المئة بدلاً من 60 في المئة، وإلى جانب ذلك فإن وزارة المالية قد توقف صرف الموازنة التشغيلية للوزارات العاملة أيضاً.

سوء إدارة اقتصادية

يقول الباحث الاقتصادي خليل نصر، إن ما قامت به الجهات الحكومية في غزة يعد سوء إدارة اقتصادية. ويشير إلى غياب التخطيط الاستراتيجي، إذ من أجل أن تضبط أسعار المحروقات والسلع الأساسية لمدة أشهر مؤقتة سببت أزمة اقتصادية كبيرة عند تخفيض قيمة رواتب موظفيها.

ويضيف، "عندما تنخفض رواتب 50 ألف موظف، يتأثر اقتصاد القطاع بأكمله، وللأسف لم تنجح إجراءات حكومة غزة في ضبط الأسعار، إذ بعد شهرين ارتفعت، وفشلت في منع وصول الغلاء للقطاع، وهي تدرك أنها لا تستطيع وقف ارتفاع الأسعار على بوابة غزة، وفي إجراء وقف الجباية تضررت الحكومة والموظفين".

ويتساءل، "من إعفاء شهرين أو ثلاثة تأزمت الحكومة، وخفضت رواتب، وهي من المفترض أن تُعفي جميع البضائع للأبد، كونها تعرف أوضاع الناس، لكن إذا فعلت ذلك لمدة سنة كيف ستكون ظروف الموظفين"، مستدركاً، "هل حكومة غزة ليس لديها بعد نظر ودراسة لشهرين للأمام على الأقل، لتعرف إذا كان ذلك سيؤثر عليها أو لا".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير