Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس على موعد مع استفتاء حاسم حول "جمهورية جديدة"

سيصوت الناخبون على دستور يحتوي اختلافات جذرية عن ذلك الذي وضع عام 2014

إعلان لتشجيع التونسيين على المشاركة في استفتاء حول دستور جديد للبلاد (أ ف ب)

يتوجه التونسيون الاثنين 25 يوليو (تموز) إلى صناديق الاقتراع للاستفتاء حول مشروع دستور جديد يمنح صلاحيات واسعة للرئيس، ويمثل مرحلة مفصلية في تونس الديمقراطية الناشئة وسط مخاوف من "انحراف سلطوي".

وتمر تونس بأزمة سياسية حادة منذ أن قرّر الرئيس قيس سعيّد احتكار السلطات في البلاد قبل عام، ويسيّر البلاد بمراسيم، مبرّراً ذلك "بخطر داهم"، ما اعتبره معارضوه "انقلاباً على الثورة" و"تركيزاً مفرطاً للسلطات"، حسب منظمات غير حكومية.

ودعا حزب النهضة الإسلامي وأبرز المعارضين للرئيس إلى مقاطعة الاستفتاء واعتباره "مساراً غير قانوني"، بينما ترك الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر النقابات العمالية، حرية القرار لأنصاره بالمشاركة في التصويت.

ويقول الباحث يوسف الشريف لوكالة الصحافة الفرنسية، إن "أهم نقطة في هذا الاستفتاء هي نسبة المشاركة، هل ستكون هناك مشاركة ضعيفة أم ضعيفة جداً؟ لأن العديد من الأشخاص لا يعرفون حول ماذا سيستفتون، ولماذا".

ويضيف "القليل من الأشخاص يهتمون بالسياسة اليوم في تونس"، بينما شهدت الانتخابات الرئاسية التي انتُخب فيها سعيّد رئيساً للبلاد في عام 2019 إقبالا بأكثر من 72 في المئة من مجموع الأصوات، ومشاركة 58 في المئة من الناخبين.

نسبة المشاركة

وطرح سعيّد مشروع دستور في نسخة أولية، ثم قام بأكثر من 40 تعديلاً على "أخطاء تسربت"، سواء على مستوى تحرير البنود لغوياً أو لإضافة مفردات جديدة.

وسجلت هيئة الانتخابات أكثر من 9.3 مليون ناخب، ولكن من غير المؤكد أن يتوجهوا الاثنين إلى صناديق الاستفتاء التي تفتح من الساعة الخامسة بتوقيت غرينتش إلى الساعة 21:00 مساءً، للإدلاء بأصواتهم.

وسيكون يوم الاستفتاء يوم عطلة يلي عطلة نهاية الأسبوع مباشرة.

ويرى الشريف أن الذين سيقررون الذهاب لاستفتاء سيفعلون ذلك "إما لأنهم يحبون فعلاً الرئيس أو لأنهم يكرهون الذين حكموا البلاد منذ عام 2011، ولكن عددهم بضع مئات الآلاف".

وقال خبراء إن نسبة المشاركة ستكون ضعيفة على الأرجح، نظراً للمسار المثير للجدل خلال إعداد مسودة الدستور الجديد.

ويؤكد الكاتب والباحث السياسي حمادي الرديسي هذا الرأي، قائلاً "خلافاً لعام 2014، لم يكن هناك نقاش عام حول مشروع الدستور". فضلاً عن ذلك، يرى رديسي أن مشروع الدستور الذي طرحه سعيّد "بعيد بسنوات ضوئية عن المشروع العلماني والديمقراطي" الذي أعدته اللجنة القانونية المكلفة.

مخاوف من "انحراف سلطوي"

كما يثير مشروع الدستور الجديد مخاوف لدى الخبراء من تأسيسه نظاماً رئاسياً ينهي النظام البرلماني الذي جاء به دستور ما بعد ثورة 2011 في تونس، التي اعتبرت المثال الناجح في المنطقة في ما أطلق عليه بـ"الربيع العربي".

ويشدد الرديسي على أن هناك "انحرافاً سلطوياً، لأن كل السلطات ستكون بين أيدي الرئيس الذي يعين رئيس الحكومة والوزراء، والسلطة التنفيذية ليست في حاجة إلى تصديق البرلمان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهذا الانحراف قائم حسب خبراء آخرين، ولكن لن يحدث فوراً.

وغيّرت مؤسسات دولية على غرار "فريديم هاوس" و"ذي إيكونميست" تصنيفها لتونس أخيراً من دولة "حرّة" إلى دولة "حرّة جزئياً"، حسب يوسف الشريف الذي يؤكد أن "الناس بإمكانهم التعبير بكل حرية والذهاب للانتخاب ورفض (الاستفتاء) من دون أن يتم سجنهم، وهذا يبين أننا لسنا أمام الصورة التقليدية للديكتاتورية".

ويضيف أن السؤال المطروح في هذا السياق هو ماذا بعد قيس سعيّد، مشيراً إلى أن "هذا الدستور يمكن أن ينتج نظاماً سلطوياً سيكون شبيهاً بما كان عليه الحال قبل عام 2011".

الباحثة في مركز ألماني إليزابيت فيرينفيلز قالت من جهتها إنه غداة الاستفتاء على الرئيس قيس سعيّد "إيجاد مصالحة بين نظامه القائم على الرجل القوي ووعوده بالحفاظ على الحريات"، موضحةً أن لديها مخاوف حول "كيف سيتعامل مع الأشخاص الذين ينتقدونه".

مضمون الدستور

ويتمثل التغيير الكبير الذي حصل في الدستور المقترح للتصويت، في إقرار واضح لنظام رئاسي، إذ توسعت صلاحيات الرئيس لتشمل إضافةً للدفاع والخارجية التي منحه إياها دستور 2014، اختصاصات تعيين الحكومة والقضاة وتقليص النفوذ السابق للبرلمان.

وأصبح لرئيس الجمهورية حق تعيين رئيس الحكومة وبقية أعضائها باقتراح من رئيس الحكومة، كما يُخوّل له الدستور إقالتها من دون أن يكون للبرلمان دور في ذلك.

كما أن للرئيس، القائد الأعلى للقوات المسلحة، صلاحيات ضبط السياسة العامة للدولة وتحديد اختياراتها الأساسية، ولمشاريعه القانونية "أولوية النظر" من قبل نواب البرلمان.

فضلاً عن ذلك، انقسمت الوظيفة التشريعية بين "مجلس نواب الشعب" الذي ينتخب نوابه باقتراع مباشر لمدة خمس سنوات، و"المجلس الوطني للجهات" ويضم ممثلين منتخبين عن كل منطقة على أن يصدر لاحقاً قانون يحدد مهامه.

إلى ذلك، يقبل الرئيس استقالة الحكومة إثر تقديم لائحة لوم مُصادق عليها بغالبية الثلثين لمجلسين مجتمعين، وهذا من الصعب تحقيقه ويفسح له المجال ليكون المقرر الأول لمصير أي حكومة.

ولم يتضمن الدستور بنوداً لإقالة الرئيس خلافاً لما جاء في دستور عام 2014، وفي المقابل يُمنح له الحق في حل البرلمان والمجلس الوطني للجهات.

ويعين الرئيس القضاة إثر تقديم ترشحاتهم من قبل المجلس الأعلى للقضاء، في ما اعتبره قضاة "تدخلاً في استقلالية القضاء".

وحافظ الدستور الجديد على "حرية المعتقد والضمير" التي نص عليها دستور 2014، أما الفصل 55 منه فينص على أن "لا توضَع قيود على الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور إلا بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها نظام ديمقراطي وبهدف حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العام أو الدفاع الوطني أو الصحة العمومية"، واعتبرت أحزاب أن هذا الفصل يُتيح للسلطات مجالاً كبيراً للحد من الحريات من دون رقابة.

وضع اقتصادي مأزوم

وأمام الرئيس وضع اقتصادي واجتماعي متأزم في البلاد ومهمّة شاقة لإيجاد الحلول لذلك، خصوصاً بعد ارتفاع نسبة البطالة والتضخم وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين التي زادت الحرب الروسية الأوكرانية من تراجعها.

والثلاثاء، أعلن صندوق النقد الدولي أن بعثة من خبرائه اختتمت زيارة إلى تونس في إطار مفاوضات تجريها المؤسسة المالية الدولية مع البلد المأزوم لمنحه برنامج مساعدات، مشيراً إلى أن المحادثات بين الجانبين حقّقت "تقدماً جيداً".

وتتمحور المفاوضات بين تونس وصندوق النقد حول برنامج الإصلاحات الذي تقترحه الحكومة برئاسة نجلاء بودن، ويشترط الصندوق أن يترافق القرض مع تنفيذ إصلاحات جذرية.

ويقدّر خبراء أن يبلغ حجم القرض نحو ملياري يورو (ملياري دولار)، كما يرى خبراء أن الإصلاحات التي ستقوم بها تونس ستثقل من كاهل المواطنين أكثر فأكثر، خصوصاً في ما يتعلق بمراجعة سياسة دعم المواد الأساسية.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات