Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يصعب على ألمانيا التحرر من الاعتماد على الغاز الروسي؟

أثار مشروع "نورد ستريم 2" توتراً بين برلين وشركائها الأوروبيين والولايات المتحدة الذين اعتبروا أنه يمنح بوتين ورقة ضغط محفوفة بالمخاطر

استئناف إمدادات الغاز من روسيا عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1" بعد أيام من الترقب  بسبب أعمال صيانة (أ ف ب)

تنفست ألمانيا ودول أوروبية أخرى الخميس 21 يوليو (تموز) الصعداء مع استئناف إمدادات الغاز من روسيا عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1"، بعد عشرة أيام من الترقب والتوتر بسبب أعمال صيانة.

وعلى الرغم من أن الصيانة كانت مبرمجة سابقاً، لكن الترقب كان يعود للخشية من امتناع روسيا عن معاودة ضخ الغاز كخطوة ضغط في سياق التجاذب بينها والغرب بسبب الهجوم على أوكرانيا.

لكن كيف أصبحت ألمانيا، القوة الاقتصادية الأكبر في أوروبا، رهينة فتح روسيا صنابير أنابيب الغاز؟

"العرض الأوفر"

في ذروة الحرب الباردة، بدأ الاتحاد السوفياتي شراء الأنابيب من ألمانيا لبناء خطوط مخصصة لنقل النفط والغاز تتيح له الاستفادة من احتياطاته الهائلة في مجال الطاقة.

لكن إدارة الرئيس الأميركي جون كينيدي، القلقة من نمو القدرة السوفياتية في مجال الطاقة، تمكنت من حظر صادرات الأنابيب الألمانية.

بعد رفع العقوبات عام 1966، وقّع البلدان اتفاقاً تاريخياً لـ"الأنابيب مقابل الغاز"، حصل بموجبه الاتحاد السوفياتي على أنابيب من الفولاذ لقاء توفير الغاز لألمانيا.

في 1973، تلقت ألمانيا الغربية شحناتها الأولى من النفط الخام من سيبيريا. وعند سقوط جدار برلين (1989)، كان الاتحاد السوفياتي مصدراً لنحو نصف واردات ألمانيا الغربية من الغاز.

تمكنت ألمانيا من شراء الغاز الروسي بأسعار أشبه ما تكون بالتشجيعية، ما شكل دفعاً قوياً لقطاعها الصناعي.

مع تحرير أسواق الغاز والكهرباء الأوروبية في مطلع أعوام الألفين، بدأت شركات الطاقة البحث عن "العرض الأوفر، وكان ذلك الغاز الطبيعي الروسي"، وفق سيغمار غابريال الذي كان وزيراً للاقتصاد في عهد المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل.

"نورد ستريم 2"

كان غابريال من شخصيات الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إضافة الى المستشار السابق غيرهارد شرودر، الذين دفعوا إلى تطوير العلاقات التجارية مع روسيا. وواصلت ميركل هذه السياسة عندما خلفت شرودر في المستشارية عام 2005.

في حوار صحافي أجرته بعد اعتزالها السياسة في 2021، دافعت ميركل عن هذا التوجه، معتبرة أن العلاقات التجارية الوثيقة مع موسكو كانت تصب "لصالح" برلين.

وتعززت شبكة اعتماد ألمانيا على الغاز الروسي على مدى العقود. ففي 1994، بدأت أعمال بناء خط أنابيب يامال الذي يعبر بولندا وبيلاروس، وفي 2011 بدأ العمل بـ"نورد ستريم 1" الذي يمر أسفل بحر البلطيق.

عام دخول "نورد ستريم 1" الخدمة، قررت ألمانيا العمل تدريجاً على التخلي عن الطاقة النووية إثر حادثة محطة فوكوشيما اليابانية. كما تعهدت بعد ذلك خفض الاعتماد على الفحم الحجري وتعزيز الطاقة المتجددة.

وكانت برلين تأمل في أن يعوض الغاز، انخفاض موارد مصادر الطاقة الأخرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذا الإطار، قررت حكومة ميركل عام 2015 إطلاق مشروع "نورد ستريم 2" مع روسيا، وهو خط أنابيب موازٍ للأول يتيح مضاعفة واردات الغاز.

أثار المشروع توتراً بين ألمانيا وشركائها الأوروبيين والولايات المتحدة الذين اعتبروا أنه يمنح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورقة ضغط محفوفة بالمخاطر.

بعد أعوام من أعمال البناء واستثمارات بمبالغ ضخمة، قررت ألمانيا تجميد المشروع مع إعلان المستشار الحالي أولاف شولتز "تعليق" المصادقة على تشغيله قبل يومين من إطلاق روسيا الحرب على أوكرانيا.

ألمانيا أخطأت الحساب؟

بقي الاعتماد على واردات الطاقة الروسية قائماً على الرغم من ذلك، ما جعل يدَي ألمانيا مقيدتين في النزاع في أوكرانيا، واحتفظت روسيا بمصدر لعائدات قد تستخدم لتمويل الحرب.

ويعتبر بن ماك وليامس، المحلل المتخصص في شؤون الطاقة في معهد "بروغل" أن ألمانيا أخطأت الحساب.

ويقول "يتضح بشكل جلي أن ثمة رهاناً كان قائماً: إذا حصلنا على كمية كبيرة من الطاقة الروسية، يمكننا بالتالي السيطرة على روسيا، وسيكون أمام موسكو كثير لتخسره إذا أزعجت ألمانيا أو عادتها، ولذلك لن تقوم" بقطع الإمدادات عنها.

ويضيف لوكالة الصحافة الفرنسية: "كان هذا هو الرهان، وكان (رهاناً) خاطئاً".

وتقول برلين إن شركة "غازبروم" الروسية العملاقة للطاقة، بدأت منذ يونيو (حزيران) بتقييد الإمدادات، ما يمنع ألمانيا من تجديد احتياطاتها من المادة الحيوية قبل بدء موسم البرد.

مأزق اقتصادي ودبلوماسي

وقعت ألمانيا في مأزق اقتصادي ودبلوماسي عرّضها لسيل من الانتقادات التي راوحت بين اعتبارها ساذجة، وصولاً إلى اعتبارها ضحية جشعها.

ورأى رولف مارتن شميتس، الرئيس السابق لشركة "آر دبليو إي" الألمانية العملاقة للطاقة في تصريحات لمجلة "دير شبيغل" أن "الاعتماد على روسيا في مجال الطاقة كان خطوة عقلانية... الجميع استفاد".

وتدارك "لكن الخطة لم تكُن تلحظ مستبداً مثل بوتين".

من جهته، اعتبر روبرت هابيك، وزير الاقتصاد في حكومة شولتز التي تولت مهماتها في ديسمبر (كانون الأول) أن ألمانيا اضطرت إلى تعلّم درس قاسٍ.

وقال "يجب ألا نضع البيض كله في سلة واحدة".

وبحسب تقديراتها، لن تتمكن الحكومة قبل منتصف 2024 من التحرر من الاعتماد على الغاز الروسي الذي لا يزال يشكل 35 في المئة من الواردات.

المزيد من اقتصاد