Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا ستعالج أزمة شحن الحبوب الأوكرانية من خلال إسطنبول؟

حاجة العالم إلى الغذاء وعلاقات أنقرة الجيدة مع البلدين المتحاربين شكلت مفاتيح للحل

أغلقت موانئ أوكرانيا على البحر الأسود منذ بدء الحرب في 24 فبراير الماضي (رويترز)

على الرغم من محاولاتها الحثيثة، لم تستطع أنقرة القيام بدور الوسيط في الحرب الروسية- الأوكرانية، بسبب معارضة موسكو. ومع ذلك، لعبت تركيا دوراً جاداً في بعض الملفات مثل عملية حل أزمة الحبوب لأنها كانت واحدة من الدول التي يمكن أن يجتمع فيها البلدان بشكل مريح. وبالتالي فإن "أزمة الحبوب" التي تفشت في العالم بسبب هذه الحرب فتحت فرصة جديدة أمام أنقرة.

وكما تعلمون، كانت المفاوضات مستمرة لحل المشكلة المستمرة منذ أشهر بشأن صادرات الحبوب، في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسرعة في العالم ومواجهة ملايين الناس خطر المجاعة، وذلك بسبب أن أوكرانيا التي هي من أكبر منتجي الحبوب في العالم، لم تتمكن من إيصال حبوبها إلى الأسواق العالمية، ما تسبب بأزمة غذائية في كل أنحاء العالم.
وفي هذا السياق، انعقد، الأسبوع الماضي، اجتماع رباعي في إسطنبول ضم وفوداً من أنقرة وموسكو وكييف ومسؤولين من الأمم المتحدة لحل أزمة الحبوب الأوكرانية. وجاء في البيان المشترك الذي صدر في نهاية الاجتماع، أنه تم الاتفاق على "القضايا الفنية الأساسية مثل عمليات التفتيش المشتركة بين روسيا وأوكرانيا عند نقاط الخروج والوصول إلى الميناء وضمان السلامة الملاحية على طرق النقل".

وبالفعل كانت هذه خطوة كبيرة في سبيل حل الأزمة، ومن الآن فصاعداً، سيتم تنظيم حل أزمة الحبوب وشحنها من إسطنبول، من خلال الهيئة التي تم إنشاؤها بمشاركة جميع الأطراف. مما يعني أن الأهمية الجيوسياسية لتركيا في حل أزمة الغذاء العالمية قد ازدادت أكثر في هذه المرحلة، بسبب ما تتمتع به من ميزة العلاقة المباشرة مع هذين البلدين المتحاربَين.

ومن خلال التخطيط لفتح هذا الممر الآمن عبر تركيا، فمن المحتمل جداً أن يتم تحقيق هدف وصول ملايين الأطنان من الحبوب إلى الأسواق المستهدَفة في أقرب وقت ممكن مما يمنع تفشي أزمة الغذاء العالمية.

بطبيعة الحال، ستحصل موسكو، في المقابل، على ضمانات برفع بعض العقوبات الغربية.

إن ريادة إسطنبول وأهميتها في أزمة الحبوب لا ترتبط فقط بموقعها الاستراتيجي، كما أنه ليس نتيجة لنجاح العلاقات الخارجية الدولية لحكومة حزب العدالة والتنمية، بل إن حاجة العالم الملحّة إلى هذه الحبوب هي التي دفعت بإسطنبول إلى الواجهة.

وأود هنا أن ألقي مزيداً من الضوء على أزمة الحبوب بإيجاز: في الحرب الروسية- الأوكرانية التي تركت بصمة قوية على عام 2022، لجأ الطرفان إلى اتخاذ خطوات استراتيجية مختلفة، من بينها قيام البحرية الروسية بمنع صادرات الحبوب من أوكرانيا.

وأغلقت موانئ أوكرانيا على البحر الأسود منذ بدء الحرب في 24 فبراير (شباط) الماضي، حيث يتم تخزين أكثر من 20 مليون طن من الحبوب في الصوامع.

ولم تنحصر تأثيرات هذا الوضع على الدولتين المتحاربتين فقط، بل أثرت على العالم كله، لأن روسيا وأوكرانيا كانتا توفران حوالى ثلث إمدادات القمح العالمية، وبالتالي فإن منع تصدير القمح من أوكرانيا أثر بشكل ملحوظ في تفاقم أزمة الغذاء العالمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في مقابل التحرك الروسي، حاول الناتو تشكيل "تحالف الراغبين" لفتح الطريق البحري، ولكن عندما لم تتجاوب موسكو مع الناتو مباشرة تدخلت تركيا. وبالفعل وافقت كل من روسيا والناتو وأوكرانيا على هذا الوضع.

وبقطع النظر عن ملف شحن الحبوب بشكل خاص، تحظى إسطنبول بأهمية خاصة من حيث إطلالها على البحر الأسود.

وكما هو معلوم، فقد تمكنت أوكرانيا إلى حد كبير من وقف الهجوم الروسي في شرق البلاد، لكنها لم تستطع كسر الحصار البحري الروسي في البحر الأسود، لأن كييف لا تملك قوة بحرية كبيرة، وفرصها ضئيلة للغاية لكسر الحصار في المستقبل القريب. فأرادت موسكو أيضاً إلحاق ضرر دائم بالاقتصاد الأوكراني بشكل عام من خلال الحصار.

وقبل الحرب، كانت أوكرانيا تصدر جزءاً كبيراً من منتجاتها، وبخاصة الحبوب والمنتجات الزراعية الأخرى عبر البحر الأسود، وقد جعل ذلك البحر الأسود ساحة معركة جيوسياسية بالغة الأهمية.

وكانت أوكرانيا قبل بدء الحرب ثاني أكبر مصدر للحبوب في العالم بعد الولايات المتحدة بـ60 مليون طن، حيث كانت تصدر حوالى 75 في المئة من محاصيل الحبوب المزروعة في البلاد.

ويمثل هذا المعدل حوالى 20 في المئة من عائدات الصادرات الأوكرانية.

وكان حوالى 90 في المئة من صادرات الحبوب والبذور الزيتية تُصدر عن طريق البحر.

وحالياً، تم قطع جميع صادرات أوكرانيا عبر البحر الأسود بسبب الحصار الروسي. ولذلك يبقى مضيق البوسفور البوابة الوحيدة التي يمكن أن تستخدمها أوكرانيا في طريقها إلى البحر الأسود.
من ناحية أخرى، ستحصل تركيا أيضاً على خصم بنسبة 25 في المئة على مشتريات الحبوب من كييف مقابل اضطلاعها بدور المنظم والوسيط لتصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية.

لذلك أستطيع أن أقول إن أنقرة حققت مكاسب سياسية واستراتيجية وتجارية، حيث قامت بدور فاعل في حل أزمة الحبوب.
دعونا نرى كيف سيستخدم الرئيس رجب طيب أردوغان ذلك في السياسة الداخلية.

المزيد من تحلیل